الرئيسة \  مواقف  \  وجهة نظر : من أحاديث العيد.. تعلمتُ الحذر أن أُسبق إلى عقلي أو إلى قلبي

وجهة نظر : من أحاديث العيد.. تعلمتُ الحذر أن أُسبق إلى عقلي أو إلى قلبي

02.07.2023
زهير سالم



وجهة نظر :
من أحاديث العيد..
تعلمتُ الحذر أن أُسبق إلى عقلي أو إلى قلبي
زهير سالم*
وأقول لكل إنسان: اتئد..واحذر
وهذه رواية أرويها، وهذا مثل أحكيه..
أتحفني هذا الصباح أخ مبارك جميل، بنص من كتاب المفكر والمصلح الإسلامي الهندي "وحيد الدين خان" الذي فارقنا منذ سنة أو سنتين رحمه الله تعالى.
وكتبتُ حينها مقالين أوثلاثة عن "الاسلام الهندي" ثم صُرفت عن الاستكمال ولعل أعود.
والذي أريد أن أوغل فيه هذا الصباح ونحن في آخر أيام التشريق، أمر آخر نحصّن فيه عقولنا وقلوبنا من أن تخترق، أو تسبق إليها الآراء الظرفية، أو الطرفية من قول الناس في الناس، ولاسيما إذا كانوا متعاصرين، أو على مزبنة واحدة، أي من بيئة مكانية واحدة، فقد اتفق جمهور علماء الجرح والتعديل أن قول المتعاصرين في بعضهم هدر، ولو كانا في طبقة الإمام مالك والإمام ابن أبي ذئب. وكلاهما تابعي من أهل دار الهجرة المنورة، ومن المبرزين في فقهي الرواية والدراية…
وصلنا إلى الشام من كتب المفكر الاسلامي وحيد الدين خان، رحمه الله تعالى كتب قليلة مترجمة منها
كتابه الجميل "الإسلام يتحدى" وكتابه الأجمل "حكمة الدين" هذا الذي ظفرتُ به من كتبه وأنا شاب عشريني في الشام، ولعله قد وصل إلى الشام أكثر من ذلك، ولم أحط به!!
وبالمناسبة فأنا مقتنع ان اسم إقليمنا الممتد على طول الشاطئ الشرقي للمتوسط من أقصى الشمال حتى العريش جنوبا، وغربا حتى تخوم العراق، وتاريخيا اعتبرت الموصل من الشام، هو "الشام" وبلادنا هي بلاد الشام، وأظن أننا تراخينا في التأكيد على هذا، وتماهينا مع الاسم المقترح لنا، وأحيانا نقول…
وحين وصل كتابه "حكمة الدين" وهو سفر حكمة جميل، قرأناه، أو قرأته على ريبة، وأنشأت يومها ردا ناريا عليه، تم اعتماده وتوزيعه على ثلة من الشباب المسلم في مدينتي حلب..
وجئت اليوم أعتذر وأفكفك القضية، وأحذر من أخواتها فالسقطة يسقطها أحدنا وتكون له درسا، تصبح في بناء مناعته مثل اللقاح..
والسبب الذي قاد إلى مواجهة فكر المفكر الهندي وحيد الدين خان رحمه الله تعالى، هو معركته المقتوحة في شبه القارة الهندية، مع المفكرَين المسلمين "أبو الأعلى المودودي" وأبو الحسن الندوي" رحمهما الله تعالى، بل لأقل مع منهجهما..!!
وكان الرجلان قد سبقا إلى عقولنا وقلوبنا ومكتباتنا.
أبو الأعلى المودودي وكتبه: الحجاب- والربا- والمصطلحات الأربعة- ونظرية الإسلام وهديه..وغيرها..
والندوي وكتبه ورسائله: "ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين" الكتاب الأكثر ملقا ورواجا ويسرا على المعدة الفكرية، و "رجال الفكر والدعوة" وجزؤه الأول أبلغ، ولن تقرأ أروع من كتابه "الطريق إلى المدينة" وهو يؤكد حب العجم لسيدنا رسول الله..
وربما وهو يحدثك عن عظيم من شعراء الهند العصاة المذنبين شارب الخمر، يحتفي به النقاد، والصحفيون لعظيم مكانته الشعرية، ثم يتجرأ صحفي خبيث، والشاعر على كرسي مجده، فيسأله عن رأيه في محمد!! لا أستطيع أن أنقل لكم ردة فعل ذلك الشاعر العظيم، كما فعل الأستاذ الندوي رحمه الله تعالى، ولكنني أكتفي بالإشارة لعلكم تلتمسون..
أو وهو ينقل لنا في ذلك الكتاب- الطريق إلى المدينة- قول أحد شعراء المدينة، دون أن ينسى أن ينوه المفكر الكبير إلى ما في ذلك القول من غلو، ولكنه ينقله، أو يثبته: تعبيرا عن حال، يقول فيه صاحبه "تخيلت أني كلب من كلاب المدينة -المدينة المنورة- ثم قلت لقد أسأتُ الأدب..
وإن نسيت فلن تنسى أن تذكر فيما تذكر من كلام الاستاذ الندوي محاضرته في غبار الخامس من حزيران،، "ردة ولا أبا بكر لها" تصور أنك تقرؤها وأنت ابن عشرين محطوم!!
وكذا تقرأ فيما تقرأ كتاب الامام الندوي "الصراع بين الفكرة الاسلامية والفكرية الغربية" والحملة التي يشنها على الأفكار الغربية بجملتها، وتقرأ في فصول الكتاب هجمة ممنهجة مبرمجة مؤصلة على المفكر "وحيد الدين خان" باسمه ومنهجه وتفكيره وعلى أنه "مثل السوء" فيحتل في قلبك وعقلك محل الرجل المريب، أو ربما الشيطان المريد!! وتنسى في زحمة التلقي ولاسيما حينما تكون في سن التلقي والتكوين: حكاية الإمامين في دار الهجرة الإمام مالك والإمام ابن أبي ذئب..!!
وكتبتُ كل هذا لأحذر نفسي من أن أسبق إلى عقلي وقلبي فأظل أعيش في دوامة انظر أو اسمع : ماذا قال فلان في فلان!!
أحيانا يقول لي أبو مرة: وهذا القول المنقول يجب أن يسقط القائل أو المقول فيه، إن كان كذبا فيسقط الكاذب، وإن كان صدقا فيسقط من يحق عليه القول، ولكنّ الأمرَ ليس دائما على ما نرسمُ..
وقال الخطيب البغدادي رحمه الله تعالى في كتابه "تاريخ بغداد" ما قال في أبي حنيفة..
وبقي الإمام أبو حنيفة هو الإمام الأعظم..
وبقي كتاب الخطيب البغدادي رحمه الله تعالى لطلاب العلم موئلا..
أحذرُ أن أسبق إلى عقلي بقول فلان أو فلان في فلان أو فلان؛ ولعلك تتأمل المعنى معي فيعجبك..
يقال في بعض الرجال: هو مثل البحر يضيع كل ما يلقى فيه.
وإذا عدت إلى ما بدأت به فيجب أن أقول: إن ثنائي على المفكر الاسلامي الهندي وحيد الدين خان لا يعني نيلا لا من المودودي ولا من الندوي رحمهما الله تعالى. مختلفين خلقنا الله تعالى، وحين نسير في حديقة الورو "الكلستان" تستوقف كل واحد منا وردة، أو يجتذبه عطر. لا ترى بعيني غيرك، ولا تشم بأنفه!!
وكذا قول فلان في فلان لا يقدح في إمامته لا الدينية ولا العقلية ولا العملية. وسبق منذ بضع سنين أن قلت قولا في عالم إمام، وأعود وأستغفر الله منه، فقد كان الأعلى عينا، والأبعد نظرا، والأقوم قيلا..والبحر لا يضره ما يحمل إليه.
رحم الله كل من ذكرت ورحمني معهم ورحم معنا كل من قال آمينا، وأسع رحمته للآخرين
لندن: رابع أيام التشريق/ ١٤٤٤
١ / ٧/ ٢٠٢٣
____________
*مدير مركز الشرق العربي