الرئيسة \  رؤية  \  مشروع الرحمة .. بين حملته الأولين والآخرين

مشروع الرحمة .. بين حملته الأولين والآخرين

26.07.2014
زهير سالم




لا يشك مسلم عاقل مهما كان حظه من عقل أو من علم أن مشروع دولة الإسلام الذي جاء به محمد رسول الله هو مشروع الرحمة المهداة للعالمين (( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ )) فهل نلحظ هذه الرحمة التي لحظها من قبل البعيد قبل القريب في فعل وتصرفات حملة المشروع الأولين في سلوك حملة المشروع الآخرين ...؟!
تألف محمد رسول الله صلى الله عليه الناس حوله باللين والرفق وخفض الجناح وبالصدق والأمانة والوفاء . قال له ربه (( وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ )) أسس مجتمع المدينة قبل أن يريق قطرة دم واحدة في سبيل مشروعه الإنساني الدعوي . وأقام دولة الإسلام الأولى بأقل من بعض مئين من الضحايا والشهداء ..
ربى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم جيلا كاملا من الصحابة انداحوا في أقطار الأرض كانوا كلهم تلاميذ في مدرسة الرحمة الإسلامية . ولم يكن فيهم في أي مكان حلوا فظ ولا غليظ ولاصخاب ..
وبقيت كلماتهم تدوي في التاريخ بعضها من بعض ( الله ابتعثنا لنخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد . ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة . ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ).
فإلى أي حد تنتمي المشروعات المطروحة اليوم باسم الإسلام إلى دعوة محمد رسول الله . الدعوة المشروع الذي تحدد مقصده الأول بقوله تعالى (( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ )) بقصر وحصر يقطع الطريق على كل المتأولين والمشككين ...؟!
وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نجح في تربية جيل كامل من الناس على حد الوسط في الاعتقاد والفكر والنهج والسلوك ، فلا غلو ولا تفريط ولا تضييع ، بل حالة من الوعي الفريد ، وضعت العالم أمام حالة تاريخية من مجتمع كل من فيه واع مفكر ، قادر على استيعاب معطيات لحظته الزمنية وإلحاقها ، بسماحة ويسر ومن غير اعتساف ، بسياق المشروع الرباني الذي تحمله .
في الزمن القياسي الذي انداح فيه الصحابة وتابعوهم بإحسان إلى شرق العالم وغربه واجهوا الكثير من المستجدات من الحضارات والثقافات والملل والنحل وأنماط السلوك وعادات الاجتماع وعاملوا كل ذلك على اختلاف مواطنهم وتشعب الحالات التي واجهوها بروحية واحدة ، بل منهجية واحدة ، منهجية الاعتراف ثم الاستيعاب والرفق وبذل العدل والسواء للناس . لم يحمل الصحابة ولا التابعون بأيديهم السيف ولا السوط على الناس وإنما حملوا كلمتهم الطيبة وبسمتهم الحانية ورأفتهم بالناس وحرصهم على طمأنينتهم على عقائدهم ودمائهم وأعراضهم وأموالهم ...
فلم يسجل التاريخ على الفاتحين من المسلمين جريمة حرب ، ولا واقعة استئصال أو إفناء أو تدمير ..
كتبوا إلى عمر بن عبد العزيز ها هنا قوم أسلموا ويتحرجون من الختان !! كتب إليهم : إن الله بعث محمدا هاديا ولم يبعثه خاتنا . وفي أخرى قال لهم إن الله بعث محمدا هاديا ولم يبعثه جابيا ..
ولا ينتمي إلى مشروع الدين الرحمة من لا يميز بين مقاصد الشريعة ومقتضياتها . وكلياتها وأصولها وبين جزئياتها وفروعها . ولا يستطيع أن يكون حاملا لمشروع إسلامي من لا يدرك إدراكا حقيقيا أن الله خلق الناس مختلفين . وأنه لو شاء جعل الناس أمة واحدة . وأن الاعتراف بهذا الاختلاف في كل آفاقه هو اعتراف بسنة من سنن الله في الخلق والأمر . (( وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ـ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ـ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ )).
ويبقى السؤال الذي يحاصر أصحاب المشروع الإسلامي : لقد خرّج رسول الله صلى الله عليه وسلم في بضعة وعشرين عاما ، وكان قصر الزمن وقلة الإمكانات من بعض معالم المعجزة المحمدية ؛ فأين ما أنجزته التجربة الدعوية الإسلامية في العصر الحديث مع إدراكنا لتفاوت الكثير من المعطيات . علما أن المعطيات الإيجابية في مدخلات التجربة المعاصرة أكثر من السلبية على كثرة السلبيات الظرفية المحيطة بالمسلمين ؟!
ليس استهانة منا بالحصاد الطيب المبارك . ولكن ما في الواقع الإسلامي من خلل واضطراب وغلو وشطط في الرؤية بل في الاعتقاد وفي المنهج والسلوك يجعلنا بل يجعل العالم يفتقد روح التجربة المحمدية والمشروع الإسلامي الذي قصر وحصر القرآن الكريم فيها رسالة الرسول ...
26 / رمضان / 1435
24 / 7 / 2014
----------------
*مدير مركز الشرق العربي
للاتصال بمدير المركز
00447792232827
zuhair@asharqalarabi.org.uk