الرئيسة \  مواقف  \  موقفنا : إن الله يعذب الذين يعذبون الناس .. حول مدونات حقوق الإنسان

موقفنا : إن الله يعذب الذين يعذبون الناس .. حول مدونات حقوق الإنسان

22.12.2013
زهير سالم




(( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ )) ...مثّلت هذه الآية الكريمة حقيقة قرآنية خالدة كانت الركيزة المكينة لكثير من الأحكام الشرعية المتعلقة بإنسانية الإنسان وكرامته النفسية والجسدية حيا وميتا . إن من أبسط ما يمكن التذكير به في هذا السياق قيام الرسول الكريم احتراماً لجنازة مرت به . وحين ذُكّر إنها ليهودي أجاب بكل بصيرة وثقة : أليست نفساً ؟!
استنبط الفقهاء المسلمون من جملة نصوص الشريعة الإسلامية الكليات الكبرى نظموها تحت عنوان ( مقاصد الشريعة ) . و لقد شكلت مقاصد الشريعة التي توافق عليها جمهور علماء الأمة على مدى العصور المبادئ الكبرى لحقوق الإنسان حسب التصور الإسلامي . حيث أعلن هؤلاء الفقهاء أن مدار أحكام الشريعة أن تحمي  من الإنسان : نفسه وعقله وعرضه وماله ، وجعلت تاج كل هذا أن تحمي دينه واعتقاده تحت عنوان إسلامي كبير: ينص على أنه لا إكراه في الدين .
الأمر الإضافي الذي يمكن أن نشير إليه في هذا المقام هو أن منظومة هذه الكليات مستنبطة وليست نصية ، بمعنى أنها منظومة مفتوحة يمكن لفقهاء كل عصر أن يلحقوا بها كل ما يرونه من أولويات عصرهم من حاجة الناس . وأيضا أن صياغة هذه المقاصد وطرائق التعبير عنها قابلة هي الأخرى للتجديد بما يلاءم لغة العصر ومصطلحاته وأدبيات أهله .
لقد نعم الإنسان في بلاد المسلمين على مدى ألف وخمس مائة عام في ظل حضارة الإسلام وشريعته وتاريخه السياسي ، على ما كان في هذا التاريخ ، بحظوظ أكبر من الحرية ومن الكرامة ، من شقيقه الإنسان في بلاد الآخرين وفي ظل حضاراتهم وعقائدهم  . ولقد احتفظت الدولة المسلمة والمجتمعات المسلمة بتعدديتها على أكثر من مستوى ديني ومذهبي وفكري في الوقت الذي كانت فيه المجتمعات في ظل الأديان والمنظومات الحضارية الأخرى تنوء تحت نير سياسات ( الحرم والتفتيش والتطهير ).
 لم يخل تاريخ المسلمين من تجاوزات ، وتجاوزات خطيرة وكبيرة في بعض الفترات ، ولكن هذه التجاوزات ظلت هي الشذوذ الذي يشهد للقاعدة ، والفردي الذي يستثنى من الجماعي .
يحق للمسلمين اليوم حين يفتحون سجل تاريخهم الإنساني الإسلامي أن يفخروا وأن يستمسكوا وأن يعززوا تلك القيم المضيئة النظرية ( النصية ) والواقعية العملية التي حفل بها هذا التاريخ . ويجب عليهم أن يتوقفوا عند الوقائع المنفردة والشاذة ليس وقفة إنكار أو تسويغ وتبرير ، وإنما وقفة مراجعة ونقد وبراءة وحساب الخطأ على صاحبه ، ووضع لحظات الاستجابة للدوافع الانفعالية أو الغرائزية في نصابها ..
وليس لمسلم أن يجعل من لحظات الضعف والانفعال البشري ، أو من ممارسات الظلمة ولمستبدين التي ابتليت بها المجتمعات المسلمة سوابق تشريعية يقتدي بها المقتدون ، ويتمثل به المتمثلون ..
إن ما تتناقله وكالات الأنباء عن ممارسات مستفظعة مستنكرة يمارسها بعض من يُحسب على الإسلام والمسلمين ضد مخالفيهم لا تنتمي إلى شريعة الإسلام ولا إلى حضارته . ولا نريد أن نصدق كما لا نقبل أن يقال إن مسلما يؤمن بالله وباليوم الآخر يمكن أن يرتكب من الظلم ما يرتكبه جند الشيطان وأعوان الظلام ..
وحين يصر البعض مهما تكن الدوافع والمبررات أن يسلكوا طريق الطغاة والمجرمين فإن على أمة الإسلام أن تلحقهم بأشكالهم من أهل الجريمة ، وأن تولهم ما تولوا ، وأن تبرأ منهم في الوقت نفسه الذي تبرأ فيه من أفعالهم
إن النصوص الشرعية التي تحرّم وتجرّم العدوان على إنسانية الإنسان أكثر من أن يحتويها مقال . حفظنا جميعا قول عمر للولاة العاملين في إمرته : متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا . و بالمقابل قوله  لأبناء الأمة المسلمة عن ولاته الذين يوليهم عليهم : ألا إني لم أبعثهم عليكم ليضربوا أبشاركم ولا ليأكلوا أموالكم .
أنبأنا سيدنا رسول الله صلى الله وسلم عليه عن صنفين من أهل النار لم يرهما وذكر منهما : رجالا بأيديهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس.  وفي الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم مما يرويه الصحابي حكيم بن حزام : إن الله يعذب الذين يعذبون الناس ..
إن كل ميثاق إنساني عالمي أو محلي  يصون كرامة الإنسان ، ويحفظ حرماته ، ويحمي حقوقه هو في جوهره ميثاق إسلامي ينتظر من المسلمين جميعا أن يلتزموا به وأن يحترموه هذا إن لم يكونوا المبادرين إلى الدعوة إليه . ..
18 / صفر / 1435
21 / 12 / 2013
----------------
*مدير مركز الشرق العربي
للاتصال بمدير المركز
00447792232826
zuhair@asharqalarabi.org.uk