الرئيسة \  واحة اللقاء  \  لماذا المؤامرة على تركيا؟

لماذا المؤامرة على تركيا؟

15.03.2016
عبد العزيز الكحلوت


الشرق القطرية
الاثنين 14-3-2016
إذا سلمنا بفرضية المؤامرة على تركيا فإن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو لماذا المؤامرة على تركيا؟ لا شك أن ثمة مجموعة من العوامل المتضافرة تجمعت لتحرض بعض الدول على التآمر ضد تركيا ولعل أهمها ما أرساه حزب العدالة والتنمية من استقرار وما انتهجه من سياسات رشيدة أخرجت تركيا من عزلتها وقربتها من محيطها العربي والإسلامي فأصبح لها دور فاعل في قضايا أمتها الإسلامية وفي طليعتها قضية فلسطين، فإسرائيل لم تنس لأردوغان مواقفه في منتدى دافوس، ولا محاولاته فك الحصار عن غزة، ولا احتضانه المظلومين، ولا الشروط الصعبة التي وضعتها الحكومة التركية لعودة العلاقات التركية، ولا إلغاءها الاتفاقيات المبرمة بين الطرفين، ولا وقف تعاونها الأمني والعسكري، ولا يزال المسؤولون الإسرائيليون غير قادرين على السفر خارج إسرائيل بسبب الدعاوى القانونية التي رفعتها تركيا ضدهم، والتي من المتوقع أن تنظر فيها المحاكم حال خروجهم. ومهما قيل عن التغيرات الإقليمية والدولية التي جرت خلال السنوات التي تلت موقعة أسطول الحرية البحرية فإن الرئيس أردوغان ظل ثابتا على اشتراطاته حتى بعد أن ساءت علاقات بلاده مع روسيا على إثر إسقاط الطائرة الروسية السوخوي في نوفمبر الماضي ودخول إسرائيل في تحالفات سرية وعلنية مع روسيا وإيران وتعثر العلاقات التركية مع كل من إيران والعراق، فأبقى التعاون الأمني والعسكري مع إسرائيل مجمدا، كما لم يتنازل عن حق تركيا في ملاحقة المسؤولين العسكريين الإسرائيليين عن الاعتداء على أسطول الحرية الذين أصبحوا محصورين داخل إسرائيل بسبب الدعاوى القانونية المرفوعة ضدهم في المحاكم ولا فرط في حقوق الشعب الفلسطيني.
مواقف تركيا المناهضة للحصار والعدوان على غزة تعد واحدة من أهم أسباب التآمر على الجمهورية التركية، وروسيا والولايات المتحدة الأمريكية تنفذان خطة لصالح أمن واستقرار إسرائيل، وثمة قاعدة تقول بأنه كلما ازدهرت علاقات تركيا مع محيطها العربي والإسلامي ساءت علاقتها بإسرائيل، فالغرب والأخيرة لا يريدان لتركيا علاقات تجارية وثقافية ودينية مع محيطها العربي والإسلامي، بينما عملت تركيا قبل الأزمة السورية وبعدها على تفعيل هذه العلاقات لتنتقل من كونها اقتصادية إلى كونها علاقات ثقافية ودينية وشعبية، وبالمثل فإن أوروبا تريد لتركيا أن تظل في حاجتها رغم أنها حتى الآن لم تضمها إلى الاتحاد الأوروبي رغم استيفاء تركيا لكل الشروط المطلوبة -رغم أنها قبلتها في حلف الناتو- وهو ما حمل كثيرا من الأتراك على الاعتقاد بأن الاتحاد اﻷوروبي منظمة مسيحية ﻻ مكان لبلادهم فيها، وقد صرحت بذلك فعلا تانسو تشيلر رئيسة حكومة تركيا قبل نحو عقدين من الزمان مستندة إلى تصريحات بعض الساسة اﻷوروبيين، وبالتأكيد فإن تركيا علمانية منطوية على نفسها تعادي الإسلام وتصنع ثقافة وطنية للشعب التركي المسلم يعادي فيها دينه وحضارته وتاريخه وتغتال الانقلابات نموها وازدهارها، هي الأفضل بالنسبة إلى إسرائيل والغرب، وتمزيق تركيا وعزلها عن محيطها وشغلها واستنزافها في حروب داخلية كتلك التي مع حزب العمال الكردستاني أو خارجية كتلك التي مع الحزب الديمقراطي السوري ووحدات حماية الشعب ينزع عن تركيا استقرارها ويحرمها النمو والازدهار المتحقق خلال خمسة عشر عاما التي حكم فيها وخلالها حزب العدالة والتنمية، ومهما حاول الغرب إخفاء وجهه الحقيقي فإن الشعب التركي العظيم لم ينس محاولة اليونان -بدعم من الغرب وخاصة بريطانيا- احتلال بلاده بعد الحرب العالمية الأولى مستغلا هزيمة تركيا في هذه الحرب، فيما عرف تاريخيا بالحرب التركية اليونانية من 1919 وحتى 1922 في محاولة لتقسيم تركيا بين اليونان وأرمينيا وتجزيء ما تبقى منها، ولا يزال إضعاف تركيا وإفشال مشروعها الحضاري النهضوي حلما يراود أعداء تركيا التاريخيين وكذلك إسرائيل التي لا ترى في أردوغان رجلا يمكن أن يحقق لها طموحاتها في المنطقة، فالغاز المكتشف فيها لا يمكن تصديره بسهولة إلا عن طريق تركيا كما أن وقوف أردوغان مع الفلسطينيين كان أيضا من بين أهم الأسباب التي دفعت إسرائيل إلى محاولة تقويض استقرار بلاده، ومن ناحية أخرى فإن إضعاف تركيا مطلب روسي باعتبارها دولة داخلية مهيمنة على المضائق وطريقها إلى المياه الدافئة. ولقد كان هذا ضمن ما اتفق عليه في اللقاء الذي جمع كلا من بوتين ونتنياهو في موسكو العام الماضي، وهو ما يفسر لنا كيف ألغت روسيا شراكتها الاقتصادية مع تركيا ولم تدخر وسيلة إلا واستخدمتها ضدها ومن بينها قصف التركمان ودعم حزب العمال الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردي السوري.
تركيا ذات الموقع الجيوسياسي المهم وربما الأهم في العالم، ونقول هذا لأنها ملتقى القارتين أوروبا وآسيا ومجمع البحرين الأبيض والأسود والمهيمنة على المضيقين البوسفور والدردنيل والجسر الشرقي الذي عبرت عليه الحضارة الإسلامية إلى أوروبا في أوج ازدهارها، حاولت انتهاج سياسة صفر مشاكل، واتخذت من التعاون الاقتصادي وسيلة للتقارب مع دول المنطقة ووقعت اتفاقية مودة وسلام مع المكون الكردي التركي الذي نقضها حزب العمال الكردستاني فيما بعد، وكان من نتيجة ذلك أن نما الاقتصاد التركي بمعدل سنوي قدره 4.7 بالمائة في الفترة مابين 2002 إلى 2014 وقد نجح حزب العدالة والتنمية في إعادة هيكلة الاقتصاد التركي في عام 2003 فازدهرت تركيا جديدة بناتج محلي يصل إلى نحو 1.5 تريليون دولار ليصبح اقتصادها السادس عشر عالميا وأكبر سادس اقتصاد في أوروبا ولتصبح عضوا فاعلا ومهما في مجموعة العشرين، واحتلت تركيا المركز الثاني كأكبر مُنتِج للصلب بين بلدان الاتحاد الأوروبي ال27 والمركز الثامن عالميًا، كما تتوقع أن يتيح لها موقعها الإستراتيجي سوقا محتملة يبلغ تعداد سكانها 1.5 مليار نسمة بناتج محلي إجمالي كلي قدره 25 تريليون دولار أمريكي وبحجم تجارة خارجية قدره 8 تريليونات دولار أمريكي، وهي الآن بعد أن أكدت هويتها الإسلامية تتطلع من خلال برنامج تنموي شامل لتصبح مع حلول عام 2023 في المركز العاشر عالميا وقادرة على إنتاج كل ما تحتاجه من سلاح وعتاد من البندقية حتى الطائرة، وهذا ما قاله أردوغان "هدفنا هو تخليص صناعات الدفاع بالكامل من الاعتماد على الخارج بحلول عام 2023"، لذلك كله فإن الغرب لا يريد لتركيا أن تبقى مستقرة حتى لا تتمكن من إنجاز ما تريد ولا ما تحلم به لنفسها ولفلسطين ولعالمها الإسلامي لذلك فهم يتآمرون عليها