وجهة نظر :
مقالات عرفانية
"في لمة الملَك ولمة الشيطان.."
زهير سالم*
عن سيدنا عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إنَّ للشَّيطانِ لمَّةً بابنِ آدمَ وللملَك لمَّةً؛ فأمَّا لمَّةُ الشَّيطانِ فإيعادٌ بالشَّرِّ وتَكذيبٌ بالحقِّ. وأمَّا لمَّةُ الملَك فإيعادٌ بالخيرِ وتصديقٌ بالحقِّ. فمن وجدَ ذلِك فليعلم أنَّهُ منَ اللهِ فليحمدِ اللَّهَ. ومن وجدَ الأخرى فليتعوَّذ باللَّهِ منَ الشَّيطانِ الرَّجيمِ. ثمَّ قرأ (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلًا ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ).."
أعود إلى الحقيقة التي ما زال يرتاب فيها بعض الأحباب؛ للتأكيد على هذه الحقائق العرفانية. أو لنبحر معا في عوالمنا النفسية. وكثير منا على مثل موج البحر، في لحظة تمتلئ نفسه بالعزيمة والثبات والرضا، وتشع بالنور، وفي أخرى تخيم عليه ظلمة اليأس والكآبة والعجز…
في المقالات السابقة، تحدثت عن بشريات الملائكة للذين آمنوا في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وعن تثبيتهم وتطمينهم (لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)
وأشكل على بعض الأحباب وما يزال، كيف يكون التنزل والتبشير في الدنيا؟؟ وأنا لا أُسأل عن الكيف؟؟ وذكرت حديث: "وأعوذ بك من طارق الليل والنهار ألا طارقا يطرق بخير يا رحمن"
فالحديث يثبت أن قلب ابن آدم تطرقه طوارق الشر، وطارق الخير، وهو حال يعيشه جميع الناس، وربما يشعر به قليل منهم. طارق الشر شيطاني، وسأصير إن شاء الله إلى مقال أبين فيه طرائق الشيطان في الطروق، وطارق الخير رحماني ملائكي، وعليه نسعى إن شاء الله.
وإذا كنا نردد دائما إن آيات القرآن الكريم يفسر بعضها بعضا؛ فإننا نستطيع أن نقول أيضا إن نصوص الأحاديث الصحيحة يعزز بعضها بعضا.
وهذا الحديث حديث لمة الملك ولمة الشيطان الذي رواه سيدنا عبد الله ابن مسعود، وصححه أهل العلم بالأسانيد..
يحدثنا رسول الله عن لمة الملَك مقاربته لقلوبنا ونفوسنا وما يتركه فيها من أثر مثبت مشجع جميل "إيعاد بالخير وتصديق بالحق" ويأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وجدنا أثر ذلك في عقولنا وقلوبنا ونفوسنا أن نحمد الله حمد شكر وعرفان.
وعن لمة الشيطان وما فيها من إيعاد بالشر "تخويف" وتكذيب بالحق "تكفير" ويأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وجدنا ذلك، أن نستعيذ بالله.
ويؤيد رسول الله صلى الله عليه وسلم كلامه، وهو الصادق المؤيد، بقوله تعالى: الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا…
إنها طريقة من التفسير الإيماني المباشر لما ينتاب الإنسان من أزمات على مستوى الوعي وعلى مستوى المشاعر.
وإنها لتصف الدواء المباشر لكل المحزونين واليائسين والمضطربين. وإنها لتفسر لنا لماذا المؤمنين عموما والمسلمين خصوصا أقل إصابة بهذا القلق وبهذا الهم وبهذا الحزن…
اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن.
لندن: ١٧/ رمضان ١٤٤٥
٢٧/ ٣/ ٢٠٢٤
____________
*مدير مركز الشرق العربي