الرئيسة \  في وداع الراحلين  \  في ذمة الله الأخ الداعية المربي الثابت على عهده، عبد الرحمن تسقية - أبو لطفي

في ذمة الله الأخ الداعية المربي الثابت على عهده، عبد الرحمن تسقية - أبو لطفي

27.05.2023
زهير سالم


في وداع الراحلين
في ذمة الله الأخ الداعية المربي الثابت على عهده،
عبد الرحمن تسقية - أبو لطفي
زهير سالم*
 
جمعني بالأخ الراحل الحبيب، طريق الدعوة منذ نصف قرن. منذ كنا أحرارا كراما في ربوع وطننا، في مدينتنا حلب.

لم أكن والأخ أبو لطفي من جيل واحد، فعندما تكون في العشرين وشيء ما/ يكون ابن الأربعين بالنسبة إليك رجلا سابقا كبيرا، بل ومعلما متقدما، وإن .. وإن..
ومع ذلك فقد رُتبت لأسباب قدرها المرتبون مع الأخ أبي لطفي رحمه الله تعالى في أسرة واحدة.!! أسرة كانت له خصوصيات لا زلت أنعم بذكراها..
وإذا كان من عادتنا ،كإخوان ،أننا نتبادل لقاءتنا في بيوتنا بما يشبه التداول لأسباب عديدة، إلا أن الأخ أبا لطفي كان يصر على أن نكون ضيوفه في كل مرة. فندلف إلى بيته في محطة بغداد، حيث يكون دائما في انتظارنا...نستحدم المصعد، أو نصعد الدرج درجتين درجتين والشباب شعبة من الجنون..
وإذا كانت من مواضعات اللقاء التنظيمي- في فضاء الإخوان المسلمين - أن تقتصر الضيافة فيه، على كأس الشاي، فإن الأخ أبا لطفي كان مولعا دائما بتجاهل هذه القاعدة، إن لم أقل بكسرها، أو بدقها وهصرها..
دمث لطيف منغمس في قضايا دعوته، حيوي في فكره، عملي في مقترحاته، يحب دائما أن يدفع إلى الأمام، لا يثنيه عن عزمه أن يجد العبء أمامه ثقيلا... "تعالوا نعمل" شعار حاضر دائما..
أخرجنا من حلب، وصرنا إلى أطراف الأرض، وانقطعت الصلات، وغابت الملامح، حتى عادت الأيام تجمعني بالأخ أبي لطفي بجدة مرة بعد مرة، وظل الأخ أبو لطفي على العهد به، فهو يملك دائما ما يقترحه، وما يدفع به، غير مبال بضخامة العبء وجسامته، هي أزمة يعيشها دائما أصحاب النفوس الكبيرة، الذين يظنون أنّ ما تتشكى من ثقله مجرد وهم يقول له صاحب الهمة بيده هكذا...
وتصغر في عين العظيم العظائم..
أحضر المجلس فيه العشرات من الأحباب، ولكن لا يمكن أن يمر مجلس ليس للأخ أبي لطفي رأي وكلام. وهو إذا قال قال كلام يسمع، وإذا أشار أشار بما ينفع...
وبالأمس وصلني نعي الأخ الداعية أبي لطفي رحمه الله تعالى عن بعد، وصلني النعي وقد كنتُ قد سبقتُ فنعيتُ نفسي إلى نفسي ،وسط عُرام الفوضى، التي لا يستبان فيها لقائل قول، ووسط حقن العنصرية والكراهية تحقن في الجسد السوري، فتصيب كل الخلايا النبيلة في الإنسان بالشلل...
رحل الأخ الداعية الدؤوب الأستاذ عبد الرحمن تسقية إلى مولاه، بعد أكثر من تسعين عاما قضاها ما علمت في ساحة الدعوة والعطاء...
وألقت عصاها واستقرت بها النوى .. كما قرّ عينا بالإياب المسافر
اللهم اجعل يوم لقائنا بك يوم إياب إلى أهل هاجرنا عنهم في سبيلك، واجعله يوم بشرى وقرة عين، أن لا خوف بعدُ ولا حزن...
اللهم اغفر لأخينا الراحل الحبيب أبي لطفي، وأعل نزله، وزده إحسانا وعفوا وغفرانا.. اللهم إنها ثلاثٌ وتسعون حجة يسيرها إليك - ولا نتألى عليك فيه - فاجعل قراه منك الغداة الجنة...
اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده واغفر لنا وله. اللهم واجعل الهدى والرشاد وحب الدعوة، والعمل لدينك، ونصرة كتابك ماضيا في عقبه...
وأحسن عزاء إخوانه في جماعة الإخوان المسلمين، وعزاء أنجاله وبناته وأصهاره وسائر أهل بيته ...
وإنا لله وإنا إليه راجعون ...
لندن: 7 ذو القعدة / 1444
27/ 5/ 2023
____________
*مدير مركز الشرق العربي