الرئيسة \  واحة اللقاء  \  هل من نهاية للفشل المحلي والدولي في سوريا؟

هل من نهاية للفشل المحلي والدولي في سوريا؟

15.03.2016
ميسرة بكور


القدس العربي
الاثنين 14-3-2016
مرّةً ثانيةً وثالثةً يثبت الثوار السوريون، بكل تصنيفاتهم ومسمياتهم، أنهم ملتزمون بالحل السياسي السلمي وبالانتقال السياسي في سوريا. ومرة رابعة وخامسة يثبت نظام دمشق وحلفاؤه أنهم غير معنيين "نهائيا" بأي حل سياسي يفضي إلى عملية انتقالية حقيقية. ومرة عاشرة تثبت إدارة أوباما أنها غير جدية وغير معنية بإنهاء مأساة السوريين.
وما مسارعة روسيا للتوصل إلى قرار وقف الأعمال العدائية في سوريا الا التفاف على قرار السعودية وتركيا ودول التدخل البري في سوريا، وفشل المساعي الروسية في إصدار قرار من مجلس الأمن يحول دون السماح بأي تدخل في سوريا من دون موافقة نظام الأسد .
لم يحترم الروس ونظام الأسد قرار مجلس الأمن القاضي بوقف العمليات العدائية كما كان متوقعاً. فلم تكد تمر عشر دقائق حتى بدأ نظام الأسد وحليفه الروسي بخرق قرار وقف الاعمال العدائية.
ولم يخيب الروس توقعات الرئيس أوباما حول إمكانية الالتزام بقرار مجلس الأمن الدولي الذي أقر بالإجماع، ونص على وقف الأعمال القتالية في سوريا، باستثناء تنظيمي "الدولة" و"النصرة".
وسرعان ما تحولت شكوك أوباما إلى يقين، حين لم يحترم الروس وحلفاؤهم القرار الأممي أكثر من عشر دقائق، بينما اكتفى وزير الخارجية الأمريكي بالحديث عن خطة بديلة قيد الدراسة في حال فشل الهدنة وربما تقسيم سوريا إلى دويلات.
هذه هي الإدارة المترددة، وتحديدا في الملف السوري، التي بقيت خلال سنوات الصراع الخمس تتحدث عن حرب أهلية وضرورة الحفاظ على مؤسسات الدولة ومكافحة الإرهاب، بدون أن تقدم حلولا عملية ومنطقية للوضع القائم في سوريا.
هل يمكننا إدراج الطرح الروسي الأخير حول سوريا دولة اتحادية "فدرالية" تحت عنوان "إفلاس روسي"، وإقرار بالفشل على إحداث فارق لصالح نظام الأسد، الأمر الذي أغضب الحليف الإيراني؟ أم هو مجرد ورقة ضغط على تركيا والثوار السوريين للرضوخ للمشروع الروسي في سوريا؟ وما هو المنطق أو المبرر الأخلاقي والسياسي الذي تبرر به موسكو فرضها على السوريين شكل دولتهم؟
كثيرة هي الأسئلة التي طرحها مراقبون حول ما تم الاتفاق علية بين روسيا والولايات المتحدة الامريكية وتوافق الطرفين على وقف الأعمال العدائية في سوريا، مع استثناء تنظيمي "الدولة " و"جبهة النصرة".
لا يخفى على المراقب أن معظم المناطق التي تسيطر عليها جبهة النصر تقع في عمق مناطق الثوار السوريين والجيش الحر. وهناك مناطق سيطرة مشتركة بين الفريقين، رغم ما تم الحديث عنه من انسحاب التنظيم من بعض المواقع.
فهل أخذت الولايات المتحدة، وشريكها الروسي، هذه المعطيات بعين الاعتبار؟ وكيف سيتم التعامل معها؟ وهل من الممكن أن تقوم أمريكا بالضغط على الفصائل الثورية من أجل الانسحاب من المناطق التي تسيطر عليها جبهة النصرة من أجل قصفها؟
وأي سبب ستقدمه تلك الفصائل لتبرر انسحابها انصياعاً للرغبة الأمريكية، وهم في الأمس القريب كانوا زملاء سلاح وقاتلوا معاً على جبهات إدلب وريفها.. ومعسكر الصوامع والقرميد والمسطومة لم يزل شاهداً على تلك المعارك؟
من المستفيد من وقف إطلاق النار في سوريا.. عدا المدنيين طبعاً، الذين سيتنفسون الصعداء بعد خمس سنوات من القصف الذي أهلك الحرث والنسل؟ وما هو الطرف العسكري الذي سيستفيد من قصف مواقع جبهة النصرة وتنظيم الدولة؟
وهل ستكون الفصائل الثورية هي التي ستحل مكان جبهة النصرة وتنظيم الدولة في حال إخراجهما من مواقعهما نتيجة القصف الروسي الامريكي، أم أن عصابات "سوريا الديمقراطية" الانفصالية ستملأ الفراغ الناجم عن انسحاب "داعش"، أم مليشيات بشار الأسد ومرتزقة إيران؟
برغم ذلك تظل هناك إيجابيات للهدنة تتمثل بما يلي:
- كشف قرار وقف إطلاق النار "المزعوم" زيف مزاعم نظام موسكو، وأنه شريك غير جدي في صنع السلام، وانه يستغل الوقت من أجل تعزيز سيطرت نظام الأسد على مزيد من الأراضي لتحسين موقفه التفاوضي.
- خروج المظاهرات السلمية في عموم المناطق التي تخضع لسيطرة الثوار، والتي كانت بمثابة دلو ماء بارد سكب على رأس بوتين ونظام الأسد وميليشياتهم الطائفية، وأعاد للثورة السورية طابعها السلمي وهدفها الرئيس وهو إسقاط نظام الأسد بكافة رموزه ومرتكزاته.
- كانت فرصة للمدنيين في بعض المناطق التي خفت فيها وتيرة القصف كي يتنفسوا الصعداء بعد سنوات الحرب المدمرة.
وبشار الأسد يعلم علم اليقين أن الولوج إلى عملية سياسية حقيقية، ووقف إطلاق النار الحقيقي، والجلوس إلى طاولة المفاوضات، سيكون هو الخاسر الأكبر فيها وسينهي حكم عائلته. لذلك سيفعل وميليشياته كل ما يستطيعون لإفشال وقف إطلاق النار وتعطيل أي مفاوضات.
وهذا ما يمكننا أن نستشفه من خلال إعلان دمشق موافقتها على وقف إطلاق نار مشروط، حيث جاء بالإعلان: "الموافقة على وقف الأعمال القتالية، مع استمرار مكافحة الإرهاب ضد داعش والنصرة و ‏التنظيمات الأخرى". ولاحظوا أن "التنظيمات الأخرى" تعني المعارضة السورية بكل فصائلها دعونا نتذكر أن سياسة بشار الأسد في قمع الثورة منذ أول يوم كانت تقوم على فكرة أن الثوار ما هم إلا جماعات مسلحة تحمل السلاح في وجه الدولة. تذكروا جيداً كيف تم وضع السلاح في الجامع العمري في درعا بداية الثورة .
الفكرة الثانية تقوم على تصوير المعارضة على أنها مجموعات طائفية "سنية" مرتبطة مع "القاعدة" و"النصرة"، من أجل تبرير قمعه للثورة. لذلك علينا أن لا نغرق بالتفاؤل. وهذا لأن نجاح هذه الهدنة، التي شككت أمريكا على لسان رئيسها بإمكانية الالتزام بها، يبقى مرهوناً بالتزام نظام الأسد وحلفائه الروس والانفصاليين الأكراد بتطبيقها، وهم الذين يستمرون بإفشال محادثات السلام في جنيف، برفضهم تطبيق القرارات الأممية ذات الصلة .