الرئيسة \  تقارير  \  نفوذ إيران الثقافي - الطائفي يتوسع في شرق سوريا

نفوذ إيران الثقافي - الطائفي يتوسع في شرق سوريا

27.07.2024
العرب اللندنية



نفوذ إيران الثقافي - الطائفي يتوسع في شرق سوريا
العرب اللندنية
الخميس 25/7/2024
على الرغم من أن النموذج الإيراني المتمثل في إنشاء ودعم مجموعات بالوكالة يتسق مع مشروعها “الهلال الشيعي”، إلا أن طهران بدأت مؤخرًا في استخدام تكتيكات جديدة ومثيرة للقلق تنذر بتوسيع نفوذها في شرق سوريا.
دمشق- منذ تدخلها أول مرة لدعم نظام الرئيس بشار الأسد في الحرب الأهلية السورية، واصلت إيران ترسيخ وجودها، حيث قامت بدعم العناصر الموالية للنظام وشاركت بقوة في قمع الحراك الشعبي السوري.
ويرى عمر أبو ليلى، المدير التنفيذي لشبكة دير الزور 24 والخبير في الأمن والحوكمة في شمال شرق سوريا في تقرير نشره معهد واشنطن، أنه في حين يُشكل الوجود العسكري الإيراني النشط أحد أهم العناصر لاستعراض قوتها، نجحت طهران في الوقت عينه في تحقيق نجاحات كبيرة على الصعيد الاجتماعي والسياسي أيضًا، كما تلعب على الانقسامات الطائفية وتستقطب عددا متزايدا من الميليشيات إلى فلكها.
ويقول أبو ليلى إن تلك الجهود تجعل من إيران القوة الأكثر فعالية في المشهد السوري، كما تُبرز أنشطتها الأخيرة في شرق سوريا نهجها متعدد الأوجه لتوسيع نفوذها بشكل أكبر.
وأهداف إيران القريبة والبعيدة والمتعدّدة ليست خافية على المراقبين، إلا أنّ أكثرها إلحاحا هو الطريق الاستراتيجي الذي يخترق العراق نحو سوريا ومن ثم لبنان، والذي يرمز إليه عبر العواصم بطريق طهران – بغداد – دمشق – بيروت، والذي تحتله إيران بشكل كامل كحزام بريّ لنقل الأسلحة والعتاد لحلفائها مثل حزب الله في لبنان والمليشيات في العراق.
النشاط الإيراني الثقافي يُنظر إليه كجزء من دعوتها إلى نشر التشيّع، والذي يندرج ضمن خطط كسب قاعدة شعبية أكبر
وإذ تحافظ إيران على فاعليتها في الملف السوري، فإنّما تكتسب زخمها الميداني خاصة من الجماعات المتمركزة في العراق، فالميليشيات جزء أساسيٌّ من التحالفات والديناميات الإقليمية القائمة في المنطقة، وكانت دراسة بعنوان (شبكات التسلل الإيرانية في الشرق الأوسط ) نُشرت في نوفمبر 2019 قالت أنّ إجمالي إنفاق إيران على ميليشياتها في سوريا والعراق واليمن بحوالي 16 مليار دولار سنويا، بينما ينفق النظام الإيراني حوالي 700 مليون دولار سنويًا لدعم ميليشيات حزب الله اللبناني.
ومنذ بدء الحرب في غزّة، كانت إيران ووكلاؤها – المعروفون بـ”محور المقاومة” – في موقف مُحرج بشكل واضح، حيث أصبح الخطاب المكثف والعدواني الذي تبنته تلك الجماعات يتناقض مع رد فعلها الفاتر تجاه العملية العسكرية الإسرائيلية.
ورغم الادعاءات بوجود شبكة تضامن عابرة للحدود القومية، إلا أن محور المقاومة قد فشل في التدخل بشكل حاسم لدعم حماس. ولذلك تُحاول إيران التغطية على ذلك بزيادة شحنات الأسلحة عبر سوريا والعراق، لتصل أخيرا إلى يد حزب الله.
وبغض النظر عن الهدف، هناك زيادة في حركة شحنات الأسلحة هذه، فحسب المتابعة الميدانية وخاصة في غرب الفرات يُلاحظ ازدياد شحن الأسلحة ونقلها من العراق صوب سوريا، وهو أمر يعكس ضعف الضربات الإسرائيلية والأميركية ضدّ إيران وميليشياتها، كما يعكس ضعف قوات سوريا الديمقراطية.
وتسيطر قوات سوريا الديمقراطية، المتحالفة مع الولايات المتحدة، على منطقة دير الزور منذ سنوات. لكن في الآونة الأخيرة، تدهور الوضع الأمني بشكل كبير حيث قامت الميليشيات المدعومة من قبل إيران بدعم القائد العسكري المحلي الشيخ إبراهيم الهفل زعيم قبائل (العكيدات)، لمواجهة سيطرة قوات سوريا الديمقراطية.
ويُنظر إلى هذا التوجّه أنّه يهدف إلى التغطية على حركة شحنات الأسلحة الضخمة، كما أنّه يُساهم في إضعاف الولايات المتحدة وحلفائها وإثارة القلاقل في مناطق تواجدها.
وبالإضافة إلى النفوذ الإيراني غرب الفرات، يمكن أن تؤدى حالة عدم الاستقرار هذه على الجانب الشرقي، إلى فتح ممر جديد لمزيد من الميليشيات الموالية للأسد والموالية لإيران لدخول المشهد.
وتمتلك الميليشيات الإيرانية المختلفة ما يقارب من مئة ألف عنصر لها على أقل تقدير في سوريا يتوزّعون في سبعين ميليشيا بسوريا كما صرح قائد الحرس الثوري الإيراني حسين سلامي، أبرزهم لواء فاطميون، ويتكون من الأفغانيين، ولواء زينبيون من الباكستانيين، وحزب الله اللبناني والعراقي، ولواء أبوالفضل العباس وحركة النجباء من العراقيين ولواء صعدة اليمني.
وتتمثّل إستراتيجية إيران في سوريا على عدة مستويات تعمل عليها منذ دخولها في سوريا، وهي خطة عسكرية، وسياسية، واقتصادية، وطائفية، وثقافية.
وفي دراسة مشتركة نشرها مركز جسور صيف 2023 خلصت إلى زيادة المواقع الإيرانية العسكرية في سوريا التي وصل عددها إلى 570 موقعاً (منها 55 قاعدة عسكرية و515 نقطة عسكرية)، وهو أكبر حجم نفوذ خارجي في الخريطة السورية ومن هذا العدد فإنّ حصة دير الزور هي 7 قواعد عسكرية و70 نقطة عسكرية.
وبحسب المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية فإنّ الأهمية الإستراتيجية لإيران عبر شبكاتها وميليشياتها تتمثّل بـ: استمرارية الممر البري من طهران إلى بيروت، والسيطرة على شواطئ البحر المتوسط، وعقد اتفاقيات مع النظام السوري لعقود قادمة، والسيطرة على قطاعات الصحة والكهرباء والغذاء والتمويل، وتوسيع نطاق الدعم الإيراني “الاستشاري والمالي والعسكري” حيث أنّ قيمة التجارة الإيرانية في سوريا بلغت 869 مليار دولار.
وعلى الرغم من تعدّد النقاط والقواعد الإيرانية بسوريا، إلا أنّ محافظة دير الزور تعد أهمّها لأسباب متعددة حيث تشكل الجسر الرابط للميليشيات الإيرانية بين سوريا والعراق في محيط نهر الفرات، ولذلك في حال ضعفت أو فقد الإيرانيون هذه النقطة سيكون من المستحيل العثور على ممر من طهران إلى ساحل البحر المتوسط إلا عبر الجو، خاصة مع احتفاظ الولايات المتحدة بوجود عسكري في قاعدة “التنف” في حمص المجاورة.
التدخّل الإيراني في سوريا يمثل أحد أبرز التحولات في الصراع السوري، حيث تمكّنت من ترسيخ وجودها بطرق متعددة؛ تشمل الأبعاد العسكرية، والسياسية، والاجتماعية، والثقافية
وعلى الجانب الثقافي والطائفي، نجحت إيران في تشكيل ميليشيات طائفية محلية وأخرى غير طائفية مارست وتمارس معها أساليب متعددة بهدف كسبها إلى جانب الطائفة الشيعية أو على الأقل التعاطف معها، ومن ثم ترغيبها بالتشيّع (وهي إستراتيجية تهدف لتغيير طائفي في مناطق متعددة بسوريا وخاصة مناطق شرق سوريا بدير الزور ذات العمق السني العربي).
وإلى جانب الإستراتيجيات السياسية والعسكرية، لا تتوقّف إيران عن خطتها الناعمة في زيادة نفوذها الثقافي – الطائفي عبر زيادة افتتاح المراكز الثقافية في مناطق متعددة وخاصة دير الزور، حيث رصدت شبكة دير الزور 24 على سبيل المثال مؤخّرا مركزين ثقافيين في دير الزور المدينة.
ومع أنّ أنشطة هذه المراكز الثقافية متعدّدة منها دورات الكومبيوتر والرحلات الكشفية، إلا أنّها تستعرض كذلك تاريخ إيران ودورات لتعليم اللغة الفارسية وترغيب الملتحقين بكل ما هو إيراني، وبشكل ناعم وتدريجي التشيّع، الذي يحصل معه أولئك الذين يرتضون باعتناق المذهب الشيعي على مكافآت وحوافز عدة.
ويُنظر إلى النشاط الإيراني الثقافي كجزء من دعوتها إلى نشر التشيّع، والذي يُمكن اعتباره ضمن إستراتيجيات عدة لكسب قاعدة شعبية أكبر والتغلغل في المجتمع السوري والذي لا يمكن ضمان تأثير بعيد المدى فيه دون ارتباط ديني – طائفي، وخاصة أنّ المذهب الشيعي ينطوي على إطاعة الأئمة في المذهب بشكل شبه تام.
ويمثل التدخّل الإيراني في سوريا أحد أبرز التحولات في الصراع السوري، حيث تمكّنت من ترسيخ وجودها بطرق متعددة؛ تشمل الأبعاد العسكرية، والسياسية، والاجتماعية، والثقافية.