الرئيسة \  تقارير  \  يني شفق : التهديد والاختبار

يني شفق : التهديد والاختبار

10.07.2024
أرسين جليك



يني شفق : التهديد والاختبار
أرسين جليك - يني شفق
ترك برس
الثلاثاء 9/7/2024
بصفتي صحفيا، زرت مدن المنطقة الآمنة التي تم إنشاؤها على الأراضي السورية مرات عديدة، وكتبت انطباعاتي عنها. ونالت مقالتي "ملاحظات من تركيا على الجانب الآخر من الحدود" لعام 2021 اهتماما كبيرا، حيث تساءل البعض عن سبب استخدامي لكلمة "تركيا". بالطبع كانت تلك الأراضي سورية. ومنذ البداية لم تحد تركيا عن سياستها القائمة على الدفاع عن وحدة الأراضي السورية، بالإضافة إلى ذلك أصبحت تركيا هي الدولة التي تحافظ على السيطرة على حدودها بعدما فقدتها حكومة دمشق. وأنشأت تركيا مناطق آمنة في وسط عدم الأمان في سوريا التي دمرتها الحرب الأهلية، ومحاولات إقامة دول إرهابية، والتدخلات الخارجية.
وعندما انطلقت من منطقة "ألبيلي" في كلس باتجاه الحدود، وسألت عن معنى طوابير الشاحنات الممتدة على طول الطريق، قالوا لي: "كلما دارت عجلة الاقتصاد في المنطقة، زادت حركة دخول وخروج الشاحنات." كانت تركيا تبني نظاما جديدا في المدن السورية الواقعة تحت سيطرتها.
خلال عملية درع الفرات، صعدت إلى قمة "عقيل تبه"، التي كانت تعد مقرا لتنظيم داعش الإرهابي، والتي استشهد فيها الرائد بولنت ألبايراك و15 جنديا بطلا من جنودنا الأتراك أثناء عملية استعادتها. تناولت الطعام مع أفراد الجيش في مقر القيادة العامة للقوات المسلحة التركية المقام على القمة، وتحدثت مع المسؤولين عن الأوضاع على الجانب الآخر من الحدود. أكد حينها داود غول، والي إسطنبول الذي كان يشغل منصب نائب محافظ غازي عنتاب آنذاك، والذي قام بإنجازات هامة على الحدود، قائلا: "لو لم نكن هنا، لربما انفجرت بعض القنابل داخل الأراضي التركية. لذلك،أمن تركيا يبدأ من هنا."
كان هذا هو بالضبط الرد على سؤال "ماذا يفعل الجنود الأتراك في سوريا؟"
آخر مرة ذهبت فيها إلى الجانب الآخر من الحدود كانت في عام 2022 لمتابعة أعمال المجتمع المدني عن كثب. وشهدت تغييرات وتحولات جديدة، لكن كان هناك أيضا شعور ملموس بعدم الارتياح. وبعد عودتي نشرت مقالا بعنوان "ملاحظات من سوريا الجديدة على الجانب الآخر من الحدود". عندها تلقيت أسئلة من قبيل "ماذا تغير؟". خلال لقاءاتي مع الشباب السوريين في مدينة الباب ومع قادة الرأي السوريين في غازي عنتاب، بدا أن المنطقة الآمنة جاهزة ومهيأة لإثارة الفوضى والاضطرابات. ولاحظت خلال وجودي في الميدان انتشار خطابات تحاول جر السوريين إلى موقف معاد لتركيا. كانت المنشورات المعادية لتركيا تنشر أولا على فيسبوك، ثم يتم تداولها على نطاق واسع عبر مجموعات واتساب. وتشير الدلائل إلى أن حسابات مرتبطة بتنظيم "بي كي كي" و "بي واي دي" الإرهابيين، هي مصدر هذه الحملات. في تلك الأيام، حدثت أيضا استفزازات تهدف إلى إنزال العلم التركي، وتبين لاحقا أن منفذيها الذين قبض عليهم الجيش الوطني السوري كانوا ينتمون إلى تنظيم "بي واي دي" الإرهابي.
على وقع الهجمات التي طالت منازل وأماكن عمل السوريين في قيصري الأسبوع الماضي، والتي امتدت لاحقا إلى مدن أخرى، وما أعقبها من احتجاجات مناهضة لتركيا من قبل الجانب السوري، عدت إلى مراجعة ملاحظاتي التي دونتها في الماضي، بعد التواصل مع بعض المصادر لاحظت شعورا بالقلق والتوتر، وكأننا نشاهد فيلما مألوفا عُرض مسبقا، حيث يحاول البعض الآن إعادة عرض نفس الفيلم. كانت أعمال الحرق التي شجعتها بحماس بعض العقول المستعبدة مروعة حقا.
وسرعان ما تبادر إلى ذهني رياح الفوضى التي هبت بسرعة من الغرب نحو منطقتنا مع بدء ما يسمى بـ "الربيع العربي". والجدير بالذكر أنه في يناير 2011، بدأت الاحتجاجات في تونس تحت شعار "الخبز، الكرامة والحرية"، وانتشرت بسرعة لتؤثر على العديد من البلدان، مما أدى في النهاية إلى "انقلابات وثورات مضادة وحروب أهلية وتدخلات خارجية"، وأدى ذلك إلى ظهور دول بلا حكومات ولا إدارة. وفي نفس العام اشتعلت النار ـ التي بدأت شرارتها في تونس ـ في مصر واليمن والبحرين وليبيا، وأخيرا في سوريا في مارس 2011.
في تركيا، التي تكافح من أجل مواجهة عدم الاستقرار في المنطقة ومشاكل أمن الحدود، شهدت البلاد خلال هذه الفترة أولا مؤامرة "غيزي بارك" (2013)، ثم محاولة الانقلاب الفاشلة في 15 يوليو (2016). لو نظر أي شخص عاقل إلى السنوات ال 13 الماضية من حيث تأثيراتها على تركيا فقط، فسيرى بوضوح الفيلم الذي يحاول البعض إعادة إنتاجه والذي سيستمر عرضه لسنوات.
وعند تجميع أجزاء التحركات الدبلوماسية التي قام بها الرئيس أردوغان ووزير الخارجية هاكان فيدان خصوصا بعد الانتخابات في 28 مايو، سيتضح أن الأحداث التي وقعت في قيصري وعلى الجانب السوري هي تحركات موجهة ضد تركيا.
في الأيام التي لم يتمكن فيها العالم من وقف الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة والتي تحولت إلى سيناريوهات الحرب العالمية الثالثة، ينبغي عدم تفسير محاولات توجيه تركيا إلى الداخل وتقويض منطقتها الآمنة فقط من خلال ردود أفعال المجتمع. فعلى سبيل المثال يجب ملاحظة أن بذور العنصرية التي تنثر في تركيا تنبت براعم معادية لتركيا على الجانب الآخر من الحدود. والأهم من ذلك أن الاضطرابات المتزامنة التي اندلعت عقب أولى الإشارات القوية نحو تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق يجب أن تعتبر تهديدا كبيرا واختبارا في نفس الوقت.