الرئيسة \  مواقف  \  موقفنا : الذهاب إلى انتخابات مبكرة في تركية خيار قوم ومغامرة آخرين

موقفنا : الذهاب إلى انتخابات مبكرة في تركية خيار قوم ومغامرة آخرين

10.06.2015
زهير سالم




غرور اللحظة هو أسوأ ما يقع فيه رجال السياسة في تقدير مصالحهم ومصالح جماعاتهم وأحزابهم بل شعوبهم وأوطانهم . و " غرور اللحظة " هو التعبير العملي عن سوء تقدير لحالة القوة العارضة أو الموقوتة أو المكتسبة بفعل عامل خارجي غير ذاتي ؛ ولو امتدت هذه اللحظة إلى سنوات وعقود ..
للقوة في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية مكامن حقيقية لا تخفى على أصحاب البدائه والعقول ، و حين يمكن لأي قوة ظرفية أو عارضة أن تظهر عليها لأي سبب فالذكي الأريب هو الذي يستفيد من تلك اللحظة لتحسين علاقته ، بمكامن هذه القوة ، معترفا متعاملا بها من موطن قوة وليس من موطن ضعف . والمغرور هو الذي يظن أنه أصبح قادرا على سحقها أو كبتها إلى الأبد ، كما يفعل الظالمون المستبدون مع إرادات الشعوب . ..
وهذا التفكير السياسي الأنموذجي هو الذي يراهن عليه العقلاء عندما يتوجهون في بعض الأحيان إلى الطارئين على مفاصل القوة أن : أفيقوا من خدر ومن غرور ..
لا ينكر أحد أن نتائج الانتخابات الديمقراطية في تركية قد قادت المشهد الوطني التركي إلى موطن ضنك . وأن استقرار تركية السياسي والاقتصادي بعد هذه الانتخابات في أزمة . وأن المسئولية الوطنية عن مواجهة هذه الأزمة تقع على عاتق كل الذين أناط بهم الناخب التركي المسئولية . وأن جميع الأطراف التركية تحمل المسئولية بالسوية ؛ دون أن يلغي هذا من ناحية أخرى أن المسئولية الأكبر تقع على كاهل حزب العدالة والتنمية بوصفه الفائز الأكبر ..
وفي الحقيقة فإن حزب العدالة اليوم هو الفائز الأكبر الذي يجد خياراته أسيرة الآخرين . وهؤلاء الآخرون يجب ألا ينسوا أن طرائق تصرفهم ستكون هي الأخرى تحت بصر ومراجعة الناخب التركي ، الذي سيهتم بطريقة أهم لاستقرار تركية ومفاصل الحياة العامة فيها .
إن عدمية الشركاء ، أو محاولتهم فرض شراكات تعسفية ؛ ستقود بكل تاكيد إلى جولة جديدة من الانتخابات . وسيكون هذا بالنسبة لحزب العدالة والتنمية خيارا ، وخيارا مفتوحا على أمل ما ، بل على أمل كبير . وسيكون بالنسبة للآخرين مغامرة مفتوحة على الخسارة بكل آفاق الخاسرة ، خسارة الانتصار ، أو خسارة الفرصة .
على ضوء واقع النتائج العملية للانتخابات التركية ، لو كان لحزب العدالة والتنمية أي منافس يجاريه أو يقاربه في النتائج الرقمية الحالية لكان يمكن أن يكون شريكا له في خيار الإعادة باحتمالاتها المفتوحة . ولكن الفارق الكبير بين هذا الحزب المتقدم جدا وبين الذين أتاحت لهم معطيات اللحظة( فرصة ) سيجعل خيارات الإعادة بالنسبة لهؤلاء عدمية أو سلبية بكل تأكيد ...
فخيار الإعادة بالنسبة لحزب الشعوب – مثلا - إن لم يستفد عمليا من فرصة اللحظة ، ربما تعيده إلى التهديد بخسارة 10 % التي تمنحه الدخول إلى البرلمان ، مقابل زيادة عدد مقاعده في البرلمان خمسة أو عشرة مقاعد على الأكثر ..
وما يقال عن حزب الشعوب يقال عن الشريكين الآخرين ، فبحسب المعطيات الرقمية الأولية ،من تجربة الانتخابات القائمة ليس هناك فرصة لأي حزب ليقفز إلى مكانة ( الملك ) ليبقى القبول بمكانة ( صانع الملك ) أقرب إلى العقل السياسي من الذهاب إلى مغامرة عنصر الخسارة فيها أقوى من عنصر الربح ...
الذهاب إلى انتخابات مبكرة سيعطي حزب العدالة فرصة كبيرة ليستعيد مكانته كحاكم وحيد ، أو ربما يجعله بحاجة إلى عدد من المقاعد الشريكة أكبر ؛ ولكنه لن يقدم لأي طرف آخر فرصة أن يكون حاكم تركية الجديد.
 
لندن : 21 / شعبان /1436
9 / 6 / 2015
----------------
*مدير مركز الشرق العربي
للاتصال بمدير المركز
00447792232826
zuhair@asharqalarabi.org.uk