الرئيسة \  مشاركات  \  فَذْلَكاتٌ لُغَويةٌ سياسيّة (4) - فَذْلَكَةُ الثاء

فَذْلَكاتٌ لُغَويةٌ سياسيّة (4) - فَذْلَكَةُ الثاء

13.11.2021
الدكتور محمد بسام يوسف




بسم الله الرحمن الرحيم
فَذْلَكاتٌ لُغَويةٌ سياسيّة (4) - فَذْلَكَةُ الثاء

(ثَقِفَ) وأخواتها!..
ثَبَتَ، ثَلَمَ، ثَكِلَ، ثَابَ، ثَارَ، ثَأرَ، ثَغَبَ، ثَرَدَ، ثَرَا، ثَخُنَ.
(ثَقِفَ) الرجلَ في الحرب، أي: أَدْرَكَهُ!.. وقد ورد في محكم التنـزيل قوله عزّ وجلّ: (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ) (البقرة: من الآية 191)..
أي: حيث وجدتم أعداءكم، الذين يحاربونكم ويعتدون عليكم وعلى أوطانكم وشعوبكم ومقدّساتكم.. وحيث أدركتموهم خلال حربكم معهم في ساحة المعركة.. فاقتلوهم، لأنهم بالمقابل يرومون قتلكم والتنكيل بكم.. لكن في عصرنا الحاليّ -عصر النظام العالميّ الجديد- لا معنى لكلمة (ثَقِفَ)، لأنها انقرضت!.. فإذا كانت حربنا مع عدوّنا قد توقّفت (أو أُوقِفَت) وانتهت.. فما حاجتنا إلى كلمة (ثَقِفَ)؟!..
بما أننا نعيش عهداً ذهبياً من السلام والأمان والاطمئنان والرخاء، بدأ منذ أكثر من نصف قرن، واشتدّ منذ مؤتمر مدريد، ووصل إلى ذروته منذ بدء الاجتياح الأميركيّ للبلاد الإسلامية كالعراق وأفغانستان، والاجتياح الصهيوني اليهودي للضفة الغربية الفلسطينية وقطاع غزة.. وأخيراً، الاجتياح الأسدي الصفوي المجوسي الروسي الصليبي الغربي، للشام المباركة وسورية الأبية، بل لكل معاني الخير والعدل والحقوق والأخلاق الإنسانية، التي جعل الله بها من الإنسان إنساناً، ومن البشر بشراً.. بما أننا نعيش هذا العهد السلاميّ الذهبيّ.. فإنه من الواجب علينا أن نُدخِلَهُم –أي أعداءنا- من حيث أخرجونا!.. وأن نمتثل إلى أمر: وقَـبِّلوهم، بدلاً من: واقتلوهم!.. لأنّ حالة السلام والأمان مع عدوِّنا قد (ثَبَتَتْ)، أي: استقرّت!.. والدليل هو ما نشهده يومياً من اجتياحاتٍ عدوانيةٍ ومجازر وتنكيل، يقوم بها أعداؤنا البهائم الوحوش المذكورين أعلاه، الذين ينثرون علينا أكاليل السلام والأمن والرخاء.. والقليل! من الطغيان!..، وما علينا إلا أن نعتمد طريقة: (ثَلَمَ)، في تعامله مع عدوّنا، الذي سلب أرضَنا، وشرَّدَنا وقومنا، وسرقَ مالَنا، وذبح أطفالَنا، وقتّل شعبَنا بشيوخه ونسائه!.. و(ثَلَمَ) السيفَ، أي: جَعَلَهُ غير قاطع، وما حاجتنا إلى السيوف القاطعة البتّارة الحادّة؟!.. فالسيوف في زماننا هذا، لا تُستَخدَم إلا لتقشير (البطاطا) و(الباذنجان)، أو لتقطيع (البصل) و(البندورة)، لأنها لا تصلح -بعد ثَلْمِها- لأكثر من ذلك!..
إذن: على كل مَن (ثَكِلَ) وَلَدَهُ، أي: فَقَدَه، أو (ثَكِلَ) قريبَه أو عائلتَه، أي: فقدهم كلهم على يد عدوِّنا الحبيب.. أن يثوبَ إلى رُشده،.. و(ثابَ) معناها: رجع أو تاب!.. أما إذا (ثارَ)، أي: هاجَ وانتشر غضبه، وراودته نفسه في أن يعمل بأسلوب: (ثَأرَ)، أي: قتلَ قاتِلَ قومه.. فإنّ أبطال السلام والتحرير والصمود والممانعة الأشاوس، سيلجؤون إلى فعل: (ثَغَبَ)، أي: ذَبَحَ، إذ يُقال: ثَغَبَ الشاةَ، أي: ذبحها!.. مع ملاحظة أنّ الشعوب المسلمة كلها -في نظر أبطال السلام والصمود والممانعة والتحرير- ليست إلا قُطعاناً من الشياه، والمشكلة الوحيدة التي كانت تؤخِّر قليلاً أولئك الأبطال الأشاوس لإنجاز عمليات الذبح، هي عدم وجود آلاتٍ حادّة، لأنها كلها خضعت لفعل: (ثَلَمَ)، تعبيراً عن النيّة الصادقة في السلام مع عدوّنا الحبيب الطيّب المحتلّ!.. ما يدفع أبطالنا المذكورين للّجوء إلى فعل: (ثَرَدَ)، أي: ذبحَ بآلةٍ غير حادّة، إذ تُقتَلُ الذبيحة من غير أن تُقطَعَ أَوْدَاجُها!.. ومن الجدير بالذكر، أنه لا خوف على الذبائح من الألم والمعاناة -على ذمّة البيت الأبيض والبنتاغون والكرملن وحوزات أو مزابل قُمّ وطهران-، لأنّ أبطالنا الممانعين، متمرّسون في هذه الطريقة من الذبح الراقي، وقد حازوا في ذلك على أرقى الشهادات الأميركية والغربية الصليبية والصهيونية، لتصفية الشعوب الحرّة، بأسلوبٍ حضاريٍ مُبْتَكَرٍ رشيق!..
أما (ثَرَا)، فتعني: نما أو كَثُرَ، إذ يُقال مثلاً: (ثَرَا مالُ الطغمة الحاكمة المتسلّطة على رقاب الشعب.. بشكلٍ مُذهل، فازداد عدد الفقراء في الوطن ألْفَ ضِعف)!.. ويُقال أيضاً: (ثَرَا القومُ فأصبحوا مِلْيارَيْن، لكنهم غُثاء كغُثاء السَيْل)!.. أي: كَثُروا بشكلٍ هائلٍ، لكن من غير وزنٍ أو تأثيرٍ أو قوّةٍ حقيقية!.. لماذا؟!.. لأنهم استكانوا لسياط جلاّديهم، إلى أن (ثَخُنَتْ)، أي: غَلُظَت وصَلُبَت، وأصبح القوم يتحمّلون تلك السياط الثخينة الصلبة التي لا تتحمّلها الثيران الضخمة!.. و(الثَوْر) هو: الذَكَرُ الضخم من البقر.. وقد أُطلِقَت سابقاً على الإرهابيّ المجرم: (آرئيل شارون)، وحالياً تُطلَق على المجرم بشار بن حافظ، فعندما يُقال: هاجَ الثَوْرُ.. فإنّ ذلك يعني: هاجَ شارون أو بشار أو بوتين أو أي مجرمٍ وضيعٍ صفويٍ مجوسيٍ أو صهيونيٍ أو صليبيّ!.. وهؤلاء ليسوا ثيراناً، ولا أبقاراً، ولا حتى نِعاجاً.. لكنّ وسائل الإعلام الخبيثة المهزومة العميلة المضبوعة، فجّرَت (ثورةً) ضاريةً حين استلم هؤلاء مقاليد الحكم.. فجعلت منهم (ثيراناً) هائجةً لا يمكن ترويضها، إلا بالتنازل عن أوراق التوت الأخيرة، التي تستر عَوْرَات اللاهثين وراء سراب الحلول السلمية!..
وبذلك، فإنّ وسائل الإعلام العميلة إياها، أصبحت (مَنْعوجَةً)، بعد أن كانت (مَضبوعةً)، أما في زمن ثورة الحرية والكرامة السورية.. فقد أصبحت (مَبشورةً) نسبةً إلى المجرم الإرهابيّ الجبان: بشار!..
وهكذا، ينتهي فعل: (ثَقِفَ) في دورته، الذي يعني: أدركَ عدوَّه.. إلى فعل: هَرَبَ من عدوّه فأدركـه –أي عدوُّهُ-!.. وهَرَبَ: فعل له أهمية خاصة ومذاقات فريدة، سنتحدّث عنها في فذلكة (الهاء) إن شاء الله.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
الفَذْلَكَة - كما ورد في المعجم الوسيط - تعني: [مُجْمَلُ ما فُصِّلَ وخُلاصَتُهُ]، وهي [لفظة مُحدَثة].