الرئيسة \  مواقف  \  وجهة نظر : شهداء تدمر.. شموس وأقمار والمجازر في عناق والدائرة تتسع.. والغرقي في وهم الموج ينتصرون..

وجهة نظر : شهداء تدمر.. شموس وأقمار والمجازر في عناق والدائرة تتسع.. والغرقي في وهم الموج ينتصرون..

02.07.2023
زهير سالم



وجهة نظر : شهداء تدمر..شموس وأقمار
والمجازر في عناق والدائرة تتسع..
والغرقي في وهم الموج ينتصرون..
زهير سالم*
وأنادمهم كلّ ليلة، أتصفح وجوههم النيرة، التي قيل قد رحلت، وسكنت في قلوب بعض من كان له منا قلب..
وكل غدوة، كل عشية، وعند كل منحنى وثنيّة، تطل عليّ وجوه الأحبة، طورا تسألني، وطورا تحاججني، وطورا تآمرني، وأحيانا تتحول البسمات المشرقة إلى عتمة ليل: تسألني كيف فعلتَ؟؟ أو فعلتم؟؟ كيف سكتّ ؟؟أو سكتّم؟؟ ثلاثة وأربعون عاما ما انقطع اللقاء، ولا توقف الحوار، وبعض الناس يسألني: لماذا؟؟وكيف؟؟ وقال العربي: ويل للشجي من الخلي!! وقالت العربية: أهكذا كل ولد أم لم يلد مثلي أحد؟؟!! وأردد: اللهم إنك تعلم أن هذه القلوب قد اجتمعت على محبتك.
ويدركني لسع مثل لسع السياط، من أيد أعهدها ممتلئة بالرفق والحنيّة
كل شهداء سورية منذ نصف قرن.. إلى الشهداء الذين قضوا بالأمس في سوق خضار في جسر الشغور، أحبابي وإخواني، وأبنائي وأحفادي..ولكن الذين قضوا في زنازين سجن برصاص الطغاة حافظ الأسد وأخيه تدمر في ظلمة صباح ٢٧/ حزيران/ ١٩٨٠..
كانوا أترابي، وندمائي وسماري، كانوا وكنا من الرجال الذين أملنا معا، وحلمنا معا، وعقدنا العزم معا، وأقسمنا اليمين معا. من الرجال الزهر الذي كان من الطبيعي جدا أن أكون واحدا منهم، ولكنني نجوتُ أو حُرمتُ، ربما لأنني لا أستحق، وربما لأمر أراده الحكيم العليم، وبقيت أقرقر أعقاب كؤوس القهر، وأذري العبرة حسرة وندما وأشده على روحي وعلى قلبي وعلى عقلي وعلى نفسي؛ العجز والحزن والضعف والإخلاد إلى الأرض الذي طالما حذّرنا منه، وحذرناه، وتواصينا أنا وعثمان ومصطفى وزاهد وعبد الرؤوف ومهتدي وعدنان وعدنان وأسامة وأسامة وأسامة وإبراهيم وعبد العزيز ومصطفى وبكري وعبد الحميد وسمير وعادل وعمر ..ولو تابعت العد لاستوفيت الأسماء سبع مائة أو يزيدون…
ثلاثة وأربعون عاما وهم في تجليات جمالهم يسألونيي؟؟
من أشعل النار؟؟ وكيف؟؟ قلت لعبد الحميد قبل اعتقاله بيومين: لا تلتحق بمكان عملك. قال: هل…
قلت:ولكن، فأبى وكذلك فعل أبو زاهر وأبو خالد وأسامة ورضوان ومروان!!
ويسألونني: وكيف أشعلتموها وجعلتم إخوانكم حطبا، ثم تواريتم..ثم نمتم؟؟!!
يذكرونني بقول العرب: أجرأ الناس على الحرب أجرؤهم على الهزيمة؛ وبعضهم أوقدوها بأيديهم ثم صاروا إلى أطراف الأرض يتبغددون!!
في كل مرة
يسألونني ويؤكدون علي من أحرق بيدر الزرع الذي زرعنا؟؟ والحصاد الذي حصدنا؟؟ ولم يكن لنار الخريق كفاء؛ ويلحون عليّ أكثر : كيف أشعلتموها ولذتم..
وفي كل مرة: أبلجم.. لا عيا ولا جهلا..
ولكننا في بعض المواطن والمواقف يصعب علينا أن نواجه حقيقتنا!
يسألونني: أشعلتموها ولذتم وعن بُعدٍ جعلتم أمركم وعيدا وبيانات..
يحاصرونني كل يوم وكل ليلة وكل ساعة وعندما انطق بكل كلمة أو أكتبها، هل ما أنتم فيه يلتئم في سياق ما قلنا أو ما قالوا..
وهم لا يسألونني كثيرا عن ظلم الظالم ، وفجور الفاجر، ودموية المتوحشين، ولا يسألونني عن تواطؤ العالم، وتوحد أشرار أهل الأرض؛ يرفع أحدهم صوته في بعض الأحايين محتجا: هذا كله كنا نعرفه، نعرفه نحن الذين مضينا، وتعرفه أنت ومن بقي معك منا، فأين غابت العقول؟؟ وكيف زاغت الأبصار..وأين حقيقة ما نعرف وتعرفون من حقيقة ما تعملون!!
ويظلون يتفقدون أسماءنا كما تفقدت لكم الآن بعض أسمائهم..
يعرفون الذي سبق إليهم، ويسألونني: وماذا فعل فلان وفلان؟؟!! وماذا قال في هذه القضية: فلان وفلان؟؟ ويلحون وهل حقا تقاعد وأخلد وتشاغل عن الأمر الذي كنا فيه الفلانون ويعدون؟؟
لم أرهم يوما بحمد الله، وفضل الله؛ برمين مما صاروا إليه، من رحمة وفضل، ولكنني أراهم دائما أكثر همّا وقلقا وغلقا مما صرنا نحن إليه؟؟ ومما صارت الشام إليه..
أقول لهم أحيانا معتذرا: تعلمون أنني منكم وأفلت بقدر من حبال الجزار. وأنني وإياكم طالما كنا نتواصى: أن البطولة أن تموت على حلبة الصراع، مهما تلقيت من لكمات وكدمات..وليس أن تهرب ثم تعلي الصوت بالوعيد أو بالعويل..
احيباب قلبي ذكركم حضور ليس ذكرى..
ونسأل الله أن لا يستبدلنا وأن يأتي الشام بقوم يحبهم ويحبونه..
ليست البطولة في إشعال نار الحروب، ولكن البطولة في ممارستها، وحسن إدارتها، حتى تفطم على خير.
حرّق قيس علينا البلاد
حتى إذا اضطرمت أجذما
أكتب كثيرا: ليست لي فئة، وأعاهد ربي أن تظل فئة شهداء تدمر فئتي حتى نلقاهم
وأسأل أخي الشهيد ابراهيم عاصي عن قصته" "ولهان والمتفرسون"
لندن: التاسع من ذي الحجة/ ١٤٤٤
٢٧ حزيران/ ٢٠٢٣
____________
*مدير مركز الشرق العربي