الرئيسة \  تقارير  \  كيف أفضت إيديولوجية البعث إلى تهميش الدروز في سوريا؟

كيف أفضت إيديولوجية البعث إلى تهميش الدروز في سوريا؟

12.08.2024
نورس عزيز



كيف أفضت إيديولوجية البعث إلى تهميش الدروز في سوريا؟
نورس عزيز
نون بوست
الاحد 11/8/2024
على مدى العقود الماضية، واجه دروز سوريا تحديات كبيرة على المستويين السياسي والاجتماعي، ويمكن تقسيم هذه التحديات إلى مرحلتين رئيسيتين، المرحلة الأولى كانت بعد الاستقلال عن فرنسا، حيث شهدت سوريا سلسلة من الانقلابات العسكرية التي أثرت بشكل كبير على الاستقرار السياسي في البلاد.
أما المرحلة الثانية، بدأت بوصول حزب البعث إلى السلطة في سوريا واستلام حافظ الأسد زمام الأمور، مما أضاف أبعاداً جديدة للتحديات التي واجهها الدروز، سواء من حيث التكيف مع النظام السياسي الجديد أو المحافظة على هويتهم وثقافتهم.
الدروز وعهد الانقلابات
بعد استقلال سوريا عن الفرنسيين في 1946، ظهرت توجهات مختلفة في مجتمع الدروز السوري، منها ما هو سياسي تمثل في نمو تيارات يسارية وطنية قومية تستمد قوتها من النتائج التي حققتها الثورة السورية الكبرى في 1925، ومنها ما هو اقتصادي اجتماعي محلي تمثل في انتفاضة العامية الثانية، أو ما يُعرف بـ”صراع الشعبية والطرشان” عام 1947، وهي انتفاضة قام بها عدد كبير من عائلات الجبل المتوسطة والفقيرة ضد عائلة الأطرش الحاكمة والعائلات المساندة لها نتيجة الإقطاعات والتعامل السيئ من بعض الوجهاء وأسباب أخرى سياسية يطول شرحها، وهو ما خلف قتلى وجرحى من الطرفين.
ظهور مثل هذه الأحداث الدموية في المجتمع السوري بعد رحيل سلطات الاستعمار الفرنسي، وضعت الحكومة السورية الجديدة أمام تحدٍ كبير وفترة من عدم الاستقرار، أدت إلى الانقلابات العسكرية.
لم يكن دور الدروز السياسي كبيرًا في حكومات ما بعد الاستقلال وقبل انقلاب البعث 1963، فلم يستلموا أي حقائب وزارية سيادية، وشهدت علاقتهم مع السلطة توترًا في ظل الانقلابات العسكرية، التي لعبوا فيها دورًا بارزًا في إسقاطها. ومن أسباب زيادة التوتر هو العداء من قبل العسكريين الانقلابيين ضد جبل الدروز بعد توجيه الاتهامات لهم.
وشهدت فترة رئاسة حسني الزعيم توترًا مع الدروز، فاتهمهم بمناصرة حزب الشعب السوري والهاشميين في الأردن، وأرسل تعزيزات عسكرية إلى جبل الدروز وهدد سكانه، ما دفع بالضابط الدرزي، فضل الله أبو منصور، الذي كان على رأس كتيبة مصفحات اللواء الأول السوري والمرابط على الجبهة مع “إسرائيل” والقريب من العاصمة دمشق، بالتحرك تجاه العاصمة، وكان من الذين أسهموا في إسقاط حكم الزعيم واعتقاله في قصره بأوامر من القيادة الجديدة برئاسة سامي الحناوي.
وشارك الضابط الدرزي العقيد أمين أبو عساف في التخطيط والتنفيذ للانقلاب ضد الزعيم، قبل مشاركته إلى جانب أبو منصور لاحقًا في الانقلاب ضد الحناوي في انقلاب أديب الشيشكلي، الذي أبعدهما بعد استلامه، أسوة ببقية الضباط الذين كان يخشى عدم ولائهم.
وخلال فترة انقلاب الشيشكلي الثانية 1951، تأزمت العلاقة مع الدروز بسبب تخوفه من مؤامرة ضد حكمه في سوريا حيث كان يقول: إن “أعدائي يشبهون الأفعى، رأسها جبل الدروز ومعدتها حمص وذيلها حلب، فإذا سحقت الرأس ماتت الأفعى”، لذلك استخدم في قيادة أركانه اللواء شوكت شقير (درزي لبناني)، في خطوة فسر البعض غايتها بإبعاد شبهة الطائفية عن هجومه على الدروز، رغم اعتراض الكثير من الضباط على وجوده في القيادة.
في عام 1953، وبعد إصدار الأوامر من الشيشكلي بالدخول إلى السويداء واعتقال أبرز شخصيات عائلة الأطرش، اقتحم الجيش المنطقة بعشرة آلاف جندي مدعومين بالمدرعات، وتخلل الهجوم أعمال عنف ضد الدروز وإهانة بعض الشيوخ والنساء إلى جانب قتل واعتقال عدد من الرجالات البارزين، كما اقتحمت القوات بلدة “القريّا” بريف السويداء، وهي معقل سلطان باشا الأطرش، القائد العام للثورة السورية الكبرى، بهدف اعتقاله. لكنه اختار عدم المواجهة وغادر مع بعض رجالاته إلى الأردن.
لاحقًا، نجح مجموعة من الضباط السوريين بإيقاف عهد الشيشكلي من خلال انقلاب جديد أوقف الحكم العسكري للبلاد، وكان من بينهم العقيد الدرزي أمين أبو عساف الذي كان حينها قائد اللواء الثالث في دير الزور.
عهد البعث وانقلاب الأسد
تبنى حزب البعث في مرحلته الأولى إيديولوجيا ترتكز على تمكين المبادئ القومية محل الولاءات الطائفية والإقليمية والعشائرية. هذا التوجه لقي استحسانًا كبيرًا من بعض التيارات الوطنية داخل السويداء التي كانت تسعى لذلك، مما ساهم في نمو الحزب بشكل ملحوظ في جبل الدروز مقارنةً ببقية المناطق، كانت هذه المبادئ تجذب أبناء الأقليات للخروج من الإطار الاجتماعي الضيق والانخراط في الإطار الوطني الأوسع، ومع ذلك، وعلى الرغم من هذه الشعارات القومية الرفيعة، فإن حزب البعث نفسه نشأ وتطور من خلال قنوات اجتماعية تقليدية.
في 1963 استطاعت اللجنة العسكرية في حزب البعث الانقلاب على الرئيس ناظم القدسي والسيطرة على الحكم. هذا الانقلاب كان علامة تحول كاملة في مسيرة الحزب، فانتقل من مرحلة البناء الوطني إلى مرحلة تعزيز النزعات الطائفية والمناطقية والعشائرية، حيث تكونت اللجنة العسكرية من 14 عضوًا منهم 5 أعضاء من الطائفة العلوية، وهو ما شجعهم على استقطاب أشخاص يضمنون ولاءهم من خلال العلاقات العشائرية والمناطقية والعائلية.
سيطر ثلاثة ضباط علويين على قيادة اللجنة العسكرية هم: حافظ الأسد وصلاح جديد ومحمد عمران، فأخذ جديد منصب رئيس الأركان بين عامي 1963-1965 واستلم حافظ الأسد القوات الجوية السورية بينما أصبح محمد عمران قائد اللواء 70 المدرع.
مع انقلاب البعث على السلطة لم يكن هناك أي بوادر عدائية تجاه الدروز في الحزب أو في الجيش، بل على العكس، حصل الدروز لأول مرة على حقيبة وزارية سيادية بعد الاستقلال وهي وزارة الدفاع (حمد عبيد)، بالإضافة إلى منصب نائب رئيس الجمهورية (شبلي العيسمي)، ومنصب عضو في المجلس الرئاسي الخماسي (منصور الأطرش) برئاسة أمين الحافظ.
بعد انقلاب 23 فبراير/شباط 1966 الذي قاده صلاح جديد وحافظ الأسد، نشأ صراع كبير بين الدروز وسلطة البعث ما أدى إلى بروز عدة أسماء درزية كانت هي محور هذا الصراع وكانت جزءًا منه بشكل أو بآخر. ونظرًا لوجود العديد من الشخصيات العسكرية والسياسية الدرزية التي خاضت الصراع سنكتفي في هذا التقرير بذكر ثلاث شخصيات من كل جناح.
ينحدر الضابط الدرزي سليم حاطوم من قرية ذيبين في ريف السويداء الجنوبي، وكان مسؤولًا عن كتيبة الصاعقة التي تحمي القصر الجمهوري في بداية ستينيات القرن الماضي، وانضم إلى اللجنة العسكرية السرية لحزب البعث التي استطاعت الانقلاب على الرئيس ناظم القدسي، ورغم دوره الفعال في نجاح الانقلاب، لم يحصل على أي منصب سيادي عسكري.
وتوترت العلاقة بين حاطوم وجديد بسبب اعتباره أنه المسؤول عن تهميشه وإبعاده، فاقتحم الضابط الدرزي في أبريل/نيسان 1965 منزل صلاح جديد وهدده بالمسدس ليقدم استقالته من رئاسة الأركان، وهو ما قام به جديد بالفعل، لكن الرئيس أمين الحافظ رفض تلك الاستقالة.
تزايد الخطاب الطائفي داخل القيادات القومية والقطرية في حزب البعث، مما أدى إلى تشكيل معسكر سني مقابل معسكر أقليات، وانتشرت حالة من عدم الثقة بين جميع الضباط، مما ساهم في تنفيذ انقلاب 23 فبراير/شباط 1966 بقيادة صلاح جديد وحافظ الأسد ضد أمين الحافظ.
ولعب الضابط حاطوم دورًا بارزًا في هذا الانقلاب، حيث اقتحم منزل أمين الحافظ، وشارك في معركة دامية مع الحرس الرئاسي، وتمكن من السيطرة على مبنى الإذاعة والتلفزيون.
بعد الانقلاب وخلال المؤتمر القطري الاستثنائي لحزب البعث 1966، تم إقصاء سليم حاطوم وإبعاده عن المناصب الحساسة من قبل صلاح جديد، إلى جانب ضباط دروز آخرين، ما دفع بحاطوم إلى التفكير في تنفيذ انقلاب مضاد، عبر التواصل مع مجموعة من الضباط الدروز وحوران، أبرزهم المقدم طلال أبو عسلي، قائد القوات العسكرية السورية على الجبهة الإسرائيلية، ومصطفى الحاج علي، قائد جهاز المخابرات العسكرية، إضافة إلى اللواء فهد الشاعر، الذي كان يقود تنظيمًا عسكريًا سريًا بالتعاون مع منيف الرزاز، الأمين العام للقيادة القومية السابقة.
حصل حاطوم على تأييد حمد عبيد، وزير الدفاع الذي تم إبعاده لصالح حافظ الأسد، ونسج علاقات مع جناح مدني في السويداء، المعروفين بجماعة الشوفيين، نسبة إلى حمود الشوفي، الأمين العام لحزب البعث الذي استقال اعتراضًا على أعمال اللجنة العسكرية.
شكل سليم حاطوم تنظيمًا عسكريًا وخطط للقيام بانقلاب مضاد، قبل اكتشاف مخططه عن طريق الصدفة خلال حفلة أقامها المقدم طلال أبو عسلي للضباط، كان من بينهم بعض الضباط المؤيدين لصلاح جديد، وشهد الحفل مشادات كلامية كشفت عن وجود التنظيم السري. على إثر ذلك، تم القبض على معظم الضباط المشاركين، ولجأ حاطوم إلى السويداء.
أُبعد أغلب الضباط الدروز عن السلطة والمراكز الحساسة في قيادة الجيش بعد انكشاف المخطط، وعين بدلًا عنهم ضباط مؤيدين للأسد وجديد أغلبهم من العلويين، ما سبب قلقًا كبيرًا داخل السويداء.
ومع تهديد قيادات الحزب في السويداء بمقاطعة الانتخابات وعدم تنفيذ أي تعليمات في حال الاستمرار بتصفية الضباط، توجه كل من الرئيس السوري نور الدين الأتاسي وصلاح جديد وجميل شيا الدرزي الوحيد الذي بقي في القيادة القطرية إلى السويداء بهدف شرح أزمة الحزب للقيادات في المحافظة.
استغل حاطوم الزيارة واعتقل الأتاسي وجديد كرهائن وبدأ بمفاوضة حافظ الأسد الذي كان وزيرًا للدفاع ورئيس الوزراء يوسف الزعيّن، وقدم مجموعة طلبات للإفراج عنهم، الأمر الذي رفضه حافظ وقيادة الجيش، وتم إرسال كتيبة الصواريخ إلى السويداء وسط التهديد باقتحام وهدم المدينة بالطيران الذي حلق فوق المحافظة.
هرب حاطوم إلى الأردن وحُكم عليه غيابيًا بالإعدام، ومع انطلاق حرب 1967 ضد “إسرائيل”، صدر عفو عام عن كل الضباط في السجون، فعاد بعد تلقي وعود بتسليمه قيادة إحدى الجبهات ضد “إسرائيل”، وحين عودته تم اعتقاله وتعذيبه وتصفيته في حقل الرماية التابع لسجن المزة العسكري من خلال محكمة ميدانية برئاسة مصطفى طلاس.
ينحدر عبيد من مدينة السويداء، والتحق بالكلية الحربية عام 1949، وسجن في 1962 بعد فشل انقلاب جاسم علوان ضد عبد الكريم النحلاوي، ليتم إطلاق سراحه بعد انقلاب البعث على السلطة في 8 مارس/آذار 1963، وعين قائدًا للحرس القومي والبادية ليشارك في قمع حراك محافظة حماة بطريقة اعتبرها البعض انتقامية، ردًا على أعمال العنف التي نفذها أديب الشيشكلي في السويداء عام 1953.
في عام 1965 تولى عبيد منصب وزير الدفاع في حكومة يوسف الزعيّن، وبعد انقلاب الأسد وجديد تم تنحيته عن منصبه بحجة عدم كفاءته في العمل، وتمت مصادرة أملاكه، الأمر الذي كان سببًا في تأييده المخطط الفاشل لسليم حاطوم، ليتم عقب ذلك إبعاده بشكل كامل عن الجيش والسلطة.
من مواليد قرية بوسان في ريف السويداء الشرقي، التحق بالكلية العسكرية في حمص في أربعينيات القرن الماضي، واتبع دورة أركان حرب في الاتحاد السوفييتي وحصل على رتبة ركن وقائد جيوش، ربطته علاقات جيدة مع الرئيس المصري جمال عبد الناصر، وقاد معارك على رأس لواء اليرموك ضد قوات البرزاني في شمال العراق، والتي اعتبرها البعض غير مبررة، كونها تدخل بشؤون دولة أخرى وضد المكون الكردي تحديدًا.
في بداية 1966 رُفّع الشاعر إلى رتبة لواء وأصبح نائب القائد العام لأركان الجيش، وبعد انقلاب حافظ الأسد تعاون مع منيف الرزاز في تشكيل المكتب السري المناهض للانقلاب، واشترك مع سليم حاطوم في التخطيط للانقلاب الفاشل، ما أدى إلى اعتقاله وتعذيبه وإهانته والحكم عليه بالإعدام، لكن علاقته الجيدة بجمال عبد الناصر حالت دون تنفيذ الحكم، وأفرج عنه بعد عامين من سجنه، وبقي في قريته حتى وفاته.
من مواليد قرية متان في ريف السويداء الجنوبي، التحق بحزب البعث منذ تأسيسه وأصبح عضوًا في القيادة القطرية عام 1956، وتم انتخابه كأمين مساعد للحزب في 1964، كما تقلد خلال عمله ثلاث حقائب وزارية وهي: وزارة الزراعة ثم التربية والتعليم ولاحقًا وزارة الإرشاد الاجتماعي.
مع مطلع عام 1966 عين نائبًا للرئيس أمين الحافظ، وبعد انقلاب الأسد تم اعتقاله وسجنه، قبل أن يهرب بعدها من السجن ويتوجه في 1968 إلى العراق بعد ملاحقته أمنيًا. وشغل هناك منصب الأمين المساعد لحزب البعث العراقي قبل تقديم استقالته عام 1989.
جُرد العيسمي من الجنسية السورية مع عائلته بعد وصول حافظ الأسد إلى السلطة في مطلع السبعينيات، ليتم منحه جواز سفر دبلوماسي يمني، ويستقر في الولايات المتحدة الأمريكي دون جنسية، لكن في أثناء زيارته لابنته إلى لبنان في 2011، تم اختطافه من مدينة عالية، وتحدثت العديد من المصادر عن ضلوع حزب الله اللبناني وسفير النظام السوري في اختطافه على خلفية رفضه الوقوف ضد الثورة السورية، وحتى اللحظة لم يتم الكشف عن مصيره، وسط أنباء عن وفاته تحت التعذيب داخل سجون الأسد.
له أكثر من 17 مؤلفًا في الأدب والنقد، والعديد من الدواوين الشعرية، ووصلت العديد من مؤلفاته إلى مكتبة الكونغرس الأمريكي.
من مواليد قرية القريّا في الريف الجنوبي للسويداء، وهو ابن القائد العام للثورة السورية الكبرى، سلطان باشا الأطرش، درس العلوم السياسية في الجامعة الأمريكية في بيروت ودرس الحقوق في جامعة السوربون في باريس، أصبح عضوًا في المجلس التأسيسي لحزب البعث عام 1947، سُجن مرتين في عهد الشيشكلي على خلفية موقفه السياسي منه.
انتخب نائبًا في البرلمان السوري 1954-1958، وبعد انقلاب البعث عين عضوًا في “مجلس قيادة الثورة”، وتسلم بعدها وزارة العمل، قبل تعيينه 1964 عضوًا في المجلس الرئاسي الذي ضم كلًا من: صلاح البيطار ومحمد عمران ونور الدين الأتاسي ومنصور الأطرش وأمين الحافظ رئيسًا.
بعد انقلاب الأسد وجديد ومحاولة حاطوم الفاشلة، اختار منصور الأطرش لبنان كمنفى سياسي له، وبعد هدوء الأوضاع في سوريا، عاد الأطرش والتقى بحافظ الأسد مرة واحدة. من خلال ذلك اللقاء، يبدو أن الأطرش أدرك أن الدروز قد تم استبعادهم كليًا من أي منصب سياسي أو حقيبة وزارية سيادية أو أي منصب حساس في الجيش.
من مواليد صلخد في جنوب السويداء، انتسب لصفوف حزب البعث في صغره عام 1951، وسجن مرتين الأولى في عهد الشيشكلي والثانية بسبب معارضته الانفصال عن مصر 1961، قبل انتخابه عقب انقلاب البعث أمينًا عامًا للقيادة القطرية، ليستقيل بعدها احتجاجًا على أعمال اللجنة العسكرية في الحزب.
عين سفيرًا في إندونيسيا لمدة خمس سنوات، ثم سفيرًا في الهند لمدة عامين، استدعاه حافظ الأسد عام 1971 للتعاون معه، لكنه علم بأن نظرة حافظ الأسد أمنية وليست نظرة رجل دولة.
أكد الشوفي بعد لقائه بالأسد الذي استمر 4 ساعات بأن حافظ ينظر إلى طريقة الحكم من خلال تقسيم الشعب إلى قسمين: الجادون والمشتغلون بالسياسة وهؤلاء تم بناء سجن المزة لهم، والقسم الثاني هم عامة الشعب ومطالبهم معيشية فقط ولا يمثلون خطرًا عليه.
أبقى حافظ الأسد على حمود الشوفي في دمشق ليظل تحت مراقبته وعينه مدير إدارة أمريكا في وزارة الخارجية لمدة 6 سنوات حتى العام 1978 حين أوفده كمندوب لسورية في مجلس الأمن بعد أن اطمئن له خلال السنوات التي قضاها في دمشق.
استقال الشوفي من منصبه في 27 ديسمبر/كانون الأول عام 1979 في مؤتمر صحفي مفاجئ، وأشار حينها بأن حافظ الأسد ديكتاتور قائلًا “في ظل غياب الممارسات الديمقراطية الحقيقية، تفشت ممارسات الفساد والابتزاز والرشوة دون كبح. إن حملة الأسد التي تم الإعلان عنها أخيرًا والتي حظيت بالكثير من الدعاية من أجل القضاء على الفساد في حكومته قد توقفت فور أن بدأت في توريط أصدقاء شخصيين وأقرباء في مناصب حكومية وعسكرية منتقاة من قِبله”.
أصدر بعدها حافظ الأسد حكمًا بالإعدام على حمود الشوفي وصادر أملاك زوجته، وقّع الشوفي في العام 1982 على تشكيل التحالف الوطني لتحرير سوريا الذي ضم حزب البعث ومثله شبلي العيسمي والاشتراكيون العرب والاتحاد الاشتراكي والإخوان المسلمون والجبهة الإسلامية وبعض المستقلين، وكان الهدف هو تحرير سوريا من احتلال حافظ الأسد.
ختامًا، لا شك أن أحد أهم أسباب الصراع في سوريا عمومًا هو اختلاف الانتماءات الدينية والمناطقية، وقد تعزز هذا التوجه بعد انقلاب البعث على السلطة الذي حاول صهر الانتماءات الطائفية ضمن قالب الوطنية السورية، إلا أن ما حدث بالفعل هو استغلال هذه الأيديولوجية لتدعيم التمزق والتفرق والاصطفافات في سوريا، مما أدى لاحقًا إلى نشوء مفهوم “الشللية” بإطارها الطائفي.
رغم ذلك، برزت العديد من الأسماء الوطنية من الدروز وغير الدروز الذين حاولوا البناء على الأساس الوطني. في المقابل، كانت هناك شخصيات أخرى من الدروز وغير الدروز استغلت انتماءها الطائفي وحبها للسلطة والنفوذ لزيادة الشرخ بين المكونات السورية.