الرئيسة \  مواقف  \  موقفنا - المشهد السوري (3-10) : أسرار الدعوة الروسية إلى فرز السوريين إلى إرهابيين ومعتدلين .. الأول

موقفنا - المشهد السوري (3-10) : أسرار الدعوة الروسية إلى فرز السوريين إلى إرهابيين ومعتدلين .. الأول

08.11.2015
زهير سالم


موقفنا
أسرار الدعوة الروسية إلى فرز السوريين إلى إرهابيين ومعتدلين
الأول : أنت إرهابي ... الثاني : أنت كافر فاجر مرتد
المشهد السوري - ( ثلاثة من عشرة ..)




نمضي في هذه الأوراق المفصلية التي تحاول أن تشرح أبعاد المؤامرة الكبرى على الشعب السوري والثورة السورية . إن احتدام المعركة السياسية الدولية والإقليمية حول سورية ومستقبل شعبها يقتضي حضورا جادا ، وفاعلية واعية ، ووضوحا في الموقف من كل ما يحيكه أهل الشر.
يطالب الروس في سياق احتلالهم لسورية ، وحرب الإبادة ضد المدنيين يشنونها على الشعب السوري بالمبادرة إلى فرز المجتمع السوري والمعارضة السورية وفصائل الثورة السورية إلى إرهابيين ومعتدلين . لفتح أبواب العمالة لمن ينعم عليهم الروس أو ما يسمونه المجتمع الدولي بلقب المعتدلين ، والحصول على براءة أصلية تبيح قتل كل من سيحصل المسعى الروسي الدولي على وصمهم بالإرهابيين .
المطلب الروسي كما يبدو بالغ الخطورة وبعيد الآثار ، ولعله المحاولة الأولى في التاريخ الدبلوماسي الإنساني لشرعنة قانون دولي بإبادة أمة من الناس على خلفية عقائدية دينية أو مذهبية أو سياسية . وهو مسعى في حد ذاته لا يمكن لمن يتحمل مسئولية حماية شعب وقيادة ثورة أن يتجاهله أو أن يسكت عنه ...
والمطلب الروسي المريب هو في أصله مطلب أسدي بامتياز ، مما يؤكد أجندة الروس الأسدية وسعيهم الأساس لتمكينه والدفاع عنه . فقد سبق بشار الأسد إلى الحديث عن الحاضنة الشعبية السورية للإرهابيين ، والتي قدرها بالملايين ، والتي أكد أنها من ( أبناء هذا المجتمع ) ، والتي اعتبرها عنوانا لفشل اجتماعي وفشل سياسي دون أن ينتبه إلى أن جيل الثورة أو جيل هؤلاء ( الإرهابيين ) بجمعه قد ولد في عهد أبيه ، وقد تربى في مدرسة البعث الأسدية ، وتخرج من مؤسسات ( الطلائع ) و ( شبيبة الثورة ) وسائر مدارس الإفساد ..
يطالب الروس شركاءهم الحاضرين في فيينا ، والسيد ديمستورا، ومجلس الأمن الدولي بالمبادرة إلى فرز المجتمع السوري ، والمعارضة السياسية ، والفصائل الثورية إلى إرهابيين ومعتدلين ؛ وذلك لفتح أبواب الجنة( الروسية – الأسدية ) الموعودة أمام المعتدلين . والحصول على حق دولي أولي في إبادة (الإرهابيين )، في سياق الحرب المعلنة على الإرهاب في سورية من قبل الروس والإيرانيين والتحالف الأمريكي .
إن أهم ما يمكن أن يتوقف عنده المتابع السياسي في هذا المطلب شديد الريبة والنكارة هو معايير هذا الفرز الذي يدعو إليه الروس ولفيفهم في المنطقة والعالم ..
إن المعيار الأول الذي يعتمد عليه الروس في عملية الفرز هذه هو معيار (غطرسة القوة ) التي لجأ إليها الروس في فرض إرادتهم على المشهد السوري . قوة القاذفات التي تصب حممها على شعب أعزل بتهمة أنه (إرهابي ) أو ( حاضن لإرهابيين ) كما صرح بذلك بشار الأسد . والذي يريده الروس أن يعززوا معيار الغطرسة هذا بمعيار دبلوماسي مستغلين وضعا دوليا يعيش حالة من الوسواس القهري مما يمكن أن يشترك الممسوسون جميعا في تحديد مفهوم الإرهاب أو في توصيف وتسمية الإرهابيين ..
والمعيار الروسي الثاني لفرز أبناء المجتمع السوري إلى إرهابيين ومعتدلين ، هو معيار إيديولوجي بامتياز ، معيار طالما أفصحت عنه القيادات الروسية نفسها في منطوق صريح خطابها أو في مضمونه . معيار إيديولوجي بعضه مستمد من روسية القيصرية ( روسية حامية المسيحية الأرثوذكسية ) وبعضه مستمد من روسية السوفييتية ( سورية العلمانية ) ..
فحسب المفهوم الأرثوذكسي الذي دفع بوتين لكسب بركة حربه من بطرك الكنيسة الأرثوذكسية : كل من هو غير أرثوذكسي أو غير مسيحي أو غير مستعد أن يسير في الركاب المسيحي الأرثوذكسي – ودائما نتحدث عن منطق روسي بوتيني – فهو إرهابي أو مرشح بجدارة ليكون في عداد الإرهابيين . فردا كان أو جماعة أو مكونا من مكونات المجتمع السوري ولو كان هو المكون الرئيسي والأساسي . مراجعة بسيطة لتصريحات بوتين ولا فروف منذ انطلاقة هذه الثورة تضعنا أمام العديد من الشواهد التي تفصح عن هذا المعيار بفجاجة منقطعة النظير.
ومن هنا نلحظ ولع الروس والأمريكان معا ب(الهوامش) المجتمعية الديمغرافية في سورية ، ومنح هذه الهوامش جميعا ( شهادة براءة ) مسبقة من الإرهاب ، وإعلان الثقة بهم من غير امتحان ، ومحاولة تمكينهم وتسليحهم وتقديمهم ، والإصرار على محو خطاياهم وتجاوز ما يصدر عنهم بحق المواطنين السوريين الآخرين من جرائم وويلات . واجهنا هذا في الموقف الدولي من جرائم عصابات بشار . فرغم كل الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبتها هذه الزمرة فإن هناك إصرارا دوليا على أنها ما تزال تحتفظ بحقها ( كشريك مستقبلي ) بدون ( فحص اعتدال) .
لا أحد يفكر في محاربة الأسد أو عصاباته كإرهابيين كما يجتمعون على حرب غيره !! ثم واجهنا هذا في الموقف الدولي من جرائم حزب الله ، وعصابات الولي الفقيه المتعددة الجنسيات التي ارتكبت على الأرض السورية من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية ما لم يرتكب عشره من يسمونهم أو يسموهم بالإرهابيين ..
يشكل مفهوم ( العلمانية الأرثوذكسية - أو الأرثوذكسية العلمانية ) أحد أهم المعايير تحكما في المنطق الروسي حيال سورية .
إن المعيار الثالث الذي سيصنف الروس على أساسه السوريين إلى (إرهابيين ومعتدلين ) هو معيار المصالح الاستعمارية الروسية . يكرر القادة الروس أنهم يدافعون في سورية عن مصالح استراتيجية وسياسية واقتصادية !! ويتماهى مع هذا الطرح بعض القاصرين من بني قومنا ؛ والسؤال الأولي في هذا السياق : وهل كان الاستعمار التقليدي والحديث إلا دفاعا عن مصالح استراتيجية وسياسية واقتصادية للمستعمرين ؟!
وعلى أساس هذا المعيار الاستراتيجي والسياسي سيصنف الروس كل من يخدم مشروعهم ، ويحقق طموحاتهم ، ويدافع في سورية عن مصالحهم تحت راية ( الاعتدال ) المحبوب وسيمنحونه بطاقة عبور إلى مستقبل سورية الذي يريدون أن يصنعوه ، وكل من يتمسك باستقلال الشعب السوري ، ويدافع عن حرية الإرادة السورية ويقدم المصالح السورية فهو الإرهابي الذي سيتم استئصاله قصفا بالطائرات ، أو إقصائه بالمطاردة تحت كل نجم بقرار سيعمل الروس على استصداره من مجلس الأمن ..
تؤكد المعايير الثلاثة السابقة على نوع من التفكير ( الداعشي ) الذي هو أصل المشكلة في سورية . هذا التفكير الذي قام على شعار ( الأسد أو نحرق البلد ) والذي قام على خيار ( كسر الإرادات ) الذي دعا إليه بنفسه بشار الأسد . والذي يجدد الروس التزامهم به والدعوة إليه اليوم . والأعجب في الدعوة الروسية المريبة ومشايعيها من الذين يقدمون أنفسهم كوسطاء وباحثين عن حل أنها لم تأخذ في حسابها فرز أولئك الصنف من الناس الذين قتلوا وانتهكوا وعذبوا وارتكبوا من الجرائر ما لم يرتكب على ظهر هذه المسكونة منذ سقوط الستالينية والنازية والفاشية .
إنه في الوقت الذي يلقي الروسي وفصيله في فيينا أو في غير فيينا على فريق من الناس وصف إرهابي ليجد مبررا للقتل والاستئصال والإقصاء يلقي الآخرون عليه وعلى محازبيه لقب ( الكفرة والفجرة والمرتدين ) ويجدون المبرر الموازي للقتل والاستئصال فلا يشك العاقل المنصف من هو الإرهابي الحقيقي بل من هو الإرهابي المسئول
إن الدعوة الروسية إلى فرز أبناء المجتمع السوري ، وفرز القوى السياسية والفصائل الثورية دعوة خطيرة و مريبة . وهي دعوة ، إن لم تلق حظها من المقاومة والرفض ، ستكون لها تداعياتها الأكثر خطورة على مستقبل سورية الحديث ، وعلى هؤلاء الذين يدعي الروس أنهم يدافعون عنهم بشكل خاص . وهي دعوة تلغي في شكلها ومضمونها أي دور يمكن أن يلعبه الروس في مستقبل سورية المأمول ؛ كما يجب أن تلغي الدور الوطني لأي فرد أو مجموعة تقبل أن تشترك معهم في هذه المؤامرة على الشعب السوري ....
( وما كنا غائبين )
لندن : 25 / محرم / 1437
7 / 11 / 2015
----------------
*مدير مركز الشرق العربي
للاتصال بمدير المركز
00447792232826
zuhair@asharqalarabi.org.uk