الرئيسة \  مشاركات  \  مذبحة "خان شيخون" جريمة حرب شركاءها كثر ...

مذبحة "خان شيخون" جريمة حرب شركاءها كثر ...

06.04.2017
د. طارق ليساوي

من يتابع حال أهلنا و إخواننا في أرض الشام و ما أصابهم من ظلم وحيف من القريب و البعيد طيلة السنوات الماضية يصاب بالأسى، فمسلسل التدمير و سفك الدماء و تشريد الآمنين لا ينتهي، فبعد مأساة حلب نقف اليوم عند مذبحة جديدة ترتكب في حق أطفال مدينة "خان شيخون"، و التي راح ضحيتها حوالي 100 شهيد و 400 إصابة عقب قصف المدينة بأسلحة كيماوية .
و بعد انكشاف معالم المجزرة توالت ردود الفعل، و تعاقبت التصريحات التي تدين هذا الهجوم و توجه أصابع الاتهام لطيران الأسد و روسيا بارتكاب المجزرة، غير أن روسيا نفت على لسان رئيسها مسؤوليتها عن المجزرة، و أن طائراتها لم تحلق في سماء المدينة يوم القصف... و قد تعودنا طوال السنين الماضية عن مثل هذه الاتهامات و عن نفي الضلوع في سفك دماء المدنيين،لكن المفجع في الأمرأن رئيس وزراء إسرائيل يخرج بتصريحات شديدة اللهجة ضد هذه الهجمات و يعبر عن أسفه و صدمته من هذه الهمجية، و نفس الشيء صرح به عدد من الساسة الصهاينة، بينما التزم أغلبية القادة العرب و المسلمين الصمت كعادتهم ...
هذه المجزرة وغيرها جعلت من نظام بشار الأسد مجرم حرب، لكن ليس لوحده فالشركاء في تدمير سوريا كثر، فحتى الصمت الذي يجتاح الشارع العربي و الإسلامي هو مشاركة في سفك هذه الدماء، كلنا مسئولون أمام الله تعالى  و أمام التاريخ عن هذه الدماء التي تسفك و عن هذه الحقوق التي تنتهك، وصلنا إلى أقصى درجات  الحضيض و أقصى درجات النفاق، إني لا أحمل المسؤولية للحكام فقط، فهؤلاء ما كان لهم أن يستمروا في غيهم وعدوانهم لولا قبولنا الهوان و الذل ، لا يعقل أن يعجز أكثر من  200 مليون عربي عن كنس هذه الأنظمة الفاسدة ...وصدق القائل:" كما تكونوا يولى عليكم"..
مشكلة سوريا لا تخص أهل سوريا فحسب، فهي نموذج مصغر لحال الأمة العربية والإسلامية، أمة تعاني العجز و التفكك وابتعاد عن الصراط القويم و إتباعها الباطل و الأهواء، فمرض الفرعونية السياسية ساد وتفشى في أوساط هذه الأمة التي للأسف لا تستحق اليوم وصف الله تعالى لها في كتابه العزيز إذ قال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ..} [آل عمران : 110].فأفضلية هذه الأمةمقرونة بإتباعها للمعروف و نهيها عن المنكر قولا و فعلا، لكن أين نحن من ذلك فكل فئة تخون الأخرى، فالمعارضة السورية و حلفاءها من العرب و غيرهم يحملون المسؤولية لنظام بشار الأسد و إيران وحزب الله و هؤلاء يتهمون المعارضة وحلفاءها، بينما باقي أفراد الأمة يخيم عليهم الصمت ...فالواقع كما قلت الكل مشارك في الجريمة بما فيه نحن أهل الإعلام، فأجندتنا أصبحت غير مستقلة تماما و مواقفنا تتبع لونا سياسيا أو إيديولوجيا معينا، بالرغم من أن الصحافة والإعلام هي نقل الحقيقة و قول الصدق دون تزييف، و توجيه الناس للصواب...
فالصواب اليوم في سوريا و اليمن وليبيا و العراق و اللائحة تشمل معظم بلدان العالم العربي...، هو تغليب صوت العقل و الرجوع إلى المنهج القويم فالدماء و الأعراض خط أحمر سواء كان القاتل من النظام أوالمعارضة...دماء هؤلاء الأطفال و المدنيين في أعناقنا جميعا...إن الاستبداد و الفرعنة السياسية والانصياع لأجندات الغير ضيعت سوريا كما ضيعت غيرها من البلاد العربية المكلومة...
نكتب هذه الكلمات لنعلن براءتنا من هذه الدماء التي تسفك، وبعيدا عن أي أجندة سياسية ، نقول بصدق لفائدة من هذه الأنظمة العربية الحاكمة فهي نموذج للطغيان و الانصياع للاجنبي و التفريط في حقوق البلاد والعباد، بل حتى بعض المعارضين لا يحملون بديلا موثوقا به، لكن من المؤكد أن حجم الظلم في سوريا و غيرها كبير و أن استمرار الوضع على هذا المنحى لا يحمل لنا جميعا أي خير ...
لأجل ذلك، نتمنى من عقلاء هذه الأمة، و أكيد انه لازال في أمة محمد عليه الصلاة والسلام  خير و لازال في الإنسانية خير، أن يشكلوا لجنة حكماء تتدخل لفض النزاعات في سوريا و اليمن و كل هذه المناطق التي تنزف دما و دمعا في عالمنا العربي المكلوم، لجنة على غرار اللجان التأسيسية لوضع الدساتير حيث تكون قراراتها ملزمة للجميع،  لجنة تضم علماء الأمة و عقلاءها المشهود لهم بالاستقلالية والصلاح، و تعبر عن كل أطياف الأمة العربية والإسلامية و يتمثل بها حتي الجاليات الإسلامية في ربوع العالم بما في ذلك أهل الكتاب من العرب شركاء الوطن و التاريخ...
 و تكون قرارات اللجنة ملزمة لكل الأطراف المتصارعة، ومن يرفض ما توصلت إليه هذه  لجنة، تقوم عليه الحجة و يمكن إرجاعه لجادة الحق بالقوة إن اقتضى الأمر ذلك، مصداقا لقوله تعالى: و ان طائفتان من المؤمنين
و في النهاية يبقى هذا مجرد اجتهاد يحتمل  الخطأ و الصواب، لكن لا جدال في ضرورة حقن الدماء و معاقبة الجناة، وإن كنا نعلم يقينا أن العدالة الإلهية سوف تنصف هؤلاء المستضعفين، و لو بعد حين، و تقتص من كل هؤلاء الطغاة الذين أحرقوا الأخضر و اليابس ليستمروا في طغيانهم و غيهم ...و الله غالب على أمره...
*إعلامي مغربي و أكاديمي متخصص في الاقتصاد الصيني و الشرق آسيوي .