الرئيسة \  ملفات المركز  \  متابعة مؤتمر المسيحيين العرب الأول في باريس

متابعة مؤتمر المسيحيين العرب الأول في باريس

26.11.2019
Admin


ملف مركز الشرق العربي 25/11/2019
عناوين الملف :
  1. مركز الشرق العربي : موقفنا : مؤتمر المسيحيين العرب الأول .. الصوت الذي تم اختطافه طويلا وانتظرناه كثيرا – زهير سالم
  2. الشرق الاوسط :الدولة الوطنية من بيروت إلى بغداد
  3. زمان الوصل :باريس تحتضن مؤتمر "المسيحيون العرب".. توافق المؤتمرون وتباين الشارع فهل تكسر ثنائية الشيعة والسنة؟
  4. المدار نت :“مؤتمر المسيحيين العرب الأول” من باريس: عنف أنظمة الاستبداد والإرهاب تقاومه سلمية الاحتجاجات
  5. بروكار برس  :مؤتمر المسيحيين العرب الأول يختتم أعماله بمانيفست نهائي
  6. المركزية :"المؤتمر المسيحي العربي الاول" ينطلق السبت في باريس...
  7. خبر مصر :مسيحيون عرب ضد "حلف الأقليات"
  8. المركزية :انطلاق المؤتمر المسيحي العربي الاول" في باريس...سعيد: لا ندّعي اختراعَ حلول... إنما نأملُ تحقيقَ أهدافٍ مشتركة
  9. المدن :"المؤتمر المسيحي العربي الأول"في باريس: لمواجهة تحالف الأقليات
  10. نافذة العرب :مؤتمر المسيحيين العرب: للتمسّك بسلمية الثورات
  11. جيرون :مسيحيو المشرق هم ملح هذه الأرض
 
موقفنا : مؤتمر المسيحيين العرب الأول .. الصوت الذي تم اختطافه طويلا وانتظرناه كثيرا
زهير سالم*
مركز الشرق العربي 25/11/2019
انعقد في العاصمة الفرنسية باريس السبت 23/ 11 / 20119 مؤتمر المسيحيين العرب الأول .
ولكلمة الأول دلالة نتمنى ونرجو أن تتحقق ..
حضر المؤتمر بالدرجة الأساسية نخبة من المسيحيين العرب ، الذين حاولوا أن يميزوا صوتهم الوطني ، الذي حاول البعض اختطافه أو استلابه أو تضييعه طويلا وسط اختلاط الأصوات ، وتصاعد الادعاءات ..
وأول ما يمكن أن نسجله في هذا السياق هو ترحيبنا العام بالمؤتمر في سياقه وأدائه . ومن حق أن ننفي عن المؤتمر لبوس الطائفية الذي حاول البعض ممن استلبوا الصوت المسيحي بالسيطرة على المرجعيات وسط الضجيج أن يلبسه إياه . إن متابعتنا العامة لمفاصل المؤتمر وما جرى فيه يجعلنا نؤكد أن الخطوة التي أقدم عليها المؤتمرون ليست خطوة ارتدادية لعصر ما قبل الدولة وما قبل الوطن كما زعم بعض الخراصين، بل هي خطوة تأسيسية لدعم المشروع الوطني في صورة عقد اجتماعي عصري يحضره كل المواطنين بوافر المحبة والثقة وليس بجلابيب " المظلومية " المدعاة ، والريبة والشك والتخوف الموهوم ..
كان المؤتمر ضروريا ، في هذا التوقيت بالذات ، ليستعيد جيل من أبناء الأمة الثقة بكل ما قرؤوه يوما عند قسطنطين زريق وفارس الخوري ومارون عبود بل وأنطون سعادة وما سمعوه من اليازجيين ورشيد سليم الخوري وأنطون مقدسي الذي حافظ على تماسكه حتى في عصر التهتك الوطني ، وليدرك هذا الجيل ويورث أبناءه من بعد أن تلك الطروحات لم تكن مقدمة لمؤامرة وجزأ منها كما بدأ الواقع الأليم يكرر على العقول والقلوب ..
وكان المؤتمر ضروريا ليعلم كل السوريين واللبنانيين والعراقيين والأقباط أيضا ..أن المسيحيين العرب ، كانوا وسيظلون جزء من المشهد الحضاري والثقافي والاجتماعي ، وأنهم لا يختزلوا في صورة " ميشيل سماحة " المجرم اللبناني وأضرابه المنتشرين على كل الساحات بصورة أو بأخرى . والذي لم يلق أنموذجه حتى الآن من إعلان الإدانة والبراءة ما يستحق ..
وكان المؤتمر ضروريا ليعلم كل الناس أن المسيحيين العرب لا يختصروا بصوت مرجع كنسي ، سواء كانت الكنيسة عالمية تحركها مصالح بعيدة عن الله والمسيح ، كالكنيسة الأرثوذكسية التي ما يزال بطركها الأكبر يبارك ذبح السوريين ويباركه بوتين الجزار ، أو الكنيسة الكاثوليكية التي ما تزال تدعو إلى حب مزعوم والأقدام تخوض بالدم .
وإنه حين يعلن المسلمون براءتهم من كل الكذبة من أبناء الأفاعي - كما علم سيدنا يوحنا المعمدان - وأن هؤلاء الكذبة على عروشهم الكهنوتية لا يمثلوننا ؛ فإنهم ظلوا ينتظرون أن يسمعوا من إخوانهم في الوطن صوتا جماعيا حاسما أن هؤلاء الذين يباركون القتل وسفك الدماء لا يمثلوننا ..
كان المؤتمر ضروريا لأن الصوت الفردي لآحاد المسيحيين مهما تكن قيمته ومكانته يظل فرديا . ولكن الصوت الجماعي يكون له شأن آخر ، وأثر آخر ؛ وهذا الذي يخافه ويحذر منه الطغاة .
ومن هنا ندرك خلفية الهجمة التي المستبدون والطغاة وداعموهم على كل الوحدات الجماعية في إطار ثورات التحرير والتغيير .كما ندرك لماذا وظف بشار الأسد بعض عملائه من المسيحيين المحسوبين عليه ليهاجم المؤتمر والمؤتمرين ..!!
وختاما ..
افتقدنا التغطية الإعلامية اللائقة بمثل هذا المؤتمر الذي يشكل خطوة مفصلية على طريق الدعم الثورة السورية ، والأغرب أنه حتى غرف المعارضين السوريين تخلفت عن التنويه بالمؤتمر والترحيب به أو التعليق عليه ..والمؤتمر لم يكن حدثا عارضا يمكن أن يمر بلا ترحيب ولا تنويه ..
ثم إن الذي يجب أن نسبق به تعليقات المعلقين أن تقويم خطوة في حجم هذه الخطوة يأتي في سياقها الوطني في اتجاهها العام ، وبغض النظر عما يقال وعما يتوقع وينتظر من الكثيرين ؛ فقد كانت الخطوة جريئة وصائبة وفي وقتها أو تأخرت ولكنها جاءت. ومهما كان لنا من وجهة نظر في التفاصيل ، ففي السياقات العامة يبقى كل تفصيل تفصيل .
نشكر القائمين على المؤتمر ، والمشجعين عليه ، والمشاركين فيه ...
ونحب أن نخبرهم أن على الطرف الأخرى من بردى ومن العاصي ومن الفرات والنيل إخوة لكم في الوطن يحبون الذي تحبون ، ويحلمون كما تحلمون ..
ونغض الطرف جميعا عن التفاصيل ونردد مع صوت الحقيقة التاريخي في آذان كل الطغاة والمستبدين : متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا ..
لندن : 27/ ربيع الثاني 1441
25/ 11/ 2019
_____________
*مدير مركز الشرق العربي
================================
الشرق الاوسط :الدولة الوطنية من بيروت إلى بغداد
الاثنين - 28 شهر ربيع الأول 1441 هـ - 25 نوفمبر 2019 مـ رقم العدد [14972]
سام منسى
قدّر لـ«مؤتمر المسيحيين العرب الأول» أن ينعقد في باريس، في الثالث والعشرين من نوفمبر (تشرين الثاني) 2019، بالتزامن مع تحركات وانتفاضات شعبية في نسخة ثانية من «الربيع العربي»، آخرها في لبنان والعراق. تحركات شعبية قوامها شابات وشباب، جاءت مطلبية في ظاهرها، لكنها تحمل في طياتها مطالب سياسية تشكل عناوينها صورة الوطن الذي ينشدون.
انتفاضتا بيروت وبغداد جاءتا كمفاجأة، لا سيما بالوعي الشبابي الذي أفرزتاه، وبتغيير الصورة النمطية التي كانت سائدة عن البلدين لجهة غلبة الانتماءات الفرعية على الانتماء الوطني الجامع. فكانت المطالبة ببناء دولة مدنية حديثة، وإجراء انتخابات مبكرة خارج القيد الطائفي. اللافت أن أدبيات هذا المؤتمر، كما مداخلات ومواقف المشاركين فيه من شخصيات مسيحية وإسلامية وثقافية وأكاديمية واجتماعية وسياسية وإعلامية من مختلف البلدان العربية، عكست كمرآة مطالب هذه الانتفاضات الشعبية، وذلك من خلال مقاربة ظواهر ثلاث طغت على الأحداث التي شهدتها المنطقة في العقد الأخير: ظاهرة التطرّف والعنف الإرهابي، وخيارات المكونات بين أطروحة الانطواء على الذات الدينية أو الطائفية وتحصينها بتحالف أقليات، وأطروحة اندماجهم في بلدانهم ومنطقتهم وحمل قضاياها بالشراكة مع مواطنيهم، وأزمة الدولة الوطنية في المنطقة العربية.
ولعل النقطة الأخيرة، أي أزمة الدولة الوطنية في العالم العربي، تشكل في إشكالياتها السبب الأساس للظاهرتين الأولى والثانية. فبين سندان استبداد الأنظمة ومصالحها ومطرقة استبداد الجوع وانعدام التنمية، ظهرت مخالب التطرف والإرهاب لتتجسد في مجموعات راديكالية إسلاموية متشددة عنيفة تسعى إلى إقصاء الآخر المختلف وإلغائه، مسلماً كان أم مسيحياً أم من أي طائفة أخرى. وحتى قبل ظهور التطرف والمتطرفين، عملت جميع الأنظمة الاستبدادية على تغليب الانتماءات الفرعية لدى الناس على حساب المواطنة الجامعة. بعضها لعب على الوتر الأقلوي، واستجلب إليه الأقليات تحت ذريعة حمايتها من الأكثرية، تاركاً لها هامشاً من الحرية في ممارسة شعائرها الدينية، أو المحافظة على خصوصيتها الثقافية. وبعضها الآخر لجأ إلى تهميش هذه الأقليات وقمعها إلى حد العمل على إلغاء موروثها الثقافي. ولم يقتصر الأمر على التمييز بين المسلمين والمسيحيين والمكونات الأخرى، بل انسحب في حالات على التمييز بين السنة والشيعة أيضاً.
لذلك جاء مطلب قيام دولة وطنية مدنية حديثة لدى المنتفضين، ليجسد مجموعة من المطالب، لعل عمرهم الفتي لم يسمح لهم بعد ببلورتها، أو أقله بالتعبير عنها: الانتقال من حالة الجماعة إلى حالة المواطن الفرد في دولة مدنية دستورية تؤمن حقوق الفرد، وتحترم الحريات، ويتساوى فيها الجميع أمام القانون، ورفض كل أشكال الاضطهاد والتمييز العنصري والإثني والديني، والتأكيد على مسألة «العيش معاً» تحت مظلة المواطنة، ورفض تقسيم أوطانهم إلى كيانات وهويات مستقلة، والتأكيد على وحدتها الجغرافية ووحدة مكوناتها، وفصل الدين عن الدولة، ورفض التدخلات الخارجية في أوطانهم، كما رفضهم تمدد بعض المكونات إلى الخارج، فلا التماس لحمايات خارجية، ولا تحالف أقليات، ولا انتماء جامع إلا الانتماء للوطن.
بتعبير واقعي، وبعيداً عن المفاهيم النظرية، يرفض شبابنا أن تكون إيران حامية الشيعة ضد الأكثرية السنية، ويرفضون أن تكون روسيا أو الغرب بعامة حماة المسيحيين أو المكونات الأخرى، فالحماية لا تأتي إلا من البيئة الداخلية، من دولة وطنية دستورية حديثة تكون على مسافة واحدة من جميع مواطنيها. إن شبابنا الذين نزلوا إلى الشوارع متسلحين بهواتف ذكية، وبإبداع قلّ نظيره، لا يطالبون برغيف أو فرصة عمل أو ماء وكهرباء وتغطية صحية، هم يطالبون بدولة تشبههم، دولة شابة ورشيقة وفعالة، دولة قائمة على الحرية والعدالة، السجون فيها استثناء لا قاعدة، دولة لا تفصّل الأنظمة فيها على قياس شخص أو عائلة، دولة لا تجعلهم ورقة مقايضة لدى قوى إقليمية أو دولية، دولة القيم وحقوق الإنسان.
إن تحقيق هذه المطالب يتطلب السير في طريق صعب، ولكن ما قد يسهل من صعوبته هو تجديد مفهوم العروبة، انطلاقاً من قيم المساواة والمواطنة والحق في الحياة الكريمة، وإسقاط تعريفاتها القوموية السابقة.
العروبة بمفهوم الأمة، التي تذوب الأوطان في خضمها، لم تعد صالحة للشباب الذين، كما ينشدون الخروج من الانتماءات الطائفية الضيقة، ينشدون أيضاً الخروج من الانتماء القومي الفضفاض إلى انتماء وطني ضمن دولة قانون حديثة. لذلك لا بد لمفهوم العروبة أن يتطور إلى رابطة ثقافية حضارية غير آيديولوجية، وغير دينية، أساسها اللغة العربية والمصالح المشتركة، وبعيدة عن أي مشروع إمبراطوري صريح أو موارب، عروبة التلاقي الحر التي تتسع لجميع أبنائها، عرباً وغير عرب، مؤمنين بديانة سماوية أو غير مؤمنين، دونما تمييز أو مفاضلة. وهذا ما عبر عنه «إعلان الرياض» الصادر عن القمة العربية في مارس 2007، بدرجة عالية من الوضوح والنضج.
الزمن لا يعود إلى الوراء، ولا يمكن للحكام في أوطاننا العربية الاستمرار باستخدام اللغة الخشبية القائمة على الشخصنة، والتهديد بالقوة، والتخوين، والاتهام بالعمالة.
الجيل الجديد غير جيل هزيمة حرب 1967 وجيل الظلم والخيبات والفشل والهجرة، هو جيل طريقة تفكيره مختلفة تماماً، حتى إنه يتكلم لغة مختلفة، وله أسلوبه في المخاطبة والكتابات؛ جيل مطلبه الخروج من جمهوريات الموز، ويهدف للحاق بالحداثة؛ حداثة منعتهم عنها أنظمة عسكرية استبدادية قمعية استغلت كل شيء، واستباحت كل المحرمات في سبيل بقائها.
أنظمة باعت نفسها للشيطان، لتحافظ على كرسيها، فجاءها انتفاض الشباب، ليسحب هذا الكرسي بممارسات سلمية أفعل من البندقية.
===========================
زمان الوصل :باريس تحتضن مؤتمر "المسيحيون العرب".. توافق المؤتمرون وتباين الشارع فهل تكسر ثنائية الشيعة والسنة؟
عـــــربي | 2019-11-22 18:19:06
محمد العويد - زمان الوصل
تحتضن العاصمة الفرنسية باريس، مؤتمر "المسيحيون العرب"، غدا السبت، وسط توافق للمؤتمرين، وتباين في الشارع تبرز حجم التخوف، ورفضها "لانغلاقات" جديدة، يمكن أن "تخلخل" علاقات أبناء المشرق، المستعصية أصلا، بعيد ثورات الربيع، واستثمار الأنظمة الشمولية، في مخاوف رعتها ولعبت عليها، كما أن حضور اسم العاصمة الفرنسية، يلقي بثقله على الشارع المترقب، لجهة دورها التاريخي في اللعب على التناقضات المجتمعية، إبان فترة احتلالها للمشرق العربي، سوريا ولبنان، وما اتهمت به لاحقا في تنمية الطائفية وتشكيلاتها.
تسارع الدكتورة "سميرة المبيض" عضو اللجنة التحضيرية للمؤتمر للإجابة المطمأنة بالقول:"اختيار باريس، جاء من الإيمان بدورها التاريخي، في التأسيس للميثاق العالمي لحقوق الإنسان، ووصوله تاليا لجميع أنحاء العالم كشرعة دولية، إضافة إلى أن باريس شهدت مؤتمرات كثيرة تحت مسميات حماية مسيحيي الشرق خلال السنوات القليلة الماضية، وبالتالي فإن مؤتمر "المسيحيون العرب" الأول، هو رفع صوت، يعزز مبدأ الدولة الوطنية، والمواطنة، بمواجهة مسمى الحماية الذي يرفضه الداعون والمشاركون.
قبيل انعقاد المؤتمر، علت الأصوات بين مستهجنة ومتخوفة ورافضة، فكتب الدكتور "حبيب حداد" العضو القيادي ووزير الإعلام السوري الأسبق -1967لغاية 1968 على صفحته الشخصية :"إن الدعوات إلى مؤتمرات ولقاءات تحت خيمة الهويات والروابط ما قبل الوطنية، من دينية أو مذهبية أو إثنية أو عرقية في الظروف المصيرية، التي تواجهها الشعوب العربية، لن يكون حصادها إلا عاملا إضافيا في استمرار واستفحال أسباب المِحنة، التي تعيشها تلك الشعوب حاليا، سواء في العراق أم في سوريا أم في لبنان أم في اليمن أم في البحرين أم في غيرها، ومواصلة السير في التيه، الذي دفعتنا فيه مختلف القوى المعادية، داخليا وإقليميا وعالميا، وأخطر تلك الأدوار هو ذاك الذي تسابقت وتنافست للاضطلاع به بعض معارضاتنا، عندما تجاهلت طبيعة وأغراض السياسات الدولية في منطقتنا، وفي مقدمتها سياسات الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني، وعندما ارتضت لنفسها أن تكون أدوات رخيصة وواجهات مضللة لسياسات الأنظمة الرجعية".
ويتساءل حداد: "أليست الدعوة لمناصرة المسيحيين الآن وفي هذا الوقت بالذات، ومعالجة المظلومية المدعاة لجزء من نسيج شعبنا، هو مسلك خاطئ، ومدمر لأنه سيأتي بعكس النتائج المرجوة، عند البعض، إذ إن معالجة المشاكل والمظالم ومختلف أوجه الحرمان، التي قد تكون تواجهها بعض مكونات مجتمعنا الدينية والمذهبية والقومية والثقافية والجهوية، لا يمكن أن تجد حلولها الناجعة إلا في إطار المشروع التحرري النهضوي العام لشعبنا، المشروع الذي لا بد أن يقدم جميع أبنائه، وعلى قدم المساواة، التضحيات المطلوبة لتحقيق أهدافه المرحلية والمستقبلية".
"المبيض" أكدت في حديثها لـ"زمان الوصل" أنه من الطبيعي وجود آراء مختلفة حول المواقف في هذا السياق، لكن التريث لحين الاطلاع على البيان الختامي للمؤتمر، قبل وضع تصور استباقي يعتبر أكثر منطقية وموضوعية، لأي عمل في إطار المشروع الوطني، فالتوافق المعلن بين حضور المؤتمر هو رفض فكرة تحالف الأقليات بوجه الأكثرية السنية العربية، ورفض حاجة المسيحيين للحماية الخارجية، وهذه محاور يدرك المؤتمرون، خطورتها ووجوب مواجهتها، لأنها أساس بناء من مقومات الأنظمة الشمولية واستمرارها، بصناعة الفتنة والشروخات بين المكونات.
وهدف المؤتمر العمل معا لبناء وتعزيز قيم المواطنة المتساوية لجميع أبناء الوطن، إضافة للعمل على بناء الدولة الوطنية وهو ما يجمع المشاركين في المؤتمر".
وشددت مبيض: "إن المؤتمر لا يخص مكونا بعينه، فالدعوة شملت الجميع، والتسمية جاءت في سياق العمل المشترك لسحب الذريعة من الأنظمة، التي تدعي حماية الأقليات، وللقول لها وأمام العالم الذي يصدقها، أن دولة القانون والمواطنة، هي السبيل الأمثل، لحماية جميع المواطنين، ولتقاسم وبناء المستقبل وإنهاء حقبة النظم الاستبدادية، كما هو نظام الأسد".
وأوضحت عضو اللجنة التحضيرية:"إن الحالة السورية، لها خصوصيتها، لما شهدته سوريا خلال الأعوام السابقة، من ظهور أوجه ابتعاد، عن قيم العدالة والمساواة وحرية الفكر والقيم الإنسانية، واحترام الإنسان والقوانين، والتخويف، وهذا يفهم في سياق ممارسات السلطة ولكن علينا إدراك مسببات ظهور وانتشار ظواهر التطرف بكافة أشكاله، والتي فرقت مكونات المجتمع السوري، وزادت المشهد سوءا، ولعبت دورا سلبيا".
رأي  آخر بين مرحب ومتخوف كتب :"لست مع أي حراك باسم الدين أو المذهب، في خضم الحالة الوطنية للربيع العربي، ولكن الأجندة المعلنة للمؤتمر، بحسب المنظمين جيدة ومفيدة، كخطاب موجه للشارع المسيحي من ناحية، والغرب من ناحية أخرى، وخصوصاً في ظل دعاية النظام المضادة للثورة السورية، والتي تقوم على فكرة حماية الأقليات، ولذلك أتمنى ألا يغفل المنظمون، عن أهمية التشديد على هذه النقطة، إضافة لذلك صوت مسيحي عربي، وإن كان متأخر إلا أنه مفيد في نقطتين، الأولى: كسر ثنائية سُني شيعي، والتي أعطت الثورات العربية صورة طائفية وإعادة ضبط هذا الصراع بشكل سياسي وإن كان ذلك على المستوى الفكري والنخبوي كخطوة أولى. والنقطة الثانية: المسيحيون سيعيدون طرح العروبة كعامل مشترك وحيد مُنقذ للمنطقة من الاشتباك الطائفي، وعليه مثل هذا المؤتمر سيفتح النقاش حول إعادة إنتاج الهوية العربية وإعطائها بعداً ما بعد حداثي يراعي الثقافات الفرعية ويدمجها طوعياً في عروبة أوسع من نطاق الفكر الخشبي القديم سواء كان بعثي أو ناصري".
وختم قائلا "أتمنى أن يكون هذا المؤتمر مقدمة لعقد مؤتمرات أخرى للطوائف وبخاصة الشيعة العرب المعارضين للهيمنة الإيرانية، الأمر الذي سيساهم بسد فراغ فكري وإيديولوجي في الشارع العربي الثائر، على شرط أن تكون تلك المؤتمرات للمثقفين أمثال الدكتور "نجيب عوض" ممن يدركون جوهر الإشكالية العربية ولديهم حلول على المستوى الفكري لها".
===========================
المدار نت :“مؤتمر المسيحيين العرب الأول” من باريس: عنف أنظمة الاستبداد والإرهاب تقاومه سلمية الاحتجاجات
باريس/ “المدارنت”..
نظم عدد من الشخصيات السياسية المسيحية العربية “مؤتمر المسيحيين العرب الأول” في العاصمة الفرنسية/ باريس، تحت عنوان: “هل للمسيحيين مستقبل في الشرق الأوسط؟”، في حضور ومشاركة كوكبة من الشخصيات السياسية المسيحية في الوطني العربي. وبحث المؤتمرون في قضايا الساعة التي تهيمن على واقعنا العربي عموماً، وبخاصة على وضع المسيحيين في المنطقة العربية والشرق الأوسط، في ظل الظروف السياسية السائدة في العالم، وفي الوطن العربي بشكل خاص. وبعد سلسلة من المحاضرات والنقاشات، أصدر المؤتمرون البيان الرسمي التالي:
البند الأول
لا يختلف خيار المسيحيين المشاركين في هذا المؤتمر اليوم، عما كان عليه في بداية القرن الماضي، عندما انهارت السلطنة العثمانية ودخلت المنطقة في منعطف جديد .
حينها طالب المسيحيون بقيام الدولة الوطنية، التي تنقلهمُ هم والمسلمين من حالة الجماعة الى حالة المواطن الفرد، وحيث يتساوى الجميع أمام القانون.
رفضوا البارحة، ويرفضون اليوم، تقسيم أوطانهم لصالح كيانات مستقلة. كما رفضوا البارحة ويرفضون اليوم، مبدأ تحالف الأقليات الدينية والمذهبية والإثنية، ومناداة الخارج القريب والبعيد للحماية والغلبة في الداخل.
إن المشاركين في هذا المؤتمر، يعلنون انتسابهم الى أوطانهم في عالم عربي، يساهمون في بنائه مع جميع المواطنين على قاعدة الحرية والعدالة والمعاصرة.
البند الثاني
يطالب المشاركون في “مؤتمر المسيحيين العرب” الأول، بقيام الدولة المدنية الوطنية الحديثة، المرتكزة على الفصل بين الدين والسياسية، والتي تؤمن حقوق الإنسان والمواطن الفرد.
البند الثالث
1 – يدعو المشاركون في “مؤتمر المسيحيين العرب” الأول المنعقد في باريس:
أ – شباب الثورات العربية في لبنان وسوريا والعراق وليبيا والسودان والجزائر وتونس، كما باقي البلدان على مساحة المنطقة، إلى التمسّك بالطابع السلمي للتحركات، إذ إن تجربة الربيع العربي بطبعته الأولى، وبخاصةً في سوريا، أكدت أن عنف الأنظمة الاستبدادية والمجموعات الإرهابية، لا يقاومه الا شجاعة سلمية التحركات.
لقد شهد العالم على مآسي بلداننا، على مآسي بلداننا، وفضّل الأمن على الحرية، وترك شعوبنا الى قدرهم، متذرعاً بالعنف، ليبحث عن بدائل “موضوعية” للأنظمة الاستبدادية.
لن نستدعي مجدداً انتباه العالم إلينا، إلا من خلال العمل من أجل الحرية والعدالة والسلام:
السلام مع بعضنا البعض، مواطنين متساوين، مسيحيين ومسلمين، سنّة وشيعة وعلويين ودروز وإيزيديين وأكراد وتركمان وكلدان وآشوريين وسريان.. الخ.. السلام والتضامن داخل مجتمعاتنا، تحت مظلة أنظمة ديموقراطية معاصرة.
والسلام في المجتمعات، ومعها، من خلال الأنظمة الوطنية المدنية الدستورية، التي تسود
فيها العدالة الاجتماعية وحكم القانون.
الدفاع عن الشعب الفلسطيني، ضحية الاحتلال والاستيطان، وعن حقه في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس.
السلام بين العالم العربي والعالم القائم على احترام المواثيق الدولية، لا سيما المتعلقة بحقوق الإنسان وحقوق الشعوب، ومناهضة كل أشكال الاضطهاد والتمييز العنصري والإثني والديني .
ب – ويدعو أيضاً، إلى الحفاظ على الهوية العربية الجامعة، بوصفها رابطة ثقافية غير أيديولوجية وغير دينية، تعززها المصالح العربية المشتركة، وإلى تجديد العروبة، انطلاقاً من قيم المساواة والمواطنة والحق في الحياة الكريمة.
===========================
بروكار برس  :مؤتمر المسيحيين العرب الأول يختتم أعماله بمانيفست نهائي
2019/11/24
اختتم مؤتمر المسيحيين العرب الأول أعمال في العاصمة الفرنسية باريس، يوم السبت.
وكان المؤتمر قد عقد تحت عنوان: المسار المسيحي في العالم العربي إشكاليات اليوم واحتمالات الغد، تحت رعاية المركز اللبناني للأبحاث والدراسات، وذلك بمشاركة مئة شخصية ثقافية واجتماعية وسياسية وإعلامية من مختلف الدول العربية.
وقد أصدر المؤتمر في ختامه أعماله ما سماه بـ المانيفست النهائي، حيث أكدوا فيه على أن المسيحيين العرب المشاركين يرفضون تقسيم أوطانهم لصالح كيانات مستقلة، ويعلنون انتسابهم إلى أوطانهم في عالم عربي يساهمون في بنائه مع جميع المواطنين على قاعدة الحرية والعدالة والمعاصرة.
كما طالب المشاركون في مؤتمر المسيحيين العرب بقيام الدولة المدنية الوطنية الحديثة المرتكزة على الفصل بين الدين والسياسة، والتي تؤمن حقوق الإنسان والمواطن الفرد.
ودعا المشاركون شباب الثورات العربية في لبنان وسوريا والعراق وليبيا والسودان والجزائر وتونس إلى التمسك بالطابع السلمي للتحركات. مؤكدين على أنه لا يمكن أن نستدعي مجددا اهتمام العالم إلينا إلا من خلال العمل من أجل الحرية والعدالة والسلام، وأن ذلك يتطلب السلام مع بعضنا البعض، والسلام في المجتمعات ومعها من خلال الأنظمة الوطنية المدنية الدستورية التي تسود فيها قيم العدالة وحكم القانون، والسلام بين العالم العربي والعالم القائم على احترام المواثيق الدولية، والدفاع عن الشعب الفلسطيني، باعتباره ضحية الاحتلال والاستيطان. كما دعا المشاركون في المانيفست إلى الحفاظ على الهوية العربية الجامعة بوصفها رابطة ثقافية غير أيديولوجية وغير دينية.
وكان المؤتمر قد ناقش في جلسة عامة وثلاث جلسات متخصصة إشكاليات الوجود المسيحي في المنطقة العربية، والتي تجسدت بثلاث مشكلات؛ العنف والتطرف والإرهاب.
===========================
المركزية :"المؤتمر المسيحي العربي الاول" ينطلق السبت في باريس...
المركزية – يعقد في فندق ميريديان بورت مايو، في باريس، بعد غد السبت "المؤتمر المسيحي العربي الأوّل" تحت عنوان "المسار المسيحي في العالم العربي: إشكاليات اليوم واحتمالات الغد"، بمشاركة 100 شخصية مسيحية ومسلمة من لبنان وسوريا والعراق والاردن ومصر وفلسطين.
ينقسم المؤتمر إلى ثلاثة أقسام، ويتضمن القسم الأول مداخلات من شخصيات سياسية ثقافية اعلامية، تهدف الى طرح المسائل التي هي عناوين المرحلة في العالم العربي من جهة وفي العالم من جهة اخرى، ومن المشاركين: فارس سعيد، وداد جربوع، فيصل بن معمر، طارق متري، ميشيل كيلو، جورج صبرة، عماد جاد، جمال قموه، رضوان السيد، سميرة مبيض، خطار ابو دياب، علي الأمين، آنو جوهر عبدالمسيح عبدوكا، الاب فادي ضو، ومحمد خليفة.
ويتألف القسم الثاني من ثلاث طاولات حوار تجمع شخصيات ثقافية اعلامية وسياسية، وتتمحور الورشة الاولى حول الارهاب والعنف في المنطقة العربية ومحاولة تعريف هذا الارهاب، يشارك فيه كل من فداء حوراني، رضوان السيد، ايلي الحاج، حسن منيمنة، ووحيد عبد المجيد.
يرمي النقاش إلى استبيان ظاهرة الإرهاب، والوقوف على أسبابها، ومصادرها، ومحرّكاتها أو رافعاتها، واستهدافاتها، وتوظيفاتها...إلخ. هذا مع الحرص قدر الامكان على تسمية الأشياء بأسمائها، بدلاً من الإطلاقات والتعميمات التي لا تزيد الأمر إلا تعميةً وغموضاً.
التوصّل إلى تعريفٍ واقعي وموضوعي لظاهرة الإرهاب القائم، خلافاً للتعريفات الاستنسابية والتوظيفية القائمة. وفي إطار هذه المقاربات من الأهمية بمكان تسليط الضوء على واقعة تراجع مرجعية القيم العالمية (من حقوق إنسان وتسامح وانفتاح وتعدّدية وأخوّة انسانية)، الأمر الذي أطلق العصبيات الفئوية على اختلافها.. ولا عزاءَ لأحدٍ في أن يأتي الإرهاب برداء عصبيته الخاصة.
والورشة الثانية تدور تحالف الأقليات الدينية في المنطقة بوجه الأكثرية العربية السنيّة، ومطلب توفير الحماية الخارجية للمسيحيين، يشارك فيها حسن منيمنة، عماد جاد، خطار ابو دياب، وعبد الباسط سيدا. ويرمي النقاش إلى تفنيد هذه الأطروحة، وتبيان مخاطرها على المنطقة العربية عموماً، وعلى المسيحيين بوجه خاص، حاضراً ومستقبلاً. تظهير الأطروحة الأخرى التي يقف على أرضها المجتمعون في هذا المؤتمر، والتي تنسجم مع خيارات المسيحيين التاريخية ومصلحتهم، في الإنتماء والتنوير والتحديث والنهضة، وخصوصاً في خيار "العيش معاً بسلام، متساوين ومختلفين".
هذا مع التشديد على أن الحليف الطبيعي للمسيحيين في المنطقة هو الداعي والساعي إلى المحافظة على القيم الإنسانية العالمية، بصرف النظر عن انتمائه الإسمي أو الطائفي.. أي أن "خلاص" المسيحيين ليس بالإنطواء ولا بحلف الأقليات، بل بحلف القيم.. وهذا ما شدّدت عليه مؤخراً الإعلانات السامية الثلاثة في كل من أبو ظبي والرباط ومكة المكرمة.
أما الورشة الثالثة فتدور حول موضوع بناء الدولة الوطنية والمدنية حتى حدود الفصل بين الدين والدولة، يشارك فيها وحيد عبد المجيد، جورج قنواتي، انطوان قربان، مارسيل جونيات، خليل طوبيا. ويرمي النقاش إلى تظهير إشكاليات ومشكلات الدولة الوطنية في المنطقة العربية، لا سيما بخصوص السيادة والاستقلال والعقد الوطني (أو الاجتماعي). تبيان الخطر الذي تتعرض له الدولة الوطنية جرّاء العنف الإرهابي العابر لحدود الأوطان، كما جرّاء التدخلات الأجنبية بأجنداتها المتباينة والمتزاحمة. هذا مع التشديد على مسألتين: الأولى، ضرورة المحافظة على التنوع والتعددية والشراكة في إطار الوحدة الوطنية. والثانية، أن الدول الوطنية القائمة هي أوطانٌ نهائية لجميع أبنائها، عربية الهوية والانتماء. تظهير معنى العروبة أو العربية arabité التي تتّسع للجميع، بوصفها رابطةً ثقافية- حضارية ومصلحية، لا بوصفها رابطةً عرقية أو قوميةً أو دينية، ولا بوصفها مشروعاً سياسياً امبراطورياً يستلهم الماضي أو يريد فرض إرادة كلّية وأحادية على واقعٍ شديد التنوّع المشروع. وفي هذا الصدد يكتسب "اعلان الرياض" الصادر عن القمة العربية في آذار 2007، أهمّية خاصة، لا بل فرادة، في أدبيات تعريف العروبة. مساهمة النقاش في استبيان ملامح "نظام المصلحة العربية المشتركة"، في إطار العمل العربي المشترك، وبلحاظ تزاحم الأجندات الإقليمية والدولية في المنطقة العربية وعليها.
ويخصص القسم الثالث لمناقشة مسودة المانيفست النهائي الذي سيصدر عن المؤتمر، حيث سيعلن فيه عن آليات لمتابعة نتائجه.
===========================
خبر مصر :مسيحيون عرب ضد "حلف الأقليات"
لطالما شهدت منطقتنا حواراتٍ بين رجال الدين، وبالذات بين المسلمين والمسيحيين منهم، إضافة إلى لقاءاتٍ بين قيادات وزعامات روحية تتبع الدين نفسه، كالحوارات بين ممثلي المذاهب الإسلامية والطوائف المسيحية. غير أن هذه المناسبات غلب عليها الطابع الاحتفالي والمجاملات، مع التركيز على العموميات، مثل إظهار قيم الوئام والتآخي والتعايش والسلام الاجتماعي، واستلهام محطات مضيئة في التاريخ والتراث والدعوة إلى إحيائها والبناء عليها. وأخيرا، التركيز على مناوأة التطرّف والإرهاب، وتزكية قيم الاعتدال والوسطية واحترام المعتقدات الدينية وأماكن العبادة، ونبذ التحريض والتعريض بمعتقدات الآخرين، وهم الشركاء في المجتمع والوطن.  وفي غالب الأحوال، كانت هذه المحافل تنأى بنفسها عن الخوض في الموضوعات السياسية وعن الشأن السياسي عموما، في محاولة للفصل بين المجالين، الروحي والمعتقدي والمجال السياسي (على طريقة الفصل بين الاقتصاد والسياسة)، باستثناء بعض مقاربات خجولةٍ هنا وهناك لهذا الشأن. ومردّ ذلك أن هذه المناسبات تتم برعايات رسمية، ولا يتمتع المشاركون باستقلالية ذاتية، إذ تسبق أسماءهم مواقعهم وتصنيفاتهم الرسمية في غير بلد عربي مشرقي. ولهذا، قلما كانت هذه المحافل تترك أثراً خاصاً بها، بعيداً عن السياسات العامة المرعية للأنظمة.
بعيدا عن ذلك، يبدو انعقاد مؤتمر مسيحي عربي في باريس (هذا اليوم، السبت) حدثا مميزا، إذ يسعى، كما تكشف عناوينه وتوجهاته، إلى مقاربة وضع المسيحيين أمام التحدّيات السياسية  المصيرية التي تجابه مجتمعاتٍ وبلدانا عديدة، مع التركيز على أن الصفة الدينية سوسيولوجية وإجرائية فحسب، فالأمر يتعلق بمواطنين كاملي المواطنية لهم مثل غيرهم صفة دينية، لكنهم ليسوا أقلية. وأنهم ينتمون إلى العروبة شأن غيرهم، العروبة المتفتّحة الجامعة المنتسبة للعصر، مع احتفاظها بجذورها عبر التاريخ، كون المسيحيين هم من العرب الأوائل. هذا خلافا لمؤتمرات كانت تضمر وتكاد تجهر بتقييم عددي يُظهر المسيحيين أقلية، خلافا للمنطق أو العرف الذي يجد له سندا في الدساتير، الذي يقضي بأنهم مكون أصيل شأن بقية المكونات، ولهم الحقوق نفسها وعليهم الواجبات ذاتها.
ينظم المؤتمر المركز اللبناني للدراسات والأبحاث، ويضم إلى المشاركين المسيحيين مشاركين مسلمين، والهدف سحب وضع المسيحيين من منطقة الظل إلى دائرة الضوء، ودعوتهم إلى عدم النظر إلى أنفسهم أقلية، وما ينسحب على ذلك من خصوصيات مفتعلة، يُراد بها في واقع الأمر تهميشهم، وإلحاقهم بمشاريع غيرهم بزعم حمايتهم، فالحماية حقٌّ لكل مواطن بصرف النظر عن معتقده وعرقه، ويُناط هذا الحق بالقانون والنظام العام، وتضمنه المشاركة السياسية والاجتماعية، وعلى جميع الأصعدة في ظل دولتهم الوطنية العصرية. وقد كان النائب اللبناني السابق وأحد المنظمين البارزين للمؤتمر، فارس سعيد، واضحاً في تحديد وجهة المؤتمر بأنه يهدف لتبديد أزعومة سعي المسيحيين إلى الحماية من أحد، وخصوصا من أي طرفٍ خارجي أو قوة داخلية مسلحة. وأن المسيحيين العرب يستشعرون الأخطار نفسها التي تهدّد بقية مكونات مجتمعاتهم. وفي معرض آخر، صرّح سعيد بأن المؤتمر "يهدف إلى إعادة صياغة خطاب مسيحي عربي في مواجهة تحالف الأقليات الذي تديره مجموعاتٌ تعتبر أن التحالف في ما بينها الطريق الأفضل لضمان وجود المسيحيين في المنطقة".
وهنا بالذات، يلامس هذا المحفل الجانب السياسي، فلئن كان الإرهاب المنفلت يهدّد المسيحيين، كما هدد المسلمين وبقية المكونات، فإن أطروحات، مثل تحالف الأقليات، تشكل خطوة انعزالية محفوفة بالمخاطر، علاوة على ما يكتنفها من خطل في الرؤية. إذ إن تحالفاً كهذا ينتصب في واقع الحال في وجه الأكثرية الإسلامية السنية. ولئن كان هذا التحالف غير ظاهر في أدبياتٍ معلنة، إلا أن الوقائع تدل عليه في سورية ولبنان خلال العقد الأخير. سواء بالتحالف بين حزب الله والتيار الوطني الحر (تيار ميشال عون ولاحقا جبران باسيل) أو بدعم هذا التيار وحزب الله الحرب في سورية التي يُراد بها، بين أمور أخرى، إضعاف المكوّن السني في سورية، وتحقيق تغيير ديمغرافي يعيد تشكيل الهندسة الاجتماعية والمناطقية. وقد أمكن، خلال السنوات الماضية، استدراج فئات واسعة من المسيحيين إلى التيار العوني، والاستيلاء على الرأي العام الشيعي (بمنع وتخويف مرشحي الشيعة لانتخابات مجلس النواب مثلا)، إلا أن الانتفاضة اللبنانية كسرت هذه التقسيمات، فتشارك المسيحيون مع الشيعة مع بقية المكونات في المطالبة بنظام لاطائفي، أو الإصرار على الإعلان عن هويتهم الوطنية، لا الطائفية. ووقع الشيء نفسه في العراق عبر الانتفاضة الشجاعة، حيث تشارك الجميع تحت الراية الوطنية، رافضين خطط النظام هناك في التقسيم الطائفي للمواطنين والمناطق، وهو تقسيمٌ أريد به تعزيز نفوذ زعماء المليشيات المسلحة التي تدين بالولاء لإيران، وبناء أمر واقع، يقوم على التغليب الطائفي مع حرمان أغلبية الشيعة من حقوقهم السياسية والاجتماعية.
وليس سرّاً أن هذا الحلف القائم على أرض الواقع يجد رعاية من النظام الإيراني في حربه  المذهبية لاختراق العالم العربي، وتهتيك نسيجه الاجتماعي، وإضعاف منعته الذاتية، مع إيهام المسيحيين بأن مثل هذا الحلف يحميهم، علماً أنه لا خطر خاصاً يهدّد المسيحيين سوى الإرهاب (ونسبة ضحاياه بين المسلمين أكبر بكثير مما هي بين المسيحيين) وأنظمة الاستبداد والطغيان، والأطماع الإسرائيلية والإيرانية، والهيمنتين الأميركية والروسية، وهي أخطار تهدّد المجتمعات والأوطان جميعا بغير تمييز بين المواطنين. وكل ما في الأمر أنه يُراد للمسيحيين (لنخبهم الروحية والسياسية والثقافية) أن يكونوا شهود زور وأدوات لتنفيذ المشاريع الخارجية، وإثارة البغضاء بينهم وبين باقي المواطنين.
من هنا، يرتدي المؤتمر المسيحي العربي أهميته في هذه المحطة التاريخية الفارقة، وذلك بمبادرة شخصياتٍ مسيحيةٍ إلى إعادة صوغ توجهات الجماعات العربية المسيحية، بما ينسجم مع دورها المشهود: شريكة في الوطن والمواطنية، وحارسة للوحدة الوطنية، ومنافحة عن منعة الأوطان في وجه التهديدات الخارجية من أي مصدر كان. ومن حسن الطالع والتدبير أنه جرى ترقيم هذا المؤتمر بالأول، بما يفيد أن هذا الملتقى سيكون له ما بعده من ملتقيات ومحافل، تشدّد على أن العرب المسيحيين يستأنفون دورهم رواداً للعروبة، ومكافحين ضد أنظمة التبعية والظلام، كما ضد مختلف مظاهر الإرهاب والتطرّف، أيا كان المصدر والرايات المرفوعة.
بتاريخ:  2019-11-23
===========================
المركزية :انطلاق المؤتمر المسيحي العربي الاول" في باريس...سعيد: لا ندّعي اختراعَ حلول... إنما نأملُ تحقيقَ أهدافٍ مشتركة
المركزية – انطلق اليوم "المؤتمر المسيحي العربي الأوّل" في فندق ميريديان بورت مايو، في باريس، تحت عنوان "المسار المسيحي في العالم العربي: إشكاليات اليوم واحتمالات الغد"، بمشاركة 100 شخصية مسيحية ومسلمة من لبنان وسوريا والعراق والاردن ومصر وفلسطين.
"المركزية" تنشر الكلمة التي ألقاها النائب السابق فارس سعيد في المؤتمر، وجاء فيها:
"شبابٌ يحملونَ هواتفَ ذكيّةً وأحلاماً كبيرة، خرجوا ويخرجون تباعاً منذ العام 2010 من ظلمةِ أنظمَتِهم الإستبدادية في القاهرةِ ودمشقَ وتونسَ وبغدادَ وبيروتَ والخرطوم وطرابلسَ الغرب والجزائر وغيرها، مطالبين بالحريةِ والكرامةِ الإنسانية معَ وقبلَ الرغيف!
فهل يحقُّ لنا، نحنُ جيلَ هزيمةِ الـ٦٧، وجيلَ الظلمِ والسجونِ للمثقّفينَ وقادةِ الرأي، وجيلَ الفقر والحرمان والهجرة، أن لا ننظُرَ الى حركتِهم بعينِ الأمل، من أجل عالمٍ عربيٍ أكثرَ انسانية واكثرَ معاصرة؟
وهل يحقُّ لنا، نحنُ مسيحيّي العالمِ العربي، الانسحابُ من المشهدِ السياسي عندَ منعطفٍ تاريخي يُعادُ فيه ارتسامُ معالمِ المنطقة؟
وهل يحقُّ لنا، نحنُ الذينَ دفعوا ثمنَ تجاربِ العنفِ بكلّ أشكالِه، أن لا نُساهمَ في نجاةِ أولادنا من تجاربَ العنف، فيما نردِّدُ أمامَهم في صلواتِنا اليوميّة : " ... اللّهُمَّ ولا تُدخِلنا في التّجارب.. آمين " !؟
وأضاف سعيد: "لهذه الأسباب والدواعي وغيرِها نجتمعُ اليوم من أجلِ اللقاءِ والتشاورِ أولاً: اللّقاءِ أولاً، أي الوصلِ فيما بيننا، لأنَّ الفَصلَ يكادُ يكونُ عنواناً رئيساً لوصفِ حالنا.. والتشاورِ أولاً بلغةٍ واحدة ومفهومة، لأننا نكادُ نعيشُ في برجِ  بابل!
ونجتمع من أجل التفكيرِ معاً في مستقبلِ منطقتِنا وعروبتِنا وثقافتِنا في ظلِّ عولمةٍ تجتاحُ الكون، وفيما تندفعُ قوىً إقليميةٌ غيرُ عربية إلى اقتسامِ جلدنا، مثلما اندفعت قوىً دوليةٌ ذاتَ يوم إلى اقتسامِ ترِكةِ "الرجل المريض" في المنطقة.
لا ندّعي اختراعَ حلول، إنما نأملُ تحقيقَ أهدافٍ مشتركة.
فنحنُ، مسيحيّي العالمِ العربي، يربِطُنا بمسلميه مشتركٌ أعظم، في ماضٍ وحاضرٍ ومستقبل.
رفضنا ونرفضُ تحالفَ أقليّاتٍ دينية في وجه الغالبية السنيّة.
ورفضنا ونرفضُ الحمايات، أكانت داخليّةً من خلالِ أنظمةٍ استبدادية  وميليشياتٍ نظامية، أو خارجيةً من خلالِ جيوشها الوافدة وأذرُعها المقيمة.
وتعلّمنا أنَّ كلَّ من ادَّعى حمايتَنا إنما كان حامياً لمصالحِه، وكنّا له أكياسَ رمل!
جئنا من مشارِبَ مختلفة، ومن تجاربَ أليمة، ومن نجاحاتٍ قليلةٍ وخيباتٍ كثيرة.. ولكننا نأملُ أن يكونَ لمبادرتنا هذه إسهامٌ في خلاصنا، الذي يكون بالجميع أو لا يكون، وللجميع أو لا يكون.
سنضعُ خِبراتَنا – ونحنُ جميعاً من أهل الخبرة - في سبيلِ قضيّةِ الإنسان، الإنسانِ مطلقاً،  في بلداننا".
وتابع: "يتغيّرُ العالم من حولنا بنقلاتٍ نوعيةٍ سريعة وذاتِ أثرٍ جبريٍ علينا، فيما يتغيّرُ عالمُنا العربيُّ معه ببطءٍ وتعثُّرٍ وارتباك. هل يُعقلُ أن تكون منطقتُنا العربية، في نهاية العقدِ الأول من القرن الحادي والعشرين، هي المنطقةَ الوحيدةَ في العالم التي ما زالت في عصرِ الوصايات والإحتلالات والحروب الأهلية وجمهوريّات الموز ؟!
ثمّةَ اليوم مجموعةٌ من المسائلِ والقضايا تحتلُّ مراكزّ اهتمامِنا واهتمامِ اولادِنا :
أولاً، دخولُ منطقتِنا في مرحلةٍ انتقالية ما زلنا نتلمّسُ معالِمَها في طالعِ الأبراج وفناجينِ القهوةِ العربيةِ المُرَّة، فيما اهتدت شعوبُ العالم إلى طُرُقِها واستقرَّت على خياراتِها الكُبرى، وتسيرُ في ذلك خطواتٍ سريعةً أو بطيئة، ولكنها في كلّ الأحوالِ تسير!
ثانياً، عولمةٌ فرضَت علينا أثقالَها في أسلوبِ العيشِ والإدارةِ والإقتصادِ والمالِ والبيئةِ والطُبّ وغير ذلك، وخلقت دورة نظامٍ عالمي جديد... فإمّا أن ندخلَ هذه الدورةَ باقتدارٍ وبشروطنا، أو نعتزلَها ونرفعَ أسوارَ فسطاطِنا ، لنلتحقَ بها مرغَمين وبشروطها!
ثالثاً، ثورةُ معلوماتية واتصالاتٍ وشبكاتِ تواصلٍ إجتماعي، دخلت بيوتَنا واستحالت أدواتٍ بين أيدي أولادِنا، من خلفِ ظهرنا وظهرِ حُكّامنا ... ويقولُ أحدُ فلاسفة هذه الثورةِ الشبّان : " إنَّ المنتسبين إلى شبكة "الفيسبوك" على سبيل المثال يُقدّرون بمليار، أي أقلَّ بقليل من عددِ المسلمينَ في العالم.. ولهؤلاء طقوسٌ ورموزٌ وكتاباتٌ وأصولُ مخاطبة، تكاد تتحوّلُ إلى أسلوبِ عيشٍ ينظّم حياتهم كما فعلت الأديان في الماضي...". فهل نتفاهمُ مع أولادنا بلغتهم، أو نُصادرُ ما بينَ أيديهم ونقتلعُ ألسِنتَهم، كما يحدثُ في غيرِ بلدٍ من بلداننا؟!
رابعاً، إنتعاشُ إسلامٍ سياسيٍ في بلادنا، محمولاً على غضبةٍ سلفيةٍ سنَيّة، أو نيوسلفيةٍ شيعية، تتوسّلان العنفَ وتكفّران كلَّ من ليس في خندقهما من الناس، وفي الوقتِ نفسه تتقاتلان وتتحالفان عند الحاجة!.. وفي النهاية والمحصّلة ليس هناك سوى فَتنٍ أهليّة، مفتونةٍ بألوانها وأعلامها "وآلهتها" .. تعالى اللهُ عمّا يصفون! فهل نواصلُ الفتنة، أم نعودُ إلى محبّةِ اللهِ ورحمته، فنتعلّم "كيفَ نعيشً معاً إخوةً، أو نموتُ معاً وجميعاً أغبياء"، على قولِ مارتن لوثر كينغ؟!
خامساً، وللمرةِ الأولى في تاريخ أوروبا المعاصر يبرز الإسلامُ ناخباً وازناً في مجتمعاتها ويُطلقُ موجةً من الإسلاموفيا يركبُها التطرُّف الغربي بأحزابه الفاشيّةِ المتعصّبة، فيما تُطلقُ السلفيّاتُ الإسلامويةُ في بلادنا موجةً من الكريستيانوفوبيا، يركبُها بعضُ الإنتحاريين بأحزمةٍ متفجّرة إلى الغرب، وتستقبلُ بلادنا في الوقت نفسه دبّاباتٍ وطائراتٍ غازية، مباركةً "بماءٍ مقدّس"!.. فهل نعودُ إلى صدام الحضارات والأديان، أم نجنحُ إلى سلمٍ وأخوةٍ إنسانية؟!
وختم: "تلك المسائل والقضايا، إنّ لم يكن بعضُها على جدول أعمالنا، فهو في خلفيةِ حوارنا وفي أفق استشرافنا.
نظرنا إلى الثورة السورية في بداياتها بعينِ الأمل، وقرأتُ شخصياً رسالةَ المجلس الوطني السوري التي أرسلها إلى مؤتمر 14 آذار في العام 2012 عربونَ تضامنٍ ووحدةِ حال... وتألّمنا كثيراً عندما نجح نظامُ الأسد المجرم في جرّ سوريا إلى حربٍ أهلية ليبقى متسيّداً بالقوّة والطُّغيان على كلِ مكوناتها الأهلية.
نأملُ معكم في النهوض مجدداً إلى واقعٍ افضل، كما نرى في نضال الشعب العراقي أملاً كبيراً، لأن هويةَ العراق العربيّة هي هُويتَنا ومصلحة شعبها هي في صلبِ مصلحتِنا الوطنيّة في وجه التفريسِ والميليشيات التابعة لإيران.
ونرفعُ الرأس بشباب وشابات لبنان وسوريا والسودان وبنغازي والجزائر وتونس...
كما ننظرُ إلى مصرِ بعينِ الأخوّة وهي التي لم تبخلُ يوماً في إغناء العروبة.
كما نقدّرُ عالياً ما تقوم به المملكة العربية السعودية في التصدي للحفاظ على نظامِ المصلحة العربية، ونحن نرقُبُ الاندفاعَ السعودي الكبير للتغيير والنهوضِ بحكمةِ الشيوخِ وشجاعةِ الشباب".
===========================
المدن :"المؤتمر المسيحي العربي الأول"في باريس: لمواجهة تحالف الأقليات
ريهام منصور|السبت23/11/2019شارك المقال :0
اختتمت فعاليات "المؤتمر المسيحي العربي الأول"، السبت، في فندق الميريديان في العاصمة الفرنسية باريس، بحضور 100 شخصية ثقافية واجتماعية وسياسية وإعلامية من مختلف الدول العربية.
وعُقد المؤتمر لمعالجة "القلق الوجودي" لدى المسيحيين العرب، مؤكداً مشروعيته بعد استهدافهم لكونهم مسيحيين، ولأنهم أقلية دينية في بلدانهم، على يد مجموعات متطرفة ادعت الإسلام. وأكد المؤتمر أن العنف طال جميع الأقليات، وهدد وجود الدولة الوطنية في سوريا والعراق، ودفع بعض المسيحيين للمناداة بحملات أجنبية، والدعوة لتحالف الأقليات الدينية لمواجهة الأكثرية العربية السنية.
وناقش المؤتمرون في جلسة عامة وثلاث جلسات متخصصة إشكاليات الوجود المسيحي في المنطقة العربية، والتي تجسدت بثلاث مشكلات؛ العنف والتطرف والإرهاب، على خلفية عداوات فئوية متبادلة، وبخاصة ما كان منها محمولاً على عقائديات مؤدلجة ومسيسة أو محمولاً على نزعات سلطوية افتراسية في مواقع الدولة. ورواحت خيارات المسيحيين في المنطقة بين أطروحتين؛ الانطواء على الذات الطائفية، وتحصينها بتحالف أقليات في المنطقة بوجه الأكثرية العربية السنية، بالإضافة إلى التماس حمايات خارجية، والثانية هي اندماج المسيحيين في بلدانهم وحمل قضاياها العادلة الجامعة بالشراكة المتكافلة المتضامنة مع مواطنيهم، بمعزل عن مفهوم أكثريات وأقليات عددية.
واستغرقت التحضيرات للمؤتمر أكثر من ستة أشهر، ولم يأتِ رداً عى "اللقاء المشرقي" الذي انعقد مؤخراً في بيروت. ويعتقد المجتمعون أن التحدي الحقيقي الماثل اليوم أمام المسيحيين في المنطقة العربية إنما يتلخص في الإجابة على "كيف نواصل العيش مع شركائنا في الحياة والمصير متساويين ومختلفين؟"، ومواجهة "تحالف أقليات بوجه أكثرية بدلاً من تحالف القيم الإنسانية الجامعة، أو التماس حمايات خارجية بدلاً من حماية بيئتنا الإنسانية ومناعتنا الذاتية أو إشهار هوية مشرقية بوجه الهوية العربية".
وقال السياسي السوري المعارض ميشيل كيلو، لـ"المدن": "دفعني للمشاركة في المؤتمر أهدافه ومعارضته لأي حلف للأقليات من الممكن أن تقوم في المنطقة في مواجهة الأغلبية ومعارضته لالتحاق المسيحيين بالنظم في ظل ثورة الحرية وضرورة التحاقهم كجماعة بشرية كبيرة ولها وجود تاريخي كبيرة في ثورة الحرية، فثورة الحرية لكل العرب وهي فرصة المسيحيين الأساسية للخلاص من مشكلة التمايزات الفئوية والطائفية، وما له علاقة بالولاءات الجزئية وليس لها علاقة بالولاء الوطني الكبير".
وأضاف: "هذه فرصتهم التاريخية الكبرى هم أرادوا البحث عن مكان يكونون فيه متساويين مثل الآخرين وأحرار مثل الآخرين وجاءت هذه الفرصة، الآن يقف جزء من الكنسية المسيحية في المشرق وبشكل خاص في سوريا مع النظام المجرم الذي قتل نحو مليون سوري. هذه جناية بحق الناس والمسيحية وجناية بحق المسيحيين أنفسهم". ودعا كيلو المسيحيين للانفكاك عن الكنيسة في حال استمرت على المسار نفسه، قائلاً: "أنا اعتقد أنه لن يبقَى هناك حل إلا أن ينفك عنها المسيحيون، وتبقى كنيسة المطارنة والبطاركة".
وأضاف: "هناك جزء كبير من المسيحيين لا يسمعون كلمة رجال الدين ولكن في ظل التخويف وفي ظل الجنون الإرهابي الذي خرجت به منظمات متأسلمة ومتعسكرة تم تخويفهم وهناك جزء منهم بدأوا يتحسبون لانتصار الثورة خشية أن يكون انتصاراً للإرهاب، وهنا أوجه لهم رسالة أنه إذا لم تنتصر الثورة باعتبارها ثورة حرية فنحن أول من سيكون معهم في مقاتلة الإرهاب، ونحن نقاتل اليوم الإرهاب الذي تسلل إلى صفوف الثورة ولم يخدم أحداً إلا نظام بشار الأسد، لا يجوز أن يخطئوا بتصنيف الثورة باعتبارها عملاً إرهابياً، الثورة عمل للحرية وكان لها عدوان لدودان لها أولهما النظام والثاني الإرهاب وهما مترابطان".
وتابع: "لا توجد أي غايات سياسية للمؤتمر والغاية الوحيدة هو رغبتنا أن نعبر عن واقعة أننا مع الثورة ننتمي إليها مع الشعب مع العرب مع أهلنا مع الناس، ننظم مؤتمرنا في فرنسا لأنها افضل مكان لذلك الاجتماع، ولا يوجد بلد عربي يقبل بتنظيم هكذا مؤتمر، وليس المهم أين تم عقده المهم أنه عقد ومهامه قريبة من هموم الناس، ولا ننسى أن المؤتمرات التي عقدت في باريس من أهم المؤتمرات التي قررت مصير العرب مثل المؤتمر العربي الأول 1913، وهذا هو مؤتمرنا الأول وليس الأخير، وسيترتب عليها نشاط وسنعمل ليكون مؤسسة وطنية وليست مسيحية".
مدير مبادرة الشرق الأوسط في واشنطن حسن منيمنة، أكد لـ"المدن"، "أن الثورة في لبنان والعراق تجاوزت الافق الذي رسمه هذا المؤتمر لنفسه، فهذا المؤتمر قائم على ضرورة التمحيص والنظر في الخيارات المتاحة امام المواطنين المسيحيين في المنطقة العربية ككل، في ما يتعلق بمكانتهم في مجتمعاتهم، ودورهم في المنطقة ككل، الخيارات إما السعي لتأكيد الوجود على أساس تحالف أقليات أو على أساس تحالف قيم، هناك مجموعات تدعو لتحالف أقليات، لكن الرأي المضاد هو القائل أن تحالف الأقليات ليس ضمانة للوجود المسيحي، إنما تنظيم انتهاء للوجود المسيحي، باعتبار تحالف الأقلية لا يضمن بقاء على المدى البعيد، بل يضمن فائض القوة الآنية". وفي ما يتعلق بالوضع في سوريا قال منيمنة: "للأسف الوضع في سوريا اليوم لا نستطيع أن نكون على القدر ذاته من التفاؤل الحذر منه كما في لبنان والعراق، لأن في تلك البلدان المطالبة بصيغة الدولة المواطنة متجاوزة للطوائف هي مطالبة من القاعدة الشعبية. في سوريا اليوم لا بد الإقرار أن صاحب القرار في سوريا ليس النظام على الإطلاق، بل أطراف خارجية فهناك جدل روسي تركي إيراني أميركي، مع اعتراضات اسرائيلية، ولكن القرار ليس بيد الثورة السورية على أمل أن يتبدل".
وعن مشاركته في المؤتمر، قال السياسي السوري جورج صبره، لـ"المدن": "شاركت في المؤتمر بصفتي سورياً أولاً ومسيحياً ثانياً، وهذا كان عنوان الكلمة التي ألقيتها وأنا معني في هذا المؤتمر من موقعي الوطني كسوري كي أحول دون استخدام المسيحيين في المنطقة كأداة لاستمرار التسلط والاستبداد والقمع فيها بحجة حماية الأقليات، أو بالتسلط الخارجي من قبل الجيوش المحتلة وعلى رأسها الروسي والإيراني وأيضاً تحت عنون حماية الأقليات، والأخطر من ذلك تلك النغمة الجديدة التي تجاوزت كل النغمات الاستعمارية البشعة السابقة التي يسمنوها تحالف الأقليات، ونحن المسيحيين يجب أن نقف ضد استخدامنا كدروع بشرية، وكنافذة تمتد منها يد الأجنبي والغاصبين والمستبدين إلى بلدنا".
وأكد صبره أن المؤتمر رغم أنه عنون على أنه للمسيحيين لكنه في الحقيقة مؤتمر وطني للوطنيين السوريين واللبنانيين والعراقيين والفلسطنيين والمصريين والدليل على ذلك مشاركة نخب من الإخوة المسلمين من هذه البلدان العربية. ورفض صبره القول إن الأوان قد فات بالنسبة لمسيحيي سوريا لكي ينضموا إلى ركب الثورة قائلاً: "يجب أن يبقى هناك أمل وأن لا نتخلى عن أي فرصة للعمل، وهمُ النظام أنه انتصر يجب أن لا يسوق ولا يجب أن يمر علينا على الأقل، فالدول كلها تعرف أنه لم يعد للنظام أي مرتكزات حقيقة في الداخل، الخشية الآن أن يستمر نزيف المسيحيين من بلدنا يتزاحمون اليوم أمام أبواب السفارات وانتشروا من استراليا إلى كندا، فواجبنا كنخب وطنية في هذه البلدان مسيحيين ومسلمين أن نعلن أن هذه البلاد هي بلاد المسيحيين كما هي بلاد المسلمين وأن هذه الثورات التي تشتعل في البلدان العربية هدفها إقامة دولة المواطنة التي تحمي الأكثريات والأقليات، ولا يعود هناك أي معنى للحديث عن الأقليات والأكثريات بل المعنى الحقيقي هو الحديث عن المواطنين في دولة المواطنة التي يتساوى فيها المواطنون في الحقوق والواجبات".
وانتقد ناشطون هذا المؤتمر باعتباره "متاجرة باسم الأقليات"، وهو ما رد عليه صبره، بالقول: "المؤتمر ليس متاجرة باسم الأقليات على العكس نحن نريد أن نأخذ الأقليات من سوق المتاجرة الذي يقوم بها الرئيس بوتين والقساوسة الذين باركوا من حوله الحرب المقدسة في سوريا وكذلك بشار الأسد ونظامه وكهنة السلطان وأيضاً رجال الدين الذين وضعوا أنفسهم لصناعة فتاوى للسلطان، نحن نريد أن نأخذ المسيحيين منهم لأن المسيحية في هذا الشرق كانت على الدوام في خدمة الوطن والمواطن، لذا نحمّل مسؤولية كبرى لرجال الدين المسيحيين الذين يضعون أنفسهم والمؤسسات التي يديرونها في خدمة السلطات القاتلة".
وأكد السياسي اللبناني فارس سعيد، أن المؤتمر سيخرج بهيئة متابعة لأول مرة، هيئة ليست محلية بل عربية، تفكر وتناقش وتحلل الأوضاع وتقترح كيف يمكن الانتقال في العالم العربي إلى مرحلة نتلمس معالمهما. وكرر سعيد أن "خيارنا هو خيار الدولة المدنية التي تؤمن الحقوق للمواطن الفرد، وأيضاً تأخذ بالاعتبار الضمانات للجماعات الطائفية والعرقية الموجودة في النسيج الداخلي العربي، ونؤكد أننا لسنا للاستثمار، فقد استثمروا بالمسيحية في هذه المنطقة طويلاً، وهناك من قدم نفسه كحامٍ للمسيحيين ونحن نريد أن نقول أننا لسنا بحاجة لحماية أحد ولا نريد أن نكون أكياس رمل وما يجري في بيروت والعراق هو هذه الحيوية التي نريدها والتي نؤيدها كمسيحيين ومواطنين وعرب".
===========================
نافذة العرب :مؤتمر المسيحيين العرب: للتمسّك بسلمية الثورات
لبنان منذ 4 ساعات تبليغ
 أكد مؤتمر المسيحيين العرب الذي انعقد في باريس في بيان أنه “لا يختلف خيار المسيحيين المشاركين في هذا المؤتمر اليوم عمّا كان عليه في بداية القرن الماضي عندما انهارت السلطنة العثمانية ودخلت المنطقة في منعطف جديد”.
ولفت إلى أنه “حينها طالب المسيحيون بقيام الدولة الوطنيّة التي تنقلهُم هُم والمسلمين من حالة الجماعة الى حالة المواطن الفرد وحيث يتساوى الجميع أمام القانون. رفضوا البارحة ويرفضون اليوم تقسيم أوطانهم لصالح كيانات مستقلّة. كما رفضوا البارحة ويرفضون اليوم مبدأ تحالف الأقليات الدينية والمذهبية والإثنية ومناداة الخارج القريب والبعيد للحماية والغلبة في الداخل”.
وأشار الى أن “المشاركين في هذا المؤتمر يعلنون انتسابهم الى أوطانهم في عالم عربي يساهمون في بنائه مع جميع المواطنين على قاعدة الحريّة والعدالة والمعاصرة”.
وطالب بـ”قيام الدولة المدنيّة الوطنية الحديثة المرتكزة على الفصل بين الدين والسياسية والتي تؤمن حقوق الإنسان والمواطن الفرد”. ودعا “شباب الثورات العربية في لبنان وسوريا والعراق وليبيا والسودان والجزائر وتونس، كما باقي البلدان على مساحة المنطقة إلى التمسّك بالطابع السلمي للتحركات، إذ إن تجربة الربيع العربي بطبعته الأولى، وخاصةً في سوريا، أكّدت أن عنف الأنظمة الاستبدادية والمجموعات الإرهابية لا يقاومه إلاّ شجاعة سلميّة التحركات”.
وأضاف: “لقد شهد العالم على مآسي بلداننا وفضّلَ الأمن على الحريّة، وترك شعوبنا الى قدرهم مُتذرعاً بالعنف ليبحث عن بدائل “موضوعيّة” للأنظمة الاستبدادية. ولن نستدعي مجدداً انتباه العالم إلينا الاّ من خلال العمل من أجل الحرية والعدالة والسلام:
– السلام مع بَعضنا البعض، مواطنين متساوين مسيحيين ومسلمين، سنّة وشيعة وعلويين ودروز وأيزيديين وكرد وتركمان وكلدان وآشوريين وسريان…
– السلام والتضامن داخل مجتمعاتنا تحت مظلة أنظمة ديموقراطية معاصرة.
– والسلام في المجتمعات ومعها من خلال الأنظمة الوطنية المدنية الدستورية التي تسود فيها العدالة الاجتماعية وحكم القانون.
– الدفاع عن الشعب الفلسطيني، ضحية الاحتلال والإستيطان، وعن حقه في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس.
– السلام بين العالم العربي والعالم القائم على احترام المواثيق الدولية، لا سيما المتعلقة بحقوق الإنسان وحقوق الشعوب، ومناهضة كل أشكال الاضطهاد والتمييز العنصري والإثني والديني.
– ويدعو أيضاً إلى الحفاظ على الهوية العربية الجامعة بوصفها رابطة ثقافية غير أيديولوجية وغير دينية، تعززها المصالح العربية المشتركة وإلى تجديد العروبة انطلاقاً من قيم المساواة والمواطنة والحق في الحياة الكريمة”.
===========================
جيرون :مسيحيو المشرق هم ملح هذه الأرض
محمود الحمزة محمود الحمزة   25 نوفمبر، 2019 068 6 دقائق
بمناسبة انعقاد المؤتمر الأول للمسيحيين العرب في باريس، بحضور نخبة من المثقفين والسياسيين العرب من دول عربية، وخاصة من بلاد الشام والعراق، يدور نقاش وحوار، بين أبناء المنطقة، حول الوجود المسيحي وتاريخه ودوره، وعن حقيقة التحديات التي تعترض المسيحيين وتجبرهم على الهجرة، وعن دورهم في معركة الصراع بين الحرية والاستبداد.
منذ آلاف السنين، سكنت منطقة بلاد ما بين النهرين، وخاصة في شمالها (سورية) الممتدة في مساحات واسعة، جنوبها هو فلسطين والأردن، وشرقها جزء من العراق الحالي، وشمالها يشمل مناطق واسعة من جنوبي تركيا، وغربها البحر الأبيض المتوسط.
وعندما نتحدث عن المسيحيين في المشرق العربي، لا بدّ من أن نذكر أقدم شعب في المنطقة، وهم السريان، ولغتهم الآرامية لغة السيد المسيح عليه السلام. والسريان أقدم شعب سكن منطقتنا، ثم اعتنقوا المسيحية، ونشروها في العالم حتى وصلوا إلى الهند والصين وإلى روسيا وأوروبا وأفريقيا.
لعب السريان دورًا مهمًا جدًا في بداية الدولة الأموية، حيث كان الحُسّاب والمترجمون والعلماء أغلبهم من السريان المسيحيين، وكانت تُوكل إليهم أهمّ المناصب المتعلقة ببيت مال المسلمين والترجمات والطب، وكانوا رُسل الدولة الأموية وسفراءها. وتذكر كتب التاريخ أن الصين، قبل ألفين سنة، كانت تستعين بالسريان ليكونوا سفراء لها، لأن السريان كانوا النخبة المثقفة والمتعلمة والخبيرة، وكانوا يكتبون باللغة الآرامية، التي تحدث بها السيد المسيح -عليه السلام- وكانت لغة المجتمعات الراقية، وما زال سكان مدينة معلولا السورية يتحدثون بها حتى اليوم.
وتذكر العالمة الروسية بيغوليفسكايا (المختصة بتاريخ السريان وثقافتهم) أن السريان والثقافة السريانية لعبا دورًا عظيمًا للغاية إبان القرون الميلادية السبعة الأولى في التطور الحضاري لمنطقة الشرق الأدنى (المعروف بالأوسط حاليًا). فقد لعب السريان دور حلقة الوصل، بين حضارات وثقافات ذلك العصر، وبخاصة الحضارتين الفارسية واليونانية، وبين أقوام الهلال الخصيب (العراق، سورية، لبنان، الأردن، وفلسطين). وقد تنامى هذا الدور، وتعاظم في القرنين السابع والثامن الميلاديين، عندما حدث الاحتكاك الحضاري والديني، في بدء نشوء الخلافة الإسلامية، بين القوتين الأعظمين المسيحية ومعها الغرب والبيزنطيون، وبين الشرق الإسلامي. وقد لعب السريان دورًا وسيطًا، وساهموا في تبادل الثقافات والفلسفة بين المشرق والغرب، وكان دورهم متميزًا ونادرًا، كونهم ارتبطوا بالعرب من ناحية العيش المشترك والتاريخ والثقافة، وبالغرب من الناحية الدينية.
في العصر العباسي (ق 9 م) اشتهرت دار الحكمة[1]، التي تشبه أكاديمية العلوم في العصر الحديث، حيث تمركز كبار العلماء المسلمين وغير المسلمين، العرب وغير العرب، ومنهم السريان، وكان منهم عائلات بأكملها تقوم بترجمة أمّات الكتب العلمية من اليونانية والهندية إلى السريانية ثم العربية، في الطب والرياضيات والفلك والفلسفة وغيرها.
عصر الترجمة العربية، وهو الأساس الذي انطلقت منه كل الحضارة العربية الإسلامية، بدأ بجهود العلماء السريان المسيحيين، وقد كانوا دائمًا يعتبرون أنفسهم جزءًا أصيلًا من تلك الحضارة، وكانت تسمى حضارة إسلامية (كون الدولة إسلامية) أو عربية (كون اللغة والثقافة عربية)، لكنها في الحقيقة هي نتاج إبداع وإسهام عقول تنتمي إلى أقوام وشعوب وديانات ومذاهب من أصقاع العالم كافة. أي أن مصطلح الحضارة العربية الإسلامية هو مصطلح ثقافي جغرافي مدني (انتماء إلى الدولة) أكثر منه اثنيًا أو دينيًا.
لست مؤرخًا، ولا أريد الخوض في نقاش مسألة مسيحيي المنطقة أهم عرب أم سريان. وهل جميع شعوب المنطقة -السامية- تعود لأصل واحد هو العربي القادم من الجزيرة العربية.
ما يهمني أنه خلال آلاف السنين، انصهرت الثقافات واختلطت الشعوب وتأسست حضارات عظيمة في منطقة الهلال الخصيب، وقدّمت للبشرية مكتشفات كبرى: فأول أبجدية في التاريخ ظهرت في أوغاريت (تل شمرا) قرب اللاذقية، وانتقلت الموسيقى من سورية إلى العالم، وتأثر عالم الفلك كوبرنيكوس بنظرية الفلكي الدمشقي ابن الشاطر، وانتقلت الأرقام العشرية الهندية إلى أوروبا من خلال كتاب الخوارزمي (ق 9 م) الشهير (الكتاب الكبير في سند هند). علمًا أن المصادر التاريخية تشير إلى أن قسيسًا مسيحيًا اسمه سيفر سيبوخت عاش في القرن السابع الميلادي، في سورية على ضفاف الفرات (في مدرسة حران)، تحدث عن طرق الحساب الهندي قائلًا: “لن أتكلم عن علم الهنود، عن اكتشافاتهم الذكية، تلك التي تفوق التي وصل إليها الإغريق والبابليون، وعن طريقتهم الفريدة في الحساب. سأشير فقط إلى أن حسابهم يتم بواسطة تسعة رموز”. أي أنه عرف الأرقام العشرية عن طريق التواصل بين رجال الكنيسة، قبل الخوارزمي بمئات السنين. ويعتبر ذاك القس العلاّمة وريث مدارس سريانية علمية عظيمة في نصيبين وجنديسابور والرها وحران وغيرها الكثير، انتشرت قبل الإسلام وكانت مصدر إشعاع علمي ومعرفي في الفلسفة واللاهوت والطب والرياضيات وغيرها
وعلينا أن نشير إلى دور العلماء السريان في نقل علوم الطب بأنواعها في مدينة الإسكندرية[2] التي عمل فيها العلماء الإغريق، وكوّنوا علومهم القيمة، ثم انتقلت لاحقًا إلى المدارس السورية (السريانية). وكان المسيحيون جنبًا إلى جنب مع العرب وبقية الشعوب على مرّ التاريخ في بناء الحضارة والمجتمع في منطقتنا وبشكل خاص في سورية.
وفي عصر النهضة العربية ضد الحكم العثماني، كانت النخب المسيحية المثقفة في طليعة رواد النهضة، فهم دافعوا عن اللغة والثقافة العربية، وعُلقت مشانقهم في دمشق وبيروت.
ولكن -مع الأسف- مرّت فترات عصيبة على المسيحيين تعرضوا فيها للاضطهاد، واضطروا إلى الهجرة القسرية. فالمؤرخ المعروف ألبرت حوراني يقول: إن المسيحيين في الهلال الخصيب ومصر شكلوا 90 بالمئة من مجموع السكان، عندما انتقلت الدولة من دمشق الأمويين إلى بغداد العباسيين عام 750م، وإن تراجع نسبتهم في تلك البلاد من 90 بالمئة إلى 50 بالمئة استغرق قرنين ونصف القرن بعد ذلك. وقد شكلت هذه التركيبة السكانية التي عاشت في سلام وأمن اجتماعي الحاضنة للعطاء الحضاري العربي في مناحي الحياة كافة، وخاصة في الثقافة والعلوم والاقتصاد. ولكن عندما انتقل الحكم إلى وافدين أتراك غير عرب لألف عام، وكانوا اعتنقوا الإسلام، كالسلاجقة والمماليك والعثمانيين، ترعرعت ثقافة الخصومة حتى الاضطهاد أحيانًا بين المسلمين والمسيحيين، النابعة من حاجة الحاكم غير العربي إلى تنمية التماهي والعصبية مع المسلم العربي، بهدف الحصول على ولائه واستبعاد المسيحي العربي.
وشكّل المسيحيون حوالي 20 بالمئة من سكان بلاد الشام ومصر، عند نهاية الحرب العالمية الأولى. بينما الآن لا يزيدون عن 7 بالمئة. فالغرب يشجع الهجرة المسيحية بمنح التأشيرات والتسهيلات الحياتية لهم. وقد انخفضت نسبة المسيحيين الآن في فلسطين الانتداب أي “إسرائيل” والأراضي المحتلة إلى أقل من 2 بالمئة فقط. وفي المجمل يعيش حوالي 40 مليون عربي مسيحي في المهجر والاغتراب.
هذا وضع مأسوي يخلق خللًا بنيويًا في التركيبة الديموغرافية والثقافية والدينية والتاريخية للمنطقة. ولكن تاريخ سورية المعاصر مليء بالتجارب المشرقة في التعايش والتسامح بين الأديان، وبخاصة في فترة الأربعينيات من القرن الماضي، عندما كان أبرز قادة سورية وزعمائها هم من أتباع الدينية المسيحية مثل فارس الخوري، الذي لم يكن فقط شخصية حكومية وبرلمانية وطنية بارزة، بل كان وزيرًا للأوقاف الإسلامية بترشيح من النواب المسلمين (مصطفى السباعي قال إننا نثق بفارس الخوري أكثر من غيره). تلك كانت مرحلة ديمقراطية حقيقية، كان السوريون يتعاملون على مبدأ المواطنة، ولم يميزوا بين الناس على أساس الانتماء الديني والقومي.
ولكن أوضاع السوريين، ومن ضمنهم المسيحيون، تدهورت منذ أواسط الستينيات مع انتزاع السلطة من قبل حزب البعث وثم عائلة الأسد. علمًا أن مؤسس حزب البعث، ميشيل عفلق، كان مسيحيًا إلا أنه كان قوميًا عربيًا، وصاغ أفكارًا شوفينية.
وقد شهدت فترة حكم الأسد الأب والابن تمييزًا واضحًا وتفرقة بين القوميات والطوائف والأديان، وقد استخدم التمييز ورقةً ضد التلاحم الشعبي وللاستمرار في تخويف الناس ومقايضتهم بالتمتع ببعض الحقوق والأمان النسبي، مقابل الولاء والصمت عن جرائمه، وإلا فعليهم الهجرة ومغادرة البلاد. وهذا ما حدث حيث غادرت الملايين من المسيحيين والعرب والكرد وغيرهم البلاد، هربًا من القمع وبحثًا عن مكان آمن.
أما مقولة النظام الكاذبة بأنه “حامي الأقليات” فقد أثبتت مرحلة الثورة زيفها. فالمسيحيون أولًا ليسوا أقلية بل هم جزءٌ أصيل من الشعب السوري بعربه وسريانه، علمًا أن العديد من رجال الدين المسيحي -مثلهم مثل رجال الدين الإسلامي- باعوا أنفسهم لعصابة الأسد، وأعلنوا أكثر من مرة تأييدهم للمجرم بشار الأسد، بدافع الخوف أو المصلحة الخاصة، ولكن هناك رجال دين مسيحيين وطنيين وقفوا إلى جانب الحق والحرية ضد الظلم، وبعضهم اختفى مثل الأب الإيطالي باولو (الذي اعتبر نفسه سوريًا) والمطران يوحنا إبراهيم الذي أدلى بتصريح قبل اعتقاله أزعج النظام، بأن المسيحيين يُقتلون في سورية ليس على أساس ديني، وإنما كغيرهم من الناشطين والسوريين.
وقد شارك شباب مسيحيون في مقدمة التظاهرات في الأشهر الأولى للثورة، التي كانت تنطلق من الجوامع. واستشهد نخبة من الناشطين والأحرار المسيحيين، في مقدمتهم باسل شحادة الذي حضر من أمريكا لكي يقوم بواجبه الوطني لدعم الثورة من خلال التصوير.
فسيفساء سورية يتطلب أن يتحد السوريون جميعًا، بمكوّناتهم الدينية والقومية كافة، ضد الاستبداد والظلم من أجل الحرية والكرامة، من أجل التعايش السلمي والتسامح والانفتاح وقبول الآخر، ونبذ التعصب والتشدد بكل ألوانه، قوميًا كان أم دينيًا أم طائفيًا.
تاريخ بلادنا هو مزيج من الحضارات والثقافات والديانات المختلفة، وهذا مصدر جمالها، لكن نظام الاستبداد الأسدي أعاق تبلور هوية وطنية للشعب السوري ومسخ الثقافة والفكر والسياسة وكرس المفاهيم الطائفية والعشائرية والقومية، وهذا ما أعطى مفاعيله المأسوية في السنوات الماضية من عمر الثورة.
من المهمّ أن ندرك، وهذا ما أكّده مؤتمر المسيحيين العرب في باريس الذي انعقد في 23/ 11/ 2019، أنّ الصراع في سورية والمنطقة ليس صراعًا دينيًا، وإن اتخذ هذا الشكل ظاهريًا، بل هو صراع بين الحق والظلم، بين الحرية والاستبداد، صراع الشعب كله ضد النظام الفاسد. وقد ورد في بيان المؤتمر تأكيد على رفض فكرة “تحالف الأقليات” (لكيلا يستخدم ضد الأكثرية العربية السنية) وأن المسيحيين جزء من أوطانهم، وينشدون الحرية والأمن والعدالة والمعاصرة والسلام.
أثبتت ثورة الشعبين الشقيقين في لبنان والعراق، التي فجّرها ناشطون من مختلف الديانات والطوائف، أن الصراع ليس طائفيًا بل هو صراع بين الشعب كله وبين النخب السياسية الفاسدة التي تتخفى خلف الشعارات الطائفية والدينية وتستغل أبناء طائفتها.
المسيحيون كانوا، وسيبقون، ملح الوطن وجزءًا جميلًا من فسيفسائه. ولا تكتمل الحياة بدونهم، ولا بدون المكونات الدينية والقومية الأخرى.
توحدنا في سورية الهوية الوطنية الجامعة، التي لا تُلغي التنوع الثقافي والديني والاجتماعي، والمهم أن نبني دولة مدينة ديمقراطية يتساوى أمامها المواطنون السوريون كافة._____
[1] من أوائل الأطباء السريان الحارث بن كلدة، وابنه النضر، وقد ورد اسمهما في كتاب ابن سينا (القانون في الطب) وكان الخليفة المنصور قد دعاه إلى بغداد، وجعله طبيبه الخاص، وبقيت أسرة بختيشوع طوال قرن من الزمان ذات مكانة كبرى لدى الخلفاء. ومن بين الأطباء الآخرين المشهورين في جنديسابور يوحنا بن ماسويه الذي هاجر إلى بغداد في القرن التاسع الميلادي، وجعله الخليفة المأمون مشرفًا على بيت الحكمة، بعد أن التقى به وعرف علمه ومؤلفاته، وتوفي في بغداد عام 857 م. وقد اشتُهر علماء ومترجمون في الرياضيات والطب والمنطق، مثل حنين ابن إسحق الذي ألف 37 كتابًا وترجم نحو 100 كتاب. وقسطا بن لوقا الأنطاكي الذي ألف كتبًا مهمة في الرياضيات.
[2] مدرسة الإسكندرية كانت جامعة حقيقية، التقت فيها التيارات الفكرية لليهودية والمسيحية، ومعهما الفلسفة الإغريقية، ثم هيمنت الثقافة المسيحية وتخرج فيها علماء وفلاسفة سريان، وفيها درسوا الطب والرياضيات والفلسفة والأدب والشعر والموسيقى، وكان هناك تفاعل كبير بين هذه المدرسة والمدارس السريانية بلاد الشام، حيث انتقلت العلوم والفلسفة. وقد انتقلت مظاهر الفكر العلمي والثقافي في العصر الوسيط، من روما إلى الإسكندرية ومن الإسكندرية إلى أنطاكيا، ومن ثم إلى مدرستي نصيبين والرها، وظلت هذه المدارس حافلة بالعطاء الفلسفي والعلمي حتى نهاية القرن الثامن الميلادي، حيث احتلت مكانها دار الحكمة وغيرها من المدارس الإسلامية. وأغلقت مدرسة الإسكندرية عام 489 م. فانتقل علماؤها إلى سورية.
===========================