الرئيسة \  تقارير  \  محمد فارس .. رائد الفضاء السوري الذي رحل لاجئًا

محمد فارس .. رائد الفضاء السوري الذي رحل لاجئًا

22.04.2024
باسل المحمد




محمد فارس .. رائد الفضاء السوري الذي رحل لاجئًا
باسل المحمد
نون بوست
الاحد 21/4/2024
مبعدًا عن وطنه الذي كان أول سوري يراه متلألأً من الفضاء، توفي رائد الفضاء السوري اللواء محمد فارس، أمس الجمعة، بعد معاناة مع المرض استمرت لأسابيع، داخل أحد مشافي ولاية غازي عنتاب التركية.
أعلن الائتلاف الوطني المعارض وناشطون سوريون وفاة رائد الفضاء السوري المنشق محمد فارس، الجمعة، عن سن ناهز 73 عامًا بعد صراع مع المرض في أحد مستشفيات مدينة غازي عنتاب في تركيا، ووصف الائتلاف السوري في بيان له فارس بفقيد سوريا، مشيرًا إلى أنه انحاز للثورة السورية بعيد اندلاعها عام 2011 ولم يغير موقفه حتى رحيله.
وفي تصريحات لوسائل إعلام، أكد أحد المقربين من اللواء السوري وفاته، وقال إنه كان قد أصيب بوعكة صحية منذ نحو 3 أسابيع، وأضاف أن الوعكة الصحية ألمت به بعد مضاعفات عمل جراحي في شرايين القلب.
فارس لم يكن مجرد رائد فضاء، بل كان رمزًا سوريًا للشجاعة والانحياز للحق. فموقفه المنحاز للسوريين الثائرين ضد الطاغية بشار الأسد جعلته مثالًا يُحتذى به للأجيال القادمة، وقد أظهر كيف يمكن للإنسان أن يصل إلى النجوم، ليس فقط حرفيًا ولكن أيضًا بتأثيره وإلهامه للآخرين.
واللواء محمد فارس من مواليد حلب 1951، وهو خرّيج الأكاديمية العسكرية ومدرّس فيها، وضابط سابق في سلاح الجو ومستشار عسكري سابق في سوريا، وكان طيّارا مقاتلًا على الطائرة “ميغ 21، كما كان مدربًا للطيران، قبل أن يتم اختياره لتمثيل سوريا إلى الفضاء الخارجي.
ثاني عربي يصل إلى الفضاء
كان يوم 22 يوليو/تموز 1987 حاسمًا في حياة محمد أحمد فارس، ففيه تحوّلت حياته بانطلاقه إلى الفضاء الخارجي، حيث صعد للفضاء ضمن برنامج الفضاء السوفييتي في مركبة سويوز، وذلك بعد منافسة شرسة خاضها مع 60 سوريًا آخر تقدموا للبرنامج M3 للمحطة الفضائية “مير”.
وقد ضم الطاقم إلى جانب محمد فارس، اثنين من رواد الفضاء السوفييت هما: أليكساندر فيكتورينكو وأليكسندر أليكسدروف، وأجرى فارس في أثناء البعثة العديد من التجارب البحثية إلى جانب رواد الفضاء السوفييت وذلك في مجال الطب ومعالجة المواد منها تجربة حركة الدم في جسم الإنسان ومدى تأثرها بالأجواء المحيطة في الفضاء.
وخلال محاضرة عرض خلالها تجربته على مجموعة من الطلاب الأتراك، في صالة علي أميري بمدينة إسطنبول، في 2016، قال محمد فارس: “اخترت من بين عدد من الطيارين العسكريين لقدرة الطيارين التعود على الجاذبية في العالم الخارجي بشكل أكبر، وتم تحضيري خلال سنتين في مدينة النجوم على ثلاث مراحل علميًا وصحيًا ونفسيًا”.
وإضافة إلى كونه السوري الأول الذي يصعد للفضاء، فإن فارس هو العربي الثاني الذي خاض هذه الرحلة بعد السعودي سلطان بن سلمان آل سعود.
وأطلقت صحيفة “غارديان” البريطانية عليه لقب “آرمسترونغ العرب”، وقد حلّق إلى الفضاء كرائد فضاء باحث على متن مركبة الفضاء “Soyuz TM-3” في 22 يوليو/تموز عام 1987، كجزء مِن الزيارة الأولى لطاقمها إلى محطة الفضاء الروسية المدارية “مير”.
في 30 يوليو/تموز 1987 عاد فارس إلى الأرض على متن المركبة “Soyuz TM-2، وكان مجمل المدة التي قضاها في الفضاء سبعة أيام و23 ساعة وخمس دقائق، ثم عاد إلى القوات الجوية السورية واستقر في مدينة حلب، ومنحه الاتحاد السوفييتي لقب بطل عن إنجازاته كرائد فضاء، كما نال “وسام لينين”، وهو أرفع وسام مدني يمنحه الاتحاد السوفييتي.
القطيعة مع حافظ الأسد
يحضر فارس في ذاكرة معظم السوريين من خلال مكالمة الفيديو التي أجراها حافظ الأسد من الفضاء رفقة زملائه رواد الفضاء السوريين عام 1987.
استُقبل “فارس” بعد عودته من رحلته الفضائية استقبال الأبطال، وقد ملأت المظاهرات الاحتفالية سوريا ثلاثة أيام بعد عودته، قبل أن “تصدر الأوامر بوقفها في اليوم الرابع”، وذلك بحسب ما أكد فارس في عدة تصريحات صحفية.
فارس أوضح في لقاء سابق مع موقع “الجزيرة نت” أن حافظ الأسد أمر بإيقاف الاحتفالات عندما “زادت الأمور عن حدها”، لأن الأسد الأب يريد أن يبقى الرمز الأول في الإعلام.
أما لقاؤه بالرئيس حافظ الأسد، فيصفه “فارس” باللقاء العادي، فقد صافحه الأسد مصافحة عادية، ومنحه وسام “بطل الجمهورية العربية السورية”، دون أن يُقلّده الوسام. ويضيف فارس أنه عندما جلس مال عليه الرئيس، وقال له إنه لم يُقبّله بسبب الإعلام!
أما عن السبب المباشر للقطيعة فيقول فارس إن لقاءه تكرر بالأسد مرة ثانية، بحضور رائد الفضاء السعودي الأمير سلطان بن سلمان، وفيه ذكّره الأسد بقوله “يا الله” عند إقلاع المركبة، وقد استاء الروس من ذلك، لكن فارس أجابه بأن الروس لم ينزعجوا من الأمر. وبسبب هذا الموقف يؤكد فارس أن حافظ الأسد أُسدل الستار على العلاقة معه.
وذكر فارس في تصريحات سابقة أنه طلب من حافظ الأسد عقب عودتهِ مِن الفضاء تأسيس معهدٍ قوميٍ لعلوم الفضاء بهدف مساعدة غيره مِن السوريين في الانخراط في أبحاث الفضاء، لكن “الأسد” رفض ذلك، وقيّد “النظام” حركته لاحقًا بما يشبه الإقامة الجبرية.
وهذا ما عبر عنه اللواء محمد فارس في تصريحات سابقة لوكالة “الأناضول” بالقول: “عندما صعدت للفضاء وهبطت، كان الكلام أن السوريين سيعلمون أبناءهم (بابا ماما محمد فارس)، وأذكر أن كثيرًا من مواليد 1987 أطلق عليهم اسم “محمد فارس”، واستكمل: “من هنا كانت النظرة الديكتاتورية، فعمل النظام على حجبي في المنزل 9 سنوات تقريبًا، عبر نظام بشار الأسد، وقبله نظام حافظ الأسد، لذلك ما كان علينا إلا التحلي بالصبر”.
وبدلًا من ذلك، انتهى به الأمر إلى تدريب الرجال على قيادة الطائرات المقاتلة في كلية القوات الجوية، وترقى إلى رتبة جنرال.
محمد فارس في مدينة النجوم الروسية
مناصرته للثورة السورية
مع اندلاع الثورة السورية، أعلن فارس موقفًا داعمًا للثورة وشارك في عدد من المظاهرات، لتستدعيه الأجهزة الأمنية على خلفية ذلك، فينشق عن نظام الأسد عام 2012 ويقرر مغادرة سوريا واللجوء. اختار العيش في تركيا، التي منحته الجنسية كتكريم لكونه من العلماء. ورغم انشقاقه، لم ينخرط في أي نشاط مسلح.
شارك فارس في العديد من الفعاليات والتظاهرات المناصرة للثورة في تركيا، كما كانت له مشاركات في مؤتمرات ولقاءات ودروس في جامعات تركية، وشارك في افتتاح المعرض العلمي للأطفال في ولاية غازي عنتاب، عام 2019، بحضور فاطمة شاهين رئيس بلدية الولاية.
وفي حوار سابق للأناضول مع الراحل فارس، قال: “عندما كنت في سوريا محاضراتي كانت مقننة، لكن في تركيا انطلقت بمحاضراتي، وأنا سعيد لأنني أشعر بأداء واجبي الداخلي الإنساني والأخوي”.
وأضاف: “مع قيام الثورة في 2011 كنت سعيدًا لأن القمع على الأرض كان كثيرًا وبات مكشوفًا، ويدخل في كل زوايا سوريا، ولم يترك زاوية إلا وقمع الشعب من الناحية العلمية والأخلاقية والحركية”، وكانت رغبته التي أعلن عنها قبل وفاته أن يعيش في بلده ويشاهد أطفاله يلعبون بسلام دون خوف من القنابل.
وفي شهر مارس/آذار الماضي، نشر ناشطون فيديو يظهر فيه فارس من داخل المستشفى، تمنى فيه أن يكون مشاركًا في احتفالات الذكرى السنوية الثالثة عشرة لانطلاق الثورة السورية.
وقال فارس مخاطبًا السوريين المتظاهرين: “أتمنى لكم التوفيق، أنتم الشباب أملنا في المستقبل، لا تيأسوا سننتصر بإذن الله تعالى”.
وعمت موجة من الحزن وسائل التواصل الاجتماعي بمجرد انتشار خبر وفاته، فنعى صحفيون وسياسيون سوريون محمد فارس، حيث كتبوا عن مناقبه وتحدثوا عن الذكريات المرتبطة به.
كما نعاه رئيس “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية”، هادي البحرة، عبر “إكس“، وقال إن فارس حظي بمحبة السوريين بمواقفه الشجاعة وانحيازه لصوت الشعب وكلمته.
“المجلس الإسلامي السوري” من جانبه نعى محمد فارس، وقال عبر “فيسبوك”، إنه “فقيد سوريا الراحل الكبير الذي انحاز إلى أحرار سوريا ضد عصابة الإجرام، حتى رحل ولم يبدل ولم يغيّر”.