ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس 14/04/2005


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

واحة اللقاء

 

إصدارات

 

 

    ـ أبحاث

 

 

    ـ كتب

 

 

    ـ رجال الشرق

 

 

المستشرقون الجدد

 

 

جســور

 

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


أية حالة أصبح عليها الأخوان المسلمون

في سوريا ؟

 د. عبد الرزاق عيد

في تعقيب على مقالة سركيس نعوم "سوريا والأخوان المسلمون" يكتب أحد قيادي الأخوان المسلمين المقيمين في لندن الأستاذ زهير سالم في جريدة النهار، الاثنين 4/4/2005 مقالا تحت عنوان "لم نعد تنظيما، أصبحنا حالة". 

المقال حافل بالنزعة الظفروية المنوهة بالذات وتماميتها الكمالية التي لا يأتيها الباطل من أمامها ولا من خلفها ، بدءا من العنوان الذي يتوه علينا اعتدادا وثقة بالنفس لا يعرف المرء ماهي المستجدات التي تفسر لنا كل هذا الشعور الظفروي ؟ أو ماهو الجديد الطاريء المستجد على مستوى المنجز الأخواني ليقرر الكاتب هذا الإستنتاج بكل بداهة واطمئنان قائلا : إن الأخوان لم يعودوا تنظيما حزبيا بل "أصبحوا حالة" ، أي "حالة مجتمعية" تتمثل في "حالة التماهي مع المجتمع السوري" ، هذه النزعة التمامية لايمكن وصفها إلا بأنها نقمة على الحياة السياسية في سوريا ، تجعل الجميع في حالة بائسة من الرضى الوهمي عن النفس ليس على مستوى السلطة التي يحق لها هذه الثقة من خلال انجازاتها الكبرى في هزيمة مجتمعها على الأقل ، بل والمعارضة أيضا -مع الأسف- بكل أطرافها ، مما يؤدي إلى مزيد من الاستنقاع الاقليمي : الوطني والسياسي والاجتماعي !

لنلاحظ كيف أثبت للأستاذ زهير سالم أن "تاريخ الإسلام الحضاري وتاريخ جماعة الأخوان المسلمين أثبت أنها جماعة راشدة واثقة وقادرة على التعاطي الحضاري والسياسي بآفاقه المتعددة " ، لنلاحظ هذا (التواضع) في مدح الذات ، وذلك عندما يعطف الكاتب تاريخ جماعة الأخوان المسلمين على تاريخ الإسلام لحضاري ! فكلاهم يتوحدان في منظور الكاتب المطمئن إلى اليقينيات الأخوانية بوصفها بداهات ليست بحاجة للبرهان ...! إذ قد أثبت التاريخ وكفى ، دونما كيف وأين ، فالبداهات الإيمانية لا يطرح عليها سؤال لماذا وأين وكيف! حسب رأي أبي حيان التوحيدي وهو يميز الإيمان عن البرهان .

انطلاقا من هذه القناعة الراسخة برشدانية الجماعة وتماهيها مع الإسلام الحضاري من جهة، والمجتمع السوري من جهة أخرى، يمضي مقال القيادي الأخواني ليفند اطروحات سركيس نعوم.

بل يبلغ التضخم النرجسي لدى الأستاذ زهير حد أنه "يماهي" "الإسلام والمسلمين" بالاخوان، وذلك عند حديثه عن أن الأخوان المسلمين ليسوا البعثيين ، فإن كان هناك مخطط مستقبلي لاستئصال البعثوية " فإن التفكير في استئصال الإسلام والمسلمين أصبح من أوهام التاريخ..."

ولا نعرف من ، ومتى وأين قيل هذا الكلام عن "استئصال الإسلام والمسلمين" منذ قيام الإسلام وحتى اليوم حتى من قبل أعدائه ؟!

هذا خطاب استعدائي يبحث عن اعداء وهميين ، لا نظن أن الأستاذ سالم والأخوان بحاجة للبحث عن هؤلاء الأعداء الافتراضيين الذين يريدون "استئصال الإسلام والمسلمين" ، بهدف حشد تضليلي تعبوي ضد عدو وهمي ، فهذا يسيء إلى مصداقية الهدف ونبله وهو المجتمع الديموقراطي لسوريا.

أما إذا كان الحديث عن حرب الاستئصال ضد الجماعات الإسلامية المتطرفة باسم الحرب تحت الإرهاب، فلا نظن أن هذه الحرب يقصد بها الإسلام ذاته والمسلمين حتى لدى عتاة التطرف في المعاداة للإسلام والمسلمين ، ولا نرى من الحصافة للأخوان أن يضعوا أنفسهم في خانة الفئات المستهدفة بالحرب ضد (الإرهاب) كمنظمة "القاعدة" بغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا حول تعريف الإرهاب !

ما نريده من هذا التعقيب السريع، ليس فتح باب مساجلات مع الأخوان، لأن الاستحقاقات الوطنية تداهمنا بسرعة إلى الحد الذي لا تمنحنا فيه ترف المساجلات النظرية ، بل تطلب منا لإنقاذ الوطن البحث عن أقصر الطرق للتوافقات الوطنية ، عبر رفض عقلية الاقصاء المتبادل التي قادتنا إلى كل هذه الكوارث ، ومن ثم ضرورة الدخول في مشروع الأفق الحضاري للتعايش والاعتراف المتبادل، والقدرة على نقد الذات والتعامل النسبي، بدون فخفخة التنويه بالذات والأمجاد وإدعاء تمثيل الأمة وتاريخها الحضاري!

فالبعث الذي تحول إلى حزب سلطوي شمولي فاسد اليوم ، والذي يرفض الدكتور زهير أن يقارن الاخوان به إذا ما طرحت فكرة الاستئصال (البعثوية) ، نقول : إن هذا الحزب السلطوي الفاسد اليوم كان له في انتخابات 1954 اثنان وعشرون (22 ) نائبا في البرلمان ولم يكن للأخوان أي مندوب مع ذلك !

ما أردنا من هذا المثال أن نقدم هدية لحزب البعث الذي يترنح تحت ثقل شيخوخة العقل والإرادة والفعل ، وتحت ضغط مسؤولياته التاريخية عن حالة الخراب الوطني الذي قاد إليه بعد أربعين سنة من قيادته الشمول التفردية للدولة والمجتمع ، بل ما نريده هو دعوة الأحزاب التي ساهمت بانتاج الحياة السياسية في سوريا أن تكون أكثر موضوعية وعقلانية وشبابا وحيوية في امتلاك الروح النقدي ، وان تأتينا بافعألها وليس بماضيها الذي يقوم الأستاذ سالم بتمجيده -على مألوفنا العربي والإسلامي – لسياسات جماعة الأخوان زمن الوحدة والانفصال... الخ.

إن مجموع العملية السياسية في سوريا هي التي قادت إلى وضع الخراب الراهن، وأن تحميل المسؤولية لحزب البعث وحده بوصفه حزبا شموليا لا يؤسس وعيا سياسيا مناسبا للمستقبل ، وذلك لأن كل الأحزاب (ماعدا الحزبين الكبيرين : الوطني والشعب) كانت ذات بنية معتقدية مغلقة وشمولية وانقلابية، إن كانت شمولية اشتراكية (مسفيتة) للحزب الشيوعي ، أو شمولية (قوموية) تقليدية لم تكتسب أية خبرات مرجعية عن المشروع القومي الذي عرفته أوروبا تاريخيا بوصفه مشروعا ديموقراطيا بالضرورة ، فصيغة الثورة القومية البورجوازية الأوربية كانت تتللازم في الأدبيات السياسية –دائما- مع صفة الديموقراطية ، بينما القومية : (حورانية/ بعثية/ ناصرية) فقد استلهمت نموذجها من الشموليات الأوربية الفاشية أو الشمولية السوفياتية الستالينية ، أما الأخوان الذي تتأسس منظومتهم العقلية وبنيتهم الذهنية على "شمولية سماوية، كلية، حاكمية، تعتبر أن تشريع البشر لأنفسهم هو اعتداء على حق الله في التشريع لخلقه ، الذي أعطاهم تشريعا صالحا لكل زمان ومكان، وهم وحدهم حزب الله، أما ما عداهم فهم حزب الطاغوت، حسب الخطاب النظري التأسيسي للسيد قطب.

وعلى هذا فإن كل القوى السياسية السورية مدعوة اليوم لمراجعة نظرية تأسيسية تقنع وتبرر وتعلل اختياراتها الديموقراطية اليوم ، ليكتسب خطابهم شرعية تتخطى دلالة وايحاء أنه مجرد خطاب تسويقي للاستخدام الذرائعي ( اللفظي السياسوي) لمفردات الديموقراطية، والتعددية، ونبذ العنف على أهمية ذلك طبعا ...

التيار السياسي الوحيد في سوريا اليوم الذي يحاول ممارسة هذا (التطهر النظري) ، هو الحزب الشيوعي (المكتب السياسي) بقيادة رياض الترك الذي يبرهن على امتلاك علو كعب في المقدرة على تمثل الخيار الديموقراطي بوصفه خيارا نهائيا ، وليس تكتيكيا للقفز إلى السلطة ، ولعل معيار القطيعة مع الميراث الشمولي التي يجترحها جماعة (المكتب السياسي) اليوم ، هو القدرة على تغيير اسم الحزب ، وذلك ما هو مطروح على مؤتمر الحزب المزمع انعقاده قريبا ، تلك هي الوثبة الحاسمة التي تبرهن للمجتمع المحلي والعربي والدولي، أن ثمة رغبة داخلية للانتصار على الذات، ذات الماضي الشمولي.

أما ان يأتينا الخطاب الأخواني اليوم ، وهو على هذه الدرجة من الرضى عن النفس الظافرة ليقول لنا : بتماهي الإسلام الحضاري ، والمجتمع السوري مع الأخوان المسلمين ، ويمضي معللا ومفسرا ومبرهنا على تاريخ "رشد" الجماعة، فذلك مما يحزن العقل والقلب، لأن خطابا كهذا يأتي بعد أربعة سنوات على ميثاق الشرف الوطني، يؤكد لنا أن الأخوان بما فيها قيادتهم المستنيرة التي قارب عيشها ربع قرن في اوروبا، لا تزال مرتاحة الضمير والعقل لميراثها السياسي التقليدي ، وأنها هي هي لا تزال تخوض حربها الإيديولوجية والسياسية بروحية سجالية قائمة فقط على إدانة الآخر بوصفه المسؤول عما جرى في حماه وتدمر (المجزرة – السجن) عبر تبرئة الذمة من أية مسؤولية ، مما يجعل – والأمر كذلك- الحديث عن "أننا لسنا طلاب ثار، ولا دعاة انتقام" كما ورد في ندائهم اللافت ، غير ذي جدوى رغم أهميته على مستوى حسن النوايا ، لكنه لن يكون مطمئنا للأطراف الاجتماعية التي استندت السلطة إليها كحامل اجتماعي (طائفي) لمشروعها السياسي، سيما وعندما يعلن النداء بأنه "لن يقابل الظلم بالظلم" أي أن الأمر لا يعدو أن يكون نخوة وشهامة وتسامحا مع الآخر الظالم ، دون مساءلة النفس عن مسؤولية ما جرى ، سوى إدخالنا- وفق مألوف التفسير الأخواني- في متاهة تفصيلية عن صراع الأجنحة داخل الاخوان ، وعمن قام بعملية مدرسة المدفعية بأنهم منشقون على الجماعة ، فهذا لا يكفي بتاتا ، فحق للمجتمع أن يتوقف عند هذه المأساة الكارثية بكل المقاييس ليسأل ويتساءل ويفهم، لأن هذه الواقعة كانت –بكل المقاييس- منصة الإنطلاق نحو الفتنة الفظيعة البشعة بغض النظر عن أي التباس مهما كانت تفسيراته او تبريراته لدى الأخوان ، لا بد –في رأينا من موقعنا المواطني لاغير - للأخوان ان يحسموا أمورهم ، كما فعل الحزب الشيوعي (رياض الترك) بالإعلان عن نيته تغيير الإسم رغم أن ليس ثمة شبهة له بهذه الفتنة ، وهذه ليست مسالة شكلية، بل هي مقدمة لابد منها لفتح أفق جديد على حقل دلالي تداولي مشترك للحركة الديموقراطية في سوريا التي عليها ان يوحدها هذا الحقل الدلالي المشترك حول ذرى جديدة للمشروعية العليا دستوريا وحقوقيا وقانونيا ، تتقاطع فيها المرجعيات الفكرية، عبر التوافق على أشكال حضور وتمفصل المرجعيات الإيديولوجية (دينية/ مدنية/ علمانية).

إن الإعلان –حتى مجرد النية- عن استعداد تغيير إسم الأخوان سيساعد الجماعة على تأجيل استحقاق النقد الذاتي الضروري ، أي يتيح لها فسحة زمنية انتقالية على طريق استجابات الآخر، أي مدى استعداد (البعث) على النقد الذاتي وهو على أبواب مؤتمره رغم شكنا في ذلك ، لكن شكنا هذا لن يعفي الأخوان من استحقاقات هذا النقد ، هذا إذا كانوا فعلا قادرين على الإندراج في فعل ديموقراطي مستقبلي بغض النظر عن موقف السلطة التي غدت بكل المقاييس ذات بنية فكرية وممارسة سياسية تنتمي إلى حبس الماضي الشمولي الذي سيشكل لها عائقا بنيويا في القدرة على الارتقاء إلى مستوى فعالية النقد الذاتي بوصفها ممارسة مستقبلية حضارية وديموقراطية ، إن الأخوان إذا استطاعوا أن يرتقوا إلى مستوى هذه الممارسة الحضارية ذات الأفق المستقبلي ، فإنهم بذلك يكونون قد وضعوا أقدامهم على طريق التحول الفعلي باتجاه اسلام مدني ديموقراطي بحق ، وسيكون ذلك بمثابة البدوة الضرورية على طريق الحوار الوطني في سبيل مستقبل ديموقراطي لسوريا !

إن تسارع الإيقاع الحركي للمتغيرات الدولية والإقليمية تجبرنا على المصارحة مشافهة او كتابة ، بأنه مع زمن العولمة الجديد الذي كثف أضعاف المرات أشكال توحد العالم، أصبح من الاستحالة بمكان الحديث عن داخل وخارج وكأنهما انساق مغلقة، بل يمكن القول: إنه لم يعد هناك ثمة داخل على الاطلاق يقرر ويتصرف بشؤونه بغض النظر عن القوانين العامة للعيش المشترك ، الذي غدا يحكم الكرة الأرضية بوصفها كرة زجاجية شفافة وشافة عن كل ما يحتويه باطنها والتي غدت بدورها صغيرة جدا، عن ان يستطيع أحد أن يغلق نوافذ منزله ذي الجدران الزجاجية دون العالم.

هذه المقدمة ضرورية تفترضها المصادرة على المطلوب التني يقوم بها الأستاذ سالم ، التي مفادها تجاهل دور السياسة الأمريكية تجاه مستقبل المتغيرات الشرق أوسطية، حينما يعلق على مصداقية الإدارة الامريكية "بأنها أخذت النظام الليبي في الأحضان ، في حين تنادي بالحرية والديموقراطية" ، رغم أن هذه الأطروحة تتناقض مع نداء الأخوان الذي يحمل نفحة ثقة وتصديق للسياسة الأمريكية تحت اسم القوى الخارجية التي تشير وفق البيان : " إلى انتهاء عهد الاستبداد ، وإلى أن أن القوى الخارجية التي كانت تسند الأنظمة الديكتاتورية منذ ستين عاما ، اعترفت بأنها كانت على خطأ وتراجعت عنه " ، إن رأي الأستاذ سالم يبدو متعارضا-كما قلنا - مع رأي بيان الأخوان الذي لا يبدي مثل هذا القلق الذي يبديه سالم حول مصداقية الموقف الأمريكي، وهذا ليس عيبا بل هو دلالة صحة ومعافاة أن تكون هناك أطياف رؤى تتعدد وتتعايش .

إن هذه الطمأنينة لهذه البداهة، بتقزيم المشروع الأمريكي إلى حدود القبول بتنازلات النظام الليبي عن سلاحه النووي ومن ثم الرضى عنه واحتضانه ، فهو تبسيط للأمر ، وكأن الإدراة الأمريكية على درجة من السذاجة والغباء لتعتقد أن ثمة قوة نووية جدية لدى ليبيا وأن التخلص منها مدعاة للحبور الأمريكي من الخطر والتهديد الليبي النووي الأبله لها ، ومن ثم الجري لاحتضانها ، مضحية بالديموقراطية والحرية في سبيل التخلص من التهديد النووي الليبي التراجي-كوميدي المضحك بحزن حقا ، والغريب أن حديث الأستاذ سالم يأتي في الأيام نفسها التي يصدر فيها تقرير تابع لجهة في الخارجية الأمريكية، يصف النظام الليبي بأنه الاسوأ عالميا في مجال احترام حقوق الإنسان، فلا احتضان ولا عناق ! ولا داعي لتطمين الأنظمة المذعورة بأن ثمة خلاصا فيما لو خلعت جلدها الوطني ، فإنها تستطيع أن تهرب من استحقاقات جرائمها تجاه شعوبها ، كما فعل النظام الليبي !

على كل حال ، ليس هذا هو المهم ، بل المهم أن لا يدفع مثل هذا الاستنتاج الأخوان المسلمين للتملص من الشروط العالمية في النظرة إلى القوى السياسية ودرجة قبولها في النادي الديموقراطي العالمي، سيما وأن المشروع الشرق الأوسطي الكبير الذي يضع شروط الديموقراطية والحرية واحترام حقوق الإنسان كأساس في التعامل مع الشرق الاوسط ، لم يعد مشروعا امريكيا فحسب، بل انضمت إليه اوروبا، بل وشكل أرضية للتفاهم الأمريكي الاوروبي منذ اطلاقه في شباط 2004 ، بعد أن أخذت امريكا بالملاحظات الفرنسية الالمانية، بتوسط بلير في قمة الثمانية في- سي أيلند- الأمريكية في حزيران الماضي، وكرسته قمة اسطنبول الأطلسية ، حيث أقر الأوروبيون مع الأمريكان في وجوب تغيير وجه المنطقة ودفعها نحو الديموقراطية بدون أن تحملها الطائرات والصواريخ، ومن ثم دفعها نحو القيم الغربية المشتركة في الديموقراطية واحترام حقوق الانسان ، ونحن إذ نلح على أهمية الأخذ بعين الاعتبار البعد العالمي للنموذج الديموقرا طي ، فانطلاقا من تلمس فضاءات عالمية تنحى بهذا الاتجاه ، وهي لن ترحب- قطعا – بدعم وتأييد استبدال شموليات (قومية ) بشموليات (دينية ) ، وأنه آن الأوان لنا نحن العرب أن نرى (خاصنا) بدلالة العام العالمي والكوني ، وليس بدلالة الخاص ذاته ، فهذا ممتنع منطقيا ، لأنه لا يعرف الخاص إلا بدلالة العام ، ولامعنى للخصوصية إلا بالمقارنة بالعمومية ، وإلا سنظل نسبح في النهر ليس مرتين فحسب ، بل في المياه الراكدة المتأسنة أبد الدهر ، وذلك باسم الدفاع عن هوية "جوهرانية " عتيقة متآكلة ، وهي ذاتها هوية انحطاطنا وعطالتنا وخروجنا من التاريخ منذ قرون ...!

وعلى هذا فإن الاخوان المسلمين مدعوون بشكل جبري لخلع قفطانهم المشيخي التقليدي وعماماتهم العقائدية في الواقع أم بالمجاز ، لينخرطوا في الحداثة الكونية ، من خلال استعادة القيم المدنية والحضارية لإسلام عصر النهضة الأولى الذي تمثلت ذروته في القرن الرابع الهجري، من أجل برنامج إسلامي مدني ديموقراطي يكون نموذجه "حزب العدالة والتنمية" التركي ، أو ما تنتجه التجربة العراقية الوليدة من ارهاصات (علمنة إسلامية) من خلال اعلان الجميع عن تقديم المواطنة العراقية على الولاءالمعتقدي الديني المللي ، دون أن تعيش سوريا مأساة العراق ، ونظن أن للأخوان بعض الرموز ذات الكاريزمات (صدر الدين البيانوني مثلا ) قادرة على أن تخطو بهذا الاتجاه بدون التضحية برأي الإسلام الشعبي الوطني، إذ أن كاريزماهم الإسلامية قادرة على تطوير استعداد "الجهاز المجتمعي" على الفهم والقبول ، مع زمننا الراهن "ذي الكثافة التواصلية" زمن الأفكار ذات البنية الانتشارية الشعاعية ، الذي تجاوز الزمن الخطي التراكمي البطيء.

وهي-أي بعض الرموز الأخوانية- ليست أقل جاذبية في أوساطها الشعبية من الجاذبية التي أتاحت لأربكان التركي أن يتكيف بحزبه الإسلامي مع المعايير العالمية لاحترام الديموقراطية وحقوق الإنسان دون رطانات مخادعة عن "خصوصياتنا" التي لم تتكشف حتى الآن من قبل الأنظمة التي تدعيها سوى عن الطغيان السافر في استبداده الشرقي البغيض ، وقد حقق الاسلام السياسي التركي انعطافته تلك دون أن يعاقبه الشعب التركي على دينامبة (البيرغماتية) عند صندوق الاقتراع ، وقد عبر ميثاق الأخوان عن جرأة من هذا النوع ، غير أني أظن ان البرنامج الاخواني سجل تراجعا عن راديكالية الميثاق.

لقد آن الأوان للإسلاميين السوريين ذوي الجذور الليبرالية ( مصطفى السباعي) أن يقطعوا نهائيا مع كل الممارسات التي من شأنها ان تتيح الخلط بينهم وبين تيارات العنف، و تاريخ ممارسات العنف : أي تاريخ الفتنة والدماء التي روت أرض سوريا، ليس عبر التنصل وتبادل التهم مع أطراف السلطة، بل من خلال إحداث قطيعة حقيقية مع ميراث فقهي عتيق يمجد العنف بل وقتل الأب والأخ والأهل والعشيرة في سبيل العقيدة ، كما يتأول فيلسوفهم السيد قطب في تفسير الآية 22 من سورة (المجادلة) مثلا .

إننا إذ نتوجه بهذه الملاحظات الحوارية النقدية للاخوان فما ذلك إلا اعتراف بما يمثلونه في الواقع والمجتمع والتاريخ ، بعد أن يئسنا من أن يقوم البعث والسلطة بإصلاح أنفسهم ليقودوا تجربة إصلاح المجتمع ، عبر الحوار مع الجميع بما فيهم الاخوان ، وباقي أطياف المجتمع السوري المعارض، أي بعد أن دخل أهل السلطة غيبوبة العطالة البنيوية للجهاز العصبي التي لا يرتجى معها حياة أو حركة، لكن المسؤولية الوطينة والأخلاقية تجعلنا نراهن-- حتى اللحظة الأخيرة- على غريزة الحياة عند البعض منهم من أجل مستقبل أبنائهم على الأقل قبل مستقبل الوطن ، وذلك بأن يخطو الخطوة الضرورية التي لم يعد لها بدائل ، سوى تدخل الخارج بكل أشكال التدخل المتوقع منها وغير المتوقع ، من خلال الدعوة إلى مؤتمر وطني للإنقاذ والتغيير الذي يدعو له بيان الأخوان بالتوافق مع الدعوات المتكررة للمعارضة في الداخل ، حيث يكون مفتوحا أمام الجميع ، وبهذا المعنى نجد أنفسنا مدعوين للترحيب بندائهم ، بالدرجة ذاتها التي ندعوهم فيها لللإرتقاء ببرنامجهم وممارستهم إلى مستوى الشروط العالمية الكونية لمفهوم الحركة الديموقراطية ، لا لكي لا يكون للخصوم عليهم حجة فالحجة أقامها التاريخ على كل الأنظمة وعلى تاريخهم الطغياني ، ولا لقطع الطريق على ترهيب التوجه العالمي نحو دعم الحريات والديموقراطيات التي يستخدمها كل الطغاة العرب من خلال التهديد بخطرالأصولية واستعداداتها للانقلاب على الديموقراطية ، بل لأن المجتمع السوري ينتظر من الأخوان هذه المبادرة (مبادرة النقد الذاتي ) الشجاع قبل تغيير الاسم ، ولا يعفيهم من اتخاذها أن النظام لايقوم بنقد دوره في هذه الفتنة ،وذلك لأن النظام لو كان بإمكانه أن يفعل ذلك لما قاد البلاد والعباد إلى هذا الوضع المأزقي الكارثي ، حيث غدا بممارساته الطائشة والرعناء- الآن ليس نحو شعبه ومجتمعه فحسب بل - نحو المجتمع الدولي والعالمي مما راح يشكل خطرا على مستقبل الوطن وأمن البلاد .

واللعب على التهويل بخطر الخارج لم يعد لينطلي إلا على السذج أوالماكرين الطامحين لذهب معاوية ، لكن بعد فوات الأوان إذ أن معاوية المعاصر ورهطه كانوا أكثر دهاء من الجد سيما وأنهم يعيشون زمن المعلوماتية والجوال ، فلقد هربوا كل الأموال إلى المعسكر الامبريالي وبقوا معنا لممارسة الصمود والتصدي !

إن اللعب بالمسألة الوطنية والتهويل بتهديد الخارج غدا لعبة مبتذلة ، لدرجة ما تذاكت بها الأنظمة العربية ، يكفينا ويكفي المجتمع السوري لعبة معادلة : إما بقاء النظام الحاكم ، وإما الخطر الأمريكي أوالخطر الاصولي أي إما الطغيان أو خسارة الأوطان !

وأخيراربما لا نملك الحق أن نعطي الدروس لأحد بالديموقراطية والحرية لأننا لسنا أقل تاريخا شموليا من الآخرين ، لكن عذرنا في ذلك أننا نتحدث بصوتنا الفردي ، حيث نحن في لجان إحياء المجتمع المدني لسنا حزبا أو تنظيما، هذا من جهة ، ومن جهة أخرى ، فإنناعلى المستوى الفردي قمنا بتجربة نقد ذاتي شديدة تجاه ماضينا وتجربتنا الفردية الشمولية ، وذلك منذ أواخر الثمانينات من خلال ما كتبنا عن "البيريسترويكا" السوفياتية، ودعوتنا إلى بيريسترويكا عربية، حيث أصدرنا كتابا تخت عنوان "نحن والبيروسترويكا" أردنا من خلاله أن نطرح سؤال "نحن والديموقراطية "؟! من خلال القيام بعملية تصفية حساب نقدية مع كل موروثنا الشمولي والدوغمائي!

وأخيرا نقول: إن الأخوان المسلمين بحاجة إلى قطيعة نقدية عميقة مع تراثهم الفكري والسياسي الذي ينوهون به كما يفعل الأستاذ سالم برضى وانتشاء " فهم حالة : مجتمعية متماهية مع الإسلام والإسلام الحضاري " ، هذا الخطاب يدعو إلى القلق من تلك النزعة التمامية التي يعيشها الحراك السياسي (الميت) في سوريا بكل أطرافه ، فإذا فكرت أطراف المعارضة بهذه الطريقة فإنها لن تنتج إلا واقعا متوهما ينتمي إلى عام الأذهان ولا علاقة له بتاتا بعالم الأعيان ، فعالم الأعيان لا يقدم سوى صورة "حالة" واحدة لسوريا : إنها سوريا الأسيرة ... الرهينة ...المخطوفة ... إنها –ياأخي- ليست "حالة" لأحد ، وعلى الجميع أن يعمل من أجل عودتها للجميع ...

"الرأي / خاص" ـ 12/04/2005

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

أعلى الصفحةالسابق

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ