الرئيسة \  مواقف  \  موقفنا : في عصر أحادية القطبية الروسية ، أوباما يحذر بوتين من عزلة دولية !!!

موقفنا : في عصر أحادية القطبية الروسية ، أوباما يحذر بوتين من عزلة دولية !!!

03.03.2014
زهير سالم




" نحن نتصرف كدولة ضعيفة منزوية " هكذا أطلقها صريحة ومباشرة جون كيري وزير خارجية القطب الدولي المتنحي عن قمة القطبية الدولية . يعترف الكبير العائد من حروبه أو من مغامراته العاثرة والخاسرة والمدمرة من كل من العراق ومن أفغانستان وهو يجر خطواته المتثاقلة المتعثرة بالخسارة أو على الأقل بالغياب عن الدور العالمي المنتظر ..
كان الموقف مما يجري في سورية هو المثل الأقرب على لسان وزير الخارجية الأمريكي ، فلقد كانت سورية بالفعل هي الامتحان الأقسى للقدرة أو الإرادة الأمريكية . وبينما استطاع الأمريكيون أن يراوغوا كثيرا وطويلا على أن موقفهم في سورية هو قضية إرادة ؛ إلا أن تراخي الزمان وتراخي السياسات أكدا لكثير من المتابعين أن القضية هو قضية قدرة ليس إلّا .
ثلاث سنوات مرت على ( فحص الجهد ) الأمريكي في سورية ، ظل صناع القرار الأمريكي فيها يصورون عجزهم وضعفهم وانحلال قواهم وفتور عزائمهم على أنه استراتيجية قوي يعرف كيف يتحكم بنفسه وبقراراته ويسيطر على عواطفه ويضبط سياسته . وقد تفنن هؤلاء الساسة المنحلة عزائمهم في تسويغ وتبرير عجزهم الذي قدموه على أنه استراتيجية ، سوغوا ذلك تارة بشخصية الرئيس الإنسان الحائز على جائزة نوبل للسلام والذي لا يريد أن يخدش عذرية هذه الجائزة بتصرف سياسي خشن ،  ولو كانت هذه الخشونة في الأخذ على يد جزار يقتل الأطفال بغاز السارين وبالبراميل المتفجرة  كما بالحصار والجوع والبرد ..
وطورا ستر هؤلاء الساسة عورة ضعفهم وانزياحهم عن صهوة القرار الدولي بالتذرع بأنهم في دولة ديمقراطية ، وأن عليهم أن يحترموا قرارات مؤسساتهم واهتمامات شعبهم وتناسوا أنهم قد ذهبوا إلى العراق يوم كانت المظاهرات المليونية تحت نداء ( أوقفوا الحرب ) تجتاح عواصم العالم كما تجتاح ولاياتهم كافة ..
وفي لعبة هي الأبعد إغراقا في الشر عكس هؤلاء المنحلة قواهم ضعفهم اتهاما وتشكيكا يوجهونهما إلى هذه الثورة الوضيئة الجميلة وفي ثوارها ، منذ أول يوم لانطلاقها ، رغم كل ما قدمت وقدموا من مُثُل وبطولات إنسانية متسامية .ثمانية أشهر والسوريون يتلقون الرصاص الروسي الحي بالصدور العارية ، وما يسمى العالم الحر يجري امتحانات المصداقية لهؤلاء الثوار، امتحان المصداقية في وطنيتهم وفي تمسكهم بقيم الديموقراطية ، أو بالتزامهم بمواثيق حقوق الإنسان ، وبحفظهم لبنود اتفاقاتها . بينما كان العالم يضج طبلا وزمرا إذا ما عثر أحد قادة العالم الكبار الكبار هؤلاء على برغوث في حاشية ثوب ثائر ، أو على قملة في جديلة من جدائل شعره الذي حال العالم المتحضر بينه وبين الماء والصابون .
يستحيي الأمريكيون أن يعترفوا أنهم منذ أخلوا إلى البيت الأبيض رئيس رخو ارتخت كل مفاصل الدول ومؤسساتها عندهم . فبينما غطى الدوما الروسي بوتين الصاعد إلى سقف العالم وصهوة قراره في غضون ساعات ، فإن فرائص السناترة الأمريكيين كانت أكثر ارتعادا من رئيسهم حين استهتر بهم بشار الأسد وداس خطهم الأحمر جهارا نهارا كما نقول . 
ولقد عرف الروس والإيرانيون والمجرمون الأسديون هذا من حقيقة الموقف الأمريكي فتفننوا في السخرية والعبث من كل وعد أو وعيد ممن لا يزال يريد أن يوهم أنه ما يزال سيد العالم بدون أن يمتلك أي مفصل من مفاصل السيادة التي لخصها الشاعر العربي بقوله :( الجود يفقر والإقدام قتال ) .
 لن نتحدث هنا عن إعلانات وتصريحات وتحذيرات أصبحت مادة للسخرية عن انتهاء صلاحية بشار الأسد ، وعن ارتكابه لجرائم الحرب، ولا عن خط أوباما الأحمر ...؛  بل دعونا نتأمل بجد كيف يعبث بشار الأسد برأس الرأس الأمريكي في موضوع تسليم ( ترسانة السلاح الكيماوي ) الموضوع الذي اعتبره صاحب جائزة نوبل ، واللجنة التي تلقت الجائزة معه نصرهما العتيد ..
ولم يكن الامتحان في سورية هو امتحان السيادة الأمريكي الوحيد . بل جاءت الصفقة ( الأمريكية – الإيرانية ) صورة لا تقل وضوحا وانكشافا وخزيا عن الانكسار الأمريكي المتوشح بالحكمة والدبلوماسية والحرص على السلام . لقد أحدث إعلان الانكسار الأمريكي الصارخ ، واستسلام الأمريكيين للإرادة الإيرانية زلزالا جيوسيا في منطقة طالما أسست دول فيها لأمنها القومي على أساس حلفها العتيد مع دولة ظلت تعتقد أنها الأقوى عالميا .وفجأة وبدون سابق إنذار تتبدى هذه الدولة التي ظنها الكثيرون أنها ( العظمى ) في صورة ذلك الوثن الذي كان الجاهلي يعبده ويقدسه ليجد فجأة أن ثعلبا من الثعالب قد علاه وبال على رأسه فقال :
أرب يبول الثعلبان برأسه ... لقد ضل من بالت عليه الثعالب
وبالفعل تجسدت صورة الأمريكي ( كيري ) أو ( أوباما ) وهو يصارع بطريقة تثير السخرية والاستصغار : كلا من لافروف أو صالحي ومن بعده ظريف وحتى وليد المعلم الذي قرّع لافروف بطريقة مخزية على رؤوس الأشهاد وهو ينادي عليه على منصة مؤتمر جنيف ( سيد كيري ) ؛ في الصورة الشعرية البسيطة لذلك الوثن الذي تعود العرب أن يدهنوه بالطيب وفجأة يعلو ثعلب رأسه ويبول عليه واتركوا لخيالكم الشعري العناني ..
اليوم وأوباما يحذر بوتين من عزلة سياسية دولية يتوجب على الأوكرانيين أن يكونوا أكثر وعيا وحصافة . فللعالم اليوم سيد جديد اسمه بوتين ويبدو أنه لا يقل حماقة ولا قسوة  عن بوش الابن الذي دفع بلاده إلى هذه الضعة وهذا الهوان ...
ومع أننا لم نكن يوما من المراهنين على نصرة أمريكية ، ولا متعلقين بها، ولا منتظرين لها . وكنا دائما من الذين ينادون : ما لنا غيرك يا الله . وطالما طالبنا وأكدنا المطالبة مرة بعد مرة أن تعتمد ثورتنا على نفسها ، وأن يتفرغوا لتحمل مسئولية نذروا أنفسهم لها بحقها ، ويبدو اليوم أن الموقف الأمريكي يباشر اليوم بنفسه إسقاط كل المراهنات وقطع الطريق على كل المراهنين . ستعزلون أنفسكم هذا هو التهديد الأهم الذي يملكه أوباما فماذا يعني هذا ربما سيحاصرهم بحرمانهم من الكولا أو من الماكدونالز ..
فهل فيهم أقصد فينا رجل رشيد ؟!
لندن : 1 / جمادى الأولى / 1435
2 / 3 / 2014
----------------
*مدير مركز الشرق العربي
للاتصال بمدير المركز
00447792232826
zuhair@asharqalarabi.org.uk