مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

آخر تحديث يوم الخميس 25 / 09 / 2003م

ــــ التعريف دراسات  متابعات   قراءات  هوامشرجال الشرق من أرشيف الشرق | صحيفة الشرق العربي |ـ
ـ| مشاركات الزوار |ـجســـور |ـجديد الموقع |ـكــتب | مجموعة الحوار | تقارير حقوق الإنسان | البحث في الموقع |
ـ

.....

   
 

دراســات

وصل إلى مركز الشرق العربي :

حزب العدالة والتنمية في تركيا

رؤية من الداخل

بقلم : مصطفى محمد الطحان

soutahhan@hotmail.com

تحظى تجربة حزب العدالة والتنمية في تركيا..باهتمام الأوساط السياسية في منطقة الشرق الأوسط.. وربما في العالم الغربي كذلك.

وأكثر المهتمين بالأمر الأوساط الإسلامية التي تحرص أن تقول أن هذا الحزب..هو تجربة إسلامية جديدة.. بوجوه جديدة..ومنطلقات وأفكار جديدة..تعمل على التوفيق بين الديمقراطية والإسلام..وتحسم صراع الهوية بين الإسلامية والأوروبية.. وتصالح بين ألوان الطيف السياسي في تركيا فتستقطب المزيد من أصوات الإسلاميين والعلمانيين اليمينيين واليساريين..وتتفاهم مع الجميع عربياً وأمريكياً وإسرائيلياً..

وكنت كتبت مقالاً واحداً حول هذه التجربة..لم يفهم منه القراء كل ما أردت..والحقيقة أني لم أرغب أن أخوض في التفاصيل..أو أن أضع النقاط الساخنة فوق الحروف..مستفيداً من علاقاتي الشخصية مع كل هؤلاء الذين قادوا تلك التجارب السابقة واللاحقة.. واكتفيت بالقول: أن هؤلاء الشباب الذين أصبحوا حكاماً في بلد مهم مثل تركيا.. يتمتعون بالكفاءة والذكاء..ويخوضون معركة شرسة مع القوى الداخلية والخارجية..سيستسلمون لها في آخر المطاف..أو سيصححون مساراتهم.

والأمر الذي دفعني للكتابة مرة ثانية..هو كثرة الكتابات التي بدأت تحلل الحدث..ويدفعها الخيال إلي استنتاجات في غاية الغرابة..

وقبل أن ابدأ .. أحب أن أسأل هؤلاء.. الذين وضعوا كل المحاسن في أشخاص الحزب الجديد..ماذا تركتم لأنفسكم لتقولوه في حال فشل هؤلاء..أو حدوث انشقاق كبير آخر في أوساطهم.. أو إزاء اتخاذهم مواقف يصعب تفسيرها أو قبولها أو الدفاع عنها؟

 الإنسان بطبعه يثني على الناجحين ولا يرى إلا تفوقهم.. ومن طبعه أيضاً أنه لا يرى أي فضيلة لمن سقط..ينسى جميع فضائله..وينسبها لغيره.

ولكن.. هل هذه هي سمة المحللين السياسيين المنصفين؟!

مواقف سياسية

1- وحتى نضع الحدث في سياقه الصحيح.. نحتاج أن نستعرض الأوضاع منذ سقوط السلطان عبد الحميد (رحمه الله)..وانتقال الحكم من قائد الجامعة الإسلامية إلى حزب الإتحاد والترقي القومي الطوراني الذي حكم البلاد وأدخل الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى.

وفي ظل محاصرة الخليفة في قصره..وتمكن الانقلاب بقيادة مصطفي كمال تساعده قوات الاحتلال(اليونان وفرنسا وإيطاليا وبريطانيا).. وسحق القوى الإسلامية التي تدعم الخليفة.. وتنفيذ مقررات مؤتمر كامبل الذي عقد في لندن عام 1905 بضرورة إسقاط الخلافة الإسلامية.. فقد تم عقد مؤتمر لوزان عام 1923 والذي أسفر رسمياً(وبقرار غربي وتوقيع تركي) بإنهاء دور الإسلام في تركيا.. وتحويل البلد إلي بلد أوروبي الشكل والمضمون.. وحكم مصطفى كمال وزميله عصمت أنينو من خلال حزب الشعب حتى عام1945.. وكانت مهمته الرئيسية تثبيت دعائم ومبادىء وشروط معاهدة لوزان.

2- وحكم عدنان مندريس الذي أسس الحزب الديمقراطي حتى عام 1960..وهو لا يختلف سلوكاً ولا سياسة عن الذين سبقوه..كل ما في الأمر أنه  أعطى للمسلمين بعض الحريات الدينية.. وهي حريات متفق عليها بين القوة الأولى (وهي الجيش الحاكم الضامن لمبادئ لوزان) ومجلس الوزراء..ولقد تناول المحللون هذه النقطة فقالوا:إن الوضع المضغوط يحتاج إلي شيء من التنفيس بين الحين والحين حتى لا تتحول النقمة المكبوتة إلى ثورة شعبية يصعب استيعابها.

3- وبعد التنفيس يجري رصد التجربة وقياس المعارضة..ولقد امتدت فترة الرصد بعد انقلاب عام 1960 عشر سنوات كاملة.. حاول الإسلاميون ترشيح علي فؤاد باشكيل   رئيساً للجمهورية؛حتى إذا أمّنوا له الأغلبية في البرلمان..جاء الأمر من السلطة الأعلى فانتخب غيره..هذه الفترة استفاد منها المسلمون استفادة كبيرة..نمت فيها حركة  الترجمة, وتصاعد فيها العمل الطلابي MTTB,ونمت حركة المساجد,وبدأت الصحف الإسلامية تطل علي الجمهور..ولقد عشت هذه المرحلة بكل كياني وانفعلت فيها..وكان لنا دور لا بأس به في العمل الطلابي وحركة الترجمة..وفي نهاية هذه المرحلة أسس اربكان حزب النظام الوطني عام 1970.

4- ولا بأس من استطراد بسيط نفهم  حركة نجم الدين أربكان واستراتيجية المعارضة الإسلامية في تلك المرحلة..

إن سقوط  الدولة الإسلامية منذ إسقاط السلطان عبد الحميد وحتى عام 1924 تاريخ إسقاط الخلافة بشكل رسمي..لم يمر بسلام.. فقد ثار الشعب في الأناضول.. وسقط منه حوالي ربع مليون شهيد..وصنفت الدولة التركية الحركة النقشبندية الصوفية بأنها المعارض الأهم للنظام  العلماني..كانت المعارضة الإسلامية تدعم مندريس وتعرف سلبياته.. واستفادت إلي أقصى حد من الفترة التي تلت سقوطه.. وفي عام 1970 قرر جناحا المعارضة الإسلامية: الحركة النقشبندية بزعامة الشيخ محمد زاهد كتكو، والحركة النورسية التي أنشأها المجاهد سعيد النورسي، إنشاء حزب النظام الوطني، فالوقت قد حان في رأيهم لتصعيد الموقف والتقدم خطوة إلى الأمام.

   وبعد 9 اشهر لم يتحمل( الضباط الضامنون لمعاهدة لوزان) طريقة الحزب الجديد في العمل.. فقدم الجيش بقيادة الجنرال محسن باتور  إنذاراً بحل الحزب في 21 آذار(مارس) 1971 وتولت المحكمة الدستورية تنفيذ الإنذار.

5-  واستمر تحالف الجماعتين الإسلاميتين وشكلا عام 1972 حزب السلامة الوطني الذي خاض الانتخابات وحصل علي خمسين مقعداً من مقاعد البرلمان.. وشكل أول حكومة إئتلافية مع حزب الشعب الجمهوري بزعامة بولنت أجاويد.. وهذا التحالف الذي كان سبباً في انفصال الشريكين النورسيين والنقشبنديين, هو من أعظم المكاسب التي استفادت منها  الحركة الإسلامية على إمتداد ثلث قرن، فقد شهد البروتوكول الموقع بين الحزبين, تراجع حزب الشعب الذي وقع معاهدة لوزان عن بعض شروطها.. مثل:

· الاعتراف بالإسلام السياسي والإئتلاف مع الحزب الذي يمثله.

· تقرير تدريس مادة(الأخلاق) أي الدين الإسلامي في المدارس الحكومية.

· إمكانية أن يلتحق خريجو المدارس الدينية بكل الكليات الجامعية في البلاد.. بما فيها كلية الشرطة..وكانوا من قبل لا يستطيعوا دخول أية كلية باستثناء كلية الشريعة.

· تسلم حزب السلامة الوطني وزارة الداخلية التي تلعب دوراً هاماً في حياة الدول،  بالإضافة إلي سبعة وزارات أخرى ومنصب نائب رئيس الوزراء.

·  اتفقوا على إخراج مساجين الرأي, ودعم الحريات العامة, وحرية الصحافة..

هذه الشروط لا يستطيع إبرامها إلا رجل ذكي محنك مثل نجم الدين أربكان..

6- لقد استفادت الحركة الإسلامية من  هذه الحكومة أكثر مما توقعت قيادات العسكر.. فالوزراء الثمانية وشخصية أربكان تمكنت من صبغ الحكومة كلها بالصبغة الوطنية الإسلامية.. إلى درجة إسقاط وزير الخارجية تحت شعار أنه يحامي عن إسرائيل في احتلالها للقدس. الأمر الذي أدي إلي إنهاء الائتلاف.

كما أن  بعض الأحزاب اليمينية مثل حزب العدالة بزعامة سليمان ديميرال..تمكن من إقناع النورسيين بفض تحالفهم مع النقشبنديين.. وعادوا إلي طريقتهم في التحالف مع الأحزاب مقابل بعض المكاسب.. وفي الانتخابات البرلمانية التالية كان النورسيون هم رأس الحربة التي حورب بها حزب السلامة..وشنّ هؤلاء الأتقياء ورثة الزعيم الإسلامي الكبير بديع الزمان سعيد النورسي، حملات الكذب والافتراءات ضد الحزب الذي ساهموا في تشكيله..كانت النقطة الرئيسية التي ركزوا عليها واعتبروها من أخطاء نجم الدين أربكان تحالفه مع حزب الشعب.. ومع ذلك فقد انتهى بهم المطاف (بعد عشرين سنة) إلى التحالف مع حزب الشعب ذاته بزعامة أجاويد وإعطائه أصواتهم مقابل مكاسب تافهة.

7- في عملية التقييم التي أجرتها القوى التي وكلت بحراسة أهداف لوزان.. قررت المسارعة بإجهاض دور حزب السلامة فقد تجاوز (في رأيهم الحد).. فقام انقلاب عام1980  بقيادة رئيس أركان الجيش كنعان افرين(1). وأعاد الانقلابيون الأمور إلى المربع الأول .. وزج بالقيادات الإسلامية في السجون.. وأحدث الانقلابيون ما يسمى بمجلس الأمن القومي.. أصبح الجيش بموجبه يتولى مباشرة تصحيح الأمور( من وجهة نظره).. واليوم مجلس الأمن القومي الذي جعلوه مؤسسة دستورية هو الذي يتولى مراقبة الأوضاع السياسية شهريا عن طريق اجتماع أركانه.

8- الحدث المهم الذي وقع في أعقاب انقلاب  سبتمبر 1980.. هو تعيين تورغوت أوزال..(وكان أحد شخصيات حزب السلامة,فقد ترشح عن الحزب في منطقة أزمير).. مستشاراً للإنقلابيين.. وكانت وظيفته الأولى هي الترويج للانقلاب والتهجم علي حزب السلامة. فقد أدركوا أن إسلامياً فقط.. يستطيع أن يجهض هذه الصحوة الإسلامية الكبرى.

زار اوزال البلاد العربية واتصل بالشخصيات الإسلامية.. وزار مراكز التأثير الإسلامية  في تركيا لإقناعهم بفكرة تشكيل حزب بديل..وحاول إقناعهم بأن أربكان (وكان لا يزال في السجن)غير مقبول لدى العسكر(والأفضل أن نتجاوز المرحلة بتغيير الوجوه)..واستطاع تورغوت أوزال بمؤازرة أخوه كوركوت أوزال ( الذي كان من دعائم حزب السلامة) أن يستقطب أعداداً كبيرة من شعبية السلامة.. وبعد ثلاث سنوات من الانقلاب.. الذي أعاد العسكر فيه صياغة الحياة السياسية.. حلوا البرلمان.. وألغوا الأحزاب.. وأعادوا صياغة الدستور.. وأوجدوا مجلس الأمن القومي.. ثم أطلقوا من جديد حرية تشكيل أحزاب جديدة.... وأعادت الحركة الإسلامية تشكيل حزبها الرفاه عام 1983.

 وفي الانتخابات البرلمانية فاز فيها حزب أوزال بالأغلبية الكبيرة (فكل القوى الداخلية والخارجية تؤازره).. ولم يحصل يومها حزب الرفاه إلا على (1.5%)..ولقد انتهى استغراب الناس عندما أبرق وزير الخارجية الأمريكي الجنرال هيج إلى أوزال مهنئاً بالفوز الكبير واصفاً إياه برئيس الوزراء.. وبعـد هـذه البرقية وافـــق العسكر على تعيين أوزال رئيساً للوزراء.وبقي أوزال محلاً للتنازع بين الإسلاميين، حتى انتشر فساده وفساد أسرته الأخلاقي والمالي.. وبعد أن جمع حوله الطبقة السياسية المتعفنة، وأسقـط تــركيا في حفرة الديون التي كانت في حدود الـ 30 مليار فتضاعفت أضعافاَ كثيرة بفضل سياسته المنفتحة على الأمريكان وصندوق النقد الدولي ..

9- بدأت مسيرة الرفاه بـ1،5% (هم رجال الدعوة الأوائل الذين شكلوا جميع الأحزاب الإسلامية، النظام والسلامة والرفاه) ثم ارتفع الرقم إلى 6،5% ثم إلى 21،3% وذلك بفضل الإصرار الذي لا يعرف الهزيمة .. والإيمان الذي لا يدركه ضعف .. الذي يتميز به نجم الدين أربكان.

وحتى عندما أصبح الرفاه الحزب الأول في البرلمان .. رفضوا إشراكه في السلطة .. شكلوا في البداية حكومة أقلية من أحزاب فاسدة .. اختلفت على الفساد واقتسام الحصص.. مما اضطر رئيس الجمهورية أن يكلف رئيس حزب الرفاه نجم الدين أربكان بتشكيل الوزارة..

وقبل أن يتسلم أربكان منصب رئيس الوزراء، وأن يشكل حكومته الاتلافية، ذهب إلى البرلمان .. وعلى طريقة الأساتذة .. شرح خطته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للبرلمانيين .. موضحاَ كلامه بالخرائط والخطوط البيانية .. وقال كلمته المشهورة : طبقوا هذا من أجل تركيا .. أو اتركونا نطبقها نحن.

وعندما أصبح العسكر أمام مأزق الفساد .. وضغط البرلمان.. وضغط الشعب الذي يطالب بحكومة نظيفة.. عندها، اضطروا إلى تكليف أربكان بتشكيل الوزارة ضمن القيود التالية :

· تسليم جميع الوزارات السيادية إلى حزب الأقلية.

· كل قرار من مجلس الوزراء يجب أن يوقع عليه رئيس الوزراء ونائبه..

كانت خطة أربكان (في هذه الشروط الصعية) أن تنجح  الحكومة بإيجاد وسائل غير تقليدية لخدمة البلد.. نجاحاً يغير من عقلية العسكر.. ويزيد من تعلق الشعب بها.. ولكن رهانه لم تتح له المدة الكافية أن ينجح..

باعتراف جميع الساسة اليمينيين واليساريين .. والمعلقين الصحفيين.. والقائمين على أمر البورصة..إن عهد أربكان الذي لم يستمر أكثر من سنة واحدة هو عهد الازدهار الأفضل الذي مرٌ على تركيا منذ تأسيس الجمهورية..

لا يسمح مقالنا هذا أن نقول ماذا فعلت حكومة الرفاه .. وكيف نجحت.. وقد نكتب مقالاَ آخر عن هذه الإنجازات.. والذي يهمنا هنا, هو ما بعد هذه المرحلة..

10- كيف أنتهت حكومة أربكان.. ودور أطراف المؤامرة في إسقاطها..؟

· عندما قبل الجيش أن يشكل أربكان الحكومة.. كان يطمح أن يسجل أربكان بيده إنهاء التجربة السياسية الإسلامية..وأربكان براغماتي من الطراز الأول.. ولكنه لا يساوم على المبادئ..

· منذ الأيام الأولى لتسلمه السلطة..أعلن أربكان عدة قضايا اقتصادية(والاقتصاد أكثر ما يشغل بال الأتراك..فالمادية استقرت في نفوسهم) منها إيقاف الاقتراض من الداخل والخارج..تسديد أكبر قسط من الدين الداخلي الذي كان يرهق الاقتصاد.. رفع رواتب جميع الموظفين والجيش والمتقاعدين بنسبة تتراوح بين 50 – 70 %.

ومنها إيقاف الفساد وتوفير 30 مليار دولار من إيقافه.

ومنها إيقاف الضرائب لأي سبب كان..

هذه الإجراءات جعلت الجميع (رجال المال ورجال الإقتصاد والبورصة والموظف والعامل) يشيد بتجربة أربكان الاقتصادية.

·ومنذ الأيام الأولى لحكومة أربكان..وضع شعار حزبه (تركيا جديدة..وعالم جديد) موضع التنفيذ.. كان يريد إنقاذ تركيا من كونها دولة بلا هوية..يستخدمها الغرب لقضاء مصالحه..إلى دولة تفهم دورها..وتتمسك بهويتها وتاريخها وأصالتها..فأعلن عن تشكيل المجموعة الثمانية الاقتصادية..التي مهّد لها بسلسلة زيارات إلى إيران وباكستان واندونيسيا ومصر ونيجيريا وبنغلاديش وماليزيا..

وفي 15 يونيو 1997 عقد في استانبول اللقاء التأسيسي للمجموعة الاقتصادية لأكبر ثمان دول إسلامية يزيد عدد سكانها عن 800 مليون نسمة.

وبدأت الصفقات الاقتصادية..أولها مع إيران بمبلغ 30 مليار دولار..

كانت المجموعة خطوة للحوار مع الغرب..الذي ينظر للإسلام نظرة دونية وينظر للمسلمين نظرة استعلاء واستصغار.

·قبل استلام الحكومة وبعدها حوّل أربكان يوم 29 مايو من كل سنة، إلى مؤتمر إسلامي عالمي يضم قيادات العمل الإسلامي من أنحاء العالم.. يجتمعون لمناقشة أوضاع وقضايا المسلمين.. يرسل وفداً إلى أفغانستان لحلّ خلافات المجاهدين.. يستقدم قيادات العمل في باكستان يحفزهم للتدخل لحقن دماء المسلمين عند جيرانهم.. ومع الزمن أصبح هذا المؤتمر مجموعة من اللجان التربوية والسياسية والطلابية والاقتصادية والاستراتيجية وهكذا.. كان يعتبر استانبول التي كانت عاصمة للخلافة.. تستطيع اليوم أن تحلّ قضايا المسلمين!!

·ولقد سجل الأمريكان في كتاب لهم صدر بعنوان (أمريكا والإسلام السياسي).. قضية إسقاط حكومة أربكان جاء فيه:

(إن اربكان رجل منطقي.. تحاوره فيحسن الاستماع إليك.. ويحاورك فيقدم لك آراء سديدة.. ومع ذلك فقد كان لابد من التدخل لإسقاط حكومته لأسباب ثلاث:

السبب الأول- تحسينه للاقتصاد.. بدون الاعتماد على صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وبدون الاقتراض من  أمريكا.. وهذه مشكلة في حسابات المستقبل.

السبب الثاني- هو إنشاء المجموعة الاقتصادية الثمانية بزعامة تركيا.. وهي خطوة نشاز بالنسبة للنظام العالمي الجديد الذي تقوده أمريكا لاستغلال العالم لمصلحتها.

والسبب الثالث- هو أن اربكان رجل أصولي.. على صلة وثيقة مع الحركات الأصولية في المنطقة..

هذه هي الأسباب الحقيقية لتآمر القوى النافذة داخل تركيا وخارجها لإسقاط حكومة اربكان.. ومن ثم حلّ حزب الرفاه.. ومن ثم الحكم على أربكان بإبعاده عن العمل السياسي لمدة خمس سنوات..

ولم يعد كافياً إيجاد تورغوت أوزال جديد.. بل كان لابد من شق حزب الرفاه من الداخل.. واستخدموا كل أساليب الإغراء في هذه العملية.. وقبل بعضهم هذه الإغراءات ناسياً كل تاريخه ومواقفه ودينه.

11- فالأسباب الحقيقية لإسقاط حزب الرفاه وحكومة نجم الدين اربكان.. لم تكن بالتالي بسبب زيارته لليبيا أو طهران.. ولم تكن بسبب دعوته البعض لإفطار في رمضان.. كما يحلو للبعض أن يقول، بل بسبب الإنجازات الكبرى التي حققها سواء على صعيد البلديات التي رفع فيها شعار الإيمان يعني العمل لخدمة الناس.. أو على صعيد الحكومة.. أو على صعيد تثبيت الهوية.. أو على صعيد إنشاء محور اقتصادي سياسي إسلامي عالمي.. يحاور من خلاله قوى الرأسمالية العاتية(2).

12- أما الحزب الجديد، حزب العدالة والتنمية، فقبل أن نعطي رأينا في هويته، وهل هو استمرار للحركة الإسلامية التركية باستراتيجية جديدة.. أم هو تورغوت أوزال جديد؟

قبل ذلك نحب أن نذكر بعض الحقائق:

· أن زعماء الحزب الجديد قدموا تنازلات كبيرة لمؤسسات مشبوهة داخلية وخارجية عملت باستمرار على إغراق تركيا في أزمتها الاقتصادية والسياسية.

مثل توسياد (مجموعة رجال الأعمال النافذة في تركيا) والتي تقدمت بمذكرة إلى العسكر نبهت فيها من خطر الإسلام السياسي.. وكانت المذكرة بكل بنودها هي جدول

أعمال مجلس الأمن القومي الذي أطاح بحكومة اربكان.

ومثل العناصر العلمانية التي انسلخت من أحزابها لتنضم إلى الحزب الجديد.. ولتنفذ سياسة المؤسسات المشبوهة مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي الذي لم يخف ترحيبه لدعم التجربة الجديدة.

ولقد اضطرت قيادات الحزب الجديد إلى تليين مواقفها للوفاء بتعهداتها المسبقة لهذه المؤسسات.

·إن مستوى التدين العام لدى الشعب التركي قد انخفض بوضوح.. فالخطاب الاربكاني كان يركز على البعد الديني وأهميته في تعريف الهوية التركية.. أما في الحزب الجديد.. فيصرح قادته: (نحن لسنا حزباً دينياً، نحن حزب أوروبي محافظ).. ويؤكد رئيس الحزب: (إن القرآن كتاب ديني، والديمقراطية شكل للحكومة، ومن الخطأ أن نضع الاثنين ضمن تقسيم واحد).. وانتقد رئيس الحزب: (استغلال الدين وتوظيفه في السياسة)..

ومن هذا المنطلق فإنه لا يعطي لقضية مثل الحجاب الأولوية، ولا يريد أن يكون سبباً في صدام مع المؤسسة العسكرية)..

وعندما كتب الأمريكان استراتيجيتهم الجديدة، أثنوا على حزب العدالة والتنمية وقالوا: إنهم فصلوا الدين عن السياسة.

·والسؤال هل هذه الرؤية هي تخل تكتيكي مؤقت، في مواجهة مؤسسة الجيش والعلمانية، وتحايل على الواقع السياسي التركي؟ أم أن الأمر يصل إلى حدود حدوث تغييرات استراتيجية في نمط تفكير ورؤية الحزب على المدى البعيد؟ يقول اردوغان: (إن هذه هي رؤية الحزب الحقيقية، وسيلاحظ المتتبعون له صدقه في الإلتزام بهذه الشعارات). ويتابع اردوغان: لقد غيرنا موقفنا فلماذا لا تريدون أن تصدقوا؟

22/9/2003م

ـــــــــــــــ

(1)  للإطلاع علي المزيد من هذه الأخبار يراجع كتاب كنات اوبراسيونو لمؤلفه افق دمير( باللغة التركية)

(2) ولا بأس من قراءة كتاب الأستاذ اربكان (مستقبل الحوار بين الإسلام والغرب) الذي ترجمه ونشره كاتب هذا المقال. السابق

هذه الدراسة تعبر عن رأي كاتبها

for

S&CS

للأعلى

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إليه ، أو غير معزو .ـ

   

ــ التعريف دراسات  متابعات   قراءات  هوامشرجال الشرق من أرشيف الشرق | صحيفة الشرق العربي |ـ
ـ| مشاركات الزوار |ـجســـور |ـجديد الموقع |ـكــتب | مجموعة الحوار | تقارير حقوق الإنسان | البحث في الموقع |
ـ