الرئيسة \  مواقف  \  موقفنا-المشهد السوري (5- 10):المجتمعون في فيينا والتبشير بسورية علمانية!!..العلمانية الأرثوذكسية الر

موقفنا-المشهد السوري (5- 10):المجتمعون في فيينا والتبشير بسورية علمانية!!..العلمانية الأرثوذكسية الر

10.11.2015
زهير سالم


موقفنا
المشهد السوري (5- 10)
المجتمعون في فيينا والتبشير بسورية علمانية!!
العلمانية الأرثوذكسية الروسية والعلمانية الثيوقراطية الشيعية




ما زلنا نخوض بحار الجد في أمر اختلاط الأوراق الدولية والإقليمية فيما صدر عن فيينا والمجتمعين فيها بشأن ما يسمونه ( الحل في سورية ) التي تعيش طوفان الدم بشكل مستدام تحت سمع العالم وبصره على مدى خمس سنوات .
يجب ألا ننسى أنه على مناضد الحوار في فيينا يلتقي فرقاء منهم القتلة والمجرمون الوالغون مباشرة في سفك الدم السوري من روس وإيرانيين ، ومنهم المتواطئون على الجريمة اشتراكا فيها أو صمتا عنها ...
إن من أدق ما كتب في المقارنة بين جريمة حرب الإبادة التي جرت في رواندا 1995 بين (الهوتو والتوتسي) والتي راح ضحيتها ثماني مائة ألف إنسان ، وبين ما يجري في سورية أن جريمة رواندا وقعت في زمن قصير نسبيا بالنسبة لما يجري في سورية . في مائة يوم فقط تمت الجريمة في رواندا ، مقابل خمس سنوات من القتل في سورية ولا يريد أن يعمل على وقف الجريمة أحد !!
خرج علينا المترفون الدوليون المجتمعون في فيينا ، والذين يتفكهون بكلمات مخضبة بدماء أطفالنا ، متقاطعة مع أشلاء رجالنا ونسائنا ، بتصور لشكل سورية الجديدة التي زعموا أنهم يدعون إليها ، ويحرصون عليها ، وسيعملون حسب أجندتهم على فرضها على أطراف الصراع ، أو إقناعهم بها . بإعلان عن تمسكهم بدولة ( علمانية ) في سورية ، علمانية في دستورها و في نهجها ..!!
ونحن هنا لسنا لمناقشة حقيقة المقابلة بين (العلمانية – والإسلامية) في بناء الدولة السورية ، فهذه القضية تبقى فرعية في سياق ما نحن فيه من المشروع الوطني السوري في ( التأسيس للمجتمع المدني ) وبناء ( الدولة الحديثة ) ، بل وصدقية المجتمعين في فيينا وجديتهم .
وحسم هذه القضية يبقى حق من الحقوق الديمقراطية السيادية للشعب السوري ، والمجتمع السوري الذي يملك وحده الحق في تقرير دستوره ونهجه وهوية دولته . يثير سخريتك ديمقراطيون مثل بوتين ولافروف وروحاني وعبد اللهيان وهم يتمسكون فيما يزعمون بحق الشعب السوري في اختيار ( شخص ) رئيسه ، وهم يصادرون عليه الحق في اختيار هوية دولته ، ونصوص دستوره ..
وتبقى المشكلة الحقيقية التي تواجهنا في سورية وفي كثير من دول العالم العربي بشكل خاص ، مع الأسف ، هو المقابلة العملية الجادة بين حكم (الدولة المؤسسة ) وبين الحكم ( الأوليغاريشي ) حكم ( الفئة ) أو (الزمرة ) أو (العصابة ) ..
ونعتقد أن العقبة الكأداء الحقيقية التي تواجه مستقبل سورية اليوم هي هل تكون في سورية دولة أو لا تكون ؟! هل ينجح السوريون في بناء دولة ( أي دولة !! ) على أساس عقد اجتماعي جديد ، وإرادة مجتمعية حرة ، أو يردهم مشروع المجتمعون في فيينا إلى سيطرة ( الزمرة ) أو (العصابة ) ،التي ما زالت تحكم سورية منذ انقلاب الثامن من آذار 1963 ..؟!
فمنذ الثامن من آذار 1963 بقي ظلُّ الدولة السورية التي بناها السوريون بعد الاستقلال ، يتقلص وظلّ نظام الزمرة ( زمرة الاستبداد والفساد ) يتمدد حتى لم يبق من حقيقة الدولة بالمعنى السياسي للكلمة في سورية أي معلم للدولة ذي دلالة .
إن ( سيادة القانون ) ومرة أخرى نؤكد ( أي قانون ) بغض النظر عن صفته ومضمونه هي حجر( سنمار ) في بناء أي دولة . وهذا الحجر قد تم سحبه من هيكل الدولة السورية منذ داسته قدم العسكري الهمجية مع انقلاب الثالثة والستين . إرادة الفرد . مصلحة الفرد . بل مزاج الفرد من القائد الفريق إلى القائد المخبر أو العريف هو تجسيد السلطة التي حكمت سورية ، والتي ثار عليها الشعب السوري ، والتي يشفعون اليوم فيها لتعود
إن السرّ المتمم لسيادة القانون في بناء الدولة هو (الإرادة الوطنية الحرة) التي تتوافق على العقد الاجتماعي المنشود ... أفلا يعتقد المجتمعون في فيينا والحاطبون في حبالهم أن اشتراط ( العلمانية ) في صيغة الدولة هو مصادرة على المطلوب الأساسي في بناء دولة ، وقطع للطريق على الإرادة الحرة للمواطنين السوريين .. أن تعبر عن نفسها بشرط الحرية الذي هو شرط وركن في بناء أيّ دولة حديثة تنتمي للعصر الذي نعيش فيه .
هذا بعض الحوار حول عملية الاستباق الاستبدادي الذي وقع فيه المجتمعون في فيينا باشتراطهم المسبق ( علمانية الدولة السورية ) التي يبشرون بها . إنها عملية إقصاء أو إعدام استباقي بقطع رؤوس عدد غير قليل من السوريين لا يؤمنون بعلمانية الدولة ، على الطريقة الداعشية نفسها ، وبأسلوب لا يقل بشاعة ولا قسوة من طريقة ( جون البريطاني ) نفسه ..
ولكننا ، كما أسلفنا ، لا نريد أن نستجر إلى صراع مبكر حول وصف الدولة قبل التمكن من بنائها. ولن نتنازع على جلد الدب قبل صيده . فالدولة العلمانية على القواعد العلمانية الحقيقية هي أيضا دولة . دولة تحترم الإنسان ، وإرادته ، وتصون حقوقه ، الدولة العلمانية تبني المؤسسة التي تخضع لها . وتقر الدستور الذي تنزل على أحكامه ، وتقر القوانين التي تحكم سلوك العسكريين والمدنيين معا .
ولنعد إلى ما نريد أن نسميه في هذا السياق ( امتحان المصداقية ) أو (امتحان الجدية ) فيما تبشر به ( فيينا ) والمجتمعون فيها ؛ فمن هم أولاء الذين يدعون إلى بناء الدولة العلمانية في سورية العزيزة الحبيبة ..؟!
هل هو الروسي بوتين الذي أصر أن ( يعمّد ) تدخله في سورية في معمودية الكنيسة الأرثوذكسية . وحرص قبل الانغماس في مشروع قتل السوريين أن يرسم على صدور طياريه كما على مجسمات طائراته وعلى كل قذيفة موت يطلقها مجسم ( صليب ) أرثوذكسي بيد ( كلير ) المقدس بطريرك الكنيسة الأرثوذكسية نفسه ..؟!
هل علمانية بوتين الأرثوذكسية مقترنة بعلمانية وزير خارجيته ( لافروف) الذي ما زال منذ عمر الثورة السورية الوطنية المباركة يدّعي حقوقا زائفة في حماية من يسميهم ( المسيحيين ) تارة ومن يدعوهم ( الأرثوذكس ) أخرى ، هي العلمانية التي يريدونها للشعب السوري اليوم بعد نصف مليون شهيد ؟! هل هي هذه العلمانية الأرثوذكسية الصليبية المنغلقة على ذاتها ، المعادية لمن يخالفها ، وأدواتها في التعبير عن هذا العداء هو القاذفات الحربية وحممها المدمرة ..هل هذه العلمانية التي يبشرنا بها المجتمعون في فيينا من العابثين والمتآمرين ..
أم أن علمانية المجتمعين في فيينا ، والمقترحة على الشعب السوري هي علمانية الولي الفقيه ، ونظام الولاء للمرجعيات والملالي ؟! هل هي علمانية المادة الثانية عشر من الدستور الإيراني : ( الدين الرسمي لإيران هو الإسلام والمذهب الجعفري الاثنا عشري وهذه المادة تبقى إلى الأبد غير قابلة للتغيير ) ...
أم هي علمانية ( لجنة صيانة الدستور ) ، والتفتيش على العقائد والأفكار والأشخاص...
لقد كان لدى السوريين من هذه العلمانية التي يبشر بها المجتمعون في فيينا نسخة أسدية أكثر جلاء وروعة وبهاء مما ابتدع هؤلاء المدعون . وإنه لأمر يثير الازدراء وليس فقط الإشفاق
لقد ثار الشعب السوري لبناء دولة تخصه هو ، دولة تعبر عن إرادة أبنائه ، إرادة مجتمعية حرة تعودت على مر القرون أن تجمع ولا تفرق ، وأن تصون ولا تبدد ، وأن تجعل كرامة الإنسان في صفحة الأولويات سطرا أول ..
لم تتهدد حياة السوريين ، ولم يتنابذوا دينيا أو طائفيا أو عرقيا إلا عندما حكمهم نظام علماني مشوه كالذي يشارك الروسي والإيراني في الدعوة إليه من فيينا اليوم ...
( وما كنا غائبين )
لندن : 27 / محرم / 1437
9 / 11 / 2015
----------------
*مدير مركز الشرق العربي
للاتصال بمدير المركز
00447792232826
zuhair@asharqalarabi.org.uk