الرئيسة \  تقارير  \  ما بعد الزلزال .. أي مصير للمساعدات الإنسانية في سوريا؟ وهل تستحوذ عليها أذرع النظام؟

ما بعد الزلزال .. أي مصير للمساعدات الإنسانية في سوريا؟ وهل تستحوذ عليها أذرع النظام؟

12.02.2023
الجزيرة

ما بعد الزلزال .. أي مصير للمساعدات الإنسانية في سوريا؟ وهل تستحوذ عليها أذرع النظام؟
الجزيرة
السبت 11/2/2023
أعاد الزلزال العنيف الذي ضرب منذ 4 أيام جنوبي تركيا وشمالي سوريا إلى الواجهة مسألة توزيع المساعدات الإنسانية في سوريا، وسط اتهامات لنظام الرئيس بشار الأسد والجماعات المقاتلة الموالية له بالاستحواذ عليها، ووصول القليل فقط للفئات التي تحتاجها.
وفي الوقت الذي تتواصل فيه جهود الإنقاذ بحثا عن ناجين بعد مرور أيام على الزلزال المدمر، يواجه عشرات الآلاف مصيرهم في العراء في أجواء البرد القارس، كما تتعالى أصوات الداعين لإيصال المساعدات لمستحقيها.
وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، يتواصل الحديث عمّا يصفه الناشطون بسرقة المساعدات الدولية لضحايا الزلزال في مناطق سيطرة نظام الأسد، والأمر لا يقتصر على قنوات المعارضة فقط.
استياء واتهامات
وتظهر جولة سريعة في أبرز الصفحات الموالية للنظام السوري أن الجميع يبدو مستاء من وصول كميات ضخمة من المساعدات العينية، في حين لم يحصل المحتاجون إليها إلا على النزر القليل.
ولم تجرؤ أي من تلك الصفحات الموالية على توجيه اتهامات مباشرة للنظام أو المسؤولين الحكوميين، بل يجري التأكيد على أن الحكومة السورية تفعل ما بوسعها، لكن من وُصفوا "بضعاف النفوس" يجدون طريقهم لانتهاز الفرص وسرقة المساعدات.
وهاجمت بعض الصفحات السورية أحد الأشخاص، وقالت إنه متورط في بيع مواد أرسلتها الإمارات العربية المتحدة لنجدة المتضررين من الزلزال في مناطق سيطرة النظام.
وعلى صفحته على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، قام هذا الشخص بنشر صور لبضائع للبيع "بأسعار منافسة". وطرح المتابعون لما يحدث في سوريا تساؤلات حول ما يحدث، مستغربين كيف وجدت تلك البضائع طريقها إلى البيع.
وأشار المتابعون إلى أن هذه البضائع وصلت في الوقت الذي تحكم فيها المليشيات العسكرية قبضتها على مداخل ومخارج المدن والأحياء.
أزمات واستغلال
ولا يبدو أن الشخص المشار إليه هو المنتفع الوحيد من الأزمات التي تمر بها البلاد، فقد عجت صفحات بيع المنتجات الجديدة والمستعملة في دمشق بالبضائع التي كتب عليها عبارات مثل "غير مخصص للبيع" أو "برنامج الغذاء العالمي"، وما هذه البضائع إلا مساعدات أممية أرسلت إلى سوريا لدعم المتضررين من الزلزال.
كما برزت العديد من المنتجات "الإماراتية" و"السعودية" التي أرسلت إلى سوريا لمساعدة المحتاجين والناجين من الزلزال، وانتهى بها المطاف معروضة للبيع في صفحات فيسبوك أو في متاجر بعض الموالين للنظام السوري.
وانتقد العديد من الصحفيين والإعلاميين الموالين لنظام الأسد سرقة المعونات الإنسانية، فتحدث الصحفي صهيب المصري في صفحته الشخصية على فيسبوك عن اختفاء شاحنة مليئة بالمساعدات والأغطية والمراتب، كانت قد وصلت ملعب الحمدانية في حلب بغرض توزيعها على المتضررين من الزلزال، الذين افترشوا أرض الملعب في العراء والطقس البارد.
كما تحدّث الصحفي أيضا عن عمليات سرقة معونات أخرى كانت في طريقها إلى ضحايا الزلزال في قرية بمحافظة اللاذقية، وقال المصري إن السلطات "كفت يد" المختار عن السرقة، ليتساءل متابعو الصحفي عن معنى عبارة "كف اليد" وعن مصير المعونات المسروقة.
وسجّلت حوادث مشابهة في المناطق المنكوبة جميعها، إذ تحدث رواد مواقع التواصل الاجتماعي عن سرقة شاحنات مساعدات بأكملها فور وصولها إلى المناطق المنكوبة في حلب واللاذقية من قبل الأعيان ورجال الدين في المنطقة، ورصد كثيرون حوادث تم فيها توزيع المعونات على من لا يستحقها لمجرد أنهم أقرباء أعيان البلد.
تطوع وتضييق
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد المتمثل في سرقة المساعدات الموجهة لضحايا الزلزال، بل شمل كذلك التضييق على المتطوعين والأطباء والجهات المحلية الراغبة في المساهمة في تقديم المساعدات أو تقديم يد العون للمتضررين.
وبالعودة إلى الصفحات الموالية، انتشر وسم #كلنا_معين_علي، ومعين علي هو شاب من اللاذقية أراد تقديم بعض الألبسة والأغذية التي قام بجمعها للمتضررين من الزلزال، إلا أن القوات الأمنية منعته من ذلك بحجة أنه يتوجب عليه أولا التوجه لمبنى المحافظة للحصول على تصريح أمني يخول له تقديم المساعدة.
ونشر الشاب مقطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي يروي فيه ساخطا ما حصل معه، مستنكرا طلب تصريحات أمنية في ظل هذه الظروف، ومتحدثا عن إمكانية سرقة المساعدات إن تسلمتها جهات أخرى، لكن سخطه هذا قوبل بالاعتقال الفوري، ولا يزال مصير الشاب مجهولا.
لم يطلب التصريح الأمني من معين علي فقط، بل من جميع الأطباء الراغبين في تقديم العلاج للجرحى، ومن المتطوعين الذين شكلوا مبادرات محلية لجمع المساعدات.
وعاتب الصحفي الموالي للنظام فراس القاضي "الجهات المعنية" قائلا -في منشور له على فيسبوك- "فيما يخص التطوع، فقد علمت من بعض المتطوعين أنه لا يسمح بالعمل إلا لمن يكونون ضمن إطار منظمة أو جمعية أو حزب، ربما هناك حسابات عديدة لهذا الأمر لا أعلم تفاصيلها، لكن في ظل الحاجة لكثير من المتطوعين يجب ألا ترفض الجهات المعنية أية مساعدة، وبإمكانها أن تضم من يريد التطوع تحت اسمها في هذه الفترة فقط".
وحسب متابعين للشأن السوري، فإن النظام لم يكتف بتقييد المتطوعين الموجودين في مناطق سيطرته، بل حرص إعلامه كذلك على تشويه سمعة المتطوعين العاملين في الشمال السوري، مثل متطوعي الدفاع المدني المعروفين "بالخوذ البيضاء"، متهما إياهم بالإرهاب.
وعلاوة على ذلك، دان النظام دخول المساعدات الإنسانية إلى المناطق الشمالية المتضررة من الزلزال والخاضعة لسيطرة المعارضة، معتبرا ذلك "انتهاكا للسيادة الوطنية".
ويعيد الحديث عن عدم وصول المساعدات لضحايا الزلزال وتحويل وجهتها أو سرقتها إلى الواجهة التساؤلات بشأن المساعدات التي ترسلها الدول المانحة منذ أعوام إلى مناطق سيطرة النظام من أجل توزيعها على المحتاجين.
مصدر أساسي
ووفقا لتقرير صادر عن مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية، فإن المساعدات الإنسانية باتت المصدر الأساسي للعملة الصعبة بالنسبة للنظام السوري، فقد حلل الباحثون عقود الأمم المتحدة الخاصة بشراء السلع والخدمات في المناطق التي يسيطر عليها النظام، ووجدوا أنه كلما زاد وضع السوريين سوءا وتعاسة وازدادت حاجتهم للمساعدات الأممية، امتلأت جيوب الأسد والمقربين منه.
وأفاد التقرير بأن الحكومات الغربية المانحة التزمت بتقديم 2.5 مليار دولار من المساعدات سنويا منذ عام 2014 لمساعدة المحتاجين والمتضررين من الحرب في سوريا، لكن هذه المساعدات كانت تدعم الحكومة السورية في المقام الأول، فقد عمد النظام إلى التلاعب بسعر الصرف بهدف الحصول على نصيب من هذه المساعدات.
ففي عام 2020 -على سبيل المثال- حصل النظام السوري على ما يقرب من 51 سنتا مقابل كل دولار تم تحويله إلى سوريا، وذلك من خلال إجبار وكالات الأمم المتحدة على استخدام سعر صرف أقل من السعر المتعارف عليه.
بيانات وعمليات
وتقوم وكالات الأمم المتحدة بتحويل الأموال اللازمة لعملياتها في مناطق سيطرة النظام إلى البنوك الخاصة العاملة في سوريا أو إلى بنوك وسيطة في بلدان أخرى.
وفي كلتا الحالتين، تقوم الوكالات بتبادل العملات الأجنبية (الدولار الأميركي عادة) بالليرة السورية بسعر يحدده مصرف سوريا المركزي، وغالبا يكون هذا السعر أقل بكثير من المعدل الذي يحدده العرض والطلب.
ووفقا للتقرير، فإن ما يقرب من ثلثي أموال المساعدات التي يتم إنفاقها داخل سوريا تضيع في الصرف وتدخل جيوب الحكومة السورية.
وتظهر البيانات أنه في عام 2020، حولت وكالات الأمم المتحدة ما لا يقل عن 113 مليون دولار لشراء سلع وخدمات بالليرة السورية، وبالنظر إلى أن الأموال تم تحويلها بسعر صرف غير حقيقي، فقد أدى ذلك إلى تحويل 60 مليون دولار منها إلى النظام السوري.
وبلغت قيمة ما حصل عليه النظام من الأمم المتحدة من خلال "التلاعب" بسعر الصرف فقط في 2019 و2020 نحو 100 مليون دولار، وفق التقرير ذاته.
المصدر : الجزيرة السبت 11/2/2023 مواقع إلكترونية