الرئيسة \  تقارير  \  نيويورك تايمز : بعد عقود من الصراع.. هل تصبح العلاقات الإيرانية السعودية "طبيعية"؟

نيويورك تايمز : بعد عقود من الصراع.. هل تصبح العلاقات الإيرانية السعودية "طبيعية"؟

16.03.2023
ساسة بوست

نيويورك تايمز : بعد عقود من الصراع.. هل تصبح العلاقات الإيرانية السعودية "طبيعية"؟
ساسة بوست
الأربعاء 15/3/2023
نشرت صحيفة “نيويورك تايمز» للصحافية فيفيان نيريم، تقول إنَّه قبل خمس سنوات فقط، كان ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، يسخر من المرشد الأعلى للثورة الإسلامية قائلًا إنَّه “يجعل هتلر يبدو رجلًا طيبًا». ولكنَّ الأسبوع الماضي، حدث تطور مفاجئ، حيث لم يُعِد السعوديون العلاقات الدبلوماسية مع طهران وفقط، بل تحدثوا عن “المصير المشترك» بين الدول.
ويعدُّ التقارب الدبلوماسي بين السعودية وإيران (بعد سنواتٍ من صراعات بالوكالة في جميع أنحاء الشرق الأوسط) مثل انقلاب نفذته الصين، وسهَّل ذلك الاتفاق بين الطرفين، وكان مصدر ارتياح لإيران، التي تعاني اضطرابات داخلية، واقتصادًا يرزح تحت وطأة العقوبات القاسية.
مصلحة الطرفين
تستدرك فيفيان بأنَّ لدى المملكة العربية السعودية الكثير لتكسبه إذا ترسخ التعاون الجديد حقًّا؛ إذ يمكن أن يساعد الاتفاق في تهدئة التوترات الإقليمية التي أشعلت الحروب، وأثارت التراشق الإعلامي، وأرسلت صواريخ وطائرات مسيرة عبر شبه الجزيرة العربية.
وأصبح حل النزاعات التي استنزفت ميزانية الحكومة السعودية وتلطيخ سمعتها، وردع المستثمرين المحتملين أولوية قصوى للأمير محمد بن سلمان، الذي  أصلح اقتصاد المملكة والمجتمع المحافظ، على أمل تحويلها إلى مركز عالمي للأعمال والثقافة.
وقال وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، على “تويتر» بعد الإعلان “دول المنطقة تشترك في مصير واحد. هذا يجعل من الضروري بالنسبة لنا العمل معًا لبناء نماذج للازدهار والاستقرار».
من على الصفحة الرئيسية لصحيفة محلية إيرانية، إعلان الاتفاق السعودي الإيراني
لطالما شكل التنافس بين الدولتين الإسلاميتين، اللتين تفصل بينهما أقل من 150 ميلًا من مياه الخليج العربي، في السياسة والتجارة في الشرق الأوسط.
تشير فيفيان إلى أن للتنافس بعدًا طائفيًّا، فأغلب سكان السعودية من السنة، بينما أغلبية الشعب الإيراني الساحقة من الشيعة، لكنه لعب بشكل أساسي في صراعات بالوكالة في اليمن والعراق وسوريا ولبنان، حيث دعمت إيران المليشيات التي يقول مسؤولون سعوديون إنها تزعزع استقرار المنطقة.
كان توقيت المصالحة مفاجأة لكثير من المحللين. حتى وقت قريب، قال المسؤولون السعوديون إنهم لم يحرزوا تقدمًا يُذكر في المحادثات مع إيران، وكذلك كان الدور الذي لعبته الصين أيضًا، حيث استضافت المناقشات التي أدت إلى اختراق.
صوَّر العديد من خبراء السياسة في واشنطن التدخل الصيني على أنه تحدٍّ للهيمنة الأمريكية المتضائلة في الشرق الأوسط. وفي الواقع، يقول بعض المسؤولين في دول الخليج العربية إنهم لم يعودوا قادرين على الاعتماد على الولايات المتحدة لضمان أمنهم، وأن عليهم حل مشكلاتهم بأنفسهم، وأن الصين مستعدة لتقديم الأسلحة والتكنولوجيا والاستثمار دون قيود.
لكن محللين آخرين حذروا من أن الأمير محمد يميل ببساطة إلى النهج الأكثر براجماتية في السياسة الخارجية الذي اتبعه خلال السنوات القليلة الماضية، وبينما تظل الولايات المتحدة الشريك الأمني المهيمن للمملكة، فإنهم يقولون إن واشنطن لم يكن بإمكانها التوسط في صفقة بين السعودية وإيران على أي حال، بالنظر إلى علاقاتها المتوترة للغاية مع الجمهورية الإسلامية.
قالت ياسمين فاروق، باحثة غير مقيمة في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، وهي مجموعة بحثية بواشنطن: “ليس الأمر كما لو أن المملكة العربية السعودية لا تدرك تمامًا أنه حتى الضمان الصيني له حدود. لقد تعلم السعوديون، على مدى السنوات القليلة الماضية، دروسًا صعبة للغاية، من بين تلك الدروس هو أنه يتعين علينا أن نستمر في تنويع علاقاتنا».
ولطالما أوضحت المملكة أنها تسعى إلى حلٍّ مع إيران. أجرى المسؤولون السعوديون عدة جولات من المحادثات مع نظرائهم الإيرانيين خلال العامين الماضيين، بما في ذلك في العراق وعمان.
قال الأمير محمد بن سلمان، في مقابلة أجريت معه في عام 2019، إن الحرب بين السعودية وإيران ستؤدي إلى ارتفاع حاد في أسعار النفط وتسبب الانهيار التام للاقتصاد العالمي، مما يعني أن الحل السياسي والسلمي أفضل بكثير من الحل العسكري.
ما السر وراء تغير النهج السعودي تجاه إيران؟
تؤكد فيفيان أنَّه قبل أسابيع فقط من تلك التصريحات، أدى هجوم صاروخي وطائرة مسيرة على منشأة نفط سعودية كبرى إلى تعطيل نصف إنتاج المملكة من النفط الخام لفترة وجيزة، وهو هجوم قال مسؤولون أمريكيون إن إيران أشرفت عليه مباشرة.
وقال محللون إن إدراك أن إيران كانت لديها الجرأة والقدرة على تنفيذ مثل هذه العملية، وأن الهجوم لم يكن له سوى القليل من التداعيات المباشرة على الجمهورية الإسلامية، وكانت لحظة حاسمة للمسؤولين السعوديين، ويبدو أنه جزء مما دفعهم للدخول في محادثات مع إيران في عام 2021.
منذ ذلك الحين، تعثرت الجهود الأمريكية لإحياء الاتفاق النووي لعام 2015 مع إيران، والذي ألغاه الرئيس دونالد ترامب. ويحذر الخبراء من أن لدى طهران الآن ما يكفي من اليورانيوم المخصب لصنع العديد من الأسلحة النووية إذا اختارت ذلك، ويخشى المسؤولون السعوديون من أن المملكة قد تكون هدفهم الأول.
في الوقت نفسه، اجتذب الغزو الروسي لأوكرانيا تركيز القوى العالمية في أماكن أخرى، تاركًا لحكومات الخليج شعورًا أقوى بضرورة الاعتماد على نفسها.
دعاية لرؤية 2030 للمملكة العربية السعودية
قال محمد السلمي الذي يرأس مركز أبحاث يركز على إيران في العاصمة السعودية الرياض: “السياسة الخارجية السعودية واضحة للغاية: يريدون حل أي خلافات أو من خلال الدبلوماسية وكانوا يحاولون جاهدين مع الإيراني».
وأضاف: “السعودية تريد المحاولة الآن، لأننا نعتقد أنه قد تكون هناك بعض الصعوبات في المستقبل القريب فيما يتعلق بعلاقة إيران مع المجتمع الدولي، وأزمة روسيا، وتخصيب اليورانيوم. لذلك دعونا نرسل هذه الرسالة الإيجابية ونرى. لقد اتخذت إيران ضمنيًّا الجانب الروسي في حرب أوكرانيا من خلال بيعها طائرات بدون طيار تهاجم المدن والبنية التحتية الأوكرانية».
وتؤكد فيفيان أن التحرك نحو المصالحة مدفوع جزئيًّا بالتحديات التي يواجهها ابن سلمان في الداخل بينما يُصلح تقريبًا كل جانب من جوانب الحياة في المملكة العربية السعودية. وتدعو خطته التحويلية الشاملة رؤية 2030 إلى تنويع الاقتصاد المعتمد على النفط من خلال جذب الاستثمار الأجنبي، وتتطلب بناء قطاعات جديدة مثل السياحة الفاخرة والترفيه.
وقد عبر ابن سلمان عن رغبته في استقطاب عشرات الملايين من المغتربين إلى المملكة، وتسعى الحكومة لاستضافة معرض إكسبو العالمي في عام 2030. سيكون من الصعب خاصة الوصول إلى جميع هذه الأهداف في ظل حرب نشطة مع المتمردين المدعومين من إيران في اليمن على الحدود الجنوبية للمملكة وصواريخ تحلق في سماء المنطقة.
طموحات “السعودية العظمى»
تضيف فيفيان أنَّه مع ذلك فإن التحول نحو حل النزاعات الإقليمية مدفوع أيضًا برغبة ولي العهد في تحويل السعودية إلى قوة عالمية في حد ذاتها، بدلًا من الدولة العميلة الأمريكية، ويرى أن المملكة هي الزعيم السياسي للشرق الأوسط، ولم تعد مدينة بالفضل للولايات المتحدة كما كانت من قبل، وهو حريص على تقوية علاقاتها في آسيا، وأوروبا، وأمريكا اللاتينية.
كما أنه حريص على تصوير المملكة بصفتها حكمًا محايدًا في عالم مستقطب بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا. وسافر وزير الخارجية السعودي إلى أوكرانيا وروسيا خلال الشهر الماضي، وصرف المساعدات الإنسانية، وعرض التوسط في الصراع.
هذا لا يعني أن المملكة العربية السعودية ستتخلى عن الولايات المتحدة ضامنًا أمنيًّا رئيسيًّا لها في أي وقت قريب؛ فالولايات المتحدة تزود المملكة بالغالبية العظمى من الأسلحة وأنظمتها الدفاعية. لكن هذا يعني إضعافًا نسبيًّا لتفوق أمريكا في المنطقة، حيث يوسِّع المسؤولون السعوديون العلاقات في الصين، وكوريا الجنوبية، والهند، وغيرها.
سيُجرى الاختبار الأول والأكثر أهمية للاتفاق الجديد مع إيران في اليمن، حيث يقاتل تحالف تقوده السعودية المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران منذ عام 2015. ويتطلع المسؤولون السعوديون إلى التوصل إلى اتفاق لإنهاء الصراع، الأمر الذي كلف الحكومة السعودية مليارات الدولارات وأثار انتقادات شديدة للمملكة في واشنطن وأوروبا، كما قتلت مئات الآلاف من اليمنيين ودفعت بالبلاد، الأفقر في العالم العربي، إلى أزمة إنسانية حادة.
وتختتم فيفيان بتصريح المتحدث باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، في مؤتمر صحفي بعد الإعلان عن الاتفاقية: “لدينا في اليمن وضع هش، ولكنه مستمر في الاتجاه الإيجابي. نأمل أن يكون لهذا الاتفاق أثر إيجابي في هذا الوضع وغيره».