تقرير
سياسي
برق
الشرق
سوريـة
التصعيد
ضد المعارضة الإسلامية
صعدت
الديبلوماسية السورية، بشكل لافت،
حملتها ضد المعارضة الإسلامية
والمعارضة الوطنية الحرة، بينما لاذت
بالصمت حيال المعارضة التي تدور في فلك
واشنطن، ربما بسبب حسابات مستقبلية
معتبرة.
فما
يزال الديبلوماسيون السوريون من أعلى
المستويات يرددون أنهم تعرضوا للإرهاب
في الثمانينات في محاولة لاستدرار
العطف، أو لفت الانتباه.
وزير
الخارجة فاروق الشرع يصوب أكثر من
قذيفة باتجاه هذه المعارضة، يصفها مرة
على أنها غير قادرة على إدارة (مدرسة).
وأخرى ينفي أن يكون في سورية (مهجرون
قسريون)، ومرة يصف الضحايا الأبرياء
بأنهم طريدو عدالة مجرمون.
وتدخل
على الخط، خط التصعيد، الدكتورة بثينة
شعبان التي حسبت لفترة على النخب
المثقفة، لتؤكد في مقابلة صحفية في
7/1/2004 أن ليس في سورية (منفيون)، وأن
هؤلاء المشتتين تحت كل نجم هم أصحاب
قضايا جنائية ارتكبت بحق مواطنين
آخرين.
تأتي
هذه الحملة التصعيدية ضد المعارضة
الإسلامية، وضد المعارضة الوطنية
الحرة، في وقت تستشعر فيه هذه المعارضة
أن سورية (الوطن) في خطر حقيقي، وأن
المرحلة تقتضي عملياً إعادة تقويم
الموقف الوطني، وتقديم المصلحة
الوطنية العليا، على كل المواقف
الفئوية المتقوقعة في حكايات الماضي،
أو في مطالبات الثأر العشائري ودعوات
الانتقام المتبادل.
في
كل سياقات الوجود الطبيعية تعطي
القدرة صاحبها بحبوحة في الرؤية،
واستشرافاً للأفق، إلا حيث تكون هذه
القدرة في غير محلها فتكون مدعاة
للمزيد من الانغلاق والتوتر والضيق.
نتصور أن أزمة الصواريخ الكوبية لو
حدثت في عهد الرئيس بوش الذي نعايشه،
لكانت الحضارة الإنسانية اليوم في واد
آخر غير الذي هي فيه، ويكفي المثل
للمثل.
إن
احتكار السلطة، واحتكار الصواب،
ومقولة من ليس معنا فهو ضدنا، وأن يجعل
الإنسان من نفسه خصماً وحكماً ؛ كل هذه
الأمور تشكل الملامح العامة لسياسات
الدكتاتورية والاستبداد التي يئن
شعبنا منها منذ الثامن من آذار 1963.
أين
الحكمة في الإصرار على دفع المعارضة
إلى فتح ملفاتها الراعفة، ومقابلة
السياسات بأختها، والحديث عن سورية
الجريحة منذ أن أمم فيها الفضاء
السياسي مع تأميم المخابز، والورشات
الفردية، التي لم يكن ملاكها أكثر من
أب مع بناته والبنين وأمهم !!
أين
الحكمة في دفع المعارضة للحديث عن حالة
الطوارئ ومذبحة الأحزاب، ومذبحة
الصحافة السورية، وتجربة (الحرس
القومي) وسرايا الدفاع عن الوطن وحماية
الثورة !! أين الحكمة في فتح ملف مسجد
السلطان، أو المسجد الأموي أو ملف
البعث الذي أُعلن عنه عبر عقود رباً لا
شريك له (سبحان الله)..
آمنت بالبعث رباً لا شريك له
وبالعروبة ديناً ما له ثاني..
؟!
أين
الحكمة في العودة إلى تدمر وما جرى في
تدمر في الثامن والعشرين من حزيران سنة
1980، وفتح ملف العلماء والأدباء
والمحامين والمهندسين والأطباء
والأحداث الذين قضوا ولا أحد يدري
لماذا ؟!
أين
الحكمة في العودة إلى القانون 49 الذي
طبق خلاف كل عرف دستوري بأثر رجعي على
الأبرياء فقتل بموجبه في المحاكم
الميدانية ثلاثون ألف إنسان ؟!
أين
الحكمة في فتح ملف ثلاثة أجيال من
المهجرين، وأخذ المولود بجريرة
الوالد، إن كان للوالد جريرة، نظن أن
الدكتورة بثينة شعبان تمتلك القدرة
البلاغية على تجريم النطف التي لم تخلق
!! أين الحكمة في كل هذا ؟! ومن كل هذا ؟!
في هذا الظرف الوطني العصيب.
*
* *
لقد
آثرت المعارضة الإسلامية في سورية، في
الظرف الراهن، الإمساك على كل هذا
تقديراً منها للظرف العام، وهي تنظر
شرقاً فترى الجيش الأمريكي يجوس
العراق بخيله ورجله، وتنظر جنوباً
فترى شارون يقصف حواشي دمشق دون أن
تخرج منها طلقة أو لفظة ترد العدوان.
سر هذا التصعيد
أما
سر هذا التصعيد فهو رفض المعارضة
الإسلامية والمعارضة الوطنية الحرة
الدخول إلى بيت الطاعة الأمريكي. ففي
الوقت الذي يدق فيه أعمدة النظام باب
هذا البيت بإلحاح ولهفة، رفضت هذه
المعارضة بشقيها الإسلامي والوطني
مقاربة هذا البيت، بل أعلنت بوضوح أن
واديها غير وادي هواة السياسة أو
محترفيها. فعلت ذلك على الرغم من
الظروف الصعبة التي يعاني منها ثلاثة
أجيال من المنفيين القسريين المحرومين
في هذا العصر الأمريكي الاغبر من وثائق
تثبت وجودهم وانتماءهم. هذا الإباء
الوطني الذي أغاظ ويغيظ المتمحكين
السوريين. إنه الغيظ من الطهر في عالم
من ....
من
خلال تفكير ضيق في المستقبل يريد
اهؤلاء المتمحكون من المعارضة أن
تنغمس فيما ينغمسون فيه، وهم الذي ما
فتئوا يستجدون الحوار من الولايات
المتحدة، بكل لغة وكل لسان، ويقدمون
التنازل تلو التنازل على حساب الثوابت
والهوية. ويرسلون الرسائل ،ويوسطون
الوسطاء عند بوش وشارون على سواء.
يريدون
من المعارضة أن تنغمس فيما هم منعمسون
فيه، لئلا يعاب عليهم يوماً ما هم فيه.
ولكن المعارضة الإسلامية ولأسباب أخرى
أنقى وأبقى، خيبت ظنهم وآثرت الموقف
المبدأي وأعلنت:
مصلحة الوطن
العليا فوق المصالح الذاتية والفئوية
وإن كان فيها تجاوز القرح والجرح.
سهام
التصعيد التي صوبت باتجاه المعارضة
الإسلامية جاءت لتخدم غرضاً آخر. فقد
اراد النظام أن يثبت من خلال هذه
الحملة التصعيدية أنه لا يزال له دور
في المنطقة. وأنه لا يزال مستعداً
للقيام بهذا الدور،ألم تكن ورقة حسن
سلوكه الوحيدة لدى الغرب : قمع
الأصولية، وقد اضاف اليها بعد 11/9 اعطاء
الدروس الخصوصية في الحرب على الإرهاب
!!
راية
قمع الاصولية خفقت فوق رأس البعث
طويلاً فمرت مذابح تدمر وحماة والبصرة
وحلبجة بصمت مريب، ما من أحد قادر على
أن يسأل الضمير العالمي حتى اليوم عنها
؟!
قمع
الأصولية، وإعطاء الدروس في مكافحة
الإرهاب، غير الشاروني بالطبع، هو
الدور الذي تحاول الديبلوماسية
السورية أن تجد لنفسها مكاناً أو مكانة
في المعادلة الأمريكية عن طريقه..ولو
كان ذلك على حساب الوطن الحاضر
والمستقبل والانسان.هل هذا هو السر
فقط؟ هو كذلك بالتأكيد وما يزال وراء
الأكمة المزيد.
|