الرئيسة \  دراسات  \  كيف تُعيق المشاغل الأمنية الإقليمية الحوكمة في شمال شرق سورية

كيف تُعيق المشاغل الأمنية الإقليمية الحوكمة في شمال شرق سورية

18.04.2017
مركز كارنيغي للشرق الاوسط

خضر خضّور
دراسة23 آذار/مارس 2017
ملخّص:  تتداخل المصالح الأمنية للأطراف المحلية الفاعلة في شمال شرق سورية من جهة ومختلف اللاعبين الإقليميين من جهة أخرى، بطرق تقوّض آفاق الحوكمة الفعّالة.
 
حين سحب نظام الرئيس بشار الأسد معظم قواته الأمنية من منطقة الجزيرة الواقعة شمال شرق سورية في العام 2012، تنازل عن السلطة المحلّية في المنطقة لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي وجناحه العسكري. بيد أن هذا الحزب استنسخ العديد من ممارسات النظام السابقة، إذ ركّز على إحكام قبضته الأمنية على هذه المنطقة الجغرافية الاستراتيجية، على حساب الحوكمة الفعّالة. هذه المقاربة عرقلت الجهود الرامية إلى بناء إدارة ذاتية الدعم. في غضون ذلك، عزّزت جهات خارجية مثل كردستان العراق وتركيا والولايات المتحدة عن غير قصد حكم حزب الاتحاد الديمقراطي المُتمحور حول الأمن، وواصلت تطبيق أجنداتها الخاصة بانشغالاتها الأمنية. يقتضي البحث عن سبل مُحتملة لإحلال السلام وبناء مرتكزات الحوكمة المستقرّة في سورية فهمَ الطبيعة المتشابكة والمتداخلة للمخاوف الأمنية التي تتنازع مختلف القوى الفاعلة التي لديها مصالح في منطقة الجزيرة.
 
التحكّم، على حساب الحوكمة
كانت الجزيرة، بسبب موقعها وسياساتها المحلية التي تحرّكها النزعة الإثنية، مكشوفة أمام التدخلات الخارجية من الدول المجاورة لسورية، ولاسيما العراق وتركيا.
منذ أواخر السبعينيات وحتى اندلاع الحرب السورية، أبقى نظاما الأسد الأب والابن عملية صنع القرار في الجزيرة مُمركزة في أيدي أجهزة الأمن، وعكفا في الوقت نفسه على احتواء مجريات السياسة المحلية عبر إبقاء هذه المنطقة في حالٍ من التهميش.
في مواجهة تحديات مشابهة بعد العام 2012، قام حزب الاتحاد الديمقراطي وجناحه العسكري باستنساخ أنماط مماثلة من الحكم، وذلك من خلال ترکیز السلطة في أيدي قادتهما العسكریین، وترقية فئة جدیدة من القادة المحلیین، وزیادة اعتماد السکان علی الخدمات والأمن التي یوفرها حزب الاتحاد، في الوقت نفسه الذي نشط فيه لاحتواء الأنشطة السیاسیة غير المصرّح بها.
أدّت خطوات الأطراف الأخرى- القيادة الكردية العراقية، والنظام السوري، وتركيا، والولايات المتحدة- في بعض الأحيان عن غير قصد، إلى تعزيز سلطة حزب الاتحاد الديمقراطي في الجزيرة.
تشخيص المخاوف الأمنية العديدة في الجزيرة
تواصل الطرق المعقدة، التي تتداخل فيها المصالح الأمنية للجهات الفاعلة الإقليمية مع الديناميكيات المحلية في الجزيرة، تحفيز نهج يركز على الأمن ويقوّض آفاق حوكمة فعّالة.
لابدّ لأي عملية سلام قابلة للحياة في سورية من أن تتخطّى مقترحات اللامركزية والحكم الذاتي الكردي، وأن تصبّ تركيزها بدلاً من ذلك على المنافسات متعددة الأوجه بين الجهات الفاعلة المحلية والإقليمية في الجزيرة. يشار هنا إلى أن تحديد الطرق التي تتنامى فيها المصالح المتعدّدة، يُعتبر خطوة أولى نحو التوصل إلى حل وسط في نهاية المطاف من شأنه أن يحثّ على بناء حوكمة أكثر فعّالية واستجابة في الجزيرة.
قد يتطلب السير في مسار واقعي ودائم نحو السلام في سورية أن تسعى الأطراف ذات الصلة- الأحزاب الكردية العراقية، وحزب العمال الكردستاني، والنظام السوري، وتركيا، والولايات المتحدة- إلى تسوية مخاوفها الأمنية بطرق تُفسح في المجال أمام التوصل إلى تسويات محتملة حول الطموحات الكبرى المدرجة في جدول أعمال كل منها.
مقدّمة
 
لطالما كانت منطقة الجزيرة معبراً للتبادل بين العراق وسورية وتركيا، بحكم موقعها الجغرافي عند نقاط تقاطع هذه البلدان الثلاثة. وعلى رغم أن معظم مساحة الجزيرة تقع الآن في سورية، إلا أن هذه الزاوية الشمالية الشرقية من البلاد كانت دوماً مرتعاً لنفوذ جيرانها. كما واصلت المجتمعات المحلية العربية والأشورية والكردية والسريانية المنتشرة على طول حدود هذه الدول الثلاث التواصل والارتباط ببعضها البعض.1
منذ أن حازت سورية على استقلالها في العام 1946، أبقت الحكومة السورية هذه المنطقة في حالٍ من قصور التنمية والتهميش، بهدف عزلها عن الخارج. وبدءاً من سبعينيات القرن المنصرم، واصل الرئيس آنذاك حافظ الأسد ثم نجله بشار تطبيق هذه المقاربة، وأبقيا عملية صنع القرار في هذه المنطقة مُمركزة في أيدي أجهزة الأمن. كما عكفا في الوقت نفسه على احتواء مجريات السياسة فيها.
 
بعد انتفاضة 2011، تحوّلت الجزيرة إلى بؤرة أساسية للتنافسات الإقليمية. وفي تموز/يوليو 2012، سحب النظام السوري معظم عناصره الأمنية من المنطقة مع اضطرام نيران الحرب. وقد ملأ أكراد سورية بقيادة حزب الاتحاد الديمقراطي وذراعه العسكري وحدات حماية الشعب الكردية هذا الفراغ. ويرتبط كل من حزب الاتحاد ووحدات الحماية بحزب العمال الكردستاني، وهي منظمة يسارية يقودها عبد الله أوجلان الذي قاتل الدولة التركية لعقود مديدة. وفي العام 2014، كان حزب الاتحاد الديمقراطي هو الحليف الرئيس على الأرض لواشنطن الذي يتلقى مساعدات عسكرية، فيما كانت الولايات المتحدة تشنّ حملات عسكرية في سورية ضد الدولة الإسلامية المُعلنة ذاتيا. واليوم، تخضع أجزاء شاسعة من الجزيرة إلى السيطرة المُحكمة لمتشددي حزب الاتحاد الديمقراطي الذين درّبهم حزب العمال الكردستاني، على رغم أن النظام السوري يحتفظ بوجود في المراكز المدينية الرئيسية في الحسكة وأجزاء من القامشلي. وحالما استولى حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات الحماية على السلطة في العام 2012، عمدا إلى تأسيس إدراتهما المدنية في الجزيرة، بيد أن عملية صنع القرار بقيت مُمركزة على نحو كبير في إطار شبكة تضم متشددي الاتحاد المحترفين الذين تلقوا تدريباتهم العسكرية في قاعدة عسكرية تابعة لحزب العمال الكردستاني في جبال قنديل في شمال العراق. بيد أن المؤسسات الإدارية لحزب الاتحاد خدمت كآلية للاحتواء والرقابة أكثر منها كهيئة حوكمة، وذلك بهدف ترقية وتعزيز النخب الجديدة الموالية التي برزت على الساحة إلى جانب تلك التي أوجدها النظام السوري.
 
في هذه الأثناء، كان لحزب العمال الكردستاني، والحزب الديمقراطي الكردستاني في العراق، وتركيا، والولايات المتحدة، العديد من المصالح الإقليمية المطروحة على المحك في الجزيرة. وهذه المصالح نفسها ستواصل توليد ومفاقمة التوترات إذا لم تعالج. فتركيا، مثلاً، قلقة من احتمال تمدد حزب الاتحاد الديمقراطي إلى المناطق الحدودية جنوب شرق أراضيها التي يقطنها أكراد، ما قد يفاقم الاضطرابات هناك ويشجّع اكراد تركيا على رفع عقيرتهم للمطالبة بالحكم الذاتي. ومن جهته، لايريد الحزب الديمقراطي الكردستاني في العراق أيضاً أن يرى نفوذ حزب العمال الكردستاني والمجموعات المتفرعة منه يتمدد إلى المناطق الواقعة تحت سلطته. أما بالنسبة إلى الولايات المتحدة، فإن كل مايحدث في الجزيرة يرتبط بحملتها العسكرية على تنظيم الدولة الإسلامية. وقد سمحت المساعدات العسكرية الأميركية لوحدات حماية الشعب الكردية ولحزب الاتحاد الديمقراطي بتوسيع رقعة الأراضي التي يسيطران عليها، ما تسبّب في حدوث تدخل عسكري تركي في آب/أغسطس 2016 في سورية لاجهاض هذه الاندفاعة. وتشعر الولايات المتحدة بالقلق من احتمال أن تسفر العداوات بين تركيا وبين حزب العمال الكردستاني إلى تقويض جهودها للقضاء على الدولة الإسلامية في سورية بالتعاون مع حزب الاتحاد الديمقراطي.
 
مثل هذه الأجندات الإقليمية المتبانية لها مضاعفات عميقة على الجزيرة- لكلٍ من نظام الأسد في دمشق ولحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي الصاعد. ففيما يجهد النظام السوري لإعادة تشكيل الدولة السورية كما كانت قبل 2011، تبدو له هذه المنطقة مهمة لأن الظروف الأمنية المستقبلية وآفاق الحوكمة فيها ستؤثر بنيوياً على تطور العديد من القضايا المركزية المتعلّقة بمستقبل سورية. وتشمل هذه القضايا علاقات نظام الأسد بتركيا ومنطقة كردستان العراق، والدور المستقبلي للولايات المتحدة في سورية، والدور المحتمل لحزب العمال الكردستاني في سورية، وآفاق الاعتراف بالحقوق السياسية والثقافية للاكراد في سورية. ولذا، يُعتبر التفحُّص الدقيق للكيفية التي تتقاطع فيها مختلف هذه المصالح الأمنية، أمراً لازباً وضرورياً لاستطلاع كيفية تحقيق تسويات عملية تشتد الحاجة إليها، تمهّد للوصول إلى حوكمة مُستقرة في منطقة الجزيرة وباقي أنحاء سورية.
 
من الانتداب الفرنسي إلى نظام الأسد
 
تقع الجزيرة، التي تعادل مساحتها محافظة الحسكة، في الطرف الأقصى من شمال شرق سورية. تحدّها تركيا من الشمال، والعراق من الشرق (انظر الشكل 1). وقبل أن تقوم تسوية مابعد الحرب العالمية الأولى برسم حدود الدول الحديثة في العراق وسورية وتركيا، كانت الجزيرة تمتد على أراضٍ ستصبح لاحقاً مُدمجة في كل من هذه الدول الثلاث. وفي حين أن الجبال تفصلها عن تركيا، فإن الأراضي بين الجزيرة والعراق مسطّحة للغاية.
 
حدّد الجغرافيون الجزيرة على أنها الأرض التي تقع بين جبل سنجار في شمال غرب العراق وبين جبل عبد العزيز على بعد نحو 45 كيلومتراً غرب مدينة الحكسة.2 يعبر نهر الفرات هذه المنطقة، ويدخل سورية من العراق فيروي الأراضي حولها. ونحا الجغرافيون إلى وصف الجزيرة بأنها الرقعة التي يبقى فيها الناس من دون جذور لأن سكانها، حتى نهاية القرن التاسع عشر، كانوا أساساً من البدو الرحّل.3
 
 
 
التدخلات الخارجية في الجزيرة
كانت الجزيرة طيلة القرن العشرين مهمة استراتيجياً، لأنها وجدت نفسها على الخطوط الأمامية لمنافسي سورية في كلٍ من العراق وتركيا. لكن في الوقت نفسه، عنى تباين التركيبة السكانية للمنطقة، وما يستتبعها من تشظي وانقسامات، أن أحداً لايستطيتع بمفرده الهيمنة عليها.
 
خلال الانتداب الفرنسي على سورية (1923-1946)، سعت سلطات الانتداب إلى وضع مداميك دولة حديثة، فحوّلت الجزيرة إدارياً إلى محافظة، وشجّعت القبائل على الاستقرار، كما وضعت تنظيمات لملكية الأرض بغرض إقناع شيوخ القبائل بالاستقرار، مقابل منحهم حقوق الملكية. وهكذا، تحوّل مُلاّك الأراضي الكرد وشيوخ القبائل، وأيضاً أعضاء الطائفتين الأشورية والسريانية، إلى طبقة من النخب التي تتمركز أساساً في مدينة الحسكة، عاصمة المحافظة. وفي الوقت نفسه، أصبحت مدينة أخرى هي القامشلي، التي تقع على الحدود السورية- التركية، مركزاً تجارياً مهماً، حين استقر فيها أكراد جنوب شرق تركيا للعمل كتجار أو أجراء لدى أصحاب الأراضي في الجزيرة.
 
كانت الجزيرة، بسبب موقعها وسياساتها المحلية التي تحرّكها النزعة الإثنية، مكشوفة للغاية أمام التدخلات الخارجية والتوترات الحدودية. وقد شكّل احتواء السياسات المحلية والسيطرة عليها أحد أهم التحديات الأمنية الكبرى التي واجهت الحكومات السورية المتعاقبة منذ الاستقلال. وفي سبيل إحكام قبضتها على المنطقة، عبّأت السلطات المركزية المجتمعات المحلية سياسياً داخل أطر محددة.
 
في حقبة مبكّرة من الخمسينيات، كانت المجتمعات المحلية في الجزيرة تنتظم تحت مظلة الاحزاب السياسية وفقاً لهوياتها الدينية والإثنية. وهكذا، في حين انضم العرب إلى حزب البعث والحزب الشيوعي والأحزاب الناصرية، أسّس أعيان الأكراد الذين لهم روابط قَبَلِيّة مع أكراد العراق الحزب الديمقراطي الكردي في سورية العام 1957، كحزب شقيق للحزب الديمقراطي الكردستاني في العراق. وفي العام نفسه، انتظم الأشوريون والسريان تحت عباءة المنظمة الآثورية الديمقراطية.4
 
الجزيرة هي الجزء الكردي الوحيد من سورية الذي يحد المناطق التي يقطنها الأكراد في كلٍ من العراق وتركيا. وهذا ليس حال المناطق الأخرى التي يسكنها الأكراد في سورية، مثل الجيب الكردي في عفرين شمال غرب البلاد الذي لايزال مقطوعاً عن المجتمعات المحلية الكردية وعن الديناميكيات السياسية في العراق. وبالتالي، حظي المجتمع المحلي الكردي في الجزيرة باهتمام خاص من السلطات السورية، التي اعتبرت التطلعات الكردية في العراق المجاور تهديداً أمنياً محتملاً لها. وبالفعل، ألهمت حركة الحكم الذاتي التي أطلقها الملّا مصطفى برزاني وحزبه الديمقراطي الكردستاني الحركة الوطنية الكردية في سورية وألهبت حماستها. مثل هذه التطلعات الكردية كانت في السابق أقل وضوحاً في المناطق الكردية السورية الواقعة بعيداً عن المجتمعات المحلية الكردية في العراق وتركيا.
 
في عهد حافظ الأسد، الذي استولى على السلطة العام 1970، ذهبت مخاوف النظام إلى ماهو أبعد من مسألة الأكراد، بعد أن تعرّض المجتمع المحلي العربي في الجزيرة إلى النفوذ العراقي، في وقت كان فيه العداء المتبادل يشوب العلاقات السورية- العراقية. وفي أوائل الثمانينيات، حين كان نظام صدام حسين في ذرورة شعبيته، عمد إلى مد يد الدعم والعون إلى القبائل العربية السورية في الجزيرة.5
 
استخدم نظام الأسد في بعض الأحيان الروابط بين الأكراد في سورية وتركيا كورقة ضغط ضد أنقرة خلال صراع هذه الأخيرة مع حزب العمال الكردستاني الذي اندلع في أوائل الثمانينيات. كان هذا يؤدي بين الفينة والأخرى إلى نكسات استراتيجية لدمشق. فبسبب الخلافات قديمة العهد مع تركيا حول ضم لواء الاسكندرون (هاتاي بالتركية)، وحول تقاسم المياه، سمح النظام السوري لحزب العمال الكردستاني بالعمل انطلاقاً من الأراضي السورية، كوسيلة لبذل الضغوط على أنقرة. وفي العام 1998، تصاعدت التوترات بين الطرفين ووصلت إلى عنان السماء حين نشرت تركيا قواتها على الحدود الشمالية لسورية وهددت بوقف تدفّق مياه نهر الفرات من تركيا نحو سورية. وقد تعيّن على النظام السوري أن يرضخ إلى اتفاقية فرضتها تركيا عُرِفَت باسم اتفاقية أضنة.6وبعدها، طردت سورية أوجلان، زعيم حزب العمال الكردستاني الذي كان يقيم على أراضيها، وسرّبت معلومات ساعدت أجهزة المخابرات التركية على تحديد وأسر وسجن متشددين من حزب العمال الكردستاني.
 
وسائل السيطرة في عهد آل الأسد
في خضم مخاطر التدخلات هذه، دأب نظاما حافظ الأسد وبشار الأسد على وضع الجزيرة وسكانها تحت رقابة عينهم الساهرة، وأُنيطت عملية صنع القرار الحقيقية بوكلاء أمنيين يحظون بثقة النظام، هذا في حين جرى استخدام الهياكل الإدارية والمنظمات السياسية كوسائل يستطيع النظام من خلالها تنظيم المجتمعات المحلية في الجزيرة. مع أن الأجهزة الأمنية السورية كانت مسؤولة عن المراقبة الكثيفة للنشاطات السياسية في الجزيرة، إلا أنها مُنِحَت أيضاً صلاحية التدخّل في دقائق القرارات الإدارية. على سبيل المثال، أُجبر الفلاحون على زراعة الحبوب فقط بدل منتوجات زراعية أخرى أكثر أهمية، بسبب التخوّف من أن تصبح المنطقة أكثر استقلالية عن دمشق. مثل آخر: وضعت الحكومة السورية قانوناً جديداً العام 2004 نصّ على أن كل من يرغب في تطوير عقار في المناطق الحدودية السورية، بما في ذلك الجزيرة، عليه أن يحصل أولاً على إذنٍ من أجهزة الأمن.7
 
تجدر الملاحظة هنا أن طبيعة المسيرة المهنية لضباط الأمن الذين أسند إليهم نظام الأسد مهمة الحفاظ على الأمن في الجزيرة، يُلقي أضواء ساطعة على الأهمية التي علّقتها دمشق على هذه المنطقة. فقد كان يتم ترقية العديد من ضباط الأمن إذا ما سجّلوا نجاحات في إدارة الوضع هناك. على سبيل المثال، في العام 2005 أصبح محمد منصورة، الذي خدم في الجزيرة خلال أواخر السبعينيات كضابط مخابرات عسكرية، رئيس شعبة الأمن السياسي السوري، وهو جهاز أمني مسؤول عن مراقبة المعارضة السياسية في طول البلاد وعرضها. وحين قام الأكراد بأعمال شغب عقب مباراة كرة قدم في القامشلي العام 2004، أقنع الخطر الأمني الذي فرضته هذه الاضطرابات النظام بإيفاد مسؤول رفيع، هو هشام إختيار، الذي كان آنذاك رئيس مكتب الأمن القومي في حزب البعث، إلى المنطقة لتسوية الأزمة.8
 
تطوّرت مع الزمن العلاقات بين مختلف المجتمعات المحلية في الجزيرة، وتشكّلت أساساً بدفع من الطبقات الوسطى المدينية من مختلف المشارب الدينية والإثنية، إضافة إلى قيامها على قواعد العلاقات القبلية. مثلاً، كانت قبيلة شمر تاريخياً متحالفة مع المجتمع المحلي الكردي، بيد أن النظام السوري واصل ممارسة مقاربة تستند إلى الحفاظ على التمثيل استناداً إلى الانتماء إلى مجتمع محلي إثني بعينه.
 
يتمثّل أحد المجالات المهمة في هذه المقاربة في قيام دمشق بتكليف وكلائها الأمنيين مهمة إدارة توازن دقيق بين مهمتين: الأولى، السماح ببروز أقنية سياسية مُجازة رسمياً للمجتمعات المحلية الكردية في الجزيرة، والثانية، إخماد وسحق أي نشاط سياسي غير مصرّح به. وفي حين أن حزب البعث في العراق غالباً ما قمع الاكراد بعنف، إلا أن حافظ الأسد سعى أساساً إلى احتواء التعبئة السياسية الكردية.
 
تمكّن نظام الأسد، إلى حين تطوّر الانتفاضة إلى صراع مفتوح العام 2012، من تدبُّر أمر هذه التوازن، عبر السيطرة الدقيقة على المداخل السياسية والاقتصادية لمسألة الترقي الكردي في الجزيرة. وهو تسامح مع بروز أحزاب سياسية كردية لكن بصفتها هياكل مفيدة يمكن من خلالها لدمشق تأطير النشاط السياسي الكردي وإدارته والسيطرة عليه. كما كان بمقدور نظام الأسد إحتواء الحركة الوطنية الكردية، عبر استلحاق أعضاء الأحزاب من خلال المنظمات المهنية السورية. وقد استخدم النظام سطوته على نقابات المحامين والمعلمين والمهندسين لترقية طبقة وسطى كردية تكون إما موالية له أو تستطيع دمشق على الأقل ممارسة نفوذ عليها.9وبالنسبة إل الأكراد والمجتمعات المحلية الأخرى في الجزيرة، كانت العلاقة مع أحزاب سياسية المدخل الوحيد للالتحاق بروابط مهنية مع ما توفّره من مزايا. وقد ضمنت مثل هذه السياسات أن تبقى الطبقة الوسطى في الجزيرة مُعتمدة على النظام.10
 
على رغم وجود العديد من الاحزاب السياسية، إلا أن قدرتها على الانخراط في النشاط السياسي كانت محدودة ومقيّدة. لا بل كانت هذه الأحزاب تُستخدم في الواقع لقطع دابر التعبئة التي قد تشق طريقها بينها. وهذا أمر كان جلياً في سلوك الأحزاب السياسية خلال اضطرابات 2004 في القامشلي، حين تظاهر الكرد ضد الحكومة وحطّموا تمثالاً لحافظ الأسد. حينها، امتنعت الأحزاب، بضغط من أجهزة أمن النظام، عن دعم المتظاهرين، ما أثبط كثيراً زخم المتظاهرين وجعلهم في حالة تشرذم وانقسام.11
 
سعى النظام، على نطاق أوسع، إلى الحفاظ على سيطرته ومنع بروز تحالفات أعرض بين المجتمعات المحلية، من خلال انتهاج سياسة فرّق تسُد تقوم على ترسيخ الانقسامات بين الأحزاب المحلية في الجزيرة وفق خطوط إثنية. وهو غالباً ماعمد إلى مفاقمة الانقسامات الكردية- العربية، عبر تفضيله علناً المرشحين للعرب للبرلمان على المرشحين الأكراد، أو عبر التركيز على عدم ثقة الأكراد بالعرب. على سبيل المثال، ترشّح أكراد خلال انتخابات 1990 البرلمانية في ثلاثة من أصل أربعة مقاعد، في لائحة مستقلة عن التحالفات التي كان النظام يحبّذها.12وبعدها بأربع سنوات، وخلال انتخابات 1994، شكّل النظام، الذي أراد تجنّب تكرار هذا الوضع، لائحة خاصة به، عُرفت بشكل غير رسمي بـ"قائمة الظل"، بهدف إثباط المرشحين الأكراد على اللائحة المستقلة. وقد خُصص مقعدان في لائحة الظل لمرشحين من قبيلتي جبور وطي اللتين تعتبران أهم القبائل العربية في الجزيرة، ومقعد لعضو في الطائفة السريانية، ولم يبق سوى مقعد واحد لكردي.13مثل هذه السياسات فاقمت جيشان التوتر بين مختلف المجتمعات المحلية في الجزيرة ومنعها من العمل معاً ضد النظام، ما سمح لهذا الأخير بمواصلة إحكام قبضته على المنطقة.
 
أدى الغزو الأميركي للعراق العام 2003 إلى زيادة وتائر التوتر بين المجتمعات المحلية في الجزيرة. فهو وفّر فرصة لم يسبق لها مثيل للأكراد العراقيين لتأسيس منطقة شبه مستقلة، وبالتالي أجبر نظام الأسد على العمل لإحتواء جذوة الحركة الوطنية الكردية في الجزيرة التي تقع جغرافياً على مرمى حجر من الحدود العراقية. ويتذكّر الأكراد الذين شاركوا في احتجاجات القامشلي العام 2004 أنهم سمعوا هتافات تشيد بالرئيس الأميركي آنذاك جورج بوش، الذي سهّل غزوه للعراق ولادة منطقة حكم ذاتي كردية. وحينها ردّد أعضاء المجتمعات المحلية العربية أغانٍ تمجّد الرئيس السابق صدام حسين. وهذا لم يعكس انعدام الثقة بين المجموعات الإثنية في المنطقة التي لطالما نفخ النظام في أوارها طيلة عقود وحسب، بل أبان أيضاً مدى انكشاف الجزيرة أمام تأثير التطورات في البلدان المجاورة.
 
احتوى النظام الاضطرابات عبر الضرب على وتر انعدام الثقة بين الأكراد والعرب، وقام وكلاء الأمن ومحافظ الحسكة بشكر أعضاء قبيلة طي على تعاونهم مع النظام في قمع المظاهرات، ما أكد احساس الأكراد بأن القبائل العربية في الجزيرة متواطئة مع النظام في عملية احتواء تطلعاتهم.14كما أثار النظام المشاعر المناوئة للأكراد، عبر اقناع القبائل العربية بأن المظاهرات الكردية جزءٌ من مؤامرة أميركية أكبر تقودها الولايات المتحدة لتقسيم سورية.
 
كانت الهياكل الإدارية في محافظة الحسكة أداة فعّالة في يد نظام الأسد لإشعال التنافسات المجتمعية، عبر توزيع غنائم المحسوبيات، واستلحاق النخب المحلية، ومنع النشاطات السياسية المستقلة. وهو دوزن تكتيكاته لتتلاءم مع مختلف مجموعات المواطنين. وهكذا، خُصّصت عادة المناصب الرئيسة في المحافظة، على غرار مدير حقل الرميلان النفطي، لمسؤولين علويين من خارج منطقة الجزيرة.15وعُيّن أعضاء من قبيلتي جبوري وطي في مؤسسات الحكومة المحلية مثل مجلس المحافظة، أو حتى في البرلمان في دمشق، كما نُصِّبَ العرب والأشوريين والسريان من الطبقة الوسطى في مواقع أساسية في الدولة. وفي المقابل، نادراً ما كان يُعيّن أعيان أكراد، من بين الذين كان يجري استتباعهم غالباً عبر الروابط المهنية، في مواقع قيادية في الحكومة المحلية أو في مؤسسات الدولة، وذلك بهدف الحد من قدرتهم على تعبئة حركات تضامن كردية أوسع ضد نظام الأسد.
 
علاوة على ذلك، تدبّرت دمشق أمر شؤون الجزيرة من خلال تعديل التركيبة الإدارية للمحافظة بهدف اجتذاب أنصار لها. فغداة احتجاجات القامشلي العام 2004، أعلنت الحكومة عن خطة خمسية للتنمية الاقتصادية تعترف بكل ناحية على أنها بلدية. وفي حين كان الهدف الشكلي هو تشكيل هيئات إدارية لها صلاحيات أوسع لصنع القرار في مجال إدارة الشؤون المحلية، إلا أن هذه الهيئات هدفت في الواقع إلى توسيع طبقة الموالين لنظام الأسد، من خلال خلق مواقع مسوؤلية أكثر في البلديات المستحدثة كي تستطيع دمشق تعيين أنصارها فيها.16
 
الجزيرة والحرب السورية
لجأ الرئيس السوري بشار الأسد في المراحل الأولى من انتفاضة 2011 إلى هذه التكتيكات نفسها المتعّلقة بالاحزاب السياسية والهياكل الإدارية في الجزيرة، للحد من تصاعد المعارضة. في البداية، تجنّبت معظم الاحزاب الكردية الدعم العلني للاحتجاجات، كما اتخذ النظام خطوات غير مسبوقة لتهدئة المسيرات في الشوارع، أبرزها منح الجنسية السورية للأكراد الذين كانوا لايحملون أي جنسية منذ أجيال عدة.17وثمة إجراء آخر تمثّل في قيام صحيفة "تشرين" الرسمية بنشر وقائع احتفالات النيروز في آذار/مارس 2012، وهو عيد ورثه الاكراد من الدين الزردشتي ويعتبرونه رمزاً لهويتهم القومية الخاصة.18
 
لم يكن لهذه الإجراءات التأثيرات التي توقعها النظام. ففي البداية، امتنع الجيل القديم من الأكراد والأحزاب السياسية عن الانضمام إلى المظاهرات، متذكرين محاولاتهم السابقة لحشد التعبئة السياسة التي سحقها النظام. بيد أن الانتفاضة التي قادها على نحو رئيس الشبان في بقية أنحاء سورية، شجّع جيلاً جديداً من الاكراد على تعبئة احتجاجات لم يستطع النظام إحتواءها عبر الاحزاب الكردية.
 
وحين بدأ جيران سورية بالتدخل، انتهى المقام بنظام الأسد إلى مواجهة تهديد مزدوج: تمدد الحركة الوطنية الكردية العراقية إلى الجزيرة، من جهة، وسعي المتمردين المدعومين تركياً للسيطرة على شمال شرق سورية، من جهة أخرى. وهكذا، في العام 2012، ضاعف الزعيم الكردي مسعود برزاني، نجل مصطفى برزاني، دعمه للأحزاب السورية الكردية بهدف مد نفوذ الحزب الديمقراطي الكردستاني إلى الجزيرة، ووفّر لقادتها الملاذ الآمن في أربيل، عاصمة إقليم كردستان العراق. كما بدأ بتجنيد الاكراد السورييين لتشكيل قوات بيشمركة عسكرية سورية.19وفي الوقت نفسه، بدأت تركيا بدعم المتمردين السوريين في قتالهم ضد القوات الحكومية السورية.
 
اتخذ النظام السوري خياراً استراتيجياً هو سحب معظم قواته الأمنية من الجزيرة، والسماح لأعضاء حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي المنتمين إلى حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب بالتمركز في جيوب واسعة في المنطقة. وفي حين أن وحدات حماية الشعب (بوصفها عدوة الحزب الديمقراطي الكردستاني وتركيا) واجهت منافسي الأسد الخارجيين إلى حد ما، إلا أن قرار هذا الأخير فتح بطن الجزيرة أمام احتمال توسّع نفوذ حزب الاتحاد الديمقراطي على نحو أكبر.
 
فيما بدّلت الانتفاضة السورية العام 2011 علاقات القوة في الجزيرة على حساب نظام الأسد، إلا أن انكشاف المنطقة أمام النفوذ الأجنبي وتشابك السياسات المحلية، حفز وحدات حماية الشعب على إعادة إنتاج العديد من أنماط السيطرة التي مورست سابقاً في المنطقة.
 
الوجود المتلكّئ للأسد في الجزيرة
انسحب نظام الأسد على نحو واسع من الجزيرة العام 2012، لكنه احتفظ بسلطته في مركزين مدينيين إثنين أساسيين في المنطقة هما الحسكة واجزاء من القامشلي. ولأن الحكومة السورية تواصل توفير الهياكل الرئيسة للسلطة التي سمحت لها في السابق بأن تبسط سيطرتها على كل الجزيرة، فقد أصبحت هذه الأخيرة عملياً خاضعة إلى ترتيبات أمنية مزدوجة، سيطر بموجبها حزب الاتحاد الديمقراطي على معظم أرجاء الجزيرة خارج المراكز المدينية. وفيما تنافست الشبكات الإدارية لكلٍ من النظام وحزب الاتحاد الديمقراطي، إلا أنهما استنسخا مهام بعضهما البعض، على الأقل في ما يتعلّق بمراقبة وعسكرة السكان المحليين من خلال بسط أنظمة سيطرة عليهم. على سبيل المثال، يخضع الشبان في الجزيرة إلى الخدمة العسكرية الإجبارية من كلا الطرفين. لكن، بما أن أياً منهما لايعترف بوثائق الخدمة العسكرية للطرف الآخر، يكون في وسع الشبان التجنُّد في صفوف كلا الطرفين.
 
أدّى الوجود المتواصل لنظام الأسد إلى عرقلة قدرة إدارة حزب الاتحاد الديمقراطي على حيازة السلطة والشرعية الكاملة في الجزيرة. فقد أبقت دمشق على الإدارة بوصفها مجرد نظام سيطرة ومراقبة لايستطيع التطور إلى اداة حوكمة قادرة على الحلول مكان وظائف الدولة. وهكذا، بقيت عملية صنع القرار في نظام الأسد في منطقة الجزيرة ممركزة للغاية في قبضة أجهزة الأمن التي لاتزال تسيطر على مفاصل سلطة الدولة، ما حدّ من قدرة حزب الاتحاد الديمقراطي على ممارسة الحكم. والحال أن مسؤولي أجهزة الأمن في القامشلي والحسكة لازالوا نشطين، ويواصلون عمليات الاعتقال وإرسال السجناء إلى دمشق كي يُثبتوا لرؤسائهم أنهم يقومون بواجباتهم.20إضافة إلى ذلك، لايزال مطار القامشلي ونقطة العبور الحدودية المهمة بين القامشلي وبين مدينة نصيبين التركية تحت سلطة النظام. والأهم أنه على رغم أن إدارة حزب الاتحاد الديمقراطي سنّت قانونها الخاص حول الأراضي وعمليات البناء، إلا أن الدولة السورية لاتزال تسيطر على شهادات تسجيل الأراضي في الحسكة، وبالتالي تستطيع إعلان بطلان أي معاملات تتعلق بالأراضي، والتصريح بأن أي مشروع بناء يجري في إطار قوانين إدارة حزب الاتحاد الديمقراطي، هو غير قانوني.21
 
كل هذا يعني، بالنسبة إلى حزب الاتحاد الديمقراطي أن نظام الأسد يعرقل قدرته على ممارسة الحكم، عبر استغلال سيطرته المتواصلة على موارد الدولة الحيوية. (دمشق لاتزال الضامن الوحيد لأي مجالات حوكمة قانونية وعملية مهمة تتعلّق بحياة المواطنين اليومية). إعادة بناء الادارة الذاتية لحزب الاتحاد الديمقراطي
 
سعى حزب الاتحاد الديمقراطي إلى إضفاء الشرعية على سيطرته العسكرية، من خلال إقامة نظام إدارة ذاتية منفصل، موازٍ لنظام الدولة السورية المُطبّق قي المركزين المدينيين في الجزيرة- الحسكة والقامشلي-. ففي تشرين الثاني/نوفمبر 2013، بدأ حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب الكردية بإعادة تنظيم المناطق التي سيطرا عليها على طول الحدود السورية- التركية، فقسماها إلى ثلاثة كانتونات: الأول يتعلّق بمحافظة الحسكة وأطلقا عليه اسم كانتون الجزيرة. والثاني، في شمال محافظة حلب، بما في ذلك كوباني والمناطق المحيطة بها. والثالث كانتون في عفرين في الزاوية الشمالية الغربية من محافظة حلب. وقد وضعت هذه التقسيمات الفرعية المناطق الكردية غير المتواصلة جغرافياً تحت سيطرة كيان سياسي موحّد يهيمن عليه حزب الاتحاد الديمقراطي والقوات المرتبطة به، ماوفّر غطاء سياسياً للسيطرة العسكرية لهذه الحركة على منطقة الجزيرة.
 
تُقسم هذه الكانتونات إلى سلسلة من الوحدات البلدية التي لها حدود محددة، تتقاطع تقريباً مع الحدود الإدارية للدولة السورية قبل العام 2012. وفي حين أن كل بلدية لديها مجلس مسؤول في كل البلدات والقرى، فإن التجديد الأساسي الذي أضافه حزب الاتحاد الديمقراطي هو نظام الكومونات (كومينات بالكردي) الذي شكّل مجالس مسؤولة عن الأحياء وحتى عن تجمعات صغيرة من المنازل. ثم أن المجالس البلدية والكومونات التي تشرف عليها مسؤولة عن توفير الخدمات البلدية الأساسية كالمياه والكهرباء وجمع القمامة.22ويُعيّن حزب الاتحاد الديمقراطي مع هذه الهيئات شخصيات يُعتد بها أو أعضاء من أحزاب سياسية مُرتبطة به.
 
كانت الإدارة الذاتية لحزب الاتحاد الديمقراطي فعّالة في دمج الأراضي التي تسيطر عليها في كيان سياسي أوسع. بكلمات أخرى، استهدف تأسيس الكومونات التقنين والشرعنة السياسيين لما حصدته قوات حماية الشعب الكردية بالقوة العسكرية. وكما أن الأراضي التي سيطر عليها حزب الاتحاد كانت تتغيّر وتتوسّع، حدث الأمر نفسه مع أجندته السياسية، على رغم أن أهدافه الخاصة بتعزيز وشرعنة حكمه الذاتي كانت أبعد ما يكون عن التحقق. أحد الأدلة على ذلك كان تمدد السيطرة العسكرية لوحدات الحماية إلى مايتجاوز الكانتونات الكردية في آذار/مارس 2016.
 
لقد أعلن حزب الاتحاد الديمقراطي أن هدفه هو إقامة هيكلية فيدرالية تدمج هذه الكانتونات، واطلق على هذه الهيكلية اسم النظام الاتحادي الديمقراطي لشمال سورية. بيد أن الحقيقة أن النطاق الجغرافي لهذا النظام الاتحادي تمدد مع توسّع السيطرة العسكرية لوحدات الحماية، ما يوحي بأن حزب الاتحاد الديمقراطي كان أكثر اهتماماً بشرعنة سيطرته العسكرية المحلية وسلطته، من ممارسة الحكم باسم مواطني الجزيرة.
 
جهود حزب الاتحاد الديمقراطي للحكم والسيطرة
لعبت شبكة الإدارة المحلية لحزب الاتحاد الديمقراطي دوراً مهماً في جهوده لإحكام قبضته على المناطق الاستراتيجية في الجزيرة. فهي ضمنت مواصلة اعتماد السكان على هذه الإدارة للحصول على الخدمات والحماية، فيما كانت هذه الشبكة تضع قيد العمل نظاماً لمراقبتهم. وقد حافظت وحدات حماية الشعب الكردية على سيطرتها المكينة على المدن الواقعة ضمن حدود الجزيرة مع تركيا، حيث شكّل حزب الاتحاد شبكة مكثفة من البلديات والكومونات. في القامشلي، مثلاً، التي تقع على حدود سورية مع تركيا، أقام حزب الاتحاد ثلاث بلديات. وعلاوة على ذلك، رفرفت أعلام قوات حماية الشعب وعُلِّقت صور أوجلان وقتلى وحدات الحماية في المعارك على كل الدوّارات في الطريق من القامشلي إلى الحدود العراقية.23
 
عموماّ تعيّن على حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب الكردية منذ استيلائهما على المناطق الرئيسة في الجزيرة العام 2012، أن يعالجا تحدياً واجهته السلطات المركزية السورية في الماضي: أي كيفية تدبّر أمر المجتمعات المحلية المنتظمة تحت مظلة أحزاب سياسية تستند إلى الانتماء الإثني، والتي حافظت على روابط مع قوى خارجية. وقد عزّز النزاع السوري هذه العلاقات بين أحزاب كردية، عدا حزب الاتحاد الديمقراطي والحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي، مثل الحزب الديمقراطي الكردي السوري. هذه الأحزاب كانت قد رفضت التعاون في إدارة الجزيرة طالما أن وحدات حماية الشعب الكردية تواصل فرض سيطرتها العسكرية. إضافة إلى ذلك، ومع وجود استثناءات نادرة، لم يكن حزب الاتحاد الديمقراطي قادراً على اجتذاب قادة قبليين عرب نافذين او أعضاء في الطائفتين الأشورية والسريانية إلى جانبه.24والحال أن غالبية الأحزاب والنخب في الجزيرة لاتثق بمهمة حزب الاتحاد الوطني، مايعني أنه غير حائز على دعم إجماعي من أكراد الجزيرة.
 
ثم أن حزب الاتحاد الديمقراطي، وعلى عكس نظام الأسد، فشل إلى حد كبير في إقامة مؤسسات فعّالة للحكومة المحلية، ولجأ بدلاً من ذلك إلى ممارسة السلطة استناداً إلى منطلق أمني (البلديات والكومونات عملت أساساً كملاحق لحزب الاتحاد الديمقراطي). وقد عقّد الإرث الخاص بسياسات نظام الأسد هيكلية صنع القرار لدى حزب الاتحاد/وحدات الحماية الذي تركّز بين يدي كوادر درّبها حزب العمال الكردستاني، الأمر الذي أوجد سياقاً مكّن هذه الكوادر من حرمان المؤسسات الإدارية التي خلقها حزب الاتحاد نفسه من أي سلطة. وبالتالي، لم تفعل هذه المؤسسات شيئاً سوى احتواء الاحزاب السياسية الكردية وغير الكردية التي قد تتحدى الهمينة العسكرية لوحدات حماية الشعب. وبانتهاجهما مثل هذه المقاربة، أعاد الحزب والوحدات إنتاج أنماط الحكم التي طبّقها النظام السوري.
 
تحتل كوادر حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات الحماية التي درّبها حزب العمال الكردستاني هيكلية صنع القرار بشكل موازٍ للمسؤولين المُولجين شكلياً بإدارة شؤون المنطقة، وتنحو هذه العناصر العسكرية إلى التمتع بسلطات أكبر،25وتتدخّل في كلٍ من الشؤون الإدارية والسياسية. وهي، إلى جانب احتكارها شبه الحصري للشأن الأمني، تدير الموارد الطبيعية والمالية، وتتدخل في القضايا القضائية، وتفرض تعيينات في الإدارة المحلية. وتتلحّف عملية صنع القرار هذه بغطاء من السرّية وتكون محصورة بعدد صغير من المسؤولين، وتُنفّذ من خلال قادة يعملون إلى جانب المؤسسات الإدارية.26
 
على رغم أن المؤسسات الإدارية التي أقامها حزب الاتحاد الديمقراطي كانت بلا حول ولا قوة، إلا انها خدمت كجسر رئيس بين متشددي الحزب وبين سكان الجزيرة. وهذا أمر مهم، لأن الروابط كانت مفقودة تقريباً حين انتشرت قوات وحدات حماية الشعب الكردية للمرة الأولى هناك في العام 2012. كما سمحت هذه المؤسسات أيضاً لحزب الاتحاد بتشكيل جهاز إداري أساسي لإضفاء الشرعية على مكاسبه من الأراضي، وتقديم الخدمات الأساسية، وإيجاد آلية خاصة به لتقييد النشاطات السياسية.
 
تعهُّد جيل جديد من القادة
سعى حزب الاتحاد الديمقراطي، من خلال منح شخصيات محلية في الهيئات الإدارية للكانتونات والبلدايات والكومونات أدواراً قيادية رسمية، إلى استلحاق وترقية طبقة جديدة من النخب المحلية. وهو أقدم على ذلك بهدف خلق بديل عن المسؤولين الذين عيّنهم نظام الأسد. وفي حين كان أولئك الذين تسنموا مواقع قيادية من المهنيين الذين يقيمون علائق فضفاضة مع حزب الاتحاد، إلا أن أولئك الذين نسجوا اتصالات يومية بالسكان (وبالتالي شكّلوا مصدراً مهماً للمخابرات) كانوا أعضاء في الحزب او بمنظمات مرتبطة به. مثلاً، معظم رؤساء الكومونات ارتبطوا بحزب الاتحاد، ومثّلوا همزة وصل بين الحزب والسكان. وينحو الحزب من خلال هذه التعيينات إلى تمكين شخصيات طرفية أكثر تتحدر عامة من الطبقة الوسطى الدنيا وسبق أن همّشها النظام السوري خلال التعيينات السابقة. ولأن إدارة حزب الاتحاد تقدّم لهؤلاء الأفراد المداخل إلى الحراك الاجتماعي، فهي تضمن ولاءهم واستقلاليتهم عن شبكات السلطة التابعة للنظام.
 
يأتي هؤلاء الأفراد من جماعات متنوّعة في الجزيرة. فبينهم أكراد من عائلات ثانوية بالمقارنة مع الأسر الكبيرة المالكة للأراضي التي كانت تقود تقليدياً الأحزاب الكردية.27كما يضمون كذلك قادة عرباً قبليين لهم تحالفات قديمة مع الأكراد، مثل حميدي الدهام من شمر، الرئيس المشارك لكانتون الجزيرة، أو أعضاء القبائل العربية في الجزيرة المنافسين لشيوخ القبائل الذين يتعامل معهم النظام السوري عادة. علاوة على ذلك، يشكّل أعضاء الطائفتين الأشورية والسريانية في المناطق المدينية المهمة في الجزيرة كالحسكة والقامشلي حجر الزاوية لإدارة الدولة السورية في المحافظة، ويحتلون مناصب عليا كمحافظين ومديرين عامين في المستشفيات والمدارس. وردّاً على ذلك، رقّى حزب الاتحاد إلى مناصب أعلى الأشوريين والسريان الذي يتحدرون من بلدات أصغر حول القامشلي والحسكة، على غرار القحطانية أو الرميلان اللتين كان سكانهما يُستبعدون من مواقع السلطة.
 
صحيح أن المؤسسات الإدارية لحزب الاتحاد ضمّت في سلكها أعضاء من مختلف المجتمعات المحلية في المنطقة، إلا أن الصحيح أيضاً أن هؤلاء أختارهم الحزب وقبلوا احتكار وحدات حماية الشعب للشأنين العسكري والأمني. مثل هذا الاحتكار وضع كل المنظمات السياسية المشاركة في الإدارة في موقع التبعية. ولهذا السبب بالتحديد وجد الحزب الديمقراطي الكردستاني المرتبط بأكراد العراق نفسه عاجزاً عن الاشتراك في إدارة الشؤون الأمنية في الجزيرة، وبالتالي رفض الانضمام إلى الإدارة التي يدعمها حزب الاتحاد. لايزال في وسع الحزب الديمقراطي الكردستاني السوري وباقي الاحزاب السياسية الكردية العمل من داخل مكاتبهم وممارسة نشاطات سياسية محدودة، لكن إذا ما أرادت هذه الأحزاب تنظيم المظاهرات، سيتعيّن عليها أولاً الحصول على إذن من شرطة الأمن الداخلي في الإدارة، الأسايش.28والمحصلة: فيما شكّل حزب الاتحاد ووحدات الحماية إطاراً إدارياً يشمل ظاهرياً مختلف المجتمعات المحلية في إدارة الجزيرةـ، إلا انهما فعلا ذلك وهما يسعيان إلى الحفاظ على سيطرتهما المكينة على الجهاز الأمني في المنطقة.
 
استغلال تصورات التهديد الخارجي
بقيت ديناميكيات القوة في الجزيرة لصيقة بالوضع الإقليمي المجاور، وبالتصورات حول التهديدات الخارجية التي نجح حزب الاتحاد الديمقراطي في استغلالها. وفيما تميّز هذا الحزب بمركزية صنع القرار وبأولوية الأمن لديه، إلا أنه نجح في المناطق التي تقل فيها مخاطر التهديدات الخارجية، كعفرين، في إقامة شراكات مع قيادات محلية. فقد شارك العديد من المسؤولين المنتمين إلى الطبقة الوسطى في المؤسسات الإدارية للحزب، وهو أمر ضروري للحوكمة الرشيدة في المنطقة.29مع ذلك، يشي هذا بأن الجزيرة لها طبيعة مميّزة، إذ هي بقعة أسفر فيها تقاطع المصالح بين مختلف اللاعبين الإقليميين عن ضعف التعاون بين مسؤولي حزب الاتحاد وبين القادة المحليين، وعن ضعف الأداء الإداري، ما شجّع الاندفاع إلى بناء جهاز أمني قوي.30
 
بيد أن توفير الأمن والخدمات ليس الأداة الوحيدة في يد حزب الاتحاد للحفاظ على السيطرة، على رغم أنه بدا أن هذه هي الوسيلة الأنجع. فمنذ أن انتشر الحزب في الجزيرة، وحتى قبل الإعلان عن إنشاء إدارته المحلية في المنطقة، خلق أيضاً عدداً من المنظمات الاجتماعية التي أُريد منها توجيه المجتمع وبث إديولوجية الحزب، تيمّناً بما فعله حزب العمال الكردستاني بزعامة عبد الله أوجلان.31لكن يتضح الآن أن الإديولوجيا هي مجرد عامل صغير يربط سكان الجزيرة بحزب الاتحاد (لأن أفكار أوجلان لم تكن شعبية قط في الحسكة والقامشلي). ولعل أفصح مؤشر على هذه الديناميكية هو أن حزب الاتحاد عمّد الكومونات باسم شهدائه، وهذا شمل كومونة في القامشلي أُطلق عليها اسم الشهيد سرهاد، الذي لايعرف حتى سكان الكومونة أنفسهم هويته.32
 
بالتالي، ما كان أهم من الإديولوجيا هو قدرة حزب الاتحاد الديمقراطي على توفير الخدمات والحماية للسكان الذين يقيمون في المناطق التي يسيطر عليها، والذين باتوا يحتاجون إليها بشدة منذ أن سحب النظام السوري معظم قواته من المنطقة. وهذا ما توضحه وضعية الكومونات، التي أُسِّسَت في البداية لتكون الوحدات الأساسية الرئيس للحكم الذاتي الذي يستهدف نشر إديولوجيا حزب العمال الأوجلاني، لكنها تطوّرت بدلاً من ذلك لتعمل على توفير الأمن والخدمات الأساسية للمواطنين، ما أثبت أنها وسيلة أنجع لبناء صرح سيطرة حزب الاتحاد. ثم أنها مارست المهام نفسها التي تقوم بها المجالس البلدية وأصبحت عملياً هيئة مهمة يمكن للحزب من خلالها مراقبة المجتمع. في القامشلي، على سبيل المثال، هناك اكثر من 150 كومونة تضم كلٌ منها 150-160 عائلة.33وقد تحصّل الحزب على معلومات واسعة حول السكان من خلال توفير خدمات لهم كالماء والكهرباء وكذلك جمع القمامة، علاوة على تعيين قادة الكومونات من صفوف مناطقهم الخاصة. وهكذا، وبدلاً من أن تكون الكومونات، كما أُريد لها أساساً، وسيلة لتعبئة الناس وراء أفكار أوجلان، أصبحت في الواقع أداة لضبط السكان، ولممارسة أدوار عملية أكثر في ممارسة الحكم.34
 
سمح خطر تنظيم الدولة الإسلامية لحزب الاتحاد الديمقراطي بإجبار السكان المحليين، خاصة في شرق الجزيرة قرب الرميلان، على قبول شكل من أشكال الحكم العسكري، في مقابل توفير الحماية لهم. وقبل نهاية 2014، أصدرت الإدارة المحلية قانون الخدمة العسكرية الإجبارية، الذي يوجب على كل سوري فوق سن الـ18 عاماً الخضوع إلى دورة تدريب عسكرية مدتها ستة أشهر.35وقد طبّقت وحدات الحماية هذا القانون عبر الاعتماد على منظمات الحزب أو قادة الكومونات في إعداد قوائم التجنيد. مثلا، استخدم أعضاء وحدات الحماية في جامعة الفرات- فرع الحسكة منظمة طلاب مؤيّدة لأوجلان لتجنيد الطلبة للتدريب العسكري.36 ويصبّ الصراع مع الدولة الإسلامية في صالح حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب الكردية عبر طرق أخرى أيضا: إذ من خلال التهديدات التي يخلقها هذا الصراع، يجري تحييد المعارضة السياسية، في الوقت نفسه الذي تؤدي فيه الظروف الاقتصادية الصعبة الناجمة عنه (الصراع) إلى جعل السكان معتمدين على حزب الاتحاد للحصول على الخدمات والمداخل إلى الفرص الاقتصادية.
 
ساهمت الظروف الاقتصادية في بعض الأحيان في تسهيل التعاون مع الدولة السورية، على غرار قيام وفد من وزارة الصحة السورية بالاجتماع مع مسؤولي حزب الاتحاد الديمقراطي للبحث في نقل مواد طبية إلى الجزيرة.37وقد احتاج مهنيو الطبقة الوسطى وموظفو الدولة السورية، الذين كانوا يمتنعون في البداية عن العمل مع إدارة حزب الاتحاد، إلى مثل هذا التعاون لتوفير لقمة العيش في خضم تضخم متنامٍ، فيما هم يحافظون على وظائفهم في الدولة. وهذا يسلّط الأضواء على كيفية توظيف حزب الاتحاد للاختناقات التي يعاني منها السكان المحليون لتعزيز سلطته. في البداية، كان التحدي أمام الحزب هو إدماج الشبان السوريين في جهازه السياسي والحد من المعارضة، لكن مع تغيّر الأحوال الأمنية لم يعد أمام هؤلاء الشبان من سبيل سوى خيار بين أمرين: إما قبول الخدمة العسكرية، أو ترك الجزيرة ليصبحوا لاجئين في تركيا أو أوروبا. وقد أختار الكثيرون في الواقع خيار المغادرة.
 
المصالح الأمنية الإقليمية في جوار الجزيرة
 
خلق تأثير نظام حكم حزب الاتحاد الديمقراطي في الجزيرة مفارقة. ففي حين أقدمت الجهات الفاعلة الرئيسة التي لديها مصالح في المنطقة- أي أكراد العراق، والنظام السوري، وتركيا، والولايات المتحدة- على معارضة صعود كيان مستقل لحزب الاتحاد أو عرقلة حدوث ذلك، فقد عززت مساعيها لتحقيق أولوياتها الاستراتيجية الخاصة بشكل غير مباشر الإدارة الذاتية للحزب كنظام سيطرة عبر نواحٍ مختلفة.
 
منذ العام 2015، أقدمت حكومة إقليم كردستان التي يسيطر عليها الحزب الديمقراطي الكردستاني في العراق على إغلاق الحدود بين العراق والجزيرة بشكل متقطع. وذلك لأن المحاولات المتكررة التي بذلها الحزب الديمقراطي الكردستاني، الهادفة إلى إقناع حزب الاتحاد الديمقراطي بتقاسم سلطة صنع القرار في الجزيرة مع الأحزاب التي يدعمها الحزب الديمقراطي الكردستاني، باءت بالفشل. من جهته، أعاد اتفاق دهوك، الذي أُبرم في تشرين الأول/أكتوبر 2014 بين حزب الاتحاد الديمقراطي والأحزاب الكردية العراقية المقرّبة من حكومة إقليم كردستان، مؤقتاً إحياء احتمال التوصل إلى صيغة لتقاسم السلطة، لكن في نهاية المطاف لم يُكتب لهذا الاتفاق الصمود، إذ أن حزب الاتحاد الديمقراطي رفض السماح بنشر أي قوات عسكرية غير وحدات حماية الشعب الكردية في الجزيرة.38
 
مع ذلك، من شأن إغلاق الحدود أن يُفرز نتائج عكسيّة على مصالح الحزب الديمقراطي الكردستاني والأحزاب الكردية السورية التابعة له. فعلى الرغم من أن ذلك حدّ من قدرة إدارة حزب الاتحاد الديمقراطي على تحقيق اكتفاء ذاتي من الناحية الاقتصادية، إلا أنه أبقى أيضاً رزق سكان الجزيرة تحت رحمة حزب الاتحاد الديمقراطي. وعنى هذا الأمر، على نطاق أوسع، أن المنافذ الاقتصادية الوحيدة للجزيرة كانت المناطق التي يسيطر عليها النظام، ما يزيد من ضعف المنطقة ويعزّز رغبة الكثير من سكان الجزيرة في عدم قطع أوصال علاقاتهم مع دمشق.
 
وفي هذه الأثناء، تسبّب التدخل التركي في سورية، الذي يُعرف باسم عملية درع الفرات ويهدف إلى احتواء حزب الاتحاد الديمقراطي، بدفع وحدات حماية الشعب إلى تكثيف سيطرتها على الجزيرة وتحويلها إلى معقل عسكري ضد تركيا. وقد حفّزت الإجراءات التي اتخذتها أنقرة كوادر حزب الاتحاد الديمقراطي المدربين على يد حزب العمال الكردستاني إلى تشديد إجراءاتهم الأمنية ومواصلة عسكرة المنطقة، للوقوف في وجه أي هجوم محتمل من قبل الجيش التركي أو القوات التابعة له.
 
من ناحية أخرى، ترى الولايات المتحدة في وحدات حماية الشعب الكردية الحليف المناسب ضد تنظيم الدولة الإسلامية، لكنها لا تريد أن يصبح حزب الاتحاد الديمقراطي كياناً سياسياً قائماً بإمكانه زعزعة العلاقات مع تركيا. كما شجعت واشنطن، ولو لأسباب مختلفة تماماً عن أنقرة، عن غير قصد عسكرة الجزيرة. ففي الحملة التي تقودها الولايات المتحدة لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية، لعبت وحدات حماية الشعب دوراً رئيساً، كما ساهمت المساعدات العسكرية الأميركية في تعزيز عملية صنع القرار في يد حزب الاتحاد الديمقراطي المسندة إلى القادة العسكريين في وحدات حماية الشعب التي درّبها حزب العمال الكردستاني. وهكذا، تحوّلت الجزيرة فعلياً إلى خزان للمجندين العسكريين لدعم الحملة ضد الدولة الإسلامية.39يشار هنا إلى أن وجود مطار عسكري أميركي في الرميلان يعني الآن أن المنطقة باتت قاعدة عسكرية إقليمية مشابهة لتلك التي تعتمد عليها الولايات المتحدة في الخليج. ومع تواصل الحملة ضد الدولة الإسلامية، يبقى هذا التوتر معلّقاً من دون أي حلّ.
 
علاوةً على ذلك، لايزال حزب الاتحاد الديمقراطي مضطراً إلى الاعتماد على نظام الأسد في نواحٍ مهمة. فقد سيطر الحزب على بنية تحتية حيوية، لكنه ظل يعتمد على نظام الأسد للحصول على الخبرة التقنية للإفادة منها. وفي حين هيمن حزب الاتحاد الدیمقراطي الكردي/وحدات حمایة الشعب على أجزاء شاسعة من الجزیرة، استغل نظام الأسد عناصر وحدات حمایة الشعب لضمان عدم سقوط البنى التحتیة الاستراتیجیة في أیدي قوى المعارضة الأخرى، حتی وإن کان يسعی إلی ضمان ألا تکون إدارة حزب الاتحاد الدیمقراطي قادرة على التحرّر بشكل تام من التبعية له.
 
على صعيد آخر، تشكّل إمدادات الطاقة في الجزيرة خير مثال على كيفية سير هذه الديناميكية. منذ العام 2014، تسيطر قوات وحدات حماية الشعب على حقول النفط في الرميلان. لكن إدارة حزب الاتحاد الديمقراطي لا تحكم قبضتها على مصفاة نفط- أقربها يقع في حمص- أو على خط أنابيب لتصدير النفط.40ونتيجة لذلك، لجأت إدارة الحزب إلى تهريب النفط عبر المناطق الخاضعة إلى سيطرة النظام. إضافةً إلى ذلك، يعكس إنتاج الكهرباء واقعاً مماثلاً. فعلى الرغم من أن محطة كهرباء الرميلان خاضعة إلى سيطرة وحدات حماية الشعب، إلا أن كبار مهندسيها وفنييها هم جميعهم موظفون لدى الدولة السورية من خارج محافظة الحسكة. وهؤلاء الموظفون، الذين لازالوا يتقاضون رواتبهم من نظام الأسد، هم الوحيدون الذين يملكون المهارات المطلوبة لتشغيل وصيانة المحطة. الجدير ذكره هنا هو أن هذه الأخيرة تزوّد مقرات الأجهزة الأمنية في الحسكة والقامشلي بالطاقة الكهربائية، لكنها لاتؤمنها لسكان المدن الذين يعتمدون إلى حدّ كبير على المولدات الخاصة.41كما استولت وحدات حماية الشعب على محطة مبروكة لتوليد الكهرباء في العام 2016، ما قد يسمح لها بتزويد سكان الحسكة بالكهرباء بشكل ثابت. مع ذلك، تتطلب هذه المحطة أيضاّ وجود موظفين مهرة من أجل تشغيلها على نحو صحيح.
 
على الرغم من تواجده المحدود في الجزيرة، حرص النظام على إبقاء شعاراته السياسية مبثوثة في الأماكن العامة، كمؤشّر على حضوره المتواصل في المنطقة إلى جانب حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي ووحدات حماية الشعب. كذلك، لايزال تمثال حافظ الأسد منتصبًا عند المستديرة الواقعة في وسط مدينة القامشلي الخاضع إلى سيطرة أمنية مشتركة من القوات النظامية والقوات الكردية، فيما تنتشر الشعارات السياسية المؤيّدة لحزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب في سائر الأحياء الخاضعة كليّاً إلى السيطرة العسكرية الكردية. لكن، عند إحدى مستديرات الحسكة، رُفعت على جانبي الطريق أعلام حزب البعث المؤيدة للأسد من جهة، وأعلام حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي من الجهة الأخرى.42
 
في ظل هكذا ظروف، تراوحت مواقف الجهات الفاعلة الرئيسة في منطقة الجزيرة – أي أكراد العراق والنظام السوري وتركيا والولايات المتحدة - بين معارضة نشوء كيان مستقل أو إثباط هذه الخطوة. لكن مساعيها الرامية إلى تحقيق أولوياتها الاستراتيجية الخاصة، أفضت بشكلٍ غير مباشر إلى مساعدة وحدات حماية الشعب الكردية على تعزيز منظومة سيطرتها العسكرية. لكن حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي عجز حتى الآن عن بناء مؤسسات حكم ذاتي فعّالة تتيح للمجتمعات المحلية داخل الجزيرة المشاركة فيها. وحالت دون ذلك مروحة من الديناميكيات الإقليمية، ناهيك عن أن سلوك حزب الاتحاد الديمقراطي كان مدفوعاً بضرورة ضبط الأوضاع وتنظيمها، في منطقة تتّسم بالتنوع الطائفي والإثني. كذلك، لم يبلور حزب الاتحاد الديمقراطي نظاماً للحوكمة الفعّالة، بل آثر التركيز على الحفاظ على السلطة. لذا، من غير المستغرب أنه فشل في بناء إدارة تركّز على الحوكمة بدلاً من السيطرة والاحتواء، نظراً إلى الظروف بالغة التعقيد التي تسود الجزيرة، والأخطار المُحدقة التي تهدّد النظام السوري وسائر البلدان المجاورة.
 
ماذا يخبّئ المستقبل لمنطقة الجزيرة؟
 
لم تعانِ الجزيرة القدر نفسه من العنف والقمع اللذين ذاقت مرارتهما مناطق أخرى في شمال سورية. لكن، نظراً إلى مدى تداخل مصالح اللاعبين الإقليميين والدوليين في هذه البقعة الواقعة شمال شرقي البلاد، لن تُطوى صفحة أوجه التعقيد التي تميّز منطقة الجزيرة، مهما كان الإطار السياسي الذي سيتم التوصّل إليه عند انتهاء الصراع. ولن يُكتب النجاح لأي عملية سلام سورية، ما لم تجد حلّاً وسطاً كفيلاً بتهدئة المخاوف التي تساور مختلف القوى التي لديها مصالح حيوية في الجزيرة – بدءاً من نظام الأسد وحزب العمال الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني، مروراً بتركيا ووصولاً إلى الولايات المتحدة.
 
نتيجةً للأولوية التي يوليها حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي للأمن، عانت منطقة الجزيرة بشكلٍ متواصل من قصورٍ على مستوى التنمية، ومن التهميش، ومن الاعتماد على الخارج. وما يسلّط الضوء أكثر على ضآلة الخيارات المُتاحة أمام سكان هذه المنطقة هو احتمال أن تنضوي الجزيرة مجدّداً تحت لواء سلطة دمشق، في حال فشل مشروع حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في إرساء ركائز الحوكمة عوضاً عن السيطرة. من الصعب أن نتخيّل سيناريواً تتمكّن فيه الجزيرة من النهوض بهذه التحديات، من دون أن نتمعّن في الأولويات المتنافسة التي تتنازع كل الجهات الفاعلة ذات المصلحة في المحصّلة النهائية التي ستتمخّض عنها الأحداث في الجزيرة.
 
إن تحقيق اللامكزية في سورية، أي نقل السلطة السياسية من دمشق إلى عواصم المحافظات، لن يتصدّى لجوهر المشكلة الأساسية التي تعاني منها الجزيرة، والتي تتمثّل في المخاوف الأمنية المتنافسة، والمتضاربة غالباً، التي تعتري الجهات الفاعلة الرئيسة فيها. وقد حدا هذا الأمر بالقوى التي تمسك زمام السلطة السياسية في الجزيرة إلى انتهاج مقاربة تركّز على الأمن، ما عرقل المشاريع التنموية في المدينة. لذلك، ينبغي أن تضع أي عملية سلام في سورية نُصب أعينها طرح حلول مُحتملة للجزيرة تتخطّى مسألة اللامركزية، وأن تشجّع مختلف الجهات المعنية على القبول بخفض سقف الأهداف التي تصبو إلى تحقيقها.
 
في غضون ذلك، ستظلّ التطورات في الجزيرة مرتبطة بالتحديات الأمنية التي تتخبّط فيها هذه المنطقة ومناطق أخرى في سورية منذ سنوات عدّة، ومن ضمنها الصراع المتواصل بين الحكومة التركية وبين انفصاليي حزب العمال الكردستاني، ومسار تطوّر العلاقة بين دمشق وأنقرة. وسيكون من المهم كذلك ترقّب مآل العلاقة بين حزب العمال الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة مسعود برزاني، التي قد تحدّد إمكانية فتح الحدود الشرقية لمنطقة الجزيرة أم لا. لا بدّ، للتوصّل إلى حلٍّ دائم، من مراعاة مطلب تركيا والحزب الديمقراطي الكردستاني بعدم إبقاء الجزيرة تحت سطوة منظمة مرتبطة بحزب العمال الكردستاني، وتقديم ضمانات لكلٍّ من حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي بأنه سيبقى في الجزيرة حتى بعد إلحاق الهزيمة بالدولة الإسلامية، وللدولة السورية بأن الجزيرة ستظل منضوية تحت لواء مؤسسات الدولة.
 
باختصار، يجب أن ينبع أي حل سياسي في سورية من الإقرار بأن المخاوف الأمنية والأهداف الاستراتيجية الخاصة بكل هذه القوى الفاعلة، تتداخل وتتقاطع في الجزيرة بطرق في غاية التعقيد.
 
هوامش
 
1 يمكن وصف المجتمعات المحلية العربية والأشورية والكردية والسريانية في سورية على أنها مجموعات إثنية لا مجموعات طائفية، ذلك أن الاختلافات في ما بينها ليست دينية بالدرجة الأولى. فالغالبية الساحقة من الأكراد، وكل القبائل العربية المنتشرة في الجزيرة، هم من المسلمين السنّة، لكن هاتين المجموعتين لا تتشاطران اللغة نفسها ولا العادات الاجتماعية نفسها، ولدى كلٍّ منهما اعتقاد راسخ بأنهما تتحدّران من أصول مختلفة. يُضاف إلى ذلك أن السريان والأشوريين هم مسيحيين، ما يضفي عنصر الاختلاف الديني إلى المعادلة، مقارنةً مع الأكراد والعرب السنّة، إلى جانب الاعتقاد الراسخ في صفوف السريان والأشوريين بأنهم يتحدّرون من أصول مختلفة عن جيرانهم الكرد والعرب.
 
2 انظر: Andre Gibert and Maurice Fevret, “La Djezireh Syrienne et Son Reveil Economique,” Revue de Geographie de Lyon 28, no. 1 (1953): 1–15.
 
3 Jordi Tejel Gorags, “Un Territoire en Marge en Haute Djezireh Syrienne (1921-1940),” Etudes Rurales (July-December 2010): 61–76.
 
4انظر محمد جمال باروت، "التكوّن التاريخي الحديث للجزيرة السورية" (بيروت: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، تشرين الثاني/نوفمبر 2013)، 749، 778.
 
5 مقابلة أجراها الكاتب مع شيخ قبلي من الجزيرة، غازي عنتاب، تركيا، حزيران/يونيو 2015.
 
6 الجزيرة، "اتفاق أضنة التركي السوري.. بروتوكول أمني حمّال أوجه"، الجزيرة، 11 آب/أغسطس 2016،http://www.aljazeera.net/encyclopedia/events/2016/11/8/اتفاق-أضنة-التركي-السوري-بروتوكول-أمني-حمال-أوجه
 
7 انظر "المرسوم التشريعي 49 لعام 2008 تعديل القانون 41 لعام 2004": http://parliament.gov.sy/arabic/index.php?node=5588&cat=4784&%2049%20law,%202008
 
8 "بروفيل سياسي-أمني للواء محمد منصورة (تقرير خاص بمناسبة تعيينه رئيساً لشعبة الأمن السياسي في سورية)"، الحوار المتمدن، http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=30163
 
9 انظر هذه القائمة المفيدة بأسماء الأحزاب الكردية: Ghadi Sary, “Kurdish Self-Governance in Syria: Survival and Ambition,” Chatham House, September 15, 2016, 7, https://www.chathamhouse.org/sites/files/chathamhouse/publications/research/2016-09-15-kurdish-self-governance-syria-sary_0.pdf.
 
10 مقابلة أجراها الكاتب مع مواطن من القامشلي (عبر سكايب)، أيلول/سبتمبر 2016.
 
11 Julie Gauthier, “Les événements de Qamichlo: irruption de la question kurde en Syrie?” Études Kurdes, no. 7 (May 2005): 97–114.
 
12 مقابلة أجراها الكاتب مع أحد وجهاء القامشلي (عبر الهاتف)، كانون الثاني/يناير 2017.
 
13 مقابلة أجراها الكاتب مع مواطن من القامشلي (عبر سكايب)، أيلول/سبتمبر 2016.
 
14 مقابلة أجراها الكاتب مع متظاهر من القامشلي، اسطنبول، تموز/يوليو 2016.
 
15 مقابلة أجراها الكاتب مع مواطن من القامشلي (عبر سكايب)، أيلول/سبتمبر 2016.
 
16 Fabrice Balanche, “Les Municipalités Dans la Syrie Baathiste: Déconcentration Administrative et Contrôle Politique” [Municipalities in Baathist Syria: Administrative decentralization and political control], Revue de Tiers Monde, no. 193 (2008): 170.
 
17 "الأسد يصدر مرسوما لتجنيس أكراد شمال شرقي سورية"، بي بي سي عربي، 7 نيسان/أبريل 2011، http://www.bbc.com/arabic/multimedia/2011/04/110407_syria_kurd_nationality.shtml
 
18 "فسيفساء التنوع المجتمعي مصدر قوة سيسقط المؤامرة"، تشرين، 22 آذار/مارس 2012، http://archive.tishreen.news.sy/tishreen/public/read/254095
 
19 مجموعة الأزمات الدولية، "أكراد سورية: صراع داخل الصراع"، (بروكسل: مجموعة الأزمات الدولية، 22 كانون الثاني/يناير 2013)، ص. 23، https://d2071andvip0wj.cloudfront.net/syrias-kurds-a-struggle-within-a-struggle-arabic.pdf
 
20 “Agenda Hiwar 30-3-2015,” YouTube video, 1:18:19, posted by “Sama Channel,” March 30, 2015, https://www.youtube.com/watch?v=jv7nZi_noU0.
 
21 مقابلة أجراها الكاتب مع مواطن مقيم في القامشلي (عبر سكايب)، أيلول/سبتمبر 2016.
 
22 المصدر السابق.
 
23 مقابلة أجراها الكاتب مع مواطن مقيم في القامشلي (عبر سكايب)، أيلول/سبتمبر 2016.
 
24 حول الديناميكيات القبلية في المناطق التي تسيطر عليها وحدات حماية الشعب الكردية، انظر خضر خضّور وكيفن مازور، "توقعات من الشرق: الديناميكيات المتغيرة في المناطق القَبَلِيَة السورية"، مركز كارنيغي للشرق الأوسط، 28 شباط/فبراير 2017، http://carnegie-mec.org/2017/02/28/ar-pub-68108
 
25 Rana Khalaf, Governing Rojava: Layers of Legitimacy in Syria (London: Chatham House, December 2016), https://syria.chathamhouse.org/research/governing-rojava-layers-of-legitimacy-in-syria.
 
26 مقابلة أجراها الكاتب مع ماريا فانتابيه، كبيرة الباحثين في مجموعة الأزمات الدولية، استنبول، أب 2016
 
27 المصدر السابق.
 
28 مقابلة أجراها الكاتب مع مواطن مقيم في القامشلي (عبر سكايب)، أيلول/سبتمبر 2016.
 
29 مقابلة أجراها الكاتب مع مواطن مقيم في عفرين، غازي عنتاب، تركيا، حزيران/يونيو 2014.
 
30 المصدر السابق.
 
31 مقابلة أجراها الباحث المساعد ياسر عثمان مع رئيس مجلس بلدية القامشلي، أيلول/سبتمبر 2016.
 
32 مقابلة أجراها الكاتب مع مواطن مقيم في القامشلي (عبر سكايب)، أيلول/سبتمبر 2016.
 
33 "زيادة عدد الكومينات في قامشلو"، وكالة أنباء هاوار، 13 كانون الأول/ديسمبر 2016، http://www.hawarnews.com/زيادة-عدد-الكومينات-في-قامشلو/
 
34 للاطلاع على مثال عن التدريب الإيديولوجي المقدم في الكومونات، انظر "افتتاح دورةً تدريبيةً فكريةً جديدةً باسم دورة المناضل "فرهاد""، وكالة أنباء هاوار، 1 نيسان/أبريل 2016، http://www.hawarnews.com/افتتاح-دورةً-تدريبيةً-فكريةً-جديدةً-ب/
 
35 "إصدار قانون أداء واجب الدفاع الذاتي عن مناطق الإدارة الذاتية"، روهاني، 14 تشرين الأول/أكتوبر 2014، http://bit.ly/2n1PYP0
 
36 مقابلة أجراها باحث مساعد في القامشلي، كانون الأول/ديسمبر 2016.
 
37 "وفد وزاري من الحكومة السورية يجتمع مع مسؤولين في مقاطعة الجزيرة بمطار القامشلي"، رووداو، 28 أيلول/سبتمبر 2016، http://rudaw.net/mobile/arabic/kurdistan/280920169
 
38 مجموعة الأزمات الدولية، "الصعود الهش لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي"، (بروكسل، مجموعة الأزمات الدولية، 8 أيار/مايو 2014)، ص. 9 – 11، https://d2071andvip0wj.cloudfront.net/flight-of-icarus-the-pyd-s-precarious-rise-in-syria-arabic.pdf
 
39 مقابلة أجراها الكاتب مع ماريا فانتابيه، كبيرة الباحثين في مجموعة الأزمات الدولية، استنبول، أب 2016
 
40 مقابلة أجراها الكاتب في القامشلي (عبر سكايب)، تشرين الأول/أكتوبر 2016.
 
41 مقابلة أجراها الكاتب في القامشلي (عبر سكايب)، أيلول/سبتمبر 2016.
 
42 ملاحظة أبداها باحث مساعد في الحسكة، كانون الأول/ديسمبر 2016.