الرئيسة \
تقارير \ منظمات المجتمع المدني السورية في الشتات ودورها في المرحلة الراهنة
منظمات المجتمع المدني السورية في الشتات ودورها في المرحلة الراهنة
12.01.2025
عمر الفاروق
منظمات المجتمع المدني السورية في الشتات ودورها في المرحلة الراهنة
عمر الفاروق
سوريا تي في
السبت 11/1/2025
مع سقوط نظام الأسد، تفتح مرحلة جديدة أمام سوريا تفرض تحديات وفرصا تتطلب تعاونا وثيقا بين الداخل والشتات لإعادة بناء البلاد على أسس جديدة. في هذا السياق، تلعب منظمات المجتمع المدني السورية في الشتات دورا محوريا في تحقيق رؤى مشتركة للسوريين وتعزيز الهوية الوطنية الجامعة.
وتتعدد أسباب أهمية مؤسسات المجتمع المدني السورية في الشتات كمنظمات وشبكات ومنصات، حيث يمكن أن تشكل صلة وصل بين الداخل والخارج من خلال موقعها الفريد والذي يجعلها قادرة على نقل تطلعات ومطالب السوريين في الداخل إلى المجتمع الدولي، وتوفير الدعم المادي والمعنوي للجهود المحلية في سوريا، بالإضافة إلى نقل الخبرات والتجارب المكتسبة من الدول المضيفة لدعم مشاريع التنمية وإعادة الإعمار.
كما يمكنها أيضا تعزيز الهوية الوطنية في مواجهة الانقسامات التي ترسخت خلال سنوات الحرب، وتعزيز فكرة أن السوريين في الداخل والخارج يشكلون وحدة وطنية متكاملة، وطبعا لها دور في إحياء الروابط الثقافية والتاريخية التي تجمعنا كسوريين.
إن وجود عدد كبير من السوريات والسوريين في الخارج يمكنه أيضاً الإسهام في دعم التحول الديمقراطي في البلاد، من خلال الترويج لمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان والقيم التي تؤمن بها الثورة السورية، وتقديم رؤى مشتركة لإنشاء مؤسسات حكم رشيدة في البلاد، ومحاولة إشراك السوريين في الخارج في رسم السياسات الوطنية المستقبلية.
على منظمات المجتمع المدني السورية في دول الاغتراب أن تبادر في إقامة فعاليات مختلفة، محلية في أماكن تواجدها وأيضاً السعي لإقامة مؤتمرات حضورية وعن بعد، من أجل رسم خطوط تلاقي بين السوريين في الشتات نفسه وبينهم وبين الداخل السوري
دور منظمات المجتمع المدني السورية في الشتات
على منظمات المجتمع المدني السورية في دول الاغتراب أن تبادر في إقامة فعاليات مختلفة، محلية في أماكن تواجدها وأيضاً السعي لإقامة مؤتمرات حضورية وعن بعد، من أجل رسم خطوط تلاقي بين السوريين في الشتات نفسه وبينهم وبين الداخل السوري الذي يحتاج لكل الطاقات والقدرات في الوقت الحالي.
وتنظيم فعاليات فنية وثقافية مثل المهرجانات والفعاليات التي تحتفي بالتراث المشترك أو تروي السردية المشتركة للسوريين على سبيل المثال مثل مهرجان أيام الوثائقيات السورية أو مقهى فنجان الثقافي في كوبنهاغن، حيث على مدار سبع سنوات استمر مهرجان الأفلام الوثائقية في كوبنهاغن بخلق مساحة للحوار وطرح السرديات وتلاقي السوريين بين بعضهم وأيضاً مع المجتمع المضيف مما ساعد في تبادل الخبرات والتقاليد الثقافية والتراثية. بالإضافة إلى مقهى فنجان والذي يقوم بنشر أعمال أدبية وفنية تسلط الضوء على الهوية السورية وتعكس تجارب الحرب واللجوء، وطرحها للنقاش والحوار مع الحضور وتعريفا بالنتاج الفكري والأدبي للسوريين.
فهذا ما يعزز الهوية الوطنية لا سيما سنوات من الحرب والانقسام، أصبحت الهوية الوطنية السورية بحاجة إلى إعادة تعريف وترميم. الحرب لم تؤثر فقط على البنية التحتية، بل مزقت الروابط بين السوريين في الداخل والخارج، وبين مختلف الفئات الاجتماعية والسياسية. في هذا السياق، يمكن للحملات الإعلامية أن تلعب دورا رئيسيا في إعادة بناء الهوية الوطنية، مع التركيز على توحيد الجهود ورؤية مستقبل مشترك للسوريين، سواء كانوا في الداخل أو الشتات.
ومع أهمية دور هذه المؤسسات في الشتات إلا أنها يجب أن تبني جسورا مع الداخل في سوريا الجديدة لبناء رؤية مشتركة من خلال تنظيم فعاليات تجمع بين ممثلي الداخل والشتات لمناقشة التحديات الوطنية، إطلاق منصات مشتركة لتبادل الأفكار والتجارب، مما يسهم في تطوير أجندة وطنية مشتركة ووضع خارطة طريق لإعادة الاعمار تشمل كافة فئات المجتمع والتركيز على القضايا الكبرى مثل العدالة الانتقالية، المصالحة الوطنية، وإعادة بناء المؤسسات.
بالإضافة إلى دعم المبادرات المحلية مثل تقديم التمويل والخبرات للمبادرات المحلية التي تعزز التماسك المجتمعي والتنمية الاقتصادية، وبناء شراكات مع منظمات الداخل لتحقيق أهداف مشتركة.
دور منظمات المجتمع المدني السوري في الشتات مهم جدا في إعادة إعمار سوريا، إذ تشير التقديرات أن ستين بالمئة من البنى التحتية والحاضرات البشرية مدمرة في سوريا، لذلك من المهم أن يقوم كلا بدوره وأن تطلع المنظمات بمسؤولياتها بتعبئة الموارد المادية والبشرية لإعادة بناء البنية التحتية والخدمات الاساسية، بالإضافة إلى إنشاء صندوق استثماري لدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة في سوريا.
كما يتوجب عليها نقل المعرفة من خلال تسخير خبرات المهنيين السوريين في الشتات لدعم التعليم، الصحة، والتكنولوجيا في الداخل، وتنظيم برامج تدريبية تركز على بناء القدرات المحلية.
وآخر هذه الأدوار من وجهة نظرية وربما يكون أهمها في الوقت الحالي هو دعم المصالحة الوطنية، والمساهمة في جهود العدالة الانتقالية من خلال جمع الشهادات والعمل مع المنظمات الدولية، ودعم المبادرات التي تعزز التعايش السلمي وتجاوز الانقسامات السياسية والاجتماعية، والأهم من ذلك دعم التأهيل النفسي والصحي للمعتقلين السابقين في سجون النظام، وغيرهم ممن أضر الحصار والقتال بصحته الجسدية والنفسية، ولربما يمكن التشارك مع المنظمات الدولية والمحلية في دول الشتات.
يشكل توطين عمل منظمات المجتمع المدني، ضرورة استراتيجية في مرحلة إعادة البناء. يعني ذلك نقل العمل والعمليات الأساسية إلى الداخل السوري، مع تمكين الكوادر المحلية لتولي القيادة والتنفيذ.
تحديات ومصاعب
تشكل سنوات الحرب والانقسامات السياسية والاجتماعية حاجزا من عدم الثقة بين السوريين في الداخل والخارج. يشعر كثيرون في الداخل بأن الشتات قد ابتعد عن معاناتهم اليومية أو لم يسهم بشكل كاف في دعمهم خلال الأوقات الحرجة، في حين يرى بعض المغتربين أن الداخل قد فقد الحافز للتغيير أو أصبح أكثر تأثرا بالإملاءات الخارجية. هذا التباعد يغذيه ضعف التواصل المباشر، والانقسامات السياسية، واختلاف التجارب والظروف المعيشية بين الطرفين.
وفي سبيل التغلب على انعدام الثقة يجب تعزيز الشفافية من خلال توضيح دور المغتربين ومساهماتهم بشكل ملموس، وإطلاق حوارات مفتوحة بين الداخل والخارج لبناء تفاهمات مشتركة، بالإضافة إلى تركيز الجهود على القضايا الوطنية المشتركة مثل العدالة الانتقالية، إعادة الإعمار وتعزيز الهوية الوطنية.
لكن تعاني العديد من منظمات المجتمع المدني السورية، سواء في الداخل أو الشتات، من نقص التمويل اللازم لتنفيذ مشاريعها بشكل مستدام. يعود ذلك إلى الاعتماد المفرط على التبرعات الفردية والمساعدات المؤقتة، إضافة إلى التنافس الكبير على الموارد بين المنظمات العاملة في مجال الإغاثة وإعادة الإعمار. كما أن تراجع اهتمام المانحين الدوليين مع تغيّر الأولويات السياسية يفاقم من حدة المشكلة.
ولتخطي ذلك يجب تنويع مصادر التمويل مثل بناء شراكات مع منظمات دولية، واستقطاب استثمارات مجتمعية، وإطلاق حملات تمويل جماعي تستهدف السوريين في الشتات والمؤسسات الداعمة، ومن المهم أيضا تعزيز الشفافية والاحترافية لكسب ثقة الممولين والداعمين.
توطين عمل المنظمات: خطوة نحو الاستدامة والفاعلية
يشكل توطين عمل منظمات المجتمع المدني، ضرورة استراتيجية في مرحلة إعادة البناء. يعني ذلك نقل العمل والعمليات الأساسية إلى الداخل السوري، مع تمكين الكوادر المحلية لتولي القيادة والتنفيذ. هذا النهج يضمن استدامة الجهود وتعزيز مصداقية المنظمات بين المجتمعات المحلية. فتوطين عمل منظمات المجتمع المدني السورية في الشتات، أو دمج جهودها مع الداخل، يحمل العديد من الفوائد, مثل تعزيز التأثير المحلي من خلال القرب من المجتمعات المتضررة وفهم احتياجاتها بشكل مباشر, وبناء قدرات محلية عبر تدريب الكوادر المحلية لتولي القيادة والتنفيذ، مما يعزز الاستدامة, بالإضافة الى زيادة الثقة والمصداقية, عندما تكون الجهود بقيادة محلية، يكون المجتمع أكثر استعدادا للتعاون والمشاركة, وأيضا هذا التوجه يعني تخفيض التكاليف ويقلل الاعتماد على الموارد الخارجية ويعيد توزيع التمويل لدعم المشاريع مباشرة في الداخل.
في النهاية أريد أن أقول إن منظمات المجتمع المدني السورية في الشتات تلعب دورا حاسما في إعادة بناء سوريا بعد سقوط نظام الأسد. من خلال تعزيز الروابط بين الداخل والخارج، وتنظيم حملات لتعزيز الهوية الوطنية، وتقديم الدعم في مجالات التنمية والمصالحة، تسهم هذه المنظمات في وضع أسس متينة لسوريا المستقبل. ومع تعزيز التعاون والتنسيق، يمكن لهذه المنظمات أن تكون جسرا قويًا نحو تحقيق رؤية وطنية شاملة تتجاوز جراح الماضي وتوحد جميع السوريين في بناء وطن جديد.