هل
هو حديث الأمس أو حديث اليوم ؟!!
العبرة
الألبانية!
سعيد رمضان
افتتاحية
المسلمون المركز
الإسلامي
ـ العدد التاسع
ربيع
الأول 1385 هـ الموافق تموز 1965
لم يخف على أعداء الإسلام، الظاهرين و
المستترين،الدور الذي يمكن أن يلعبة
الإسلام في المصطرع الفكري الذي يغشى
الناس، حفاظا على كيانه وكيان امتة من غائلة
التيارين المتصارعين: تيار الفلسفة
المادية الملحدة جاهرة الالحاد، وتيار
المادية مارقة الروح والنهج من ناموس
القيم والروحيات... وأن تمسّح الأخير
ببعض مظاهر هذا الناموس على ظن ان
الحصافة السياسية إنما هي في تمكين
الدنيا بتراث الدين من كل سبيل متاح.
واشد ما يخشاه هؤلاء الأعداء، هو
أن ينجح دعاة الإسلام في إحباط كيدهم
الذي كادوه على مر الأيام والأعوام:
كيدهم لكبت الإسلام وأهله وعزلهم عن
الحياة العملية عزلا مطردا موثق
الوجهة والمنهاج... وذلك في ظل
الاستنتاج الذي قد يغلب على فئات من
السياسيين ـ وهو عندنا الاستنتاج الحق
الذي يجدر بهم ألا يخطئوه أو يخافوه ـ
وهو انه ليس للمسلمين نجاة من الأخطبوط
الشيوعي إلا بازدهار دعوة الإسلام.
وخشية الأعداء في ذلك خشيتان
بعضهما من بعض: خشية على ميراث الحقد
والمسخ الذي ورثوه
ورعوه ودأبوا على تغذيته في الأنفس
والرؤوس،فلم يعودوا يطيقون أن يروه
بتبدد في ظل مخاوف بعض سياساتهم على
المسلمين،أو بالأحرى على مصالحهم هم
في ديار المسلمين! وخشية أن يجر المنطق
السياسي لمعركتهم مع المعسكر الشيوعي/
ولا نقول مع الشيوعية ـ فئات من ساستهم
إلى مظاهرة القوى الفكرية و الروحية،
ومن أهمها في ديارنا على الأقل ـ قوة
الإسلام.
لذلك جندوا أقلامهم وألسنتهم
وأجهزتهم لتلافي ما يخشون، ومنهم من
ذهبوا في "تكتيكهم" إلى تركيز أن
المسلمين لا خوف عليهم من الشيوعية
لانهم مسلمون، وهم في حقيقة الأمر
إنما يقصدون إلى صرف تلك الفئات من
الساسة ـ تحت أي عذر أو شعار ـ عن تمييع
المعركة القديمة المستمرة ضد الإسلام
والمسلمين، معركة التاريخ ،والى ألا
يرفع الاستعمار أو راضعو لبانه من بني
قومنا العملاء ـ ورثة ما يسمى
بالاستقلال ـ …
ألا يرفعوا أيديهم من ملاحقة وكبت "بعبع"
الإسلام!
ومن هؤلاء الأعداء مستشرقون،
وأساتذة جامعات، ومؤلفون، وصحفيون
كبار... بل ومنهم ـ وهؤلاء من أخطرهم ! ـ
مبشرون كهنة بلغوا في براعة "التكتيك"
أن تلبست كتاباتهم في الطمأنة على
المسلمين بظاهر المدح والثناء.
فلا غرو أن يقع في أحبولتهم ويفعل
فعلتهم تلامذتهم من أبنائنا ومن
ساستنا... مهما صك هؤلاء بدجلهم
الأسماع، ومهما تبرقعوا بنسبتهم "الميلادية"
الى الاسلام، أو بنسبتهم السياسية "التكتيكية"
الى مظاهر التدين: بالبسملة مرة او
مرات، أو بدعاء الله بالتوفيق في بعض
خطبهم في الناس، أو بالصحبة "البرتوكولية"
لبعض صلحاء الضيوف الرسميين ـ وما اكثر
الأغرار منهم ـ في مناسبات الجمع
والأعياد…
في بهلوانيات مدهشات!
تلامذتهم هؤلاء، من أبنائنا
وساستنا، ما اقرب أن يدفعوا دعوى "الحاجة
إلى الإسلام في وجه الخطر الشيوعي"
بان المسلمين مسلمون والحمد لله، فلا
خوف عليهم ولا خطر في الحال أو في المآل.
هذا "التكتيك" مردود على أهله
من أعداء الإسلام، وعلى من تردى في
شباكهم أو اختار طريقهم من الأدعياء
العملاء... أو المستغفلين البلهاء..
أفحم وليل يفحم أولاء وأولئك وضع
الوطن الألباني العزيز الرابض في
أوربا بين مشارف اليونان وبحر
الادرياتيك... الوطن الذي كان يبلغ
تعداد سكانه قرابة ثلاثة ملايين منهم
93% مسلمون ثم مزقته معاهدة لندن سنة 1913
ـ أي بعد سنة من استقلاله عن خلافة آل
عثمان بقيادة إسماعيل فلورا! ـ إلى
ثلاثة مزع: مزعة ابتلعتها اليونان،
ومزعة هي "قوصووة" ابتلعتها
يوغوسلافيا مع أنها (قوصووه) أضخم من
ألبانيا الحالية في الحجم و الخصب،
ومزعة ثالثة هي ألبانيا بحدودها "اللندنية"
المفروضة منذئذ إلى اليوم.
استولى
الشيوعيون على ألبانيا الجديدة المسخ
وحكموها، ولا يزالون يحكمونها،
بالحديد والنار، مع أن المسلمين فيها
يبلغون في العد 80%من مجموع سكانها... ومن
هؤلاء المسلمين ـ أوأصحاب الأسماء المسلمة الذين انسلخوا في الحقيقة عن
الإسلام ـ (أنور خوجة) الأمين الأول
للحزب الشيوعي حتى الآن، وقد شغل من
قبل منصب رئيس مجلس الوزراء، ومنهم (محمد
شيخ) قطب الشيوعيين الألبانيين...
الشيوعيين الذين غلبوا على أمر
ألبانيا رغم أن عددهم لم يكن يجاوز
المائتين ، ورغم إرادة كثرة أهلها
وشأنهم في كل بلد استولوا عليه ـ بل
تطرفوا في المروق والعنف حتى أصبحوا
يستعدون الصين الحمراء على روسيا،
وقادة الاستعداء إنما هم حملة أسماء
مسلمة لم تغن من الحق شيئا إذ جهلوا
الإسلام فارتدوا عنه ولم يأخذ بحجزهم
دعوة بالغة أو واقع عملي كريم يرونه
رأي العين في ديار المسلمين.
ترى
كم من المسلمين يعلم أنه قد كان
لألبانيا سنة 1924م ملك مسلم اسمه (أحمد)
وأن عامة مسلمي ألبانيا لا يزالون
مسلمين في حبات قلوبهم وطويات ضمائرهم...
يتلوون تحت القهر والكبت والتمزيق
تلوي الأحرار تلوي شعب عرفناه في
تاريخه يعشق الحرية والكرامة
والاستقلال.
ولكنها
القلة الطاغية المنظمة تقهر الكثرة
المتداعية المبعثرة، مهما عج عجيج
الكثرة وانتسبت بأسمائها وظاهر طقوسها
إلى شبح الإسلام.
لقد
منعت اللغة العربية في ألبانيا،
واعتبر استعمالها جريمة في القانون
الشيوعي، وعرقلت تعاليم الإسلام،
وأغلقت المدارس الإسلامية، وفرضت
مناهج للتعليم تستهدف سلخ الناشئة عن
دينهم وعن كل تراثهم، وحولت المساجد
إلى مستودعات ومخازن ـ وكان عددها قبيل
الطغيان الشيوعي 2500 مسجد! ـ عدا ثلاثة
مساجد أبقوها للخداع وتضليل السياح
وللزعم بأن ثمة حرية دينية في البانيا،
وسجن العلماء وشردوا، واضطر ربع مليون
ألباني إلى الفرار بدينهم، فلجأ
أكثرهم إلى تركيا، ولجأعدد منهم إلى
أقطار أخرى عديدة , هذا عدا ضحايا الغدر
في الداخل وقتلى التعذيب والذين لم ترع
لهم أو لنسائهم حرمة!
إلا
أن مأساة ألبانيا هي العبرة الفذة
الماثلة لكل من زعم أن المسلمين
معصومون من الشيوعية، وأنه لذلك يكفي
تعليلهم في مناورتها بعشر اسلام أو
بخمس اسلام أو بربع إسلام... لأن
الإسلام كله ذو ثقل وخطر لا تضطر
إليهما سياسية المناورة عند أكثر
الساسة الكبار: أما لعلمانيتهم التي
تأبى عليهم أن يستعملوا الإسلام ـ وما
أجهلهم به وبالمسلمين ـ إلا بالقدر
الذي تقتضيه لعبة المناورة على طريقة
الحواه، وإما لعمالتهم التي يدركون في
ظلها أن تنحية حقيقة الإسلام هي طريقهم
إلى رضا السادة وإلى الاستقرار والجاه!
إن
معركة العقائدية لا تصلح فيها المظاهر
دون الحقائق، ولا الدعاوى دون
الوقائع، ولا نسبة ميراث الآباء أو بعض
هذه النسبة دون نسبة الإيمان والوعي
والوفاء وعهد الكفاح.
ثم
إنه ان استقر التسليم بأن الشيوعية
مذهب عقائدي ذو دولة وتنظيم ورجال،
فإنه لن يقوم لها من المسلمين إلا
العقائديون ذوو الروح والفكر والإصرار...
وخليقة العقائديين
ـ ما صدقوا ـ أنهم لا يساومون ولا
يعطون الدنية و لاينال من حقيقتهم عدو
بحيلة أو قوة مال.
إن
العقائديين أصحاب رسالة لا عمالة، وإن
المسلمين منهم سادة أنفسهم لا عملاء
غيرهم: يسجدون لله ولا يستخذون لسواه،
ولا تشتريهم من دون وجه الله بلايين
الروبل أو الاسترليني أو الدولار.
|