الرئيسة \  مشاركات  \  كي تكون مخلصاً لله .. عليك أن تكون إنسان

كي تكون مخلصاً لله .. عليك أن تكون إنسان

09.04.2016
د. عبير عبد الرحمن ثابت


في العصور الوسطى المظلمة حينما انضم الكثيرون لفكرة الإلحاد لم تكن لهم مشكلة مع الله بقدر مشكلتهم مع كهنة الله، أولئك الذين نصبوا أنفسهم وسطائه على الأرض وامتهنوا منح الناس صكوك الغفران، بينما هم ساندوا العبودية والإقطاع والظلم والاستبداد ضد الفقراء والمحتاجين، وحينما وقف عيسى عليه السلام أمام المتدينين الذين أرادوا أن يعاقبوا المخطئة أطلق مقولته المشهورة( من لم يكن له خطيئة فليرمها بحجر)، أي أن البشرية جمعاء مخطئة ومصيبة .
محمد وعيسى وموسى حملوا رسالة إنسانية،  والإنسان ليس بمعتقداته الدينية وإنما بمدى انسانيته الدينية، فالكفر ليس برفض الله بقدر التخلي عن ما حثنا عنه الله من محافظة على إنسانيتنا وأخلاقنا" وإنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق"، ولم تكن الرسالات السماوية هدفها كم أقتل من يخالفني بالمعتقد الديني لأتقرب بهم إلى الله بل كم أحب من أولئك لأكون الأقرب إلى الله، وحينما قال الإمام على بن أبى طالب " إلهى ما عبدتك طمعاً في جنتك ولا خوفاً من نار .. ولكنى وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتك) كان يقصد أنه آمن بالله وأطاعه مخيراً وليس مسيراً، عبادة حر محب لخالقه وليس عبادة عبد جبان خائف من عقاب ربه، فمَن يخاف سيُخطئ ومَن يحب لن يخون .
أولئك المسروقين بوجودهم لم يفكروا في إشكالية العودة إلى الله بقدر تفكيرهم بترسيخ منهج عبودية الجاهلية الذى رفضها بلال الحبشي وآمن بمحمد، فبلال لم يكن بحاجة لإله فساحات قريش كانت ممتلئة بالآلهة، لكنه كان يبحث عن حريته وإنسانيته، وحينما اقتنع بأن دين محمد أتى ليخلصه من عبوديته لا يدخله في لاهوتية، وتحمل ما تحلمه من عذاب على أيدى مالكيه ... بلال وكافة الباحثين عن حرية أزمتهم  مع العباد وليست مع الآلهة  .. الدين رسالة وجودية قيمية أخلاقية، والله ليس بحاجة أحد أن يكون وسيط بينه وبين البشرية، والإيمان بالله هو الإيمان بعمل الخير .. أيالإيمان بالبشرية وحقوقها، فإطعام الجياع والمحتاجين لهو خير عند الله من تشييد بيوت له .
الكفر قضية بين الإنسان والله، وليس بين إنسان وآخر والدليل أن حوار القيامة سيكون بين الله والإنسان وهو من سيقرر كيفية حل الخلاف بينه وبين عباده، وكما أخبرنا ديننا( أن الظلم الذى لا يتركه الله ظلم العباد بعضهم بعضاً حتى يدين بعضهم من بعض، بينما ظلمهم أو افتراءهم على الله فهو شأنه يغفر أو يعاقب .. قضية خاصة بين الانسان والله .
من يخبرك أن تقتل أخيك قرباناً إلى الله هو يخطف إنسانيتك .. من يمنحك صك الغفران هو يخطف بصيرتك .. من يهمس إليك بأن من حولك كفار وهو وسيط الله يخطف قلبك .. من يشرع لك انتهاك حرية الآخرين هو يخطف مصداقيتك .. من يبيح لك سرقة الآخرين بأسم الدين هو يخطف إرادتك .. من يدخل لقلبك دين مزيف بتفاسير مغلوطة كمن يدخل لقلبك عشق كاذب ليسرق روحك .. أولئك كمن يتزوج امرأة غصباً فهو يسرق جسدها وروحها وإرادتها .. أولئك لن يمنحوك إلهاً بل يمنحوك عبودية وظلامية .. وما رأيناه من عودة بعض الكهنة الجدد إلى مشهدنا الديني السمح في إحدى مدارس قطاع غزة لهو ناقوس خطر وجب الوقوف عنده أمام أولئك الذين يضيفوا أزمة كهنوتية جديدة نحاربها جميعاً من أجل مجتمع مدنى سوي، هم لم يعيدوا أولئك الأطفال إلى الدين بل زادوا قيدهم انحرافاً وبؤساً، ومن هنا تولد الأشباح المتطرفة الذى تترك الله وتنصرف إلى محاسبة عباد الله .. هنا دور وزارة التربية والتعليم والجامعات ومؤسسات المجتمع المدني والعائلات لمواجهة أولئك اللصوص فهم يسرقوا مستقبل أبنائنا بشعوذاتهم وأفكارهم الظلامية .. لا وسطاء بيننا وبين الله فالحق بَيِن والباطل بَيِن  .. والله بما تعملون بصير .
________________
أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية