الرئيسة \  مشاركات  \  هل تنجح أمريكا فعلا في لي ذراع روسيا على الأرض قبل مجلس الأمن؟

هل تنجح أمريكا فعلا في لي ذراع روسيا على الأرض قبل مجلس الأمن؟

02.10.2016
د.عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب


تصاعد حدة التوتر على طرفي الحدود بين روسيا والناتو انتقلت إلى سوريا بحيث أصبحت سوريا نقطة الارتكاز الأولى للمنافسة الدولية والإقليمية في منطقة الشرق الأوسط، إلا أنها ظهرت أيضا بوصفها نقطة اشتعال محتملة للصراع بين مختلف القوى الدولية.
في وقت تشعر موسكو بالقلق إزاء نشر الناتو لأعداد متزايدة من قواته على حدوده، بينما يبدي الاتحاد الأوربي قلقه من النشاط العسكري الروسي، لا سيما المناورات التي يجريها الجيش الروسي بكثافة، وآخرها مناورات واسعة نهاية شهر أغسطس 2016 في عدد من المناطق الروسية، بما في ذلك القريبة من الحدود مع أوكرانيا.
على خلفية هذا المشهد يرى وزير خارجية ألمانيا شتاينماير ضرورة أن يتوصل الطرفان إلى موقف موحد بخصوص مسألة التوتر في أوربا، وأعاد إلى الأذهان الدعوات المتكررة التي وجهتها روسيا لحلف شمال الأطلسي ببدء حوار حول معاهدة جديدة للأسلحة التقليدية في أوربا، داعيا إلى استغلال تلك الدعوات وإطلاق نقاشات بهذا الشأن، على أن تجري في إطار منظمة الأمن والتعاون في أوربا وفق ما يقترح شتاينماير.
أوربا تعيش منذ ثماني سنوات ونصف تقريبا دون أي معاهدات تضبط وتنظم تحركات وكميات وأنواع الأسلحة التقليدية التي يجري نشرها على الحدود بين دول المنطقة، وكانت روسيا قد أعلنت في 21 مارس 2015 انسحابها التام من معاهدة الأسلحة التقليدية في أوربا المبرمة منذ 26 عاما الموقعة عام 1990، ولم تعد قابلة للتنفيذ بعد انضمام عدد كبير من الدول الأعضاء سابقا في حلف وارسو إلى حلف الناتو، الأمر الذي دفع روسيا عام 2007 للإعلان عن تجميد العمل بالتزاماتها بموجب تلك المعاهدة، داعية الأطراف المشاركة فيها لإطلاق مشاورات لتعديلها بما يتناسب مع الواقع الجديد بعد سقوط حلف وارسو، وأدت إلى الإخلال بموازين القوى، وشكل انتهاكا لروح معاهدة الأسلحة التقليدية، وهي تطلب تعديلات بغية إعادة التوازن بين القوى في أوربا بموجب الاتفاقية الموقعة في اسطنبول في عام 1999، إلا أن الناتو لم يظهر رغبة بالمصادقة ما جعل روسيا تجمد الاتفاق سبع سنوات ثم تنسحب منها.
 هناك مواجهة سياسية وعسكرية مع أوربا مثلما كانت عليه الحال إبان الناتو وحلف وارسو، لذلك تبقى العلاقة بين موسكو وواشنطن أسيرة التهديد النووي المتبادل، وهما يواصلان تطوير ترسانتهما، وكل منهما يحتفظ بحق الضغط على الزر أولا، لذلك نجد وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر بقوله إن القعقعة أخيرا من جانب موسكو بالسلاح وتصنيعها منظومات نووية حديثة تثير أسئلة جدية بشأن التزاماتها بصفتها دولة رائدة في مجال الاستقرار الاستراتيجي بالامتثال للقواعد الراسخة منذ زمن حول استخدام السلاح النووي، وأكد أن الولايات المتحدة لا تبحث عن مبرر لإطلاق نزاع جديد بل تسعى إلى الحيلولة دون بداية ذلك النزاع.
وتنوي الولايات المتحدة الإنفاق 108 مليار دولار خلال الخمس السنوات القادمة من أجل تطوير الترسانة النووية الأميركية، وقال وزير الدفاع الأميركي أن الولايات المتحدة ترفض التخلي عن خيار توجيه الضربة النووية الأولى في حالة نشوب نزاع.
سبق أن وقعا الرئيس أوباما مع الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف  عام 2010 على معاهدة ستارت 2 بامتلاك كل منهما لا يزيد على 1550 رأسا حربية نووية و700 منصة إطلاق برية أو بحرية ثابتة أو متحركة أو جوية، إلا أن الجانبين لم يتوصلا حينها لاتفاق بشأن الدرع الصاروخية الأميركية.
 ولذلك أشارت روسيا في بيانها بعد توقيع المعاهدة أنها تحتفظ لنفسها بحق الانسحاب أحادي الجانب من ستارت 2 بحال وجدت أن توسع الدرع الصاروخية يشكل تهديدا لأمنها، تبقى هذه المسألة محط خلل منذ انسحاب جورج بوش الإبن عام 2002 آحادي الجانب من معاهدة عام 1972 للحد من المنظومات الصاروخية المضادة للصواريخ، وأشار مدير دائرة الخارجية الروسية لحظر الانتشار والرقابة على التسلح إلى أن الولايات المتحدة قامت بنشر السلاح النووي في دول غير نووية مثل هولندا وتركيا وألمانيا وإيطاليا وبلجيكا، وهو ما يتعارض مع فقرتين من فقرات معاهدة الحد من الانتشار النووي.
 بينما سحبت روسيا منذ نهاية التسعينات أسلحتها النووية من أراضي الدول الأجنبية، فيما هي تشعر بقلق إزاء النشاط العسكري الأميركي في أوربا الشرقية، وبصورة خاصة في منطقة البلطيق، مما يفرض على روسيا نحو تهيئة قواتها الصاروخية الاستراتيجية لتكون قادرة على مواجهة التحديات في المجال النووي.
لذلك تجد الولايات في داعش الكمين الذي به تحقق استراتيجيتها، وبالطبع هناك عدد من الأوراق مثل ورقة الأكراد، والنفط وغيرها ما جعل أمريكا تفقد كثير من الحلفاء في عهد إدارة أوباما.
 رغم أن استراتيجة  الولايات المتحدة تتقاطع مع استراتيجية إيران بإضعاف جيوش الدول في العراق وسوريا وليبيا، وترفض تسليح هذه الجيوش، وهو ما فطنت له السعودية في سرعة دعم الجيش المصري المتماسك قبل أن ينهار أو يتفكك والذي استطاع إنقاذ واستعادة الدولة،  ولم يتمكن الإرهاب من العبث بالدولة المصرية.
وجدت الولايات المتحدة فرصتها في استدراج بوتين الطموح إلى الساحة السورية لاستنزاف موارده، وبعد عام على تدخل موسكو في سوريا تعترف موسكو بأنها لم تتمكن من تحقيق العملية الروسية في سوريا نتائجها، خصوصا بعدما رفضت الولايات المتحدة التعاون مع موسكو حول محاربة الإرهاب.
 وبدأت موسكو تدعي أن دعمها لنظام الأسد الوحيد القادر على دحر الإرهاب، بينما ترى الولايات المتحدة أن أولويتها دحر داعش وليس النظام السوري، من أجل أن يتورط بوتين في المستنقع السوري بل مزيد من التورط الروسي خصوصا في ظل انخفاض أسعار النفط التي لن تسمح الولايات المتحدة بارتفاع أسعاره في المدى القريب بسبب أنها تتحكم في المخزون النفطي، حتى لا تحقق روسيا فوائض تدعم قواتها العسكرية، وهو ما جعل روسيا تتجه إلى زيادة إنتاجها الذي تجاوز إنتاجها القياسي البالغ 11.4 مليون برميل عام 1987، فنجدها ضخت 11.09 مليون برميل في سبتمبر 2016 لتسجل أعلى إنتاج في مرحلة ما بعد انهيار الاتحاد السوفياتي من أجل أن تتجاوز العقوبات الغربية وأثار انخفاض أسعار النفط حيث يعتمد الاقتصاد الروسي على النفط بنسبة 50 في المائة.
لذلك اتجهت روسيا إلى تبني خيار الحرب الشاملة في سوريا بصداقة قسرية مع الأسد، وبدأت تهدد موسكو باللجوء إلى الخيار الإيراني حيث هناك تفاهمات بين روسيا والولايات المتحدة حول إيران عند توقيع الاتفاق النووي، أي إعادة خلط الأوراق مرة أخرى، وتذهب جهود الولايات المتحدة التي استمرت سنوات هباء، وإدخال إيران في أزمة جديدة مع الولايات المتحدة،  ومن أجل أن تحافظ الولايات المتحدة على استمرار الاتفاق مع إيران يجعل تدخلها في سوريا محدودا، وفي نفس الوقت تريد الولايات المتحدة أن تصبح روسيا جزء من الأزمة السورية وليس جزء من الحل.
نجد موسكو تصعد نبرتها تجاه واشنطن، وتعرض هدنة 48 ساعة في حلب، بل وصفت التصريحات الأميركية بأنها انحطاط سياسي ودعم للإرهابيين، بعدما نجحت الولايات المتحدة في تصوير روسيا أمام العالم بين الجريمة والهزيمة، حيث اقترب العالم في رفع البطاقة الحمراء بوجه روسيا التي أصبحت دولة تمارس الإرهاب وترتكب جرائم حربية أكثر من الجرائم التي يرتكبها داعش، حيث أن لعبت الولايات المتحدة بورقة الإرهاب في الشرق، وتعتقد أن الخطر لن يصل إليها، لكن روسيا وأوربا تعتقدان أن تفتيت الشرق الأوسط والتشظي سيصل إلى روسيا وأوربا.
ووفق التقرير السنوي لمعهد الدراسات الاستراتيجية لعام 2016، رسم صورة قاتمة في الشرق الأوسط، حيث وجد أن التوترات قد زادت، وداعش قد يحتفظ بمكانته تنظيما إرهابيا حتى بعد فقدان كل أراضيه، لذلك تحاول الولايات المتحدة ألا يختل توازن القوى على الأرض، فعندما استعاد النظام السوري مخيم حندرات قد تمهد لدخوله حلب، بينما في المقابل هناك تقدم سريع لفصائل المعارضة وانهيارات في دفاع النظام التي شكلت ردا على مجازر حلب وضربة قوية لمشروع سوريا المفيدة، التي كانت روسيا تريد رسم ملامح أمر واقع جديد بانتصار عسكري، حتى أن مسؤول في مجلس الأمن قال بأن الوضع في حلب أخطر كارثة إنسانية تشهدها سوريا حتى الآن.
بدأ العالم يشعر بالتلاعب الأمريكي بورقة الإرهاب في المنطقة وبشكل خاص في سوريا بسبب التراجع الأمريكي المقصود في سوريا، وإعطاء روسيا غطاء سياسي، ولولا بشاعة العمليات البربرية الهمجية التي ترتكبها روسيا في حلب لما تصاعدت اللهجة الأمريكية.
 وبعدما راهن كيري على البطاقة الروسية، لكن كيري خرج مفلسا من هذه المراهنة، خصوصا عندما أخلف بوتين كل الوعود التي قدمها لأمريكا، رغم أن البعض يعتبر التصريحات الإعلامية هي تصريحات عبارة عن سحابة دخان، ولو تحققت تهديدات كيري بقطع العلاقات مع روسيا فإنه بموجب الخطط العسكرية فإن الأجواء السورية لن تتمكن أي طائرة من الطيران في الأجواء السورية، ويفهم من تصريح أوباما في لقائه مع القوات العسكرية بأن تدخلات روسيا ستضر أمنها مراهنة غير أخلاقية على تدمير شعب بأكمله من أجل فقط ينتظر أوباما بأن هذا التدخل يضر بأمن روسيا القومي التي تعتبر مراهنات على إبادة الشعوب.
 ما جعل باريس تصرح بان النهج الأمريكي – الروسي في سوريا وصل إلى حدوده القصوى، ( أي كفى تلاعب بأرواح الأبرياء من أجل هزيمة روسيا في سوريا ) وطالبت باريس ببدائل، وبدأت تمارس عدد من الدول الغربية بالاصطفاف بجانب دول خليجية وعلى رأسها السعودية ضغوطا على أمريكا بإسقاط الفيتو الأميركي على السلاح النوعي بتسليح المعارضة بأسلحة نوعية تضاف إلى الأسلحة التقليدية التي حصلت عليها المعارضة مثل صواريخ غراد قد يبدل واقع معركة حلب ولا يقلب موازينها.
كما أن هناك موقفا خليجيا يتبلور في الوقت الحاضر منفكا عن الإدارة الأمريكية، خصوصا بعدما صوت الكونغرس على قانون جاستا باتخاذ موقف جاد في سوريا بعيدا عن التلاعب الأمريكي الروسي باعتبارها أرض عربية، ويمكن أن ينقلوا الصراع بعيدا عن الشرق الأوسط، خصوصا إن لم يتوقف الهجوم على حلب بعدما صرحت الإدارة الأميركية بأنها تستبعد التدخل العسكري في سوريا وتبحث خيارات أخرى.
*أستاذ بجامعة أم القرى بمكة