مشروع
الشرق الأوسط الكبير ... لماذا؟
م. أيمن الجندي /
مصر
Ayman_20002000@hotmail.com
قال (جورج كانن) المخطط
الاستراتيجي الأميركي عام 1948 بالحرف
الواحد: نحن الأميركيين نمتلك أكثر من
50% من ثروة العالم، بالرغم من أننا لا
نشكل سوى 6% من سكانه، وفي هذه الحالة
تتمثل مهمتنا الرئيسية في المستقبل أن
نحافظ على هذا الوضع المختل لصالحنا،
وكي نفعل ذلك علينا أن نضرب بالعواطف
والمشاعر عرض الحائط، علينا أن نتوقف
عن التفكير بحقوق الإنسان ورفع
مستويات المعيشة وتحقيق الديمقراطية
في العالم.
وفي خطاب ويست منستر أعلن (رونالد
ريجان) في يونيو عام 1982 ضرورة مكافحة
الشيوعية من خلال الأفكار والآراء،
ونشر مبادئ الحرية الأميركية، وكان
الكثيرون يتساءلون، هل يمكن لرئيس
أميركي أن يلقي خطاباً مشابهاً، يتحدث
فيه بالتحديد عن الديمقراطية في الشرق
الأوسط؟ أم أن واشنطن في علاقاتها مع
الشرق الأوسط تستثنيه من دعواها
للديمقراطية، فيما عدا بعض الأنظمة أو
بعض الحكومات، التي قد تكون لديها
مشكلة معها، كما حدث مع العراق على
سبيل المثال.
وقد حدث بالفعل في اللحظات
الأخيرة، ودون إعلان مسبق أُعْلِنَ
بأن الرئيس الأميركي سيلقي خطاباً
هاماً عن الديمقراطية في الشرق
الأوسط، وأن هناك تحولاً في السياسة
الأميركية، يريد أن يضع به (بوش) الابن
بصمته التاريخية مثلما وضع رونالد
ريجان بصمته التاريخية في خطاب ويست
منستر في عام 82.
يقول جورج بوش: لقد تبنت
الولايات المتحدة سياسة جديدة، وهي
استراتيجية متقدمة للحرية في الشرق
الأوسط، وهذه الاستراتيجية ستتطلب نفس
المثابرة والجهد والمثالية التي
أظهرناها من قبل، وسوف تأتي بنفس
الثمار.
وقال أيضاً: يجب أن نتذكر بأن
المسألة ستأخذ عقوداً، لأن رونالد
ريجان حين تحدث عن إنهاء الشيوعية
والأنظمة القمعية في الاتحاد السوفيتي
وأوروبا الشرقية، أخذ الأمر أيضاً
عقداً أو عقدين حتى اكتمل.
ويقول: في البحرين في العام
الماضي انتخب المواطنون أعضاء
برلمانهم لأول مرة في حوالي ثلاثة
عقود، وقد منحت عُمان حق التصويت لكل
البالغين، وفي قطر دستور جديد، ولليمن
نظام سياسي متعدد الأحزاب، والكويت
تتمتع بمجلس وطني يتم انتخابه مباشرة،
والأردن عقد انتخابات تاريخية في
الصيف الماضي.
وعن المصالح الأمريكية في
الشرق الأوسط يقول المدافعون عن هذه
السياسة: لو أننا نريد خدمة مصالحنا في
الشرق الأوسط، ولو أردنا أن يكون لنا
مستقبل في المنطقة فيجب أن نتطلع إلى
أناس يمتلكون حريتهم، يستطيعون تغيير
أمورهم والتحكم بمصائرهم بشكل عادل
ومنصف وقتها ... لن تكون هناك حاجة إلى
وجود الواسطات والمحسوبية للتقدم في
الحياة.
والسؤال هنا :
نصدق من؟؟؟
جورج كانن ذلك الرجل الذي
يدعو إلى ضرب عرض الحائط بالعواطف
والمشاعر والتوقف عن التفكير بحقوق
الإنسان ورفع مستويات المعيشة وتحقيق
الديمقراطية في العالم.
أم نصدق جورج بوش الذي يأمل في
نشر الديمقراطية في الشرق الأوسط
والاصلاحات لأجـل عيـون العــرب –
المقهورين في نظره إنسانيا – ويطلب
الصبر والمثابرة.
من الواضح أنه منذ سقوط جدار
برلين وانهيار الإمبراطورية
السوفيتية وجدت الولايات المتحدة
ضالتها في الهيمنة على العالم ليصبح
أحادي القطب، وبدا حل القضايا
العالمية على الطريقة الأميركية مثل
الشرق الأوسط، البوسنة، والصومال.
وكان مؤتمر مدريد للسلام عام 91 بعد ضرب
العراق وعزله، الفرصة المثالية لترسخ
واشنطن أقدامها في الخليج، قواعد
وأساطيل وأسواقاً للسلاح، وانفرط
العقد بعيداً عن مرجعية الأمم
المتحدة، ونتاجاً لهذه الهيمنة
الأمريكية على العالم ابتعد الولايات
المتحدة في كثير من خطواتها عن الأمم
المتحدة بل توصل الأمر إلى استخدام
موظفيها لأغراضها الخاصة كما أشيع عن
تجسس فرق التفتيش عن أسلحة الدمار
الشامل العراقية لحساب وكالة
المخابرات الأميركية الـ CIA.
المسألة جديدة ولكنها نوع من
التداعيات للمد الديمقراطي ومن
الصعوبة أن نحدد من أين اندلعت هذه
النقطة في واشنطن ولكن المحصلة أن هناك
نوع من الإجماع العام على أن الشرق
الأوسط فيه خلل وأن الديكتاتوريات
تحاول أن تغذي التطرف الإسلامي وأن
المنطقة في حاجة بشكل أو بآخر إلى
الانفتاح نحو الليبرالية ويحاولون أن
يجدوا حلا لهذا.
وسعياً لعولمة هذه الخطوة
وكسب تأييد الجانب الأوربي - ولو على
مضض منه - نجد الإدارة الأميركية تحاول
تأسيس وتأطير قناعتها بما شكله خطاب
الرئيس الأميركي فيما يتعلق
بديمقراطية المجتمعات العربية من خلال
اعتماد هذه القناعة من قبل القوى
الصناعية العظمى حيث أن الإدارة
الأميركية بدأت تكتشف التكاليف
الباهظة المترتبة عن مثل هذا المشروع
فتطوير المشروع الديمقراطي هو قضية
معقدة ومركبة وتتطلب وقتا واستثمارا
هائلا ومن ثم الحقيقة بدأت الإدارة
الأميركية تدرك أهمية مشاركة القوى
الصناعية الكبرى وخاصة الأوروبية
سياسيا واقتصاديا ومعنويا في مساعدتها
على القيام بمثل هذه المبادرة في الشرق
الأوسط مستغلة رغبة أوروبا في إيجاد
صيغ تعاون إقليمية وسعيها تقسيم منطقة
العالم العربي لتعاون أمني مع شمال
أفريقيا وتعاون اقتصادي مع البحر
المتوسط وتعاون اقتصادي أيضا مع دول
الخليج، فبالتالي هناك عدة محاولات
لإعادة تعريف المنطقة ولصياغة علاقات
معينة خارج مفهوم الوضع السياسي
والصراع العربي الإسرائيلي ومحاولة
تطبيع علاقات مسبقة.
وخطاب وزير الخارجية
الألماني يوشكا فيشر يؤكد ذلك عندما
قال بأننا نريد مشروع تنموي متكامل
وعلاقات اقتصادية مبنية على تحول
ديمقراطي في المنطقة وإصلاح عربي
وتنمية مستدامة، كانت هذه محاولة
للتحايل أيضا على القضايا السياسية
الجوهرية التي هي مصدر عدم الاستقرار
ومصدر التطرف أيضا، ويعتبر هذا –
ضمنياً - إعلاناً أن هناك دور أوروبي
ضمن المفهوم الأميركي ، ستدخل أوروبا
الساحة أو الحلبة السياسية بالمفاهيم
الأميركية ضمن قواعد اللعبة الأميركية
حتى ولو على مضض متفقة معها على ضرورة
التخلص من تعريف الهوية العربية
والقومية العربية كمصدر تعريف ذاتي
للعديد من الدول والتعامل مع الشرق
الأوسط الكبير باعتباره أكبر من هوية
عربية أو متغير أو أكبر من هوية
إسلامية، ومتفقة
معها أيضاً على ألا يكون هناك تعمق في
المسألة الخاصة بالمواجهات
الفلسطينية الإسرائيلية.
ورغم كل هذا فإنه لا يخفي أن
هناك بعض ملامح الخلاف والقلق الاوربي
من تبعيته لأمريكا ويتضح ذلك في اجتماع
وزيرة الأمن القومي كوندليزا رايس مع
عدد من السفراء حاولت فيه إقناع
السفراء الأوروبيين بالعمل سويا مع
الإدارة الأميركية من أجل دفع عجلة
القطار الديمقراطي في المجتمع في
العالم العربي، وكانت أسئلة السفراء
الأوروبيين قد أظهرت مخاوف السفراء
الأوروبيين واختلاف رؤيتهم عن الأسلوب
الأميركي وتمثل هذا الخلاف في نقاط
ركزت على أهمية الثقافات المحلية،
وعلى أهمية عدم المساس بالشعور الديني
الإسلامي، وعلى أن أي مبادرة يجب أن
تكون مشاركة فعلية من قبل القوى العظمى
والمجتمعات والدول العربية والأهم من
ذلك أسئلة السفراء الأوروبيين ركزت
على أن هذه المبادرة يجب أن تأخذ بعين
الاعتبار حلولا للصراعات الإقليمية
وردم الفجوة بين العرب والدول الغربية.
كل هذه الشراكة تتم هناك في
العالم الغربي .. ولم يهتم أحد بماذا في
الجانب الشرقي ..
ماذا عن رد فعل المثقف العربي
والشارع العربي الذي يريد الديمقراطية
فعلا وقد لا يتفق تماما مع حكوماته
لكنه أيضا لديه تحفظات على حكومة بوش
ومن معه بشأن ما يطرحون؟
هنا تكون
الإشكالية...
التحول السلمي نحو
الديمقراطية للإنماء الاقتصادي للحاق
بالركب بالنسبة لفجوة المعرفة وإيجاد
المجتمع المعرفي وبين المفهوم الذي
نعمل ضمنه؛ هل هو تعريف أميركي لما هو
مطلوب أم هي حركات أصيلة منبثقة من قلب
الواقع العربي؟ هل يمكن أن تأتي
الديمقراطية وكأنها نوع من الإملاء أو
الفرض إن كان التدخل العسكري قد أتى
بنتائج سلبية كما حدث في العراق؟ وهل
من الممكن أن يكون استخدام مثل هذه
القضايا التنموية والإصلاحية إلى آخره
ذريعة لعدم معالجة الأسباب الرئيسية
لعدم الاستقرار والنزاع في المنطقة
بكاملها وأسباب التطرف بما في ذلك
أيضاً التعامل غير المنصف والمجحف مع
الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية
والتي غذت التطرف في المنطقة، والسؤال
الأكبر .. هل يمكن تحييد موضوع الصراع
العربي الفلسطيني؟
الشارع العربي يرى أن من
مصلحة الدول العربية أن تقوم بتحول
ذاتي ديمقراطي وبتطوير وبعملية إنماء
متكاملة وعلى حكوماته التي تبنت
السلام كخيار استراتيجي أن تتبنى
استراتيجية للسلام واستراتيجية تحول
ديمقراطي وتنمية وهذه قضايا لابد وأن
تسير بقرار داخلي. وهذا يتطلب نظرة
أكثر دقة وتمحص في الواقع العربي. لأن
أي تدخل خارجي في هذه الشئون لن يكون له
ثمرة إيجابية ولاسيما اذا كان التدخل
أمريكيا فهذا لن يجد قبولا وإن كان
الرفض ليس للاصلاح في حد ذاته وإنما
الرفض للوجود الأجنبي وتعليل ذلك يعود
إلى أسباب كثيرة مثل الدعم الأمريكي
الأعمى لإسرائيل والذي أحدث خللاً
كبيراً بالمنطقة نتيجة للتحالف
والاندماج الاستراتيجي بين الدولتين،
وقضية فلسطين والوجود الأمريكي في
العراق، والتهديد بمحاسبة سوريا،
والاصرار على نزع الأظافر العسكرية
الإيرانية بوصفها دولة مسلمة، كل هذا
أفقد أمريكا مصداقيتها في أنها تريد
بهذه المنطقة خيراً.
ومما يزيد من هذا التشاؤم هو
الفهم الجيد لخلفية هذه المبادرة إذ
أنها تنطلق من قناعة الولايات المتحدة
الأمريكية بأن هناك علاقة عضوية بين
التطرف الديني والعنف وغياب
الديمقراطيات في المجتمعات العربية
وأيضاً هناك اعتقاد بأن مفجري برجي
التجارة خرجوا من نفق المجتمعات
المغلقة والسلطوية في المجتمعات
العربية وللأسف ليتها تدرك بأن
التصعيد في الصراع الفلسطيني
الإسرائيلي واحتلال العراق هو المصدر
الرئيسي للعنف وما تسميه بالتطرف،
الشعوب العربية محتقنة للغاية في
علاقتها مع أميركا وهي تراها تبتعد عن
مرجعية الأمم المتحدة ومجلس الأمن في
ضرب العراق أو السودان أو فرض عقوبات
على ليبيا في حين أنها تذهب إلى المجلس
نفسه عندما يكون هنالك فيه مشروع إدانة
لإسرائيل.. لاستخدام حق الفيتو اذا كان
التصويت لادانة اسرائيل في اعتداءاتها
الكثيرة على لبنان أو سوريا أو فلسطين.
كيف يكون الوضع ... ومثلث
المصالح الأمريكية لا يجهله أحد ..
اسرائيل والاندماج الاستراتيجي
الكامل، الثروة النفطية، حماية
الأنظمة الموالية لها، وقد وفرت
أمريكا لحماية هذه المصالح الثلاث
الكثير من القواعد العسكرية والجيوش
الكاملة بالمنطقة حتى تكون درعاً
واقياً لكل من تسول له نفسه بالتنفس
تجاه هذه المصالح.
كيف تكون أمريكا اذا رسول
الديمقراطية للمنطقة العربية ولا يوجد
شخص واحد يقبل بوجود قواعدها وجيشها
على أرضه، هل هذا منطق؟ كيف تكون داعية
للتنمية والاصلاح والسلام وتقرير معهد
(سيبري) السويدي لدراسات تجارة التسليح
يقول: أن الدول العربية قد أخذت سلاحاً
غالبه أميركي في الفترة من عام 1990 إلى
نهاية القرن قيمته 506 مليار دولار،
بينما كل السلاح الذي أخذته الدول
العربية الأساسية مصر وسوريا والعراق
في الفترة من أوائل الخمسينات حتى
نهاية حرب 73 وخاضت به حروباً ضد
إسرائيل قيمته الكلية 2800 مليون دولار.
هذا بالنسبة للشارع العربي
الذي كلنا منه فماذا عن الأنظمة
العربية التي تنظر إلى كينونتها
ووجودها بأنها يجب أن تكون قريبة من
الموقف الأميركي أو أن تتفادى الهجمة
الأميركية عليها بدلا من أن تتعامل
بإيجابية مع شعبها وأن تدرك بأن مصدر
الشرعية هو الشعب والديمقراطية
الأصيلة الحقيقية بدلا من اعتقادها
بأن مصدر البقاء والشرعية هو الرضا
الأميركي.. وماذا عن المحاولات الفردية
لبعض الأنظمة للهروب من الغضب
الأمريكي ..
هذه
الدراسة تعبر عن رأي كاتبها
|
|