الرئيسة \  تقارير  \  هل توافق إيران تطبيع العلاقات بين سوريا وتركيا؟

هل توافق إيران تطبيع العلاقات بين سوريا وتركيا؟

17.07.2024
حسن الشاغل



هل توافق إيران تطبيع العلاقات بين سوريا وتركيا؟
حسن الشاغل
الجزيرة
الثلاثاء 16/7/2024
تسعى روسيا منذ مدة لدفع النظام السوري وتركيا لتطبيع العلاقات، مستغلة الواقع الذي فرضته بعد تدخلها العسكري في سوريا عام 2015؛ لإبقاء نظام بشار الأسد في الحكم، وتشجع على ضرورة العودة للتعامل مع نظامه كجزء من المنظومة الدولية، بعد سنوات من العزلة.
2استضافت موسكو في 10 مايو/ أيار 2023، اجتماع وزراء خارجية كلٍّ من النظام السوري وإيران وروسيا وتركيا، والذي يصنف كأعلى مستوى من اللقاءات الرسمية بين النظام السوري وتركيا منذ قطع العلاقات عام 2012، وتوصّلت الأطراف المجتمعة إلى استمرار المحادثات على مستوى مساعدي وزراء الخارجية؛ لوضع خريطة طريق من شأنها أن تؤدي نهاية المطاف إلى تطبيع العلاقات بين البلدين.
وكان قد عُقدَ في ديسمبر/ كانون الأول 2022 بين كلٍ من روسيا وتركيا وسوريا اجتماعٌ على مستوى وزراء الدفاع في موسكو، وكان هذا الاجتماع بمثابة الخطوة الأولى من خطوات عملية التقارب بين البلدين.
صرّح الرئيس أردوغان في 12 يوليو/ تموز 2024 بعد اجتماع لقادة حلف الناتو في واشنطن عن وساطة روسيّة للقاء بشار الأسد في تركيا أو في دولة ثالثة، وأعرب عن ضرورة دعم كل من إيران والولايات المتحدة الأميركية تطبيع العلاقات بين تركيا والنظام السوري، ويدلّ هذا التصريح على وجود عراقيل تضعها إيران أمام تطبيع العلاقات بين الدولتين، ومن الواضح أن المبادرات المتكررة من روسيا لوضع خريطة طريق لتطبيع العلاقات التركية مع النظام السوري دائمًا تصطدم برفض إيراني.
ترى طهران في الشكل الحالي للتطبيع بين تركيا والنظام السوري إنقاصًا من نفوذها على الأراضي السورية. ومن الناحية السياسية ستحقق موسكو نصرًا دبلوماسيًا لجهودها في تحقيق تقارب بين نظام دمشق وأنقرة
التطبيع يعزز النفوذ الروسي في سوريا بدلًا من إيران
إنَّ انضمام الأتراك إلى جانب الروس والنظام السوري، للتعاون في الملفات الأمنية والعسكرية والاقتصادية؛ يخفض من الدور والنفوذ الإيراني لصالح الروس والأتراك في سوريا، انطلاقًا من أنّ أي تفاهمات بين نظام دمشق وأنقرة لا تضمن انسحاب القوات التركية من شمال البلاد، ستكون بمثابة إضعاف للنفوذ الإيراني في سوريا مستقبلًا، فتركيا ترفض بشكل قطعيّ انسحاب قواتها.
ومن الجدير بالذكر أنّ القوات التركية أسست قواعد عسكرية يقيم فيها آلاف الجنود في شمال العراق منذ عام 1998، لملاحقة القوات المسلحة التابعة لحزب العمال الكردستاني، وحتى تاريخ كتابة هذه السطور لم تسحب قواتها؛ أضف إلى ذلك أن الوضع الأمني والقوة العسكرية للعراق في تلك الفترة لا يقارنان بالوضع الأمني والعسكري في سوريا في الوقت الحالي.
وبدورها، ترى تركيا أن انسحاب قواتها من الممكن أن يخلق فجوة أمنية على حدودها الجنوبية. وانطلاقًا من ذلك، يمكننا القول إن أنقرة متمسكة ببقاء قواتها متمركزة في سوريا على المديين: المتوسط والطويل. وبالنتيجة فإنَّ تأسيس أي شكل من أشكال التعاون الأمني والعسكري بين تركيا والنظام السوري على أساس الوضع الراهن ببقاء القوات التركية، سيكون على حساب النفوذ الإيراني بلا شك؛ لأن روسيا وتركيا إلى جانب النظام سيديرون الملفات العالقة ضمن تكتّل واحد.
لذلك ترى طهران في الشكل الحالي للتطبيع بين تركيا والنظام السوري إنقاصًا من نفوذها على الأراضي السورية. ومن الناحية السياسية ستحقق موسكو نصرًا دبلوماسيًا لجهودها في تحقيق تقارب بين نظام دمشق وأنقرة، ومن ناحية أخرى تكون موسكو هي من قادت النظام نحو التطبيع على الرغم من المعارضة الإيرانية، وهو ما سيقلل من نفوذها على النظام من ناحية صناعة السياسة الخارجية.
تعتبر إيران إحدى الدول الضامنة لمسار أستانا إلى جانب كل من روسيا وتركيا، وهو مسار طرحته الدول الثلاث لخفض التصعيد ووقف إطلاق النار في بعض مناطق سوريا
تركيا ستلتهم السوق السورية على حساب المنتجات الإيرانية
تعد تركيا دولة منتجة لكافة السلع الاستهلاكية الغذائية والصناعية والتكنولوجية، واعتمدت عليها مناطق المعارضة في تأمين غالبية احتياجاتها، حيث بلغت قيمة وارداتها 2.2 مليار دولار بحسب هيئة الإحصاء التركية لعام 2022. وقد ترى تركيا في أسواق مناطق سيطرة النظام السوري مستوردًا ذا جدوى اقتصادية مرتفعة، أولًا لقربها الجغرافي، وثانيًا بسبب الحاجة الملحة في أسواق النظام للسلع الغذائية والصناعية، وثالثًا لأن تركيا ستكون الملجأ الأهم للنظام للالتفاف على العقوبات الدولية من خلال التعامل مع شركات تركية، أو فتح شركات في تركيا تصدر جميع الاحتياجات إلى مناطق سيطرته.
ووفقًا لهذه المعادلة تكون إيران قد خسرت جزءًا كبيرًا من تجارتها مع النظام السوري لصالح تركيا القريبة منه جغرافيًا، والتي تمتلك في الوقت ذاته منتجات ذات جودة أعلى من المنتجات الإيرانية، وقد تلقى رواجًا وقبولًا أكثر في السوق السورية.
صرح الرئيس أردوغان معلقًا على المبادرة العراقية التي أعلن عنها رئيس الوزراء محمد شياع السوداني بتاريخ 6 يونيو/ حزيران 2024 للوساطة بين تركيا والنظام السوري، بإعلان عدم قبوله وجود طرف ثالث إلى جانب النظام السوري في أي تفاهمات بين البلدين
استبعاد إيران من المحادثات الثنائية
تعتبر إيران إحدى الدول الضامنة لمسار أستانا إلى جانب كل من روسيا وتركيا، وهو مسار طرحته الدول الثلاث لخفض التصعيد ووقف إطلاق النار في بعض مناطق سوريا، وقد ترى إيران في الجهود الروسية لتشجيع تطبيع النظام وتركيا للعلاقات السياسية، والاتفاق على تطبيق بعض الإجراءات الأمنية والعسكرية في البلاد، والوصول إلى اتفاقات خارج مظلة أستانا إبعادًا لها عن أيّة مشاركة فعلية في حلّ الملف السوري.
وفي وقت سابق صرح الرئيس أردوغان معلقًا على المبادرة العراقية التي أعلن عنها رئيس الوزراء محمد شياع السوداني بتاريخ 6 يونيو/ حزيران 2024 للوساطة بين تركيا والنظام السوري، بإعلان عدم قبوله وجود طرف ثالث إلى جانب النظام السوري في أي تفاهمات بين البلدين، وهو ما قد يدل على عدم رغبة الأتراك بوجود الإيرانيين في أيّ تفاهمات مع النظام السوري.
النظام يحاول المناورة بين الضغط الروسي والمقاومة الإيرانية لشراء الوقت في الفترة الحالية، بإصراره على طلب انسحاب القوات التركية من الشمال السوري
هل يستطيع الأسد مقاومة الرغبات الإيرانية؟
من غير الواضح إلى متى سيستطيع النظام مقاومة الرغبات الإيرانية برفض تطبيعه للعلاقات مع تركيا، وفي الوقت ذاته بوجود ضغط روسي لقبول مسار التطبيع. وقد أعلن الرئيس أردوغان مرارًا أنه مستعد للقاء الرئيس بشار الأسد بحسب تعبيره، إلا أن وكالة سانا السورية الرسمية نشرت في 13 يوليو/ تموز 2024 رد النظام على دعوات أردوغان، بأن سوريا لن تطبع العلاقات مع تركيا حتى تعود الأمور لما قبل عام 2011، وهذا يعني انسحاب القوات التركية، وإنهاء دعم المعارضة عسكريًا وسياسيًا.
وإنَّ الرفض السوري لدعوات الرئيس أردوغان يحمل إحدى رسالتين: الأولى أن النظام السوري يريد أن يخرج أمام قاعدته الشعبية بمظهر المنتصر، وأن تركيا هي من تريد تطبيع العلاقات، والثانية استجابة الأسد للضغط الإيراني بعدم التطبيع مع تركيا على أساس الوضع الراهن، والذي يعني عدم انسحاب القوات التركية من شمال غرب سوريا.
النظام يحاول المناورة بين الضغط الروسي والمقاومة الإيرانية لشراء الوقت في الفترة الحالية، بإصراره على طلب انسحاب القوات التركية من الشمال السوري. ويأمل النظام السوري في حدوث تحولات على المستويين: الإقليمي والدولي لتنتشله من المأزق الذي هو فيه، كأنْ توقع إيران الاتفاق النووي مع الدول الغربية، أو أن تنسحب القوات الأميركية من شمال شرق سوريا، أو تحصل تغيرات إقليمية دولية تؤدي لانفراجة في الملف السوري، وهو أمر مستبعد في الوقت الحالي.
إيران الخاسر الأكبر بالرغم من نفوذها
قد لا تعارض إيران تعويم النظام السوري على المستويين: العربي والإقليمي، وعودة علاقاته السياسية الدبلوماسية مع كافة دول العالم، لكن ما ترفضه طهران هو وقوع أي شكل من أشكال التطبيع الذي يضرّ بمصالحها ونفوذها في سوريا.
والدليل على ذلك نجده عندما نتأمل سلاسة تطبيع كل من السعودية والإمارات مع النظام السوري، والذي شجعته إيران ورأت فيه مصلحة للنظام، ولكنه في الوقت ذاته لا يضر بمصالحها ونفوذها في البلاد؛ ثم نقارن ذلك بالتطبيع مع تركيا بالشروط التي تضعها الأخيرة، والتي تُخرج إيران كأول الخاسرين من هذه العملية، لدخولها في حسابات أمنية وعسكرية وسياسية واقتصادية ليست جزءًا منها.