الرئيسة \  تقارير  \  مؤتمر ميونخ للأمن .. الغرب يدافع عن سمعته

مؤتمر ميونخ للأمن .. الغرب يدافع عن سمعته

19.02.2023
عماد عنان

مؤتمر ميونخ للأمن .. الغرب يدافع عن سمعته
كتب بواسطة: عماد عنان
نون بوست
السبت 18/2/2023
يلتقي كبار السياسيين والضباط العسكريين والدبلوماسيين من جميع أنحاء العالم مجددًا (أكثر من 30 رئيس دولة وحكومة، بالإضافة إلى 100 وزير وممثل لقطاع الأعمال والجمعيات والمنظمات الدولية) في فندق بايريشر هوف الفخم في ميونيخ جنوب ألمانيا، للمشاركة في الدورة التاسعة والخمسين لمؤتمر ميونيخ للأمن، التي انطلقت فعاليتها الجمعة 17 فبراير/شباط 2023، وتستمر لمدة 3 أيام لمناقشة التطورات الأمنية التي شهدها العالم خلال العام الحاليّ.
وتأتي الدورة الحاليّة قبل أسبوع من الذكرى السنوية الأولى للحرب الروسية الأوكرانية التي اندلعت في 24 فبراير/شباط 2022، وأحدثت تغيرًا ملحوظًا في المشهد الأمني الأوروبي، ناهيك بالتداعيات الاقتصادية والسياسية التي كان لها ارتدادتها العكسية على المزاج العام للقارة العجوز خلال الأشهر الماضية.
ويشهد المؤتمر في نسخته الجديدة حزمة من المؤشرات التي تميط اللثام عن الدوافع والأهداف والملفات الأبرز على جدول الأعمال، فلأول مرة يُستبعد القادة الروس من دعوة حضور مثل هذا الحدث بدعوى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين "قطع علاقته بالحضارة"، كما جاء على لسان رئيس المؤتمر كريستوف هويسجن، في الوقت الذي يُحتضن فيه نشطاء من المعارضة الإيرانية.
المشهد الأمني الأوروبي
تعرضت المنظومة الأمنية الأوروبية لاختبار صعب وتحد حساس حين وجدت نفسها في مرمى السهام الروسية التي تعاملت مع التمدد الغربي شرق أوروبا على أنه مسألة أمن قومي وتهديد مباشر للنفوذ السوفيتي القديم وتقزيم لدور موسكو الراهن بعد النجاحات التي حققتها على أكثر من ملف أعادها للواجهة الدولية مرة أخرى.
التمدد الروسي خلال الأعوام الخمس الأخيرة تحديدًا، تزامنًا مع التغول الصيني الذي لا يتوقف، في مقابل تقليص النفوذ الأوروبي إزاء الملفات الدولية الحساسة، وخروج القارة العجوز نسبيًا خارج حلبة المنافسة على زعامة الاقتصاد العالمي والمحصورة بين واشنطن وبكين، كل ذلك خدش كبرياء أباطرة العالم القديم، ما دفعهم بمباركة الولايات المتحدة ودعمها الكامل، للتشابك مع المعسكر الشرقي في عقر داره.
وارتأى المعسكر الغربي أن غض الطرف عن ضم موسكو لشبه جزيرة القرم في 2014 شجع الروس على مزيد من التمدد، بما يهدد مصالح الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو في خاصرته الشرقية، ما نجم عنه تلك الهبة غير المسبوقة إزاء غزو أوكرانيا، فما كان يتوقع أحد أن تجد تلك الخطوة رد الفعل الضخم هذا الذي لم يكن بحسبان صناع القرار داخل الكرملين ذاته.
الحرب الروسية الأوكرانية
في هذا التوقيت من العام الماضي وعلى هامش انعقاد الدورة الثامنة والخمسين من مؤتمر ميونخ للأمن حذرت الدول الأوروبية ومعها الولايات المتحدة، روسيا من أي عمليات عسكرية تستهدف بها أوكرانيا ردًا على التعزيزات العسكرية الروسية على الحدود الأوكرانية آنذاك، لكنها التحذيرات التي لم تلق قبولًا ولا مكانة لدى بوتين المتغطرس الذي قرر خوض المغامرة متوهمًا أنها لن تكون إلا رحلة عاجلة كما كان في 2014، ليجد نفسه متورطًا في بئر من الرمال المتحركة لا يستطيع الخروج منه بسهولة.
وعلى مدار عام كامل شهدت الساحة الأوكرانية عشرات المعارك بين المعسكرين، الشرقي بقيادة روسيا المدعومة من الصين وإيران وكوريا الشمالية، والغربي بقيادة الناتو والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، تلك المعارك التي لم تغير كثيرًا من الوضع الميداني الذي ظل متأرجحًا بين عناد موسكو وإصرار واشنطن.
وردًا على تجاهل روسيا تهديدات وتحذيرات العواصم الأوروبية، جيش المعسكر الغربي معظم إمكاناته - وفق الحدود المسموح بها - لدعم كييف في معركتها ضد القوات الروسية، وهو التجييش الذي أبقى على حالة التوزان بين الطرفين طيلة العام الماضي بعدما كانت الكفة مرجحة شكلًا ومضمونًا للجانب الروسي مقارنة بنظيره الأوكراني المتواضع.
لذا ومع الذكرى الأولى للحرب، سيطرت أجواؤها على فعاليات الدورة الحالية من المؤتمر الأمني، الذي حضره المستشار الألماني أولاف شولتس والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ونائبة الرئيس الأمريكي كاملا هاريس والعشرات من كبار المسؤولين في معظم دول العالم.
الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ، في تصريح له على هامش اجتماع لوزراء دفاع الناتو، سبق انعقاد المؤتمر قال: "إذا انتصر بوتين في أوكرانيا، فإن الرسالة التي ستكون موجهة إليه وإلى الأنظمة الاستبدادية الأخرى هي أن القوة ستتم مكافأتها"، مضيفًا "سيجعل هذا العالم أكثر خطورة، ويجعلنا جميعا أكثر عرضة للخطر".
من جانبه وفي مداخلة له عبر الفيديو دعا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، حلفاءه إلى الإسراع بتقديم الدعم للقوات الأوكرانية، قائلًا: "نحتاج إلى السرعة.. سرعة في إبرام اتفاقاتنا، سرعة في الإمدادات لتعزيز معركتنا، سرعة في القرارات للحد من القدرة الروسية. لا بديل عن السرعة لأن عليها تعتمد الحياة"، وأضاف "لا بديل عن انتصار أوكرانيا"، مطالبًا بانضمام بلاده للاتحاد الأوروبي والناتو في أسرع وقت.
وردًا على تلك المطالب شدد المستشار الألماني أولاف شولتز، خلال كلمته على أنه بإمكان كل دولة حليفة إرسال معداتها العسكرية لأوكرانيا، منوهًا أن بلاده ستتخذ إجراءات في هذا المسار من خلال تدريب جنود أوكرانيين وتعويض مخزونات السلاح بجانب توفير المواد اللوجستية، وتابع "بالنسبة لي، هذا مثال على نوع القيادة الذي يتوقعه الناس من ألمانيا".
الموقف ذاته أكده الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، الذي دعا في كلمته الأوروبيين إلى "معاودة الاستثمار بشكل كبير" في مجال الدفاعات، مشددًا على أن "الوقت اليوم ليس للحوار" مع روسيا، وقال: "علينا تكثيف دعمنا لأوكرانيا للمضي نحو مفاوضات ذات مصداقية"، ملمحًا إلى ضرورة الاستعداد لنزاع طويل الأمد في أوكرانيا.
ورغم تشديد جميع المشاركين في المؤتمر على ضرورة دعم القوات الأوكرانية بأسلحة متطورة، فإن تلبية ملف طلب كييف بتزويدها بطائرات من طراز "إف-16" (F-16) الأمريكية لم يشهد انفراجة بعد، حيث أكد وزير الدفاع البريطاني بن والاس أن هذا الأمر بعيد المنال نظرًا لما يحتاجه من وقت طويل لتدريب طياريين أوكرانيين، فيما تشير وسائل إعلام غربية أن هناك ضغوطًا على الرئيس الأمريكي من ديمقراطيين وجمهوريين لإرسال تلك المقاتلات لأوكرانيا في أقرب وقت، في مقابل أخرى تذهب إلى اكتفاء برلين وباريس بالأسلحة المرسلة حاليًّا دون تقديم أخرى أكثر تطورًا.
الصين وإيران.. الحاضر الدائم على جدول الأعمال
مشاركة وفد صيني رفيع بقيادة وزير الخارجية وانغ يي، أثار التكهنات باحتمالية إجراء محادثات ثنائية أمريكية صينية على هامش المؤتمر، في محاولة لتخفيف حدة التوتر بين الطرفين على خلفية إسقاط الجانب الأمريكي منطاد التجسس المزعوم، الذي رصد فوق عدد من مواقع الأسلحة النووية الأمريكية السرية بدايات الشهر الحاليّ، ما دفع وزير الخارجية الأمريكي لإلغاء زيارته المقررة لبكين.
وتعاني العلاقات الأمريكية الصينية في العموم من توترات لا تتوقف، ربما تشهد هدنة بين الحين والآخر لأسباب طارئة لكنها في العموم فوق صفيح ساخن في ظل حرب الزعامة الاقتصادية بين الجانبين، ورغم ذلك هناك حرص من الطرفين على عدم تجاوز الخطوط الحمراء قدر الإمكان والحفاظ على الباب مواربًا بما يسمح بالتواصل تجنبًا لأي تصعيد يجر كلاهما إلى مساحة أخرى من المواجهات التي لا يريداها وإن أعلنا عكس ذلك على المنصات الإعلامية في السجال الدائر بينهما الذي لا يعدو كونه حربًا دعائيةً في المقام الأول.
وفيما يتعلق بالملف الإيراني، فلأول مرة يشارك في مؤتمر ميونيخ للأمن نشطاء إيرانيون محسوبون على المعارضة بدلًا من دعوة النظام الإيراني، حيث وجهت الدعوة لكل من رضا بهلوي ومسيح علي نجاد ونازنين بنيادي، فيما سمح بتجمعات عدد من المعارضين الإيرانيين خارج مكان انعقاد المؤتمر دعمًا للانتفاضة الشعبية في بلادهم، رافعين شعارات ضد النظام، أحيوا بها ذكرى ضحايا الاحتجاجات في إيران.
وشهدت فعاليات اليوم الأول من المؤتمر دعوات للضغط على طهران لمنعها من امتلاك السلاح النووي وهو ما أكده وزير الدفاع الإسرائيلي الذي قال: "عندما نتحدث عن منع إيران من الحصول على سلاح نووي، يجب أن نطرح كل الوسائل الممكنة، أكرر، جميع الوسائل الممكنة على الطاولة"، مضيفًا "إيران تجري حاليًّا مناقشات لبيع أسلحة متطورة، بما في ذلك طائرات مسيرة وذخيرة دقيقة التوجيه، إلى ما لا يقل عن 50 دولة"، وذلك خلال كلمته التي ألقاها بحضور ممثلي عشرات الدول من بينها الإمارات والبحرين والسعودية وفلسطين والعراق واليمن.
وفي الأخير فإنه من الواضح أن هناك إصرارًا غربيًا لا رجعة فيه على تقزيم موسكو وتقليم أظافرها من خلال استمرار الضغط عليها ودفعها دفعًا لمزيد من التوريط في الوحل الأوكراني لأطول فترة ممكنة من خلال إطالة أمد الحرب وتقديم الدعم لكييف لإحداث التوازن وعدم حسم المعركة سريعًا، وفي المقابل استمالة بكين عبر فتح قوات اتصال معها ومحاولة زحزحتها رويدًا رويدًا بعيدًا عن الفلك الروسي بما يضعف الأخير وينخر قواه.
المثير للتساؤل أن الغرب الذي نجح في إيصال المساعدات العسكرية، بعضها أسلحة ثقيلة، لأوكرانيا، الواقعة بشكل شبه كامل تحت الحصار الروسي، ويتفنن على مدار عام كامل في إدخال كل ما يريد للجانب الأوكراني رغم إحكام الروس قبضتهم على كثير من منافذ الدخول، يدعي اليوم عدم قدرته على إدخال المساعدات للمنكوبين في شمال سوريا، ضحايا الزلزال المدمر، متعللًا بعرقلة نظام بشار الأسد مرور تلك المستلزمات الإغاثية العاجلة، في مشهد متناقض يعكس الازدواجية الفجة لمدعي الإنسانية في العالم.