الرئيسة \  تقارير  \  من لبنان إلى العراق فتركيا : أخطر حملات التضييق على السوريين بغية ترحيلهم قسريا

من لبنان إلى العراق فتركيا : أخطر حملات التضييق على السوريين بغية ترحيلهم قسريا

15.07.2024
حسام محمد



من لبنان إلى العراق فتركيا : أخطر حملات التضييق على السوريين بغية ترحيلهم قسريا
حسام محمد
القدس العربي
الاحد 14/7/2024
ما بين سندان الحكم الاستبدادي داخل قضبان الوطن، وبين مطرقة المصالح التي حرمته من حقوقه التي ناضل لأجلها لأكثر من عقد من الزمن ومستمر فيها رغم فاتورتها الباهظة، ما زال السوري هو الحلقة الأضعف. فداخل الجغرافية المحلية كان ولا يزال غريبا معذبا محروما ويُقتل عندما يراد التحرر من سلاسل النظام الأوحد، ومعاقبا في حال لم يكن وجوده مصدرا للمال الوافد من الاتحاد الأوروبي في دول اللجوء المجاورة، حتى بات ساسة الحكم في تلك الدول أو الطامحون في الوصول إلى سدة السلطة يستخدمون اللاجئ السوري كشماعة للتنصل من الإخفاق وتحميله المسؤولية مع كل ترد للأوضاع أو اقتراب للانتخابات، وورقة ضغط لتجييش الشارع ضد الحكومات من قبل أحزاب المعارضة أو بالعكس، في حين يواصل المجتمع الدولي سياسة تهميش القضية السورية ومعالجة أسبابها، ومحاكمة مرتبكي الجرائم، فيما ذهب العرب في سوادهم الأعظم لاحتضان بشار الأسد والترحيب به وكأنه عائد من غزوات لا يشق له غبار فيها، فيما تتواتر التصريحات التركية الراغبة بالتقاء الأسد، تحت عنوان “عفى الله عما مضى”.
بدأت موجة جديدة لعلها الأخطر والأوسع من الانتهاكات والمضايقات بحق اللاجئين السوريين في دول الجوار، انطلاقا من لبنان، ومرورا بالعراق وتركيا، وفي حال أقل نسبيا في مصر والأردن، ممارسات أدت إلى اعتقال العشرات من اللاجئين السوريين بشكل عشوائي، وترحيلهم بشكل قسري إلى بلدهم، وبعض الدول العربية تسلمهم إلى النظام السوري مباشرة، ليكون مصيرهم التعذيب حتى الموت.
فيما يتعرض المهاجر السوري في تركيا إلى مضايقات واعتداءات طالت حياته وأملاكه وأرزاقه، وعمليات ترحيل عشوائية نحو الشمال السوري، وسط إجراءات مشددة حول تنقلات السوريين، وتطورات سياسية تشي برغبة تركية على أعلى المستويات في معاودة الاتصال مع الأسد وإعادة العلاقات تحت سقف المصالح والمطالب لكل جانب، في حين تستمر الأزمات في ملاحقة النازحين السوريين في الشمال السوري، وانخفاض عمليات الدعم المقدم.
إذ قال مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة إنّ “4.1 ملايين شخص في شمال غرب سوريا يمثلون ثمانين في المئة من السكان، يحتاجون إلى دعم في قطاع المياه والصرف الصحي والنظافة” خلال العام الحالي، لكن “هذا القطاع هو الأقلّ تمويلا”.
وتؤوي المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة السورية في إدلب ومحيطها أكثر من خمسة ملايين نسمة، الجزء الأكبر منهم نازحون، حسب الأمم المتحدة.
ووسط لهيب الصيف تزداد معاناة النازح حسين النعسان لتوفير المياه لعائلته، ويقول النعسان “لا يستطيع الإنسان العيش بدون مياه، ويحتاج للاستحمام من أجل تخفيف تأثير الحرارة داخل الخيم” مضيفاً “نواجه صعوبة كبيرة في الحصول على المياه التي لا نملك ثمن شرائها بشكل منتظم بسبب قلة المساعدات وفرص العمل”.
ويبدي خشيته من أن يؤدي انقطاع المياه والتوقف عن جمع القمامة إلى انتشار الجراثيم والأمراض، ومن ثم انهيار المنظومة الصحية المرهقة أساساً بعد أكثر من 13 عاماً من نزاع مدمر، واصفاً ذلك بـ “الكارثة الكبرى”.
السوريون في خطر
أشارت منظمة “هيومن رايتس ووتش” في تقرير لها، أن السلطات العراقية في بغداد وأربيل احتجزت ورحّلت تعسفا سوريين إلى دمشق وإلى أجزاء من شمال شرق سوريا تسيطر عليها القوات التي يقودها الأكراد، رغم حيازتهم وثائق عراقية رسمية تُمكّنهم من الإقامة والعمل في البلاد أو كانوا مسجلّين كطالبي لجوء لدى “المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين” (مفوضية اللاجئين).
وفي هذا الإطار، قالت سارة صنبر، من العراق في هيومن رايتس ووتش: “ينبغي للعراق أن ينهي فورا حملته المقلقة من الاعتقالات التعسفية والترحيل للسوريين الذين فرّوا إلى العراق بحثا عن الأمان. بإعادة طالبي اللجوء قسرا إلى سوريا، يُعرّضهم العراق للخطر عن علم” يذكر أن العراق يتواجد فيه قرابة 280 ألف لاجئ سوري.
أما في لبنان الذي يتواجد فيه قرابة 2 مليون لاجئ سوري، فالأحوال أشد تنكيلا بهم من قبل الأجهزة الأمنية اللبنانية، من خلال مداهمات للسوريين خلال العمل، أو في الطرقات، وترحيلهم بشكل قسري إلى سوريا وتسليمهم إلى أجهزة النظام الأمنية، في حين ترتفع الأصوات أكثر للمطالبة بمنع الأطفال السوريين من دخول المدارس ما لم يكن بحوزتهم أوراق رسمية وإقامات.
وقال رمزي قيس، وهو باحث لبناني في هيومن رايتس ووتش: “فرض المسؤولون اللبنانيون لسنوات ممارسات تمييزية ضد السوريين المقيمين في البلاد كوسيلة لإجبارهم على العودة إلى سوريا، التي ما زالت غير آمنة. الاعتقال التعسفي، والتعذيب، والترحيل بحق السوريين الذين يواجهون خطر الاضطهاد المثبت إذا عادوا، هي نقاط تمعن في تلطيخ سجل لبنان في التعامل مع اللاجئين”.
بالانتقال إلى تركيا، فقد شهدت الآونة الأخيرة، تصعيدا وانزلاقا خطيرا تجاه اللجوء، خاصة مع أحداث قيصري والانتهاكات العديدة بحق السوريين، لتنتقل بعدها إلى مناطق أخرى، ما أدى إلى موجة غضب في شمال سوريا، وخروج مظاهرات للمطالبة بحماية السوريين.
فيما كان قد أعلن وزير الداخلية التركي علي يرلي قايا، توقيف 1065 شخصا في أنحاء البلاد، عقب الأحداث التي اندلعت في ولاية قيصري (وسط تركيا) وبين أن قوات الأمن أوقفت 855 شخصا في ولاية قيصري وحدها بعد الأحداث، تبين أن 468 منهم لديهم سوابق جنائية تتعلق بـ50 جريمة مختلفة، وفق ما نقلته وكالة “الأناضول”.
أما الائتلاف الوطني السوري المعارض، فقد شدد بدوره على ضرورة حماية السوريين ووقف حملات العنف والتحريض ضدهم، وأكد دعمه ومساندته لمطالب المنظمات الحقوقية والإنسانية التي “دعت الحكومة التركية للالتزام بتعهداتها الوطنية والدولية في حماية اللاجئين السوريين”.
الناشط السياسي السوري درويش خليفة، أشار إلى الظروف القاسية التي يعيشها السوريون في تركيا تحت وطأة الصدمة جراء الأحداث التي حصلت في مدينة قيصري وما تبعها من أحداث في ولايات أخرى، والكثير منهم لا يتمكن من الخروج من منازلهم أو الاحتكاك مع محيطهم من الأتراك، وهذا ينطبق على فئات عديدة من المجتمع السوري بمن فيهم الناشطون والإعلاميون. أما باقي الفئات فيتم التضييق عليهم بهدف إعادتهم إلى سوريا التي لا تتمتع بظروف معيشية وسياسية مستقرة.
مؤخرا بات المجتمع التركي ينظر للأوضاع في سوريا على انها تعود للاستقرار، والتقارب بين سلطتي البلدين كفيل بإعادتهم وعلى وجه السرعة. وبذلك تكون خسائر السوريين مضاعفة، حيث قام العديد منهم بالاستثمار الاقتصادي وأبناؤهم يدرسون في المدارس والجامعات التركية، ناهيك عن أن معظم الأبناء يتحدثون التركية بطلاقة والعربية محادثة فقط دون التعمق بالقواعد والضوابط اللغوية.
حتى إن تركيا توفر للاقتصاديين والتجار السوريين فرصا أكبر للتصدير إلى أوروبا ودول غرب آسيا. بينما سوريا تتعرض لعقوبات غربية مشددة لا تسمح بالتصدير وبالتالي ستتأثر تجارتهم وأسلوب حياتهم.
مجموعة العوامل السابقة إضافة إلى الأوضاع الداخلية التركية من حيث التضخم وتراجع قيمة العملة المحلية وأمور أخرى تتعلق بالنصف المعارض للحكومة التركية ممن صوتوا في الانتخابات الأخيرة لمرشح المعارضة، كفيلة بإحداث تشنجات وتوترات متلاحقة للاجئين، ولكن دائما ما كان السوريين على وجه الخصوص هم الضحية.
في الحقيقة توصيف الواقع ربما يكون أسهل شيء، بمقابل إيجاد الحلول المستعصية أمام عودة العديد من السوريين إلى بلدهم المثقل بالتردي الأمني والاقتصادي وفقدان الأمل بمستقبل يحقق لهم أدنى مقومات الحياة. وهو ما يستدعي من الجميع الدعوة لمؤتمر دولي بخصوص سوريا واللاجئين خصيصا وعلى وجه السرعة.
ويرى خليفة، أن المعارضة السورية تحاول إيجاد مخارج للأزمة الحالية، التي وقعت بها في وقت تم إحراجها بخروج المظاهرات في الشمال السوري الأمر الذي وضعها في خانة الضعيف الذي لا يملك سلطة في مناطق سيطرته. وبالتالي يحاول الائتلاف، ومن خلفه الحكومة نقل الملف إلى التداول مع القوى المحلية والأحزاب السياسية لتحمل الجميع مسؤولية ما يحصل من تطورات جديدة تطرأ على الملف السوري في ظل دعوات تركية لتقارب مع نظام الأسد.
يذكر أن الحكومة السورية المؤقتة، كانت قد كشفت عن حجم التبادل التجاري بين مناطق المعارضة شمال غربي سوريا وتركيا خلال العام الماضي، وحسب وزير الاقتصاد في الحكومة السورية المؤقتة عبد الحكيم المصري، فإن حجم التبادل بين الطرفين بلغ 1.55 مليار دولار.
وأشار المصري إلى أن قيمة المستوردات من تركيا بلغت 1.25 مليار دولار، مقابل نحو 300 مليون دولار صادرات لها، إضافة إلى صادرات باتجاه الأسواق العربية والأوروبية “معظمها منتجات زراعية”.
تحريض عنصري وسيناريو مرعب
مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني، أشار خلال تصريحات أدلى بها لـ”القدس العربي” إلى أن التهجير القسري للسوريين في دول الجوار وخاصة تركيا والعراق ولبنان، هو أحد أكثر السيناريوهات المرعبة التي تحيق بالسوريين في الدول المذكورة، خاصة من خلال استخدام التحريض العنصري كأداة لتحقيق هدف الترحيل القسري.
بالإضافة إلى الانتهاكات التي تطال أماكن إقامة السوريين وتحطيم ما بحوزتهم من أملاك ومحال تجارية مردها إلى غياب التشريعات والقوانين، وهو ما جعل أي سوري متضرر من الانتهاكات العنصرية يتكبد خسائر فادحة في الممتلكات التي كان يعمل عليها منذ سنوات.
المجريات الأخيرة وتصاعد عمليات التضييق والاعتداء على السوريين في تركيا ولبنان والعراق، وبنسبة أقل بكثير في مصر، تظهر موجة متزامنة في الدول المعنية، وهي مآلات تشرح فشل الدول المعنية في سياسة دمج اللاجئين السوريين مع المجتمع، بسبب عدم وجود إرادة بالأصل لدمجهم في المجتمعات أو غياب البرامج والأدوات المعمول بها في هذا الإطار، كتلك البرامج المعمول بها في الاتحاد الأوروبي والتي أدت إلى دمج اللاجئين والاستفادة من خبراتهم.
دول الطوق… غير آمنة
الملاحظ وفق مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، هو تجاهل القوانين وعدم استخدامها في الدول التي تشهد تصعيدا ضد السوريين، مرجعا ذلك إلى وجود هدف من تغييب مفاعيل القوانين، وهو إجبار اللاجئ السوري على الرحيل، وما يجري الآن هو انتهاك للقوانين الدولية والمحلية، مشيرا إلى أن هذه الانتهاكات تؤدي المهام الموكلة لها في التضييق على السوريين، وتحقيق المراد من خلال هذه السياسة، وهو ما تمت مشاهدته من خلال بحث اللاجئين السوريين عن طرق للعبور والخروج من الدول التي يتعرضون فيها للانتهاكات والمضايقات، وبالتالي فإن الدول التي تشهد ممارسات مخالفة للقوانين بحق السوريين باتت دولا غير آمنة.
كما أن تركيا تقوم بترحيل أي سوري يتم القبض عليه في الجزر اليونانية وإعادته إليها، لتقوم الأجهزة الشرطية والأمنية التركية بترحيل اللاجئ المعاد إلى سوريا بشكل غير قانوني ودون الرجوع إلى القضاء، في حين أن مبدأ عدم الإعادة القسرية هو قانون عرفي، بمعنى حتى في حال عدم تصديق الدولة على اتفاقية اللاجئين، يتوجب عليها الالتزام به، والدول التي تقوم بترحيل السوريين قسريا إلى سوريا، تنتهك القانون، في حين أن لجنة التحقيق الدولية والشبكات الحقوقية المحلية تؤكد أن سوريا بلد غير آمن.
ويرى عبد الغني، أن دعوات بعض الشخصيات السياسية إلى حرمان الأطفال السوريين من المدارس من أجل الضغط على عائلاتهم وإجبارهم على الرحيل، هي دعوات مسيئة للدول التي يتواجد فيها اللاجئون، وأن العالم برمته يراقب ما تفعله الحكومات والأحزاب بحق اللاجئين، وأن أي تصرف مسيء سيبقى وصمة عار بحقهم، وأن مثل هذه الدعوات ستكون نتائجها مدمرة، والبعض يحاول جني مكاسب سياسية على حساب حقوق اللاجئين الضعفاء، وترتفع نسب المزاودة بين الحكومات والمعارضات، وتسخير ورقة اللاجئين كأدوات ضغط.
في حين أن المجتمع الدولي لم يجد حلا للقضية السورية، وبالتالي الأزمة مستمرة، والنظام مستمر في ارتكاب الانتهاكات، وهذه العوامل ستؤدي بطبيعة الحال إلى استمرار حركة اللجوء، وغياب الاستقرار والأمن وعدم محاسبة مرتكبي الانتهاكات تمنع السوريين من العودة، بل هناك عشرات الآلاف من الداخل السوري ترغب بالهجرة عن البلاد، ورغم الدعم المقدم للدول المضيفة للسوريين، إلا أن تلك الدول لديها حقوق أيضا، فهي بحاجة إلى دعم مادي وخاصة دول الطوق السوري، فعلى سبيل المثال، لبنان فيه أكبر عدد لاجئين سوريين في العالم بالنسبة لعدد سكانه، وبالتالي على المجتمع الدولي مساعدة لبنان من أجل تخفيف أعداد السوريين لديه.
المزاودات السياسية والاستثمار بقضية اللاجئين، تعد أحد أهم الأسباب في ارتفاع حدة العنصرية تجاه السوريين، من خلال استغلال ملف اللاجئين كورقة مزايدة بين الحكومة والمعارضة، وهذا ما شاهدناه خلال الانتخابات التركية على سبيل المثال، والاستغلال الخطير لهذا الملف، أوصل السوريين إلى حالة كارثية بعد غياب أي اعتبار لأي قانون محلي أو دولي، وهو ما أدى إلى انتهاكات بحقهم، وغياب أي محاسبة لمرتكبي الانتهاكات، وعدم تعويض المتضررين، وأن الدول مسؤولة عن حياة وأمان كل لاجئ وعلى عاتها تقع حمايته، وفق المصدر الحقوقي.
الاندماج والسياسات الخاطئة
أهم أسباب رفض السوري في دول الجوار، وخاصة لبنان، وتركيا والعراق، والأردن إلى حد ما، مرده الأساسي وفق ما قالته مديرة الوحدة المجتمعية في مركز الحوار السوري كندة حواصلي لـ”القدس العربي” هو إشكالية عند الحكومات بما يخص الإدارة، خاصة مع معاناة الدول المذكورة من أزمات اقتصادية حادة، وانزلاق الأوضاع الاقتصادية يؤدي إلى خلق تهديد لدى شعوب تلك الدول، لأن هناك أطرافا أخرى تشاركهم في الموارد المحلية، وهذه المخاوف تعززها التصريحات الرسمية للحكومات وتحميل الأعباء الاقتصادية على اللاجئين.
فعلى سبيل المثال، خلال الأعوام الماضية 2014 و2015 كان هناك تسابق دولي من دول الجوار السوري لاستضافة السوريين، بسبب علمها بوجود كتل من الأموال ستأتي إليها من المجتمع الدولي، وهذا ما حصل، ولكن ماذا جرى بعد ذلك؟ هذا التدفق المالي لم يستمر اليوم في ذات وتيرة الأمس، خاصة مع التحولات التي جرت بعد الحرب الروسية على أوكرانيا، والأزمة الفلسطينية وغيرها من الملفات الدولية الساخنة، وهو ما جعل الحكومات المعنية تلمس أن ملف اللاجئين لم يعد قادرا على استجلاب الأموال كالسابق، فتقوم بتسخين الملف، والتذرع بإحداثه لمشاكل داخلية، وهذه التحركات تهدف إلى إلهاء الشارع المحلي وصرفه عن الإخفاقات الحكومية، والهدف الآخر، هو الضغط على الاتحاد الأوروبي طلبا للمال من بوابة التهديد بفتح بوابة اللجوء نحو أوروبا.
وترى حواصلي أن مشكلة الاندماج السوري في المجتمعات العربية المحيطة لم يكن صعبا مقارنة بالحالة التركية، خاصة من جانب اللغة، والثقافة المتشابهة، وهناك دخل السوري إلى سوق العمل مباشرة، أما في الحالة التركية، فقد كان الوضع مختلفا، فهناك اختلاف في اللغة والثقافة، وهناك دراسات متعددة منذ عام 2015 حول الاندماج السوري في المجتمع التركي، لكن تلك الدراسات أشارت إلى أن المجتمع التركي لم يكن مرحبا إلى حد ما بالتعايش مع اللاجئ السوري لاعتبارات مختلفة، ويتم رمي المسؤولية على اللاجئين في ذلك، رغم أن السوري تعلم اللغة التركية ودخل إلى سوق العمل، والأطفال دخلوا المدارس، وهناك حالات متعددة للتميز السوري في سير العمليات التعليمية على عدة مستويات.
الاندماج في المجتمع يحتاج إلى سياسات حكومية فاعلة ولديها رغبة حقيقية في دمج اللاجئ في المجتمع المحلي، لكن هذا الأمر لم يتحقق، وهو ما كانت تشير إليه التصريحات الرسمية منذ اليوم لدخول اللاجئ السوري، والحديث عن إعادتهم إلى بلادهم، وتكريس حالة أن اللجوء هو مؤقت وتحت حماية مؤقتة، فهذا سيخلق شرخا بين اللاجئ والمحيط الذي يعيش معه، وسيجعل اللاجئ مترددا في التعايش مع الثقافة المؤقتة ويعزف عن تعلم اللغة، وهو ما سيؤدي فيما بعد إلى ازدياد الشرخ بين المجتمع واللاجئين، وعدم تقبل اللاجئ وتصاعد الانتهاكات.
ضحية الجميع
السوريون ضحايا التقاعس الدولي قبل كل شيء في التفاعل مع أزمتهم، وعدم وجود إرادة سياسية لحل الصراع في سوريا دون الوصول إلى نقطة الذروة التي خلفت هذا العدد الهائل من اللاجئين والنازحين، ونحن هنا نتحدث عن نصف الشعب السوري، الذي قام بتغيير مكان عيشه خلال السنوات الماضية، وهذه الحالة أفقدت سوريا الكفاءآت والخبرات، وهنا المقصود العنصر البشري الفعال، وهو المعول عليه في ترميم ما بعد الصراع، وبالتالي أصبحت سوريا، دولة من دون كفاءآت.
العامل الثاني، حسب حواصلي الذي جعل السوري ضحية، هي جعل اللاجئ ضحية الإرادات السياسية التي حاولت منعهم من التمتع بنظام اللجوء، على سبيل المثال، جعلهم تحت سقف الحماية المؤقتة في تركيا، وهو أضعف شكل قانوني لحماية اللاجئين، وهو نظام فيه ثغرات، وهو ما جعل السوري ورقة في سوق البازارات السياسية الداخلية، فأصبح ملف اللجوء أحد عناوين التقاذف الداخلي بين الحكومة والأحزاب المعارضة.
إخفاق وتسييس
الباحث في مركز جسور رشيد حوراني، يرى أن المجتمع الدولي، هو أول من حول مسألة اللاجئين إلى ورقة سياسية سواء في داخل الدول التي لجأ إليها السوريون، أو فيما يتعلق بالتوظيف الإقليمي والدولي لهذه المسألة، وهذه الأحداث يتم توظيفها بشكل نسبي ومتفاوت بين دولة وأخرى، ففي الوقت التي تتصاعد حدتها في كل من تركيا ولبنان، تخفت إلى حد ما في الأردن والعراق.
إذ نستذكر ما حصل مؤخرا في لبنان بعد أن خصص الاتحاد الأوربي حزمة مساعدات مالية للبلد بمليار يورو، ستكون متاحة اعتبارا من العام الجاري وحتى 2027 بهدف إبقاء اللاجئين السوريين على أرضه، واتهام الحكومة اللبنانية انها تلقت رشوة لذلك السبب.
وعلى الرغم من الإيجابيات الاقتصادية والاجتماعية التي أضافها اللجوء السوري وخاصة في مصر وتركيا، إلا أن اللجوء بشكل عام تنجم عنه مشكلات اجتماعية وأمنية، ويمكن القول إن نظام الأسد التقط هذا الأمر في وقت مبكر، ما دفعه إلى تكثيف حملاته ضد مناطق المعارضة والسيطرة عليها وتهجير أهلها، ليشكلوا بدورهم ضغطا على دول الجوار، وعندما تحول اللجوء إلى واقع في تلك الدول بات ككرة تتقاذفها الأطراف السياسية وتحمل بعضها مسؤولية فتح الأبواب للسوريين.
كما شعر بخطورة تلك المسألة الاتحاد الأوروبي، الذي أبرم اتفاقية مع تركيا بهدف إقامة السوريين اللاجئين على أراضيها، دون العمل على حل المشكلة من جذورها وتحقيق الانتقال السياسي المطلوب للبلاد، وبعد أن وصلت مسألة اللاجئين إلى مستوى حاد يرفض النظام السوري استقبالهم، ويعمل على ابتزاز الدول المطبعة معه لدعمه اقتصاديا ليقبل بعودتهم، وفي الوقت نفسه يرفض السوريون العودة بسبب المخاطر الأمنية التي تلاحقهم وتشديد النظام قبضته الأمنية على من يعود من الخارج.