الرئيسة \  تقارير  \  نيويورك تايمز : تحديات كبيرة لأردوغان بعد الزلزال .. والمعارضة التركية تحوّله لقضية انتخابية

نيويورك تايمز : تحديات كبيرة لأردوغان بعد الزلزال .. والمعارضة التركية تحوّله لقضية انتخابية

14.02.2023
إبراهيم درويش

نيويورك تايمز : تحديات كبيرة لأردوغان بعد الزلزال .. والمعارضة التركية تحوّله لقضية انتخابية
إبراهيم درويش
لندن- “القدس العربي”:
الاثنين 13/2/2023
نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرا أعده مراسلها بن هبارد، حول الغضب المتزايد ضد حكومة أردوغان بعد الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسوريا.
وقال الكاتب إن الزعيم التركي رجب طيب أردوغان، كان عام 1999 سياسيا جذّابا عندما ضربت هزة أرضية البلاد، وقتلت 17 ألف شخص. وكشفت ي ذلك الوقت عن عجز الحكومة وأدت لأزمة اقتصادية. وعلى خلفية هذه الأزمة، أصبح أردوغان عام 2003 رئيسا للوزراء.
واليوم يواجه أردوغان كرئيس، ظروفا مشابهة لتلك التي أدت لسقوط الساسة قبله عام 1999، مما يشكل تهديدا خطيرا لحكمه الذي مضى عليه أكثر من عقدين، ومستقبله السياسي. وكانت الزلزال الأخير هو الأكثر فتكا منذ قرن في تركيا، وزاد عدد الضحايا عن 28 ألف شخص حتى الآن، وذلك تزامنا مع ارتفاع التضخم الذي أفقر العائلات التركية بشكل لم يترك لها إلا القليل للعودة من جدي
وتقول الصحيفة إن ما بعد الزلزال كشف عن المدى الذي شكّل فيه أردوغان الدولة التركية. ويتهمه النقاد بأنه دفعها نحو الديكتاتورية من خلال إضعاف منظمات العمل المدني، وتآكل استقلال مؤسسات الدولة، مثل وزارة الخارجية والبنك المركزي. وفي خطوة لمركزة السيطرة، قيّد أردوغان مؤسسات مثل الجيش الذي كان يمكنه المساعدة في الأزمة الأخيرة، فيما ملأ المؤسسات الأخرى بالموالين له.
 يواجه أردوغان ظروفا مشابهة لتلك التي أدت لسقوط الساسة قبله عام 1999، مما يشكل تهديدا خطيرا لحكمه الذي مضى عليه أكثر من عقدين
واعترف أردوغان يوم الجمعة بأن رد حكومته الأولي على الكارثة كان بطيئا، وأن الغضب يتزايد بين الناجين، وهي مشاعر قد تعرقل جهوده للبقاء في السلطة في الانتخابات المتوقعة خلال أيار/مايو المقبل. وهناك الكثيرون يتساءلون عن المباني التي أُنشئت بدون الالتزام بالمعايير وأدت لسقوط هذا العدد الكبيرة من الضحايا، ويحمّلون أردوغان المسؤولية عن ذلك. وقال ميكالي غول (53 عاما) والذي خسر خمسة من أفراد عائلته: “أصوّت للحكومة منذ 20 عاما.. وأخبر الجميع الآن عن غضبي… لن أسامحهم أبدا”.
وطالما صوّر الرئيس الذي انتُقدت حكومته عام 2021 لعدم قدرتها في السيطرة على الحرائق، بأنه رجل الشعب والمرتبط بالمواطنين العاديين. وزار الرئيس المناطق المنكوبة في الأيام الأخيرة، كما عاد الجرحى والعائلات المنكوبة وحاول التخفيف عنها. وقال في زيارة لمنطقة أديمان: “نحن نواجه واحدة من أكبر الكوارث في تاريخنا.. هو واقع لا نستطيع التدخل فيه كما نتمنى”.
وكانت الزلزال بقوة 7.8 درجات على مقياس ريختر، وهو من أقوى الهزات التي ضربت تركيا منذ عقود، وأدى إلى ارتدادات متعددة، ودمّر منطقة على مساحة 250 ميلا، متسببا في تدمير آلاف البنايات، وأضرار بمليارات الدولارات. كما أصاب مناطق في سوريا التي سجل فيها آلاف من الضحايا أيضا والعدد يتزايد.
وقال سنان أولغين، مدير مركز إيدام في اسطنبول: “هذه أكبر كارثة تواجه تركيا.. وبشكل محتوم، ستؤدي لردود عكسية على الحكومة”. مضيفا أن الكثير يعتمد على الطريقة التي ستقوم فيها الحكومة بمعالجة السكان المنكوبين.
وبدأت الحكومة التركية حملة إنقاذ ضخمة، وأرسلت أكثر من 141 ألف شخص للإغاثة، وعمّال الإنقاذ للبحث عن الموتى والجرحى وتوزيع المواد الغذائية والبطانيات وحفاظات الاطفال وبناء الخيام لعشرات الآلاف من المهجّرين الذين ينام معظمهم في السيارات لتجنب الظروف الصحية القاسية.
ومع ذلك، فهناك شعور بالإحباط من رد الحكومة الأولي، حيث قال الكثيرون إن الحكومة لم تكن موجودة، وكان عليهم البحث عن مكان وتحرير العالقين من بين الأنقاض.
وتقول الصحيفة إن ندرة الفرق المدربة والمعدات الثقيلة، كانت سببا في زيادة أعداد الضحايا بعد الزلزال. وعندما وصلت وكالات الحكومة، لم تكن معداتها كافية، ولم تنسق مع المتطوعين الذين كانوا يكافحون لمساعدة الناجين. وقال غول إن عائلته ظلت ليومين بدون طعام أو ماء، وشعرت بالعجز أمام الدمار: “انهار البيت بجانب بيتنا، وكان فيه فتاة تصرخ: أنقذوني أنقذوني”. وتم إنقاذ الفتاة، لكن غول كان عليه البحث عن جثث عائلته. وعمل غزل في ألمانيا لمدة 20 عاما، وحوّل كل مدخراته لبناء عمارة من 10 شقق في مدينة كهرمان مرعش، مركز الزلزال، لكن الشقق انهارت، وعليه البداية من جديد: “لا أعرف ماذا سأفعل”.
وعمل أردوغان خلال فترته في الحكم على تغيير الطريقة التي تردّ فيها تركيا على التهديدات الخارجية والمحلية بما فيها الجماعات الإرهابية. وقيّد عمل الجيش الذي لعب دورا مهما في كارثة 1999. ويقول تيركر إرتيرك، الأدميرال المتقاعد في البحرية، إن الجيش تدخل في تلك الأزمة بسرعة. ولكن سنوات أردوغان، قيّدت الجيش الذي توقف عن التدريب والتخطيط لأوضاع كهذه.
ويزعم تيركر أن الحكومة استدعت الجيش بعد النقد العام. وقال: “أصبح هناك حكم الرجل الواحد، وحكومة ديكتاتورية، والقرارات تتخذ من فوق وهم ينتظرون أوامره”. ورد الجيش في تغريدة يوم الجمعة، أن قواته تساعد في الإنقاذ منذ اليوم الأول، وتم نشر 25 ألف جندي، لكن حضورهم لم يكن بارزا في الكثير من مناطق الزالزال بحسب الصحيفة. وتقود إدارة الكوارث والطوارئ (أفاد) جهود الإنقاذ، والتي يقول النقاد إن الرئيس ملأها بالموالين له على حساب الهلال الأحمر التركي.
وأدت الكارثة للتحقيق في أساليب البناء التي اعتمدتها الحكومة، في وقت عبّر سكان المناطق المنكوبة عن غضبهم من إمكانية تغاضي شركات البناء والمتعهدين عن قوانين البناء، والتي تتحمل مسؤولية الوفيات. وشددت تركيا بعد كارثة 1999 من قوانين البناء، وجعل البنايات أكثر مقاومة للهزات الأرضية.
ويظهر في المناطق المنكوبة بنايات ظلت قائمة وأخرى انهارت، وبعض البنايات بنيت حديثا، مما يطرح أسئلة عن تجاهل متعهدين لمعايير البناء المطلوبة. وردّت وزارة العدل التركية على الانتقادات بدعوة المناطق المنكوبة إلى تشكيل وحدات للتحقيق في جرائم الهزة، وجلب الشركات المتورطة في جرائم أدت لانهيار المباني، وفشلت في تطبيق المعايير.
 أدت الكارثة للتحقيق في أساليب البناء التي اعتمدتها الحكومة، وكشف المنقذون عن استخدام مواد بناء رديئة في بناية انهارت بالكامل
وفي مثال على ذلك، تم اعتقال يسار غوسكن، الذي بنت شركته مبنى من 10 طوابق في منطقة هاتاي، أثناء محاولته ركوب طائرة إلى مونتينغيرو. ومات العشرات عندما انهارت العمارة.
وفي مثال آخر، كشف المنقذون عن استخدام مواد بناء رديئة في بناية انهارت بالكامل. وفي الأيام التي تبعت الهزة، دعت نقابة المحامين المدّعين في كهرمان مرعش، إلى تحديد المتعهدين الذين بنوا البنايات المنهارة، والمفتشين الذين قاموا بفحصها، والتحقيق معهم في إمكانية خرق جنائي لقواعد البناء.
وبدأ المحققون في غازي عنتاب بجمع عينات من البنايات للتحقيق الذي يقومون به. ورغم عدم قدرة أحد على التنبؤ بوقوع الهزات الأرضية، إلا أن علماء الزلازل يحذرون من وقوع واحدة كبيرة في المنطقة. ونشر عالم الجيولوجيا التركي ناشي غورور على تويتر، محذرا قبل ثلاثة أيام من النشاطات الزلزالية في تركيا التي وضعت ضغوطا على خطوط الصدع في مركز الهزة التي حدثت يوم الإثنين. كما نشر خريطة حدد فيها المناطق التي ستُضرب بقوة. وكتب بعد الهزة تغريدة قائلا: “كجيولوجيين، نشعر بالتعب من ترداد أن هذه الهزة قادمة، ولا احد اهتم بما نقول”.
وأضافت الهزة أعباء على الميزانية الحكومية، بالمليارات لإعادة بناء ما تضرر. ويأتي هذا في وقت تواجه الدولة متاعب اقتصادية. وقبل الهزة زادت الحكومة من نفقاتها لتخفيف أثر التضخم على المواطنين قبل الانتخابات، بشكل دعا المحللين للتكهن بدخول تركيا حالة من الركود هذا العام.
وكان تزامن الهزة مع الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المرتقبة، مدعاة للحديث عن مصاعب للحكومة حول كيفية عقدها في موعدها الجديد. وفي أول تلميح للحكومة عن إمكانية تأجيل الانتخابات، تصريح نقلته “رويترز” عن مسؤول تحدث فيه عن المصاعب الجديدة.
وفي محاولة لإزاحة أردوغان، حوّلت أحزاب المعارضة الستة التي شكلت تحالفا، موضوع الهزة إلى موضوع انتخابي. ومع ذلك، فمَن عبّروا عن غضب، لا زالوا يثقون بأردوغان. وقال إسماعيل أوزاصلان (58 عاما) من غازي عنتاب: “سقطنا في الامتحان… نحن مثل المرضى تركنا لنموت ولا إدارة هنا”. ولكنه كان ينتقد القادة المحليين والوطنيين وليس أردوغان. وقال: “مثل البناية، سقفها قوي ولكن أركانها متعفنة… ليس لدينا فرصة غير أردوغان، ونسأل الله أن يعطيه طول الحياة”..