الرئيسة \  مشاركات  \  هل تعود السياسة الدولية الى سنوات الثقة المزيفة –حول التقارب التركي الروسي ؟

هل تعود السياسة الدولية الى سنوات الثقة المزيفة –حول التقارب التركي الروسي ؟

15.08.2016
هيثم عياش


كاتب ومفكر سياسي
برلين - واس /‏14‏/08‏/2016
اذا تتبعنا التطورات الحالية للمسرح الدولي للسياسة وخاصة في اوروبا ، وعدنا للبحث عن وقائع  احداث السياسة في اوروبا بالقرن الثامن عشر التي سادت سنوات ما بين 1816 و 1845 ، ففي تلك السنوات وبعد اتفاق زعماء اوروبا بدون مشاركة الزعيم الفرنسي نابوليون بونابرت في ذلك العهد بمؤتمرهم في فيينا عام 1815لوضع حد للثورات الشعبية المؤيدة لبونابرت والثورة الفرنسية ، اتفق الزعماء المشاركون باجتماع فيينا على رمي بونابرت بقوس واحدة والعمل بعد القضاء عليه على كسب الثقة بين زعماء اوروبا  ولا سيما الدول الملكية التي كانت تنظر الى القيصرية الالمانية بزعامة اسرة برويسين بريبة اذ كانت هذه الاسرة تعتبر الحاكمة في اوروبا وليست اسرة هابسبورج التي قامت بداية شروق دولة الخلافة الاسلامية العثمانية لمواجهتها .
كانت أعوام ما بين 1816 و 1845 أعوام عودة الثقة بين الاسر الاوروبية الحاكمة ولكنها كانت / ثقة الراعي بالذئب على غنمه / كما يرى ذك أستاذ العلوم  السياسة الاوروبية في جامعة نورنبيرج أحد مؤسسي مجلس شورى حقوق الانسان التابع للامم المتحدة والزعيم السابق معهد برلين لحقوق الانسان والسياسة الدولية هاينر بيليفلد ، فالحروب التي وقعت في اوروبا والحروب  الصليبية  انما كانت اسبابها الرئيسية الطمع وحب النفوذ واستعباد الشعوب .
وكما شهدت اوروبا سنوات الثقة المزيفة خلال الاعوام المذكورة اعلاه ، عايش جيلنا الحالي ايضا سنوات شبيهة بتلك السنوات وذلك اثناء رئاسة بوريس يلتسين لروسيا بين عامي 1991 و 1999  وبيل كلينتون بين عامي 1993 و 2001 فقد  كانت تلك الاعوام مليئة بنفاق السياسة الدولية بتقارب قوي بين روسيا والغرب حتى اصبحت روسيا في عهد يلتسين محل سخرية العالم وكأن العالم وقتها يعيش في هدوء وسلام واستمرار شهر العسل في عهدي الفترة الاولى للرئيسين الامريكي والروسي جورج بوش وفلاديمير بوتين بين سنوات 2004 و 2008 ، فقد كان بوش صاحب صولة تهديد زعماء الشرق الاوسط بالويل والثبور اذا لم يبادروا بارساء الديموقراطية والحريات العامة في بلادهم بينما كان بوتين رجل السلام في العالم مناوئا للحروب وخاصة الحرب بين صربيا والكوسوفو وغير ذلك . سياسة ثقة النفاق تلك ساهمت الى حد كبير بتحديث واشنطن وموسكو معداتهما العسكرية لإعداد العدة لحرب في اوروبا والشرق الاوسط وافريقيا وآسيا ، وذلك على حسب اعتقاد خبيرة شئون السياسة الدولية بالمعهد الاوروبي للسياسة الدولية الذي يتخد من لندن وبرلين مقرا له  هيلينا  ماير .
فبعد مرور اكثر من ثمانية اشهر تخللها تهديد بالحرب ومؤامرات الكرملين على تركيا بسبب اسقاط المقاتلات التركية مقاتلة روسية انتهكت اجواء تركيا في وقت سابق من اواخر عام 2015 المنصرم ووصول علاقات انقرة بموسكو الى حافة حشود فرقهما العسكرية للمواجهة وجزم وتأكيد الرئيس التركي رجب الطيب اردوغان ان الغرب غير صادق مع تركيا  اذ ان حلف شمال الاطلسي / الناتو / يريد الكيد بتركيا من خلال وقوع حرب حقيقية بينها وبين روسيا فاذا ما وقعت الحرب فان / الناتو / لن يدافع عن تركيا ، فقد أثبت / الناتو / ذلك عندما أعلن سحب قواعد صواريخه بالمناطق المتاخمة لسوريا اثر الاجراءات العسكرية التي اتخذتها انقرة ضد معاقل حزب العمال الكردستاني الذي يتلقى دعما بالعتاد العسكري من جيش كردستان العراق . فسياسة اوروبا وغدر / الناتو / اضافة الى مؤامرة دول معينة بدعم محاولة الانقلاب العسكري التي شهدتها تركيا يوم 15 تموز / يوليو من عام 2016 المنصرم كانت وراء انتهاج كلا من الرئيس التركي اردوجان والروسي بوتين سياسة ثقة مزيفة للخروج من مأزق مؤامرة الغرب على تركيا ، فأوروبا تحدث نفسها حاليا بعقوبات اقتصادية تنتهجها ضد  انقرة اذا ما أعادت عقوبة الاعدام ووقف المفاوضات لادخالها بعضوية الاتحاد كما تطالب دول عضوة بحلف / الناتو / زعامة الحلف المذكور طرد انقرة من الحلف اذا ما انتهجهت عقوبة الاعدام من جديد علما ان عقوبة الاعدام منتجهة بالولايات المتحدة كما تفكر هنغاريا والتشيك باعادتها ، فلا بد لانقرة كسب ثقة موسطو من جديد كما ان موسكو بحاجة ماسة الى كسب ثقة انقرة بها بالرغم من  الخلافات العميقة بين العاصمتين اللدودتين .
من يعتقد ان التقارب التركي الروسي حقيقة فهو يخطئ تماما وانما هو عبارة  عن صورة رمزية فقط فالخلاف بين تركيا وروسيا يمتد الى اكثر من خمسة قرون عندما أعلن القياصرة الروس في عهد القيصر الروسي ايفان الكبير / 1440- 1505/ الذي استلم عرش روسيا عام 1462 انه وريث البيزنطيين وشمر عن ساعديه لمواجهة الدولة العثمانية وكذلك يشعر حاليا الرئيس الروسي بوتين بانه حام للمسيحية في اوروبا والشرق الاوسط ، والايام القادمة مليئة بالمفاجئات .