الصهيونية:
الأطماع
واقتراحات المواجهة
أ.د.
أسعد السحمراني*
1 – التعريف:
"صِهـْيون": كلمة كنعانية بمعنى
الجبل المشمس أو الجاف، ومن معانيه:
الحُصُن.
"صِهيون"
ربوة تطل على مدينة القدس، اتخذها
اليبّوسيون وهم من أصل كنعاني موقعاً
وحصناً يسكنه الحاكم، وكان ممن أقام
فيها الشيخ سالم اليبوسي حوالي العام
2500 قبل الميلاد.
فتدوين
العهد القديم بأقسامه الثلاثة:
التوراة، وأسفار الأنبياء, والكتابات،
استمر حوالي ثمانية قرون، فقد بدأ
التدوين في القرن الحادي عشر قبل
الميلاد وظهرت أول نسخة من العهد
القديم في القرن الثالث قبل الميلاد.
وقد شحن كُتّاب العهد القديم نصوصه
بمزاعم الشعب المختار التي قادتهم إلى
الإستعلاء والعنصرية، وبكتابة محطات
التاريخ وفق أهوائهم وأطماعهم وقد
سكبوا فيها مزاعمهم المختلفة بحقوقٍ
تاريخية في فلسطين والقدس، وهي أرض
كنعان ولا علاقة لهم بها.
وقد
انطلقت الأطماع الصهيونية بفلسطين من
نصوصٍ في العهد القديم منها الزعم
القائل: "وأعطيك أرض غربتك لك ولنسلك
من بعدك جميع أرض كنعان ملكاً مؤبداً
ويكون لهم إله". وفي نص آخر: "في
ذلك اليوم بَتَّ الرّب مع ابراهيم
عهداً قائلاً: لنَسلِك نعطي هذه الأرض
من نهر مصر الى النهر الكبير نهر
الفرات".
إذاً
الصهيونية حركة تعمل بدوافع متعددة
منها الدافع الديني لاغتصاب فلسطين
وغيرها من الأراضي العربية وبالتالي
فإن الصهيونية حركة تعمل من أجل الغزو
الإستيطاني والتوسع.
2
– نشأة الصهيونية:
بدأ
مسار الحركة الصهيونية منذ أكثر من
أربعة قرون في أوروبا مع
البروتستانتية التي فرضت تفسيراً لبعض
نصوص العهد القديم، وكان هذا التفسير
يقوم على التزام بعض النبوءات
المزعومة في العهد القديم والتي تؤسس
لإغتصاب فلسطين، وذلك تحت ستار أنها
أرض الميعاد.
فالكاثوليكية
كانت قد التزمت مفهوماً بلوره القديس
أوغسطين وهذا المفهوم لم يقرّ أي حق
ليهود في أرض أو مدينة أو هيكل، أما
البروتستانتية التي التزمت بالعهد
القديم فقد نشأت الصهيونية في وقت مبكر
في أحضانها. ويؤكد ذلك أن الحديث عن حق
يهودي في فلسطين قد نشأ أو انطلق في
بريطانيا التي تحوّل ملكها هنري
الثامن في أواخر القرن السادس عشر الى
البروتستانتية، وقد ردد قادة بريطانيا
مقولة: أرض بلا شعب لشعب بلا أرض.
وقد
تصاعد الحديث في بريطانيا وبين
البروتستانت عموماً عن العودة الثانية
للمسيح وأن ذلك لا يكون الا بعد
استيلاء يهود على فلسطين وتجميعهم
فيها وفق الوعد المزعوم، ويهود بزعم
هؤلاء سيعترفون بالمسيح مع المجيء
الثاني.
وبين
بروتستانت بريطانيا برزت مجموعة تعتمد
الغُلوّ والتطرّف الديني وقد استخدمت
لها كلمة أصولية لأول مرة في القامــوس
الأوروبي (fondamentalisme)، وقد أطْلِق عليها إسم (puritan)، أي التطهريون وقد شكل هؤلاء
الطلائع الأولى التي هاجرت الى أرض
الولايات المتحدة الأميركية يوم هاجر
الأوروبيون الى القارة الأميركية بعد
اكتشافها، وكان البيوريتان من غلاة
البروتستانت واعتبروا غزوهم لأرض "نيو
إنجلند" رسالة خصهم بها الله وقد برز
البعد الديني المشبع بروح الإستعلاء
والغطرسة والإجرام، وهذا البعد مستمد
من الثقافة التي أخذوها من العهد
القديم، وكان من نتائج غزوهم إبادة
عشرات الملايين من الهنود الحمر سكان
البلاد الأصليين واسترقاق ملايين
الأفارقة وبعدها التصرف على أنهم أمة
مختارة ولها دور قيادي عالمي.
أما
في البعد الثقافي فإن الثقافة العبرية
كانت الأساس في الأرض الجديدة حيث
اعتمدوا الأسماء العبرية لأبنائهم
وكذلك لقراهم وكان أول كتاب طُبع في
الولايات المتحدة بعنوان: (psalm
pay) وهو
ترجمة لسفر المزامير من العهد القديم
اليهودي، والأمر نفسه برز في تأسيس
الجامعات، فأول جامعة أنشئت كانت
جامعة هارفرد في عام 1636، وكان الطالب
لا يُقبل فيها إلا إذا أتقن العبرية،
وفي العام 1642 نوقشت فيها أول أطروحة
وعنوانها: العبرية هي اللسان الأم.
أما
في بريطانيا فقد وضع هنري فانش مستشار
ملك بريطانيا عام 1621 مشروعاً على شكل
بحثٍ عنوانه: الإستعادة العظمى
العالمية، والمقصود بها إستعادة يهود
لفلسطين وفق الحق المزعوم.
وقد
بدأت هذه الإتجاهات بالنماء في
بريطانيا والولايات المتحدة
الأمريكية وفي كل موقع ينتشر فيه
البروتستانت وفي هذه النشأة كان
التطلع الى الإستعمار والغزو من قبل
أوروبا لفلسطين وللأرض العربية
مترافقاً مع هذه المفاهيم الدينية
وبذلك تكون الصهيونية غير اليهودية قد
نشأت قبل الصهيونية اليهودية بقرون،
فالمعلوم أن الإنطلاقة الفعلية للحركة
الصهيونية اليهودية كانت مع تيودور
هرتزل في المؤتمر الذي انعقد بدعوة منه
في مدينة بال السويسرية خلال شهر آب/
أغسطس من العام 1897.
وبمقابل
ذلك نجد أن النشاط البريطاني قد بدأ
فعلياً سنة 1839 عندما عيّن وزير خارجية
بريطانيا بالمرستون نائباً لقنصل
القدس هو وليم يونج الذي كان أشد
المتحمسين للمشروع الصهيوني.
وفي
عام 1845 اقترح إدوار بتروفورد، من مكتب
المستعمرات في لندن إقامة دولة يهودية
في فلسطين تحت الحماية البريطانية وأن
هذه الدولة ستكون خادمة لمصالح
بريطانيا الإستعمارية، وعند هذا الحل
التقت المزاعم التوراتية مع الأطماع
الإستعمارية وبدأت الأمور تأخذ طريقها
الى حيّز التنفيذ، وقد تأسس بفعل ذلك
"صندوق استكشاف فلسطين" عام 1865
وكان برئاسة رئيس أساقفة كانتربري
ورعاية الملكة فكتوريا.
وقد
توصل هذا المسار السياسي البريطاني
المتهوّد الى نقطة حاسمة في المشروع
الصهيوني في 2/11/1917 مع وعد بلفور وزير
خارجية بريطانيا يومذاك لقادة
الصهيونية اليهودية بالعمل من أجل
اغتصابهم لفلسطين، وبذلك تكون
بريطانيا التي تسيطر عليها الصهيونية
غير اليهودية قد تبنّت المشروع
الصهيوني في الإحتلال، والتوسع.
أما
مسار الصهيونية غير اليهودية في
الولايات المتحدة الأميركية فقد كان
في الإتجاه نفسه لا بل قام الأمريكيون
بخطوات عملية في إطار الغزو
الإستيطاني، ففي سنة 1866 قاد القس آدم
أكثر من 150 رجل دين بروتستانتي من ولاية
ماين ( maine)
للإستيطان في فلسطين، وبعدها بسنة قام
سبعون أمريكياً بإقامة مستوطنة أخرى،
ولم يكن الرؤساء الأمريكان إلاّ ضمن
هذه الخطة، فقد كتب الرئيس الأمريكي
جون آدامز رسالة إلى صحفي يهودي مانويل
نوح في العام 1818 ومما قاله فيها: "أتمنى
أن أرى ثانية أمة يهودية مستقلة في
يهودا".
ومن
النماذج عن الصهيونية غير اليهودية في
أمريكا القس وليام بلاكستون (1841 – 1935)
الذي ألف كتاباً عنوانه: "عيسى قادم"
في العام 1878 وهو يدور حول النبوءة
التوراتية المزعومة، وقد أسس بلاكستون
عام 1887 منظمة سماها: "البعثة العبرية
نيابة عن إسرائيل" وإسمها حالياً:
"الزمالة اليسوعية الأمريكية"
وهي من أبرز جماعات الضغط (Lobby)
لمصلحة الصهيونية.
وتوالت
بعد ذلك النشاطات والتجمعات الأميركية
العاملة من أجل تحقيق الأطماع
الصهيونية.
نجد
على الطرف الآخر اعتراضاً كاثوليكياً
في الفاتيكان علىالمزاعم الصهيونية،
حيث أعلن البابا بيوس العاشر في 26/1/1904،
بعد لقائه بالصهيونية اليهودي هرتزل،
معارضته للحركة الصهيونية وللهجرة
اليهودية الى فلسطين.
وقد
تطور النشاط الصهيوني غير اليهودي في
الربع الأخير من القرن العشرين من خلال
ظواهر متعددة سيكون الحديث عنها
لاحقاً في هذا البحث.
وما
دام الحديث عن نشأة الصهيونية فلا بد
أن نعرّج على الصهيونية اليهودية التي
بدأت مع هرتزل في العام 1897 والتي
انطلقت كحركة سياسية بناءً لرغبة
يهودية ولإرادة أوروبية تريد زرع جسم
غريب في قلب الأمة العربية ليمنعوا
وحدتها وليحققوا المصالح الأوروبية
عموماً والبريطانية خصوصاً، لأن
أوروبا أرادت أن تصنع أداة لخدمة
مصالحها من جهة، وأرادت كذلك أن تتخلص
من الأحياء اليهودية المغلقة "غيتوات"
وهذا الأمر يفسر السبب في نشأة الحركة
الصهيونية اليهودية في أوروبا الغربية.
لقد
عملت المنظمة الصهيونية اليهودية على
استقدام يهود إلى فلسطين لممارسة
الغزو الاستيطاني الإحلالي مع الإشارة
إلى أن عدد يهود في فلسطين كان في العام
1837 بحدود 8000 نسمة، وحتى العام 1903 كان
عدد يهود من الوافدين مع أهل البلد 25000
نسمة.
إن
هذه الأرقام مضافاً إليها الحقيقة
القائلة وفق المصادر اليهودية بأن 92 في
المئة من يهود العالم من أصل خزري،
نسبة الى بحر الخزر (قزوين)، تفضح
المزاعم الصهيونية بالحق التاريخي في
فلسطين.
3
– هرمجدّون والأطماع الصهيونية:
إن
الصهيونية بنوعيها اليهودي وغير
اليهودي (الأميركي - الكنيسة التدبيرية
تحديداً) تقوم على أساس واحد لجهة
الإغتصاب وثقافة العصابة. فالولايات
المتحدة الأمريكية أرض سكنها أهلها من
الهنود الحمر حتى القرن السادس عشر
الميلادي، وفد إليها تجار وعصابات
يتقدمهم البيوريتان الإنكليز، وقامت
هذه العصابات بإبادة أهل البلاد
والإستقرار مكانهم، كان ذلك غزواً
استيطانياً إحلالياً، وهذه العصابات
المسلحة التي أبادت شعباً واحتلت
أرضاً قامت كذلك بغزو استرقاقي للقارة
الأفريقية كانت تلاحق فيه الأفارقة
كما يلاحق الصياد صيده وتنقلهم
بالبواخر لتستعبدهم وتسخرهم وكانت
تلقي طعمة للسمك من تريد منهم عندما
تضطرب أمواج البحار والمحيطات بسفنهم
وبذلك قامت الدولة في نيو إنجلند على
غير ما هو طبيعي في قيام الدول.
والأمر
نفسه جرى في فلسطين المحتلة حيث جاءت
العصابات الصهيونية اليهودية المسلحة
المدعومة من بريطانيا والغرب وبعد
الحرب العالمية الثانية من أمريكا،
ومارست هذه العصابات غزواً استيطانياً
إحلالياً حيث أبادت بالمجازر، أو هجرت
قسرياً المواطنين الفلسطينيين، وقامت
هذه العصابات بتأسيس دولة عدوة
إسرائيلية مغتصبة بالطريقة نفسها التي
قامت بها دولة الولايات المتحدة
الأمريكية، أي أن عصابات احتلت أرضاً
طردت أو قتلت أهلها وأقامت سلطتها على
أساسها.
تأسيساً
على ما تقدم نتج توحد في منطلقات
وثقافة قيام السلطة بين الأمريكي
والإسرائيلي، بهذا صرّح جورج بوش في
نيسان/ أبريل 2002 يوم اجتاح شارون الضفة
الغربية، معرفاً شارون بأنه رجل سلام،
ولذلك لا يرى قادة أمريكا المتصهينون
مشكلة في دعم الأطماع الصهيونية
اليهودية بسبب وحدة النشأة من جهة،
والفكر الديني النابع من مزاعم في
العهد القديم من جهة ثانية، وبسبب
التخطيط الأمريكي كي يكون العدو
الإسرائيلي حارساً لمصالحهم في محيط
فلسطين الجغرافي من جهة ثالثة.
وتلتقي
الصهيونيتان اليهودية وغير اليهودية
على الأطماع في فلسطين وما حولها،
ويربطون ذلك بالمجيء الثاني للمسيح،
وأن ذلك سيكون بعد جملة خطوات لا بد
منها وهي:
1
– تجميع يهود في فلسطين المحتلة على
أنها أرض الميعاد كما يزعمون.
2
– تهويد القدس على أنها حسب زعمهم
عاصمة الكيان الإسرائيلي العدو
المغتصب.
3
– تقويض المسجد الأقصى، وإقامة الهيكل
المزعوم على أنقاضه، وأقول المزعوم
لأن التنقيب الذي قام به الإنكليز منذ
أواخر القرن التاسع عشر حتى العام 1954،
وبعدها التنقيب الإسرائيلي منذ العام
1967 حتى العام 1999 لم يسعفهم بالعثور على
آثار لهيكل في القدس، وقد أصدرت اللجنة
الإسرائيلية المكلفة بالتنقيب
تقريرها تقول فيه: لا أثر لهيكل سليمان
في القدس أو ربوعها، والتقرير موقع من:
جدعون أفني, وزوني رايخ، وياشير
زاكوبتش، وزئيف هرتسوغ، وتوفيا ساجيف.
4
– وقوع معركة هرمجدّون المزعومة والتي
ستكون معركة نووية فاصلة حسب زعمهم
تسبق المجيء الثاني للمسيح. و"هار"
كلمة عبرية معناها: ربوة أو تلّ. أما
"مجدّو" فهو موقع كنعاني ومعنى
الكلمة: مخيم أو معسكر الجنود وهو مكان
تل المتسلم في فضاء حيفا. ويقع حالياً
على بعد 20 ميلاً الى الجنوب الشرقي من
حيفا، و15 ميلاً عن شاطىء البحر المتوسط.
ومعركة
هرمجدّون التي يقول بها الصهاينة
بمختلف تفريعاتهم كشهود يهوه واليمين
الأمريكي بكل مجموعاته، ويهود يردون
سبب الحديث عنها إلى نصوص في العهد
القديم منها ما ورد في سفر زكريا في
الإصحاح الثاني عشر: "ويكون في ذلك
اليوم إني أطلب إبادة جميع الأمم
الزاحفة على أورشليم. وأفيض على بيت
داود وعلى سكان أورشليم روح النعمة
والتضرعات، فينظرون إليّ. أمام الذي
طعنوه فإنهم ينوحون عليه كما يُناح على
الوحيد، ويبكون عليه بكاءً مراً كما
يُبكى على البكر. في ذلك اليوم، يشتد
النوح في أورشليم كنوح هددرمّون في سهل
مجدّون".
وهددرمون
إسمها اليوم: الرمانة. و(هدد) و(رمون)
إلهان من المعبودات الوثنية القديمة
تنسب إليهما المدينة وهي قرب مجدّو في
حرج إبن عامر في سفح جبل الكرمل, وهناك
جرت عدة معارك عسكرية عبر التاريخ.
وورد
في سفر القضاة في الإصحاح الخامس: "اتى
الملوك وقاتلوا، قاتلوا ملوك كنعان،
في تعناك عند مياه مجدّو".
والصهاينة
يبشرون منذ مدة بقرب نهاية العالم مع
معركة هرمجدون، فشهود يهوه زعموا أن
التاريخ هو في العام 1914 وبعدها بدأوا
يسوّفون في الموعد، والصهاينة غير
اليهود في أمريكا منهم بيلي غراهام
الذي حذر عام 1970 من قرب نهاية العالم مع
معركة هرمجدّون، وبعده جيري فالويل في
2/12/1984 الذي ابتدأ قداساً بالقول: إن
نهاية العالم قد حانت، وحان وقت معركة
هرمجدّون.
ومعركة
هرمجدون الحاسمة حسب زعمهم سيعقبها
المجيء الثاني، ومع هذا المجيء يبدأ
العهد الألفي السعيد، أي سيبدأ عهد
يستمر ألف سنة تنتفي فيه الحروب، ويسود
الإستقرار، وتتحقق السعادة.
4
– الفكر الديني اليهودي والتأصيل
للعنصرية والإجرام:
إن
العنصرية الصهيونية اليهودية تقوم على
الفكر الديني اليهودي من العهد القديم
ومن التلمود، وقد ذهب بعضهم إلى أن
الصهيونية ناشئة من ثقافة التلمود
وتعاليمه، والحقيقة أن العنصرية
الصهيونية بكل جوانبها نابعة من أسفار
العهد القديم والتلمود معاً فهي إذاً:
توراتية تلمودية. وهذا الامر بيّنٌ
واضح من النصوص ولا يحتاج التعرف عليه
الى كبير عناء.
وأول
منطلق لهذه العنصرية فكرة الشعب
المختار التي ولّدت عندهم عقدة
الإستعلاء ونزعة احتقار كل من ليس
يهودياً حيث يسمون غيرهم: الغوييم أو
الأغيار. من النصوص التي تؤصّل للإجرام
والقتل عندهم نص من سفر تثنية الإشتراع
في الإصحاح العشرين يقولون فيه: "حين
تقرب من مدينة لكي تحاربها أدعها الى
الصلح، فإن أجابتك إلى الصلح وفتحت لك
فكل الشعب يكون لك تحت السخرة ويستعبد
لك. وإن لم تسالمك بل عملت معك حرباً
فحاصرها، وإذا دفعها الرب إلهك الى يدك
فاضرب جميع ذكورها بحدّ السيف, وأما
النساء والأطفال وكل ما في المدينة
يكون غنيمة لك.. وأما مدن أولئك الامم
التي يعطيها لك الرب إلهك ميراثاً فلا
تستبق منها نسمة".
وفي
نص آخر من السفر نفسه في الإصحاح 13
يقولون: "فاضرب أهل تلك المدينة بحدّ
السيف وأبسلها بجميع ما فيها حتى
بهائمها بحدّ السيف. وجميع سلبها اجمعه
إلى وسط ساحتها وأحرق بالنار تلك
المدينة وجميع سلبك جملة للرب إلهك
فتكون ركاماً إلى الدهر لا تبنى من بعد".
وفي
سفر يشوع في الإصحاح الحادي عشر يقولون:
"وعاد يشوع في ذلك الوقت فاستولى على
حاصور وقتل ملكها بالسيف, لأن حاصور
كانت قديماً رأس جميع تلك الممالك.
وضربوا كل نفس فيها بحدّ السيف محرمين
إياهم, ولم تبق نسمة وأحرق حاصور
بالنار. واستولى يشوع على جميع مدن
أولئك الملوك مع ملوكها, وضربهم بحد
السيف وحرمهم كما أمر موسى, عبد الرب,
فأما المدن الواقعة على تلالها فلم
يحرقها إسرائيل بالنار إلا حاصور
وحدها فأحرقها يشوع, وجميع غنائم تلك
المدن وبهائمها, اغتنمها بنو إسرائيل
لأنفسهم. وأما البشر, فضربوهم جميعاً
بحدّ السّيف, حتى أبادوهم ولم يبقوا
نسمة".
هذه
النصوص قليل من كثير مما ورد في العهد
القديم وكله يوجه إلى القتل والعنف
والعدوان والإجرام, وإذا كانت النصوص
الدينية توجه إلى هذا فإن الفكر
السياسي عندهم والأدب وكل ما تخطه
أقلامهم لن يكون إلا في هذا الإتجاه.
ونصوص
التلمود جاءت مكملة لهذا التحريض ضد كل
من هو غير يهودي. من نصوص التلمود هذا
النص الذي قالوا فيه: "الخارج عن دين
يهود حيوان على العموم فسمّه كلباً أو
حماراً أو خنزيراً. والنطفة التي هو
منها هي نطفة حيوان. وقال الحاخام آبار
بانيل: المرأة غير اليهودية هي من
الحيوانات, وخلق الله الأجنبي على هيئة
الإنسان ليكون لائقاً لخدمة يهود
الذين خلقت الدنيا لأجلهم لأنه لا
يناسب لأمير أن يخدمه ليلاً ونهاراً
حيوان وهو على صورته الحيوانية. كلا ثم
كلا, فإن ذلك منابذ للذوق والإنسانية
كل المنابذ فإذا مات خادم يهودي أو
خادمته وكانا من المسيحيين فلا يلومك
أن تقدم له التعازي بصفة كونه فقد
أنساناً ولكن بصفة كونه فقد حيواناً من
الحوانات المسخرة له".
ويقولون
في نص آخر من التلمود لأتباعهم: "أقتل
الصالح من غير الإسرائيليين ومحرم على
اليهودي أن ينجي أحداً من باقي الأمم
من هلاك أو يخرجه من حفرة وقع فيها لأنه
بذلك يكون قد حفظ حياة أحد الوثنيين.
بهذه
المفاهيم أستطاع يهود أن يؤصلوا
صهيونيتهم العنصرية على أسس مبادئهم
الدينية التوراتية والتلمودية.
5-
جماعات الضغط والصهيونية في الإدارة
الأميركية:
إن
الصهيونية غير اليهودية تبرز بشكل قوي
في الإدارة الأميركية منذ ربع قرن
تقريباً وقد توسع انتشار هذا التيار في
الإدارة الأميركية الحالية ويقدر
أتباعه بما يزيد عن خمسين مليوناً من
بين البروتستانت في الولايات المتحدة
الأميركية وهؤلاء جميعاً يؤمنون
بالذبوءات المزعومة وبالحقوق
التاريخية المزعومة ليهود في فلسطين.
زار
الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر
فلسطين المحتلة في آذار/ مارس من العام
1979 وفي كلمة أمام الكنيست الإسرائيلي
قال كارتر العبارة التالية: "إننا
نتقاسم معاً تراث التوراة". وكان
يقصد بذلك التزام الإدارة الأميركية
بالمشروع الصهيوني بكل خطواته التي
حددناها سابقاً.
وفي
العام 1980 عندما ترشح رونالد ريغن
لرئاسة الجمهورية في أميركا اعتمد مع
سواه من المرشحين خطاباً انتخابياً
برزت فيه الأبعاد الدينية وعملية
الإلتزام بالفكر الصهيوني غير اليهودي
الذي يلتقي مع الفكر الصهيوني في كل
تفصيلاته, وفي عهده بدأ تطور نشاط
التيار الصهيوني الأميركي من خلال
الإقبال من قبل أولياء الأمور على
إدخال أولادهم إلى المدارس التابعة
لمؤسسات دينية, وكذلك من خلال بروز
القساوسة المتصهينين في وسائل الإعلام,
وهذا التيار لا يزال ينمو ويتطور حتى يومنا هذا، ولم يكن
ليحصل ذلك لولا الأرض الخصبة ثقافياً
في الولايات المتحدة الأميركية حيث
البعد الديني الصهيوني الطابع متأصل
منذ اجتياح الأرض الأميركية من قبل
عصابات الأصوليين المتعصبين في أواخر
القرن السادس عشر الميلادي.
من
الأسماء البارزة القس بات روبرتسون
الذي يملك عدة مؤسسات إعلامية
تلفزيونية وإذاعية ويسخرها جميعاً من
أجل الدعاية الصهيونية وهو من أبرز
جماعات الضغط لصالح العدو الإسرائيلي.
ومنهم
القس جيري فالويل وله برنامج تلفزيوني
أسبوعي وأحياناً يكون على الشاشة مع
بات روبرتسون وكلاهما يبشر بمعركة
هرمجدون واقتراب نهاية العالم، ويتهجم
على الإسلام وعلى النبي محمد صلى الله
عليه وسلم، وقد قاما بمثل هذا التهجم
في أوائل تشرين الأول/ أكتوبر من العام
2002، ومن الأسماء المعروفة بصهيونيتها
فرانكلين غراهام وقبله والده بيلي
غراهام وكان الأب قسيساً للرؤساء
الأمريكان منذ ريتشارد نيكسون في
الستينيات حتى بيل كلينتون، وفرانكلين
الإبن هو في مهمة أبيه مع الرئيس
الحالي جورج بوش.
وهؤلاء
جميعاً وغيرهم كثيرون يشكلون أبرز كتل
الضغط مع تيارهم لصالح العدو
الإسرائيلي ولصالح الأهداف الصهيونية
عموماً.
ومن
مقولاتهم، تصريح لجيري فالويل في شباط/
فبراير 1983 لصحيفة كوريو تايمز
تيليغرام في تكساس قال فيه بأنه يعمل
من أجل أن يسيطر العدو الإسرائيلي على
كل فلسطين مع أجزاء من الأردن ولبنان
وسوريا والعراق والسعودية ومصر
والسودان. ويقول في التصريح نفسه: "لقد
بارك الله أمريكا لأنها تعاوننا مع
الله في حماية اسرائيل التي هي عزيزة
عليه".
إن
الحديث عن جماعات الضغط الأمريكية
العاملة لصالح العدو الإسرائيلي
الكثيرة يطول، ولذلك يجب أن يتنبه
الكثيرون الى أن جماعات الضغط
اليهودية في الولايات المتحدة
الأمريكية تلعب دوراً مكملاً لجماعات
الضغط الصهيونية غير اليهودية وكلاهما
في الموقع نفسه ولو لم تكن هناك جماعات
ضغط يهودية لقام الصهاينة غير اليهود
الأمريكان بهذا الواجب.
ولا
بد في هذا المقام من تنبيه العرب
والمسلمين الى مسألة طالما تساءل عنها
الكثيرون ألا وهي، لماذا لا يشكل أبناء
الجالية العربية والإسلامية جماعات
ضغط (Lobby) لنصرة فلسطين وسائر قضايا الأمة؟
يوجد
الآن نشاط عربي وإسلامي متنامٍ وتوجد
مراكز ثقافية عربية وإسلامية عديدة
لكن ينقصها التنسيق لأن البلدان
العربية تتصرف على أساس قطري أكثر من
تصرفاتها على أساس قومي شامل.
إن
الإدارة الأمريكية التي يقودها بوش في
إطار السياسة والإعلام والإقتصاد
والأمن يشترك فيها أصوليون في فكرهم
الديني ومعهم تجار سلاح ونفط ومخدرات
والكل يؤمن بالصهيونية وبمبادئها
ويعمل مشحوناً بثقافة العصابة
والمافيا محاولاً تحت شعار العولمة،
وهي في جوهرها أمركة العالم في السياسة
والثقافة والإجتماع الإنساني
والإقتصاد، ولأجل تحقيق أهدافهم هذه
يظنون أنه بإمكانهم أن يكونوا شرطيي
ومصرفيي العالم، ولكن أوجه التصدع في
المشروع الامبراطوري كثيرة وتتسع.
إن
الصهيونية بنوعيها اليهودية وغير
اليهودية وفي موقعيها: العدو
الإسرائيلي والإدارة الامريكية، قد
تطابق مشروعها ببعده الديني والسياسي
والإقتصادي، وأطماعها ومخططاتها
التآمرية لا تختلف عن بعضها، ولكن
علينا أن ندرك أن قطاعات واسعة من
المجتمع الأميركي لا تؤيد الصهيونية
ولا المشروع الامبراطوري وعلى العرب
أن ينشطوا حركتهم باتجاههم.
6
– إقتراحات في إطار الردع والمواجهة:
إن
المشروع الصهيوأمريكي قد استفحل خطره،
وعمت شروره الأمة العربية والعالم
الإسلامي ومعهما العالم كله، ولا خيار
إلا المواجهة ومقاومة هذا الخطر
الداهم من أجل تحرير الأرض المغتصبة
والمقدسات وحماية الحقوق التي ينوون
سلبها. وهذه المواجهة تشمل مختلف
الجوانب والميادين ويندرج في إطار
مسار المواجهة الأمور التالية:
1
– فضح الفكر العنصري الصهيوني، وتبصير
الناس بمقولاته ومفاهيمه العدوانية
الخطرة أكانت ببعد ديني أم سياسي أم
إقتصادي أم غير ذلك، لأن معرفة العدو
هي الخطوة الأولى في مسار المواجهة
والردع, ويكفي عرض النصوص أو مستوى
الإجرام الذي يمارسه الصهيوأمريكي هذه
الأيام في فلسطين والعراق كي يتعرف
الجميع على دفائن النفس الصهيونية.
2
– إعتماد المنهج الوحدوي في الفكر
والممارسة والتأصيل بوحدة وطنية
وقومية راسخة، وبالتالي رفض ومواجهة
أي طرح تقسيمي بأي ستار تغطى سواء
بالطائفة أو بالمذهب أو بالعرق أو
بالإطار الحزبي.. إلخ.
لأن
العدو الصهيوأمريكي يخطط من أجل ضرب
الوحدة في الإطار الديني والقومي
والوطني ضمن السياسة القديمة الجديدة:
"فرّق تسُد".
3
– نشر الوعي الثقافي لمواجهة أي غزو
واختراق في هذا الموقع مع صياغة مشروع
متكامل لفكر المواجهة يتناول الجوانب
كافة في ميادين الصراع وساحات
المقاومة، وأن ينطلق هذا الفكر من
ترسيخ فلسفة الإستشهاد في أجيال الأمة
كي يكون التغيير شاملاً.
4
– إعتماد قاعدة صناعة الرعب للعدو في
المواجهة ليكون ذلك في مواجهة القوة
وتقنية السلاح التي يمتلكها، والرعب
الذي يضعف الروح المعنوية للعدو يعتبر
الركيزة الأساسية لصناعة النصر
والتحرير.
وآثار
الإنتفاضة المباركة في فلسطين
والمقاومة البطلة في العراق على جيش
العدو الصهيوأمريكي تبين بشكل قاطع
فعل الرعب في صناعة النصر. ويفيد أن
يتذكر الجميع بأن فتح مكة المكرمة كان
بإلقاء الخوف والرعب في قلوب
المشركين، ويومها قال النبي صلى الله
عليه وسلم: "أوتيت جوامع الكلم ونصرت
بالرعب".
وهذا
يعني أن تعتمد الأمة العمليات
الفدائية الإستشهادية ضمن مسيرتها
الجهادية ضد الاعداء الذين يحتلون
بلادنا العربية.
5
– حشد القوى على الصعيد العربي
والإسلامي والعالمي لأن الصهيونية
والعولمة – الأمركة تستهدف كل الناس
وتعمل من أجل السيطرة والإنفراد
بالقرار العالمي, وبمقابل ذلك، يجب أن
يتم حشد القوى من أجل توليد حركة رادعة
لهذه التطلعات غير المشروعة من قبل
الصهيوأمريكية.
6
– مقاومة التطبيع، وتفعيل سلاح مقاومة
البضائع الإسرائيلية والامريكية لأن
الإقتصاد من ميادين المواجهة, وهو عصب
أساسي في حياة الأمم, وبالتالي فإن
المواجهة الإقتصادية لا تقل أهمية عن
وجوه المواجهة الأخرى. وكان أبو جهل
يقصد من يدخل في الإسلام من تجار قريش
ليقول له: "لنكسدن تجارتك ولنهلكن
مالك"، وواجبنا أن نقول ذلك لجورج
بوش وزبانيته.
ان
الحركة الشعبية العربية معنية بتكثيف
الضغط الديمقراطي السلمي على النظم
العربية لدفعها باتجاه تحصين الوحدات
الوطنية وتوسيع الحريات العامة وإشراك
الناس في القرار العام ودفعها نحو
التضامن العربي لإنقاذ الأمن القومي
المستباح.
*مسؤول
الشؤون الدينية في المؤتمر الشعبي
اللبناني
|