الرئيسة \  مشاركات  \  في ضيافة القرآن (كمثل العنكبوت اتخذت بيتاً، وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت)

في ضيافة القرآن (كمثل العنكبوت اتخذت بيتاً، وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت)

14.10.2024
حسان الصفدي



في ضيافة القرآن
(كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا، وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ)
حسان الصفدي
مخلوق صغير صغير ، لكن أحلامه عريضة .. ودأبه كبير .. وحيلته واسعة .
هو صاحب مشروع يريد به تخليد ذكراه وبقاء نسله من بعده.. لهذا فهو يعد العدة ويخطط بدقة ويعمل بجد .. يستحضر أدوات النجاح ، موادّ تحقق هدف بناء بيتٍ سداه قوةٌ تمتنع على الخصم ، ولحمته مرونةٌ تحيل المهاجم إلى صيدٍ وقيع الشباك…
بيت من خيوط تكاد العين تخطئها لولا شعاع شمس يجعلها تلمع وكأنها خيط نور قد تجمد …
وعندما يكتمل البناء تمتد نفس صاحبه إلى آفاق جديدة ليمد نفوذه ويوسع مملكته (أو ضاحيته)… كل هذه الأحلام والجهود والحيلة التي تجسدت مشروعاً حَسِبهُ أصحابه مكتملاً ، لولا أن روح المحبة لم تكن تسكنه ، وسحائب السكينة لم تكن تغمره ، فقد كان من فلسفة المشروع أن ينقضّ صاحبه ( أو صاحبته ) على الشريك فيجهز عليه إذا اكتمل المشروع أو شارف على الاكتمال ، لأن غاية المشروع لم تكن تحقيق السكينة ولا المودة ولا الرحمة ، بل امتداد النفوذ وتوريث الأثَرة والأنانية واحتكار الحقيقة والاستحقاق !!
ويأتينا القرآن معلّماً : أن اتخاذ البيوت أمر طيب ، وإتقان صنعها محمود ، ولكن أكثر البيوت إتقاناً وأوفرها عوامل سلامة وأماناً قد تكون أوهنها وأضعفها وأسرعها إلى خراب !! ولكن متى ؟؟:
عندما يفتقد البيت أفراح الروح وسلامة القصد وحسن المعاشرة والمشاركة { مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء : (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا ۖ وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ ۖ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ، إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) سورة العنكبوت ٤٢-٤٤
فعندما لا يكون الله من وراء القصد ، ويكون الركون إلى القوة الذاتية أو إلى أي قوىً من دون الله عز وجل ، فإن البوصلة ستكون تائهة وأسباب القوة والنجاح لن تعدو أن تكون قشةً في مهب الريح .
هل مرّ بنا - في حديث عهدٍ - خبرُ قومٍ خططوا وعملوا وبذلوا وأنفقوا ، لكن غاية قصدهم لم تكن تحقيق الأمن ولا صدق العشير والشريك والجوار ، بل كانت الهيمنة والاستئثار والإخضاع ، فإن وجِدَ من لا تلين قناته أُقصيَ معنوياً أو حتى مادياً ؟
هل سمعتم صوت طغيانٍ يعلو منهم استكباراً على المستضعفين -رغم أن من (شعاراتهم) الدفاع عن المستضعفين- ، أنه إن لم يكفِ من جندهم ألفٌ فسيرسلون ألفين .. وإن لم يكفِ منهم ألفان فسيكونون جميعاً في خندق الطغيان مقاتلين ! وسيكونون مسعري حرب حيث يلزم مشروعهم لا يحدهم الزمان ولا المكان … فأي طغيان ؟؟!!
هل سمعتم أنّات الثكالى والأرامل والأيتام والشيوخ الفارين من جحيم التقتيل والتعذيب عساهم يجدون ملجأً يؤويهم عند الجار اللصيق - والذي قاسموه خبز أطفالهم عندما نُكِب - ؟ يواجههم صلف الطغيان مستهزئًا :أن اتخذوا من البحر مراكب ترحلون بها عن بيتنا عسى يؤويكم الأجنبي البعيد !
هل سمعتم حوارات الخبراء حول تَحَكّم هذا الطغيان بالبلاد والعباد فيتوقعون ويتوقعون كل الاحتمالات إلا أن يكون بنيان هذا الطغيان إلى زوال ، فهذا كان أبعد من خيال البشر حتى في رؤى المنام ؟
لكن أصدق القائلين يقرر (وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ ۖ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ، إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) ، وكنت أفهم من (مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ) أن الله يعلم كل شيء يدعونه من دونه ، لكني فهمت اليوم أيضاً أن الله يعلم أن الذين يدعونهم من دون الله هم لا شيء … لا شيء البتة … لا شيء إما خذلاناً ،أو عجزاً ، والحالتان نتيجتهما في مصير (العنكبوت) سواء .
- إن قدر الله آتٍ ما له من معقبٍ ولا راد ، سواء تَجبّر وتكبر الطاغية من وراء حاجز يمنع الرصاص ، أو جدر محصنة ، أو شاشات متلفزة ، أو حتى أنفاق في باطن الأرض … ويحمل قدرَ الله جنودٌ لا يعلمها إلا هو سبحانه .. جنود له طائعون حيناً ، وجنود ظالمون لأنفسهم يسلطهم على من يشاء فينتقم بهم ثم ينتقم منهم -وهم غير مشكورين على هذا ولا مأجورين- ، فهلّا أعددنا العدة لنكون جند الله الذين يحقق بهم سبحانه عدالته في الأرض ؟
- وهلّا أدرك الناس أن أعدى أعداء العنكبوت هو (عنكبوت) أكبر منه يسلطه الله عليه فيهدم البيت المتقن ؟!! فلا بورك القاتل ولا بورك المقتول..
- أخيراً … لقد رأينا وسمعنا عن دفن أبرياء وهم أحياء تحت التراب عُلوًّا في الأرض وزهواً ، ثم أقيمت الاحتفالات ووزعت الحلويات… فهلّا اعتبرنا بكبير القوم يبحث تحت الركام عن نسمة هواء فلا يجدها ، جبراً من الله لخاطر من دُفن حياً تحت التراب، أو ربما وجدها فكانت مسمومةً ليكون الجزاء من جنس عملٍ شارك فيه تقتيلًا للأبرياء بالكيماوي وغيره؟
- إن من كان يرغي ويزبد ويستعلي في الأرض معتزاً باتّباع من هم من دون الله ، ها هو يبحث عن نجدة أو نصرة ، ولكن هيهات هيهات فلات ساعةَ مندم ولات حين خلاص، والحقيقة الخالدة أنه :
(مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا)