الرئيسة \  مشاركات  \  من هديه صلى الله عليه وسلم في الحكم

من هديه صلى الله عليه وسلم في الحكم

10.02.2024
د. محمد رفعت زنجير




من هديه صلى الله عليه وسلم في الحكم
وجوب الرحمة بالأمة والتيسير والشفقة، وممارسة الشورى، وقبول النصيحة، وتجنب الظلم والقهر والطغيان
بقلم: د. محمد رفعت زنجير
***
الإسلام دين الرحمة واليسر والسماحة  وهو يدعو إلى نبذ العسر والمشقة، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (اللهُمَّ مَنْ ولِي من أمْرِ أُمَّتِي شيئًا فَشَقَّ عليهم فاشْقُقْ علَيهِ ، ومَنْ ولِيَ من أمرِ أُمَّتِي شيئًا فَرَفَقَ بِهمْ فارْفُقْ بِهِ).
الراوي مسلم عن عائشة أم المؤمنين
***
روحي فداك يا رسول الله
كم كنت تخشى على الأمة من ولاة العنت والمشقة والتعسير والإرهاق...
حيث يخوض بعض الولاة مسالك العنت ومسارات غير متوازنة ولا مدروسة..
وقد يتسببون في أذى المسلمين رجالا ونساء وأطفالا..
ثم يطلبون الرحمة والنجدة  والمساعدة عندما يوشك أن يغرق المركب..
اللهم لا حول ولا قوة الا بالله ..
المغامرات والحروب ليست ألعابا بهلوانية..
وحياة الناس وأموالهم وأعراضهم مسئولية ضخمة
والحرب ليست شيئا سهلا..
إنها حياة يغشاها الموت
أو موت تغشاه الحياة
ومن أحسن ما قيل في وصف الحرب قول امرئ القيس:
الحَرْبُ أَوَّلُ ما تكونُ فَتِيَّةً
تَسْعَى بِزِيْنَتِها لكلِّ جَهُولِ
حتى إذا اسْتَعَرَتْ وَشَبَّ ضِرَامُها
عَادَتْ عَجُوزًا غيرَ ذاتِ خَلِيلِ
شَمْطَاءَ جَزَّتْ رَأْسَهَا وَتَنَكَّرَتْ
مَكْرُوهَةً لِلشَّمِّ والتَّقْبِيلِ
***
وحساب المغامرين بين يدي الديان الذي سيسأل ويعاقب كل من أدخل الناس في هم ومحنة وغم وأزمة وظن نفسه يحسن صنعا..
***
المسئول الصالح الناجح هو من دفع النقم والأقذاء عن أمته لا من استجلبها لهم... وعكسه المسئول الضال التائه  الذي يجلب للناس كل فتنة ونقمة ..ويجعلهم بلا مأوى ولا خيمة يهيمون في البراري والعتمة بلا خبزة ولا لقمة...
***
إن الله سيحاسب كل من جعل الأحرار كالأيتام على مائدة اللئام.. سواء كان طاغية أرعن، أو عدوا أخرق، أو مجتهدا عجولا أرعن ليس أهلا للاجتهاد... وهو سبحانه الرقيب على ديناصورات الأهوال والمال والنقم والدم ..هم ومن ساعدهم في صنع الكوارث والأزمات من المهرجين والمصفقين وقارعي الطبول والراقصين في ساحة السيرك من الحمقى والجهلة والمغفلين...
***
الشورى ضرورة استراتيجية
الأمة الإسلامية المجيدة قائمة في أصل حياتها السياسية على الشورى، قال تعالى: (وأمرهم شورى بينهم). وأمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بتطبيق الشورى بشكل عملي فقال تعالى: (وشاورهم في الأمر).
والشورى حصن منيع لتجنب الويلات والأذى والطرق الوعرة، وهي نقيض الاستبداد...
جاء في تفسير القرطبي عند قوله تعالى: (وشاورهم في الأمر): "قال ابن عطية : والشورى من قواعد الشريعة وعزائم الأحكام ; من لا يستشير أهل العلم والدين فعزله واجب . هذا ما لا خلاف فيه . وقد مدح الله المؤمنين بقوله : (وأمرهم شورى بينهم) . قال أعرابي : ما غبنت قط حتى يغبن قومي ; قيل : وكيف ذلك ؟ قال لا أفعل شيئا حتى أشاورهم . وقال ابن خويز منداد : واجب على الولاة مشاورة العلماء فيما لا يعلمون ، وفيما أشكل عليهم من أمور الدين ، ووجوه الجيش فيما يتعلق بالحرب ، ووجوه الناس فيما يتعلق بالمصالح ، ووجوه الكتاب والوزراء والعمال فيما يتعلق بمصالح البلاد وعمارتها . وكان يقال : ما ندم من استشار . وكان يقال : من أعجب برأيه ضل".
***
النصيحة ضرورة أيضا
ويحسن في العقل والنقل نصيحة ولي الأمر بالمعروف، لقوله تعالى مخاطبا موسى عليه السلام بضرورة القول اللين في دعوته للطاغية فرعون: (فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى).
وكذلك كان حال نبينا صلى الله عليه وسلم في خطابه ورسائله للزعماء والملوك في عصره، فهي رسائل موجزة تبدأ بالسلام على من اتبع الهدى، ويحترم المخاطب كما في نعته لهرقل ب(عظيم الروم).. ويضمن رسائله آية من الذكر الحكيم تتضمن الدعوة بالحسنى، ويختار أجمل أصحابه لتوصيل رسائله كما هو الحال مع دحية الكلبي حين أرسله لهرقل وكان من أجمل الناس.
***
ممارسة الصحابة للنهج النبوي
وقد كان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم من بعده يتبعون سنته صلى الله عليه وسلم، فهم في غاية الأدب مع ولاة أمورهم خلال النصح والإرشاد، فقد ورد في الحديث : أنَّ عائِذَ بنَ عَمْرٍو -وكانَ مِن أصْحابِ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- دَخَلَ علَى عُبَيْدِ اللهِ بنِ زِيادٍ، فقالَ: أيْ بُنَيَّ، إنِّي سَمِعْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يقولُ:( إنَّ شَرَّ الرِّعاءِ الحُطَمَةُ)، فإيَّاكَ أنْ تَكُونَ منهمْ.
فقالَ له: اجْلِسْ؛ فإنَّما أنْتَ مِن نُخالَةِ أصْحابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فقالَ: وهلْ كانَتْ لهمْ نُخالَةٌ؟! إنَّما كانَتِ النُّخالَةُ بَعْدَهُمْ، وفي غيرِهِمْ.
المصدر : صحيح مسلم
***
اللهم لا تجعلنا مع الظالمين .. واجعلنا من الناصحين المحبين، ولا تخزنا يوم يبعثون..