مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

آخر تحديث يوم الأربعاء 10 / 04 / 2002م

التعريف  |   دراسات  |  متابعات  |   قراءات  |   هوامش   |  رجال الشرق  |  من أرشيف الشرقصحيفية الشرق العربي  |

.....

   
 

دراســات

من دهاليز التسوية

(السـلام مقابـل الميـاه)

إعداد أ. ط من قسم المتابعات

ـــــــــــــــ

   تمس قضية المياه وتراً حساساً في سياسيات منطقة الشرق الأوسط بشكل عام، وذلك لأن الشرق الأوسط يقع تحت أكبر ضغط مائي في العالم على ما تقرره (ساندرا بوستل) مديرة مشروع السياسة المائية العالمية في (أميرست ماس). لقد تصارعت سوريا وإسرائيل بالمدفعيات على مشروع تحويل نهر الأردن في الستينات، و كانت القمة العربية الأولى في ذلك الوقت للحيلولة دون تحويل مجرى نهر الأردن، و تحفظ الذاكرة العربية على استحياء، أغنية ثورية!!

نهر الأردن ما بيتحول...

ما بيتحول ما بيتحول...

   في منطقة الشرق العربي يعتبر (دجلة و الفرات) المصدرين الرئيسيين للمياه، بعد مياه الأمطار. و يعبر هذان النهران ثلاثة أقطار هي على التوالي تركيا سوريا العراق.. وكثيراً ما يتم تجاهل القانون الدولي الذي ينظم طرق الإفادة من الأنهار المشتركة..

   ما عدا النهرين العظيمين، تتفجر الينابيع في بقع مختلفة من الشرق العربي، مشكّلة الأنهار الصغيرة، و الجداول، و البحيرات؛ التي تلعب دوراً رئيسياً ومحدوداً في حل مشكلة المياه في المنطقة. و مما زاد في إبراز أهمية موضوع المياه، الجفاف الذي تشهده المنطقة منذ عقد تقريباً، هذا الجفاف المتتابع الذي أضر كثيراً باحتياطي المياه الجوفية، والسدود التجميعية، كما أضر بمنسوب المياه وفي قوة تدفق الأنهار أو بمنسوب مياه البحيرات والتي تسمى كبرى نسبياً (طبريا).

   (جنوب لبنان) كما (الجولان) يشكلان مستودعين للمياه العذبة على التخوم المتنازع عليها بين القطرين العربيين والكيان الصهيوني، و إذا كان الصهاينة قد انسحبوا من الجنوب اللبناني، تحت تأثير ضربات المقاومة اللبنانية، فإنهم ما زالوا يتمسكون بعناد، غير مسوغ، بحقوق مدعاة في الجولان. كانت قضية المياه و طبريا، الأبرز حضوراً في لقاء الرئيس السوري حافظ الأسد مع الرئيس الأمريكي كلنتون، في قمة جنيف الفاشلة عام /2000/. و لقد حاول الرئيس الأسد في لقائه مع كلنتون، أن يثير البعد العاطفي في الموقف، مكرراً أكثر من مرة وبلهجة حسرى (حتى عام 1967، كنت أسبح في بحيرة طبريا، اصطاد السمك، وأتناول الشواء على ضفافها.)

   إلا أن حسرات الرئيس الأسد، لم تؤثر شيئاً في موقف الرئيس كلنتون.

   قيل إن جنيف فشلت بسبب بضعة أمتار على شواطئ بحيرة طبريا، بينما الحقيقة غير ذلك، فهذه الأمتار القليلة ستفتح الطريق إلى شراكة حقيقية باستغلال المياه المتدفقة إلى بحيرة طبريا من الينابيع العذبة في الجولان، و جنوب لبنان.

   لقد قطع فشل القمة الطريق على استئناف المفاوضات بين السوريين والصهاينة لأن الجميع قد عجز عن الوصول إلى حل وسط بشأن خزان المياه (طبريا) القابع في جنوب شرق سورية. وهكذا غدت المياه سلاحاً استراتيجياً (سياسياً و عسكرياً)، ولم تغير العروض التركية بالتعويض على الفريق المتنازل من الأمر شيئاً.

الخارطة المائية جنوب شرق...

   تعتبر ينابيع (بانياس) الجنوبية مصدراً هاماً من مصادر مياه نهر الأردن، والذي يصب في بحيرة طبريا، و منها تسحب الدولة الصهيونية ثلث حاجتها من الماء، ومما يثير الحسرة والأسف في نفوس الصهاينة أن هذه الينابيع العذبة إنما تقع في أرض الجولان الخصبة، التي استولوا عليها من سورية منذ حزيران 1967. و من هنا فإن انسحابهم من الجولان لا يقاس بانسحابهم من (سيناء) إذ يقضي انسحابهم من الجولان أن يتنازلوا عن مصدر حيوي هام يعزز وجودهم واستمرارهم في المنطقة، و هكذا يتضح أن الجولان بالنسبة للكيان الصهيوني، ليس أرضاً خصبة، ولا مرتكزاً للاستيطان فقط، وإنما هو شريان حياة متدفق تقوم عليها حياة الصهاينة ومزروعاتهم. بالتالي فإن أي معاهدة /سلام / تشمل الجولان لابد أن تأخذ هذا البعد الحيوي الهام بعين الاعتبار.

   ومن هنا فإن أدعياء معسكر السلام الصهيوني، لا يستطيعون أن يتصوروا أي شراكة على المياه، التي يعتبرونها حقاً مكتسباً من حقوقهم.

   لقد ذهب رئيس الوزراء المستقيل (باراك) إلى أنه أمر غير وارد، أن يقبل شراكة سورية على احتياطي المياه، وقد أصر على أن الحدود المستقبلية بين الكيان وسورية ستتحدد بعيداً عن خط الماء، و ذلك بالرجوع إلى خرائط 1923، و التي حكمت فرنسا سورية من خلالها، و من غير أن يكون لسورية أية حقوق مائية.

   ويعلق حسين أميري (جغرافي و خبيـر مائي في مدرسة كلورادو في مانيس) إن المخاطر الأمنية كبيرة في المنطقة، ولكن المخاطر المائية أكبر بلا شك… و يشكك آخرون من الدارسين في قدرة السوريين على الاستفادة من المياه بإعادتها من مصبها إلى ينابيعها مرة ثانية، ولا سيما وهم يثيرون المخاوف، حول إمكانية أن يقوم السوريون في حال استعادتهم للجولان بتلويث مصادر المياه...

وقد كشفت وثيقة تمهيدية من ملحقات معاهدة التسوية، أن اتفاقاً خاصاً سيضم ترتيبات المنطقة المائية، بحيث يؤكـد استمرار (الصهاينة) في أخذ (حصتهم) من الماء، و تفرض قيوداً على التصرفات السورية في الجولان، لمنع تحويل جريان الجداول أو تلويثها، كما ستحرس قوة ثنائية الحدود المائية لضمان تطبيق المعاهدة. إلا أن اليهود، لا يرتاحون لأي شكل من أشكال الاتفاق على المياه، و يفضلون استمرار الاحتفاظ بمنابع المياه عن طريق الاحتفاظ بالجولان.

   وكما يسرق الصهاينة مياه الجولان، فإنهم يسرقون أيضاً مياه الضفة الغربية، فإذا كانت دولة اليهود تسحب ثلث احتياجاتها المائية من الجولان، فإنها تسحب الثلث الآخر من طبقة صخرية مائية تحت الضفة الغربية، هذه الطبقة الصخرية تمتلئ بالمياه عن طريق الأمطار الساقطة على الضفة الغربية إلا أن 80% من هذه المياه تسحب عن طريق الآبار الصهيونية.

اليهودي الإنسان المدلل

   يصل معدل استهلاك الفرد اليهودي إلى أربع أضعاف استهلاك الفرد العربي من المياه!!. و في الضفة الغربية حوالي 180 ألف مستوطن يضخون من المياه الجوفية نصف الكمية التي يسمح بها لمليوني فلسطيني!. و يفقد الفلسطينيون جزءاً كبيراً من نصيبهم عبر شبكة الأنابيب التالفة. ومن هنا يعاني الفلسطينيون من نقص حاد في مياه الشرب، و تتردى الأوضاع الصحية، بسبب قلة المياه في المرافق العامة. و تصل المياه إلى كثير من القرى لمرة واحدة فقط، و كثيراً ما يحمل القرويون معهم جرارهم، احتساباً، لأن الحنفيات كثيراً ما تتوقف عن الجريان. وفي الوقت نفسه أدى استنزاف مصادر المياه في قطاع غزة، إلى ضخ المياه غير اللائقة و المالحة أحياناً إلى البيوت، مما تسبب بانتشار الأمراض، ولاسيما أمراض الكلى و ضغط الدم.

   حقيقةً أن الوضع المائي في الوسط الصهيوني، هو الأفضل في المنطقة، من حيث الكمية و النوعية، منزلياً و زراعياً، و صناعياً إلا أنه (الوضع المائي) ليس خارج قوس المهددات.

   إن المقصود من تقريرنا أن ننبه إلى أن دول الشرق العربي تمتلك سلاحاً استراتيجياً و حيوياً مؤثراً، في معركتها مع الكيان الصهيوني، و هنا يبرز دور الماء الذي لا يقل أبداً عن دور ( البترول ) فماذا بعد أن أكدت لنا الدراسات أن ثلثي الاستهلاك الصهيوني من المياه إنما يتم سرقته من الأراضي المتنازع عليها، و من دول المنطقة ( سوريا، لبنان، فلسطين، الأردن) ماذا لو أصرت دول الإقليم على حقوقها ( المائية ) و حالت بين المغتصبين وبين سرقة هذه المياه ؟

   لابد أن ننوه إلى أن الجفاف الذي ضرب المنطقة منذ سنوات قد أدى إلى وقف 40% من المزروعات المائية. حيث انخفض منسوب المياه في بحيرة طبريا انخفاضاً خطيراً، و أصبح في وضع يخشى معه من ( التملح ).

   ولقد واجه الكيان الصهيوني وضعاً محرجاً، عندما حاول أن يتهرب من التزاماته المائية تجاه الأردن، أو أن يمرر إليه مياهاً ليست بالمستوى اللائق المتفق عليه، و قيل بل مياهاً ملوثة بمياه عادمة.

وفي حين يتباهى الصهاينة بأنهم يحولون الصحراء إلى حدائق مزهرة، فإن النقص المستمر في المياه سيدفع المزارعين إلى التوقف عن متابعة نشاطاتهم... و بالتالي سيكون له مداخلة مباشرة في وأد الحلم الصهيوني...

   يشكل الماء إذاً سلاحاً استراتيجياً في يد أصحاب الحق فيه، و هم بشكل طبيعي دول الإقليم العربي، و عندما يقرر أصحاب هذا الحق التمسك به و استخدامه بأسلوب استراتيجي فسيكون على الصهاينة أن يبحثوا عن البديل: و البديل الأول المطروح هو محطة تحلية لمياه البحر، وهو أمر مكلف و مرهق مادياً، وربما يؤدي إلى تردي جدول الكثير من الزراعات والصناعات الداعمة للوجود الصهيوني.

   وينظر اليهود إلى تركية كمصدر مائي قريب، و يجري دراسة إمكانية استخدام ناقلات مياه على غرار ناقلات النفط. و هو بديل له بعداه الاقتصادي والسياسي. أما البعد الاقتصادي فهو الكلفة العالية لمثل هذا المشروع، والذي لن يكون أقل كلفة من المشروع الأول... أما البعد السياسي فيرتكز أساساً على مكانة (تركية) في منظومة دول المنطقة... فبغض النظر عن أن المياه التي ستباع إلى دولة اليهود ستكون عموماً من حساب (سوريا) و(العراق)؛ فإن الأصل في تركيا أن تعود إلى مكانتها في المنظومة الإسلامية، وأن تكون /تركيا/ حليفة لسوريا و حليفة لفلسطين لا كما يقال اليوم (حليفة لإسرائيل) وهذا واجب وزارات الخارجية العرب بشكل عام وخاص.

   يراهن مراقبو عملية (السلام) على أن العرب يريدون الأرض واليهود يريدون المياه..

   ومن هنا يظهر طرح جديد يرفع في كواليس المفاوضات بدل ( الأرض مقابل السلام ) يختصر هذا الطرح الموقف بشعار (الأرض مقابل المياه). ويبدو أن هذا الشعار لا يقل خطورة عن الشعار الشاروني (السلام مقابل الأمن..).  

السابق

for

S&CS

للأعلى

2002 © جميع الحقوق محفوظة     

   

التعريف  |   دراسات  |  متابعات  |   قراءات  |   هوامش   |  رجال الشرق  |  من أرشيف الشرقصحيفية الشرق العربي  |