اخر تحديث
السبت-20/07/2024
موقف
زهيرفيسبوك
رؤية
دراسات
مشاركات
صحافةعالمية
قطوف
جديد
مصطلحات
رسائل طائرة
الثورة السورية
حراك الثورة السورية
حدث في سورية
نساء الثورة السورية
اطفال الثورة السورية
المجتمع السوري المدمر
شعارات الثورة السورية
ثلاث سنوات على الثورة
أيام الثورة السورية
المواقف من الثورة السورية
وثائقيات الثورة السورية
أخبار سورية
ملفات المركز
مستضعفين
تقارير
كتب
واحة اللقاء
برق الشرق
وداع الراحلين
الرئيسة
\
قطوف وتأملات
\ لا تغرنك المظاهر
لا تغرنك المظاهر
07.10.2015
الدكتور عثمان قدري مكانسي
جلس المعلم العظيم صلى الله عليه وسلم مع بعض أصحابه أمام مسجده صلى الله عليه وسلم ، فمرَّ رجل من أشراف الناس، فسلم، فرد الرسول الكريم السلام بأحسن منه، كان الرجل يلبس غلالة رقيقة جديدة تشف عما تحتها من ثوب جميل، كان يملأ العين وينبئ عن نعمة يتقلب فيها، فنظر إليه رجل من المسلمين نظرة تنِمُّ عن إعجاب ورغبة في أن يكون مثله غنياً، موسراً، وأن يكون في مثل مكانته شرفاً وسؤدداً..
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتابع نظرات هذا الرجل ومتابعته للمارِّ حتى جاوزهم، وغاب عن أنظارهم، فالتفت إلى الرجل فقال له: ((ما رأيك في هذا؟)).
لقد تبعَتْ نظراتُ الرجل ونفسهُ ذاك الذي مرَّ، وتمنى أن يكون مثله جاهاً وثراء، فرأيه إذاً معروف، وإجابته لن تكون سوى الإطراء والمديح.. وهكذا كان فقد قال المسؤول للنبي الكريم ما يحس به ويعتقده: هذا والله لجدير أن يجاب طلبه في كل مايريد، فإن خطب إلى قوم كان لهم الشرف أن يزوِّجوه، وهل يجدون خيراً منه محتداً، وأكثر أموالاً وأشرف مكانة؟!! إنهم يرتفعون مكانة إنْ أصهر إليهم، فقربهم إليه.
وهو جدير أيضاً إن سار في حاجة أن تُقضى، فإن منزلته كبيرة وجاهه عظيم، ولا ينبغي أن يرد، وهل يرد أمثاله عن الشفاعة؟
لم يحِرْ رسول الله صلى الله عليه وسلم جواباً، ولم يعلق على رأي المسؤول، فهو صلى الله عليه وسلم لا يحب الجدال والمراء، فالله تعالى كفل للمبتعدين عن الجدال – ولو كانوا أصحاب حق – قصراً رائعاً في منتصف الجنة وأعلاها مكاناً، والجدال يورث في النفس الألم، وفي القلب الكمد، ويتعب صاحبه دون طائل..
ومر رجل آخر مشيته على الأرض خفيفة، ليس فيها تصنع ولا خيلاء، ثيابه بسيطة لكنها نظيفة – فالمسلم نظيف – هيئته تدل على فقر مستور ينأى بصاحبه أن يمد يده للناس، يتخذ من العفاف سمتاً، يحسبه الناس غنياً من التعفف..
فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى من سأله آنفاً، فقال: ((ما رأيك في هذا؟))،
لم يملأ عينَه كما فعل الرجل السابق، فكانت نظراته إليه تختلف عن الآخر، بل إنها كانت عن النقيض منها! فقال: هذا رجل من فقراء المسلمين!! مغمور لا يهتم به أحد، ولا يلقى إليه بالاً، وأي فائدة يجنيها المرء إن صاحبه وخالطه؟
هذا جدير إن خطب أن يرد، فلا يُزوّج، فزوجته ستعيش معه في حال سيئة، وضنك واضح، لا جاه له يحتمي به الآخرون، ولا مكانة تشفع له عندهم، ولن يسمع أحد قوله أو ينصت إليه..
حكم على الرجلين أحكاماً تتسم بالسطحية، والنظرة المادية، أُخِذ بظاهر الأول وعاف حالَ الثاني، ونسي أن الله لا ينظر إلى صور الناس وأجسادهم، بل إلى قلوبهم وأعمالهم، ونسي أيضاً أن الفخر والخيلاء صفة المتكبرين الفارغين، الذين يرون لأنفسهم ما لا يرونه للآخرين، ونسي كذلك أنه كم من أشعث أغبر لو أقسم على الله لأبرَّه، قوّام، صوّام .. يرى الدنيا فانية، والحياة إلى زوال.
وكثير من الناس تغرهم البهارج، وتسحرهم الأعراض، فيغفلون عن الجوهر، وينساقون وراء كل ما يلمع، ويبرق، يشدهم سرابها، ويستهويهم خُلّبُها..
وهنا يعيد الرسول الكريم الأمور إلى نصابها، ويقوِّم الأحكام الخاطئة، وينبه الضائعين عن النهج السليم، ويهديهم إلى الصراط المستقيم، فيقول:
((إن هذا الفقير الذي أنفت أن تكون مثله في تواضعه وتقواه وصفاته الحميدة التي لم تتبدّ لك لقصر نظرتك خير من ملء الأرض مثل ذلك الرجل الذي أخذ عليك لبّك فأعماك عن الحقيقة)).
فالإنسان يحكم بعين بصيرته على الأمور لا بعين بصره.
رياض الصالحين: باب فضل ضعفة المسلمين الحديث/181/ رواه البخاري