الرئيسة \  دراسات  \  موازين للشرع والحياة

موازين للشرع والحياة

04.06.2016
د. طارق السويدان




الميزان له كفتان ، إحداهما تعتبر معيارا ، والأخرى تعتبر وعاء للأشياء الموزونة
الميزان هو المساواة بين أمرين أحدهما معيارا للآخر (السويدان)
ما هو المعيار الذي يستعمله المسلم لوزن المواقف والقرارات ؟
المعيار هو الشرع ثم العقل ثم العرف ثم الضمير
قال ابن قيم الجوزية – رحمه الله
” فإن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها، ورحمة كلها، ومصالح كلها، وحكمة كلها، فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث، فليست من الشريعة، وإن أدخلت فيها بالتأويل
قال الله تعالى: { اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ ۗ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ }  - سورة الشورى
أولا: موازين للشرع
1. موازين المقاصد
2. موازين الشريعة
3. موازين المراعاة
ثانيا : موازين الحياة
1. موازين العلاقات
2. موازين التقييم
3. موازين الاختلاف
أولا : موازين للشرع
1. موازين المقاصد
أ. العقيدة أولا
كتب عمر إلى الأمصار: إني لم أعزل خالدا عن سخطة ولا خيانة، ولكن الناس فتنوا به، فأحببت أن يعلموا أن الله هو الصانع
ب. الحق أولى من النفس
دخل عبدالله ابن الزبير على أمه فشكا إليها خذلان الناس له، وخروجهم إلى الحجاج حتى أولاده وأهله، وأنه لم يبق معه إلا اليسير، ولم يبق لهم صبر ساعة، والقوم يعطونني ما شئت من الدنيا، فما رأيك؟
فقالت: يا بني أنت أعلم بنفسك، إن كنت تعلم أنك على حق وتدعو إلى حق فاصبر عليه، فقد قتل عليه أصحابك، ولا تمكن من رقبتك يلعب بها غلمان بني أمية
وإن كنت تعلم أنك إنما أردت الدنيا فلبئس العبد أنت، أهلكت نفسك، وأهلكت من قتل معك، وإن كنت على حق...القتل أحسن
فدنا منها فقبّل رأسها، وقال: هذا والله رأيي
لأن الضرر المترتب على ذلك ضرر خاص به، ولا يلحق إلى غيره، فحرص على الوصول إلى ما وعد به صلى الله عليه وسلم من قول كلمة الحق أمام السلطان الجائر، وقدم روحه فداء للحق، فنال شرف الشهادة في سبيل الله تعالى
ج. الآخرة أولى
فعن عطاء بن أبي رباح قال: قال لي ابن عباس رضي الله عنهما: ألا أريك امرأة من أهل الجنة، قلت: بلى، قال: هذه المرأة السوداء أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إني أُصرع وإني أتكشّف فادع الله لي، قال: (إن شئت صبرت ولك الجنة وإن شئت دعوت الله أن يعافيك)
فقالت: أصبر، فقالت: إني أتكشّف فادع الله لي أن لا أتكشّف فدعا لها
د. الواجب أولا
أمر ابن المبارك برد الأحمال وقال لوكيله: كم معك من النفقة؟ قال: ألف دينار، فقال: عد منها عشرين دينارا تكفينا إلى مرْو، وأعطها الباقي، فهذا أفضل من حجنا في هذا العام، ثم رجع
هـ. الشرع لمصلحة العباد
قال الله تعالى : { وَلاَ تَسُبُّوا الَّذِيْنَ يَدْعُوْنَ مِنْ دُوْنِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } - سورة الأنعام
قال ابن قيم الجوزية – رحمه الله
” فحرم الله تعالى سب آلهة المشركين – مع كون السب غيظا وحمية لله، وإهانة لآلهتهم- لكونه ذريعة إلى سبهم لله تعالى، وكانت مصلحة ترك مسبته تعالى أرجح من مصلحة سبنا لآلهتهم، وهذا كالتنبيه، بل كالتصريح على المنع من الجائز لئلا يكون سببا في فعل ما لا يجوز ”
 
قانون تفاضل المصالح والأضرار
2. موازين الشريعة
أ. الشريعة درجات
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه حيث بعثه إلى اليمن: (إنك ستأتي قوما أهل كتاب فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم فإن هم أطاعوا لك بذلك فإياك وكرائم أموالهم واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينه وبين الله حجاب)
عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: مرّ رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بشعب فيه عُييْنة من ماء عذبة فأعجبته لطيبها فقال: لو اعتزلتُ الناس فأقمت في هذا الشعب ولن أفعل حتى استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (لا تفعل فإن مقام أحدكم في سبيل الله أفضل من صلاته في بيته سبعين عاما، ألا تحبون أن يغفر الله لكم ويدخلكم الجنة اغزو في سبيل الله من قاتل في سبيل الله فواق ناقة وجبت له الجنة)
ب. التدرج
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :
” حُرمت الخمر ثلاث مرات، قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يشربون الخمر ويأكلون الميسر فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهما فأنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم
{ يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ } - سورة البقرة
فقال الناس : ما حرم علينا إنما قال فيهما إثم كبير وكانوا يشربون الخمر حتى إذا كان يوم من الأيام صلى رجل من المهاجرين أمَّ أصحابه في المغرب خلط في قراءته فأنزل الله فيها آية أغلظ منها
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ } - سورة النساء
وكان الناس يشربون حتى يأتي أحدهم الصلاة وهو مفيق ثم أنزلت آية أغلظ من ذلك
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } - سورة المائدة
فقالوا: انتهينا ربنا
ج. التيسير
عن جابر قال: خرجنا في سفر فأصاب رجلا منا حجر فشجّه في رأسه، ثم احتلم، فسأل أصحابه فقال: هل تجدون لي رخصة في التيمم؟ فقالوا: ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء، فاغتسل فمات فلما قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم أُخبر بذلك، فقال: (قتلوه قتلهم الله، ألا سألوا إذ لم يعلموا، فإنما شفاء العي السؤال)
عن عائشة رضي الله عنها قالت:
(ما خُيّر النبي صلى الله وعليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يأثم فإذا كان الإثم كان أبعدهما منه، والله ما انتقم لنفسه في شيء يؤتى إليه قط حتى تنتهك حرمات الله فينتقم لله)
المشقة تجلب التيسير:
لأن الحرج مدفوع بالنص ما جعل عليكم في الدين من حرج، ولكن جلبها التيسير مشروط بعدم مصادمتها نصا
المراد بالمشقة الجالبة للتيسير: المشقة التي تنفك عنها التكليفات الشرعية، أما المشقة التي لا تنفك عنها التكليفات الشرعية كمشقة الجهاد، وألم الحدود، ورجم الزناة، وقتل البغاة والمفسدين والجناة، فلا أثر لها في جلب تيسير ولا تخفيف
د. المرونة
خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية...فقال: (والذي نفسي بيده لا يسألوني خطة يعظّمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها)
بنو تغلب بن وائل من العرب، من ربيعة بن نزار، انتقلوا في الجاهلية إلى النصرانية، فدعاهم عمر رضي الله عنه إلى بذل الجزية ، فأبوا، وأنفوا، وقالوا: نحن عرب، خذ منا كما يأخذ بعضكم من بعض باسم الصدقة (الزكاة)
فقال عمر رضي الله عنه: ” لا آخذ من مشرك صدقة“
(لأن الزكاة جزء من ديننا فلا نريد إجبارهم على ديننا)
فلحق بعضهم بالروم، فقال النعمان بن زرعة: يا أمير المؤمنين، إن القوم لهم بأس وشدة، وهم عرب يأنفون من الجزية، فلا تعن عليك عدوك بهم، وخذ منهم الجزية باسم الصدقة
فبعث عمر في طلبهم فردهم، وضعّف عليهم (جعلهم يدفعون الضّعف لأن الزكاة في حقهم كانت ضعف الجزية)
وقد رُوي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: (هؤلاء قمحى، رضوا بالمعنى، وأبوا الاسم)
هـ. التغيير
دخل عبدالملك بن عمر بن عبدالعزيز على عمر، فقال: يا أمير المؤمنين: إن لي إليك حاجة فأخلني، وعنده مسلمة بن عبدالملك، فقال عمر: أسِرّ دون عمك؟ قال: نعم، فقام مسلمة وخرج وجلس بين يديه فقال: يا أمير المؤمنين ما أنت قائل لربك غدا إذا سألك فقال: رأيت بدعة فلم تمتها أو سنة لم تحيها؟
فقال له: يا بني أشيء حملتكه الرعية إلي، أم رأي رأيته من قبل نفسك؟
قال: لا والله، ولكن رأي رأيته من قبل نفسي، عرفت أنك مسؤول، فما أنت قائل؟
فقال له أبوه: رحمك الله وجزاك من ولد خيرا، فوالله إني لأرجو أن تكون من الأعوان على الخير.
يا بني: إن قومك قد شدوا هذا الأمر عقدة عقدة، وعروة عروة، ومتى ما أريد مكابرتهم على انتزاع ما في أيديهم لم آمن من أن يفتقوا علي فتقا تكثر فيه الدماء
والله لزوال الدنيا أهون علي من أن يهرق في سببي محجمة من دم
أو ما ترضى أن لا يأتي على أبيك يوم من أيام الدنيا إلا وهو يميت فيه بدعة ويحي فيه سنة؟ حتى يحكم الله بيننا وبين قومنا بالحق وهو خير الحاكمين
 
3. موازين المراعاة
أ. مراعاة الحال
قال الله تعالى: { قَالَ اجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ ۖ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ } - سورة يوسف
قال ابن تيمية – رحمه الله
” ثم الولاية وإن كانت جائزة أو مستحبة أو واجبة، فقد يكون في حق الرجل المعين غيرها أوجب، أو أحب، فيقدم حينئذ خير الخيرين وجوبا تارة، واستحبابا
أخرى، ومن هذا الباب تولي يوسف الصديق على خزائن الأرض لملك مصر، بل ومسألته أن يجعله على خزائن الأرض، وكان قومه كفارا ”
ب. مراعاة القدرة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان)
قال القاضي عياض – رحمه الله
” هذا الحديث أصل في صفة التغيير، فحق المغير أن يغيره بكل وجه أمكنه زواله به، قولا كان أو فعلا”
فإن غلب على ظنه أن تغييره بيده يسبب منكرا أشد منه، من قتله أو قتل غيره بسبب-لعلها بسببه- كفّ يده واقتصر على القول باللسان والوعظ والتخويف فإن خاف أن يسبب قوله مثل ذلك غيّر بقلبه، وكان في سعة
ج. مراعاة الناس
عن بسر بن أرطاة، قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تقطع الأيدي في الغزو) ، قال أبو عيسى: والعمل على هذا عند بعض أهل العلم منهم الأوزاعي لا يرون أن يقام الحد في الغزو بحضرة العدو مخافة أن يلحق من يقام عليه الحد بالعدو فإذا خرج الإمام من أرض الحرب، ورجع إلى دار الإسلام أقام الحد على من أصابه
قال ابن قيم الجوزية – رحمه الله:
”فهذا حد من حدود الله تعالى، وقد نهى عن إقامته في الغزو، خشية لأن يترتب عليه ما هو أبغض إلى الله من تعطيله، أو تأخيره، من لحوق صاحبه بالمشركين حمية وغضبا”
فعن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (يا عائشة لولا أن قومك حديثو عهد بِشِرك لهدمتُ الكعبة فألزقتها بالأرض وجعلت لها بابين بابا شرقيا وبابا غربيا وزدت فيها ستة أذرع من الحجر فإن قريشا اقتصرتها حيث بنت الكعبة)
قال ابن حجر – رحمه الله :
” وفي الحديث معنى ما ترجم له، لأن قريشا كانت تعظم أمر الكعبة جدا، فخشي صلى الله عليه وسلم أن يظنوا  لأجل قرب عهدهم بالإسلام أنه غير بناءها لينفرد بالفخر عليهم في ذلك، ويستفاد منه: ترك المصلحة لأمن الوقوع في المفسدة
د. مراعاة الظروف
عن ابن حاطب : أن غلمة لحاطب بن أبي بلتعة سرقوا ناقة لرجل من مُزينة، فأتى بهم عمر، فأقروا، فأرسل إلى عبد الرحمن بن حاطب فجاء فقال: إن غلمان حاطب سرقوا ناقة رجل من ُمزينة، وأقروا على أنفسهم
فقال عمر : يا كثير بن الصلت، اذهب فاقطع أيديهم، فلما ولى بهم، ردهم عمر
ثم قال: أما والله لولا أني أعلم أنكم تستعملونهم، وتجيعونهم، حتى إن أحدهم لو أكل ما حرم الله حل له لقطعت أيديهم
وايم الله إذ لم أفعل لأغرمنك غرامة توجعك
ثم قال : يا مُزني بكم أريدت منك ناقتك؟ قال بأربعمئة، قال عمر: فاذهب فأعطه ثمانمئة.
هـ. الرفق أفضل
عن عائشة رضي الله عنها، قالت: (إن رهطا من اليهود دخلوا على النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: السام عليك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: عليكم، فقالت عائشة رضي الله عنها: بل عليكم السام واللعنة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا عائشة إن الله يحب الرفق في الأمر كله، قالت عائشة رضي الله عنها: ألم تسمع ما قالوا؟ قال: قد قلت عليكم)
روى الخطيب البغدادي: وبينما الرشيد يطوف يوما بالبيت، إذ عرض له رجل فقال: يا أمير المؤمنين، إني أريد أن أكلمك بكلام فيه غلظة
فقال: لا ولا نعمت عين، قد بعث الله من هو خير منك إلى من هو شر مني، فأمره أن يقول له قولا لينا
 
ثانيا : موازين الحياة
1. موازين العلاقات
أ. أولوية العلاقات
قال الله تعالى: {قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ۖ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ ۖ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۖ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ } - سورة هود
قال القرطبي – رحمه الله ” قال الجمهور : ليس من أهل دينك، ولا ولايتك ”
ضرورة التوازن في العلاقات بين الانتماء الخاص والانتماء العام، فالعلاقة الدينية مقدمة على العلاقة النسبية عند التعارض
ب. التوازن
آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين سلمان وأبي الدرداء، فزار سليمان أبا الدرداء، فرأى أم الدرداء متبذلة، فقال لها: ما شأنك؟ قالت: أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا
فقال له سلمان: إن لربك عليك حقا، ولنفسك عليك حقا، ولأهلك عليك حقا، فأعط كل ذي حق حقه، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (صدق سلمان)
ج. اتقاء الأذى
عن عائشة رضي الله عنها قالت: استأذن رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : (ائذنوا له بئس أخو العشيرة أو ابن العشيرة، فلما دخل ألان له الكلام، قلت : يا رسول الله قلت الذي قلت ثم ألنت له الكلام! قال : أي عائشة إن شر الناس من تركه الناس أو ودعه الناس اتقاء فحشه)
قال النووي – رحمه الله :
” قال القاضي: هذا الرجل هو عيينة بن حصن، ولم يكن أسلم حينئذ“
فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يبين حاله ليعرفه الناس، ولا يغتر به من لم يعرفه حاله، قال : وكان منه في حياته صلى الله عليه وسلم وبعده ما دل على ضعف إيمانه، وارتد مع المرتدين
ثم قال النووي – رحمه الله :
” وفي هذا الحديث مداراة من يتقي فحشه، وجواز غيبة الفاسق المعلن فسقه، ومن يحتاج الناس إلى التحذير منه ولم يمدحه النبي صلى الله عليه وسلم ولا ذكر أنه أثنى عليه في وجهه، ولا في قفاه، إنما تألفه بشيء من الدنيا مع لين الكلام
د. الإيثار
ذكر ابن حجر – رحمه الله :
” عن أبي رافع قال: وجه عمر رضي الله عنه جيشا إلى الروم وفيهم عبدالله بن حذافة رضي الله عنه فأسروه ”
فقال: قبّل رأسي وأنا أخلي عنك، فقال: وعن جميع أسارى المسلمين؟
قال: نعم، فقبل رأسه فخلى بينهم، فقدم بهم على عمر رضي الله عنه، فقام عمر رضي الله عنه فقبل رأسه
روى ابن كثير – رحمه الله عن يزيد قال: ” كنت في القصر مع الحجاج، وهو يعرض على الناس ليالي ابن الأشعث، فجاء أنس بن مالك رضي الله عنه،
فقال الحجاج: هي يا خبيث، جوّال في الفتن، مرة مع علي، ومع مع ابن الزبير، ومرة مع ابن الأشعث، أما والذي نفس الحجاج بيده لأستأصلنك كما تستأصل الصمغة ولأجردنك كما تجرد الضب ”
قال: يقول أنس: إياي يعني الأمير؟ قال: إياك أعني، أصم الله سمعك
قال: فاسترجع أنس، وشغل الحجاج، فخرج أنس، فتبعناه إلى الرحبة
فقال: لولا أني ذكرت ولدي، وفي رواية: لولا أني ذكرت أولادي الصغار-وخفته عليهم ما باليت، أي قتل أقتل، ولكلمته بكلام في مقامي هذا لا يستخفني بعده أبدا
هـ. حفظ السمعة
أهدى رجل إلى الخليفة المهدي نعلاً قال إنها للنبي عليه الصلاة والسلام فقبّلها ووضعها على رأسه وأمر له بجائزة
قال المهدي: والله إني لأعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ير هذه النعل، فضلا عن أن يلبسها ولكن لو رددته لذهب يقول للناس: أهديت إليه نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فردها علي، فتصدقه الناس، لأن العامة تميل إلى أمثالها، ومن شأنهم نصر الضعيف على القوي وإن كان ظالما، فاشترينا لسانه بعشرة آلاف درهم، ورأينا هذا أرجح وأصلح
 
2. موازين التقييم
أ. الإيجابيات والسلبيات
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقا رضي منها آخر، أو قال : غيره)
ب. الحقوق والواجبات
عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (ستكون أثرة وأمور تنكرونها، قالوا: يا رسول الله فما تأمرنا؟ قال : تؤدون الحق الذي عليكم وتسألون الله الذي لكم)
ج. الناس درجات
قصة زبدة بنت الحارث
 
د. فهم الواقع والواجب
قال ابن قيم الجوزية – رحمه الله:
” ولا يتمكن المفتي ولا الحاكم من الفتوى والحكم بالحق إلا بنوعين من الفهم:
أحدهما: فهم الواقع والفقه فيه واستنباط علم حقيقة ما وقع بالقرائن والأمارات والعلامات حتى يحيط به علما
والنوع الثاني: فهم الواجب في الواقع، وهو فهم حكم الله الذي حكم به في كتابه أو على لسان رسوله في هذا الواقع
هـ. تحقيق المقاصد
قال ابن قيم الجوزية – رحمه الله:
” وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه، ونور ضريحه، يقول: مررت أنا وبعض أصحابي في زمن التتار بقوم منهم يشربون الخمر، فأنكر عليهم من كان معي فأنكرت عليه، وقلت له: إنما حرم الله الخمر لأنها تصد عن ذكر الله وعن الصلاة، وهؤلاء يصدهم الخمر عن قتل النفوس وسبي الذرية، وأخذ الأموال، فدعهم
 
3. موازين الاختلاف
أ. الاختلاف محترم
عن عمر رضي الله عنه أنه لقى رجلا فقال: ما صنعت؟ فقال: قضى علي وزيد بكذا، فقال: لو كنت أنا لقضيت بكذا، قال: فما يمنعك والأمر إليك؟! قال: لو كنت أردك إلى كتاب الله أو إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لفعلت، ولكني أردك إلى رأيي والرأي مشترك
ب. قاعدة التفرق
الفرقة على المبادئ لا المواقف أو الأشخاص إلا في الكفر
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الجهاد واجب عليكم مع كل أمير برا كان أو فاجرا والصلاة واجبة عليكم خلف كل مسلم برا كان أو فاجرا وإن عمل الكبائر والصلاة واجبة على كل مسلم برا كان أو فاجرا وإن عمل الكبائر)
ج. العدل مع الخصوم
لقد كان لسيدنا علي رضي الله عنه عدة مواقف مع الخوارج
قال لهم: ” إن لكم علينا أن لا نمنعكم من مساجدنا ما لم تخرجوا علينا، ولا نمنعكم نصيبكم من هذا الفيء ما دامت أيديكم مع أيدينا، ولا نقاتلكم حتى تقاتلونا“
سُئل علي عن أهل النهروان، أمشركون هم؟ فقال: من الشرك فروا، قيل: أفمنافقون؟ قال: إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلا، فقيل: فما هم يا أمير المؤمنين؟ قال: إخواننا بغوا علينا، فقاتلناهم ببغيهم علينا
د. الخصوم درجات
قول المعتمد ملك إشبيلية:
” إن دهينا من مداخلة الأضداد لنا- يريد المغاربة والفرنج – فأهون الأمرين أمر الملثمين-يريد المغاربة-ولأن يرعى أولادنا جمالهم أحب إلينا من أن يرعوا خنازير الفرنج
هـ. التنوع مطلوب
قال مالك ابن أنس – رحمه الله:
” يا أمير المؤمنين لا تفعل فإن الناس قد سبقت لهم أقاويل، وسمعوا أحاديث، ورووا روايات، وأخذ كل قوم بما سبق إليهم، وعملوا به ودانوا به، من اختلاف الناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيرهم
وإن ردهم عما اعتقدوه شديد، فدع الناس وما هم عليه وما اختار كل بلد لأنفسهم، فقال: لعمري، لو طاوعني على ذلك لأمرت به
ولمعرفة المزيد من الموازين :
1. مقاصد الشريعة
2. القواعد الفقهية
وفي الختام .. انشروا الموازين وأدخلوها المناهج ويسرّوا تدريسها ولكم الشكر والدعاء
ــــــــ
د. طارق السويدان

+965 99633471
www.suwaidan.com
www.gulfinnovation.com
Facebook.com/Dr.TareqAlsuwaidan
Twitter.com/TareqAlsuwaidan