الرئيسة \  مشاركات  \  كيف نفهم القرآن الكريم

كيف نفهم القرآن الكريم

09.05.2024
د. محمد رفعت زنجير




كيف نفهم القرآن الكريم
د. محمد رفعت زنجير
***
أرسل إلي كاتب فاضل مشهور رسما بيانيا لقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) البقرة.
وخلاصة الرسم أن الإيمان بالله واليوم الآخر كفيل بالنجاة والنجاح للمذكورين في تلك الآية الكريمة...
فكتبت إلى سعادته:
مساء الخير
القرآن جاء وفق لغة العرب التي فيها المجاز والإيجاز
أنت كطبيب مثلا تقول مرة عندما تزور قسم أمراض القلب أهم شيء صحة القلب
وعندما تزور قسم الأمراض النفسية تقول أهم شيء صحة العقل والأعصاب
وعندما تزور قسم الأمراض المعدية تقول أهم شيء الوقاية من العدوى
في المحصلة صحة القلب والنفس والوقاية من الأمراض المعدية كلها مطلوبة..
والقرآن حين يفرد آية تتحدث عن الإيمان بالله واليوم الآخر
وآية تقول كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله
وآية تتحدث وأن ليس للإنسان إلا ما سعى
وآية تقول إلا من أتى الله بقلب سليم
في المحصلة أركان الإيمان كلها مطلوبة مع العمل الصالح مع صفاء القلب
التشبث بآية واحدة والاعتماد عليها دون غيرها خطأ منهجي .. إذ لوكانت آية واحدة تغني عما سواها فلماذا أنزل الله سبحانه وتعالى هذا القرآن...
في امتحانات المدرسة كانوا يضعون امتحان الرياضيات أول يوم لأهميته ولكن هذا لا يعني بحال أن من نجح في الرياضيات ولم يقدم بقية المواد سيكون ناجحا في المحصلة..
رزقنا الله تعالى وإياكم حسن الخاتمة
وتحياتي لك.
***
(تذييل) احترام الأديان الأخرى وبيوت العبادة واجب، قال تعالى:
(وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ۗ ).
وقد حافظ العرب الفاتحون على بيوت العبادة والأقليات غير المسلمة ولم يجبروا أحدا على الإسلام احتراما لكرامة الإنسان وحريته.
وذهب بعض الصوفية إلى محبة كل الأديان... وهنالك أناس من الفلاسفة والصوفية يعتبرون الأديان كلها طرقا مختلفة تؤدي إلى حقيقة واحدة وهي محبة الخالق العظيم.. فيحملون الحب للجميع، ويترحمون على الجميع ويؤمنون بوحدة الوجود... فلا خالق ولا مخلوق ولا عاشق ولا معشوق، كما قال الحلاج:
أنا من أهوى ومن أهوى أنا
نحن روحان حلنا بدنا
نحن مذكنا على عهد الهوى
تضرب الأمثال للناس بنا
فإذا أبصرتني أبصرته
وإذا أبصرته أبصرتنا
ولعل بعضهم يحاكي مذهب ابن عربي حيث قال:
لقد صار قلبي قابلاً  كل صورة
فمرعى لغزلان ودير لرهبان
وبيت لأوثان وكعبة طائف   
وألواح توراة ومصحف قرآن
أدين بدين الحب أنّى توجــهت
ركائبه فالحب ديني وإيـــماني
ويقول جلال الرومي:
(إن ملة العشق قد انفصلت عن كافة الأديان؛ فمذهب العشاق وملتهم هو الله).
ويقول أيضا:
(انظر إلى العمامة أحكمها فوق رأسي...
بل انظر إلى زنار زاردشت حول خصري...
فلا تنأ عني لا تنأ عني...   
مسلم أنا ولكني نصراني وبرهمي وزرادشتي...
توكلت عليك أيها الحق الأعلى...
ليس لي سوى معبد واحد...
مسجداً أو كنيسة أو بيت أصنام...
ووجهك الكريم فيه غاية نعمني...
فلا تنأ عني، لا تنأ عني).
***
إن التعايش والاحترام والسلام بين الأديان والمذاهب المختلفة ضروري ومطلوب لأمن المجتمعات وتقدم الحضارات، والتعايش شيء مختلف عن التمازج والانصهار حتى يصير الكل شيئا واحدا.. صحيح أن بين هذه الأديان والمذاهب مشتركات كثيرة وقواسم مشتركة ... ولكن بينها أيضا مسافات واسعة من الاختلاف...
أما بشأن مسألة الحلول ووحدة الوجود والمساواة بين الأديان وجعل الشرك والتوحيد على قدم واحدة سواء .. فكل هذا وهم لا يقبله عقل ولا نقل.. وقد كثر من يروجون لمثل هذا الخلط قديما وحديثا، ولا يصح في النهاية غير الصحيح.. قال تعالى:
(أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَّابِيًا ۚ وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ ۚ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ ۚ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ۚ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ (17) الرعد.
صدق الله العظيم.