في
ظلال الحديث عن الإصلاح مقتضياته
ودواعيه ننقل في مركز الشرق العربي من
الأرشيف هذه الافتتاحية التي تصب
مباشرة في صلب الموضوع الساخن على
الساحة السورية.
افتتاحية
الشهاب العدد الأول 24 نيسان 1955
الضمير
الحي طريق الإصلاح
(تصدر
هذه الصحيفة في وقت تضطرب فيه المقاييس
السياسية والأخلاقية، ويجد فيه الشعب
نفسه مغموراً بأجواء لا تتفق مع طموحه
وآماله ومثله العليا، ولئن كان من
الطبيعي اضطراب الأمور في بدء كل نهضة
فإن من غير الطبيعي أن يستمر القلق
أمداً طويلاً، وأن يفقد الناس ثقتهم
بالأحزاب وزعمائها والحكومات
ورؤسائها. ونحن لا نزعم أننا في (نكسة)
وطنية وخلقية، ولكننا نؤكد أننا في (أزمة)
وطنية وخلقية، وفي الأزمات يفيء الناس
إلى الإيمان يجدون في ظله الراحة
والطمأنينة، ويهتدون بنوره في الظلمات
المدلهمة، ومن دلائل الخير أن تبقى
جذور الإيمان حية في نفوسنا، فهل لهذا
الإيمان أن يسكب برده وطمأنينته على
الشعب حتى لا ييئس ولا ينفجر، وهل لهذا
الإيمان أن يهز ضمائر السياسيين
والزعماء فيبعث دفء الحياة المستقيمة
التي لا تداجي ولا تغالط ولا تنحرف...
ولقد
كنا نظن قبل عشر سنوات أن الذي ينقصنا
هو (البرنامج السياسي الواضح) فإذا بنا
اليوم في غمرة البرامج الواضحة
المحدودة، ومع ذلك فلسنا في حياتنا
السياسية اليوم خيراً منا بالأمس،
وليست أحزابنا السياسية الجديدة أقدر
على إسعادنا من أحزابنا السياسية
القديمة، ذلك لأن الذي ينقصنا الآن هو (الضمير
السياسي المستقيم) هذا الضمير الذي لا
يستحل اليوم ما حرمه بالأمس، ولا يرتكب
وهو في الحكم ما كان ينكره خارجه، ولا
يجعل من مُثُل الشعب وأمانيه متكأ
للوصولية النهمة الجشعة، ولا يزدري
فهم الشعب ووعيه بحيث يستمر في تخديره
بالكلمات الساحرة، والخطب المليئة
بالتبجح والمغالطات. هذا هو الضمير
السياسي المستقيم الذي تحتاج له أمتنا
في أزمتها القائمة، وهو وحده مناط
الرجاء في إصلاح أوضاعها السياسية
والاجتماعية، ويقيننا أن هذا الضمير
لن تربيه الفلسفة ولا العلم ولا
الوطنية ولا القومية فحسب، وإنما
يربيه ـ قبل كل شيء ـ الدين الذي يجعل
علاقة المؤمن بربه أقوى من علاقته بأي
شيء. ويلزم الإنسان بتقديم حسابه لله
قبل أن يقدمه للناس، وينأى بالمؤمن عن
الفساد فلا يكون بوجهه الناجح العف
الصادق، وهو عند الله من الخونة
والسارقين والغاشمين. يوم يدخل الدين
النير الحي إلى قلوب السياسيين
والزعماء، يوجد لدينا (الضمير السياسي
المستقيم) ويومئذ يكتب الله لأمتنا أن
تعود لسيرتها، فتكون (خير أمة أخرجت
للناس).
مصطفى
السباعي
|