مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

آخر تحديث يوم الأحد 21 / 09 / 2003م

ــــ التعريف دراسات  متابعات   قراءات  هوامشرجال الشرق من أرشيف الشرق | صحيفة الشرق العربي |ـ
ـ| مشاركات الزوار |ـجســـور |ـجديد الموقع |ـكــتب | مجموعة الحوار | تقارير حقوق الإنسان | البحث في الموقع |
ـ

.....

   
 

دراســات

تقرير سياسي

الوزارة الجديدة

تكريس البعث أو تكريس النهج ؟!

توطئة:

منذ أن استلم الرئيس بشار السلطة في حزيران 2000، انتظر الكثيرون أن يحمل معه مفاتيح عهد جديد. كان خطاب القسم الذي تقدم به الرئيس واعداً، فبعث الجرأة والحمية في نفوس بعض السوريين فاندفعوا على أمل.. ولكن أملهم قادهم على ما يبدو إلى السجن، وأعاد آخرين إلى دارة اليأس، بينما مايزال فريق ثالث يدق أبواب التغيير بشدة.

سحب الرئيس مطلقات وعوده الأولى، حين فسرها بأنها لم تكن أكثر من منهج للتفكير قائم في رأسه، وعزا الخطأ إلى من فهمه منهجاً للعمل، ولم يستطع أن يميز بين منهج التفكير وبرنامج العمل. في إطار هذا الاعتذار الفلسفي المبطن أكد الرئيس بشار أن سورية ماضية في طريق التحديث (الاقتصادي) وأسهب في طروحاته ووعوده، وصدرت بعض القوانين الاقتصادية ومن بينها وعود التأسيس لمصارف حرة في سورية، تؤمن حركة الأموال وتكون أساساً لاقتصاد حر يليق بالقرن الحادي والعشرين، ولكن حتى على هذا المستوى لم يتحقق شيء على أرض الواقع حتى الآن.

مازال عنوان الإصلاح في سورية يدور دورة القمر، يدخل المحاق ثم يبزغ هلالاً ليصير بدراً ليعود إلى المحاق !! فللحديث عن الإصلاح في سورية مواسم تهيج تارة ثم لا تلبث أن تراها شاحبة مصفرة. كان آخر هذه المواسم حديث الرئيس في حزيران /2003/ على الفضائية العربية، يجدد طروحاته الأولى في الإصلاح والتحديث. ويستمع إليه الملايين يتبنى قائمة المطالب الوطنية من فئة /287/ بعد أن كثرت القوائم والمطالبات من ذوات 99 والألف، وغيرها كثير.. ويقول الرئيس نفسه إن هذه المطالب هي نفس ما يؤمن به ويسعى إليه ويعتقده. وأن من حق المواطنين أن يتعجلوه وقد أبطأ عليهم، ويعترف بوجود فئة من حراس المصالح الشخصية في بنية النظام، ويطلق وعداً عاجلاً بمعالجة ملفات المنفيين.. ويحدد نقطة البداية للإصلاح بتغيير وزاري يكون البداية لإطلاق عمل جاد ودؤوب.

بعد مضي أربعة أشهر على وعد الرئيس بالتغيير الوزاري الموعود، تأتي  الخطوة المأمولة متأخرة ومخيبة في الوقت نفسه، حيث تم تكريس كل العناصر المخضرمة في الوزارات السورية المتعاقبة في الوزارة الجديدة، دون أن يفتح للتغيير المأمول أي نافذة للتنفس من جديد.

تشكيلة الوزارة العتيدة:

نستطيع أن نقرأ في تشكيلة الوزارة الجديدة بعض الملامح والرسائل السياسية المعبرة. فقد تكرس حزب البعث بشخصياته التقليدية في الوزارة بنسبة تفوق ما كان عليه الأمر في الوزارة السابقة. كما أسند إلى عناصر ما يسمى الجبهة الوطنية التقدمية حقيبتان فقط، وخمس وزارات (بروتوكولية) كما حظي المستقلون بسبع وزارات هامشية غير وزارتي التعليم العالي والصحة. وهذا كشف بالتوزيع الوزاري العتيد:

الوزراء البعثيون ( سبعة عشر وزيراً مع رئيس الوزراء):

1ـ المهندس محمد ناجي عطري     رئيس الوزراء     

2ـ العماد أول مصطفى طلاس      وزيراً للدفـاع     

3ـ فاروق الشرع                  وزيراً للخارجية

4ـ اللواء على حاج حمود          وزيراً للداخلية

5ـ على سعد                      وزيراً للتربية

6ـ أحمد الحسين                  وزيراً للإعـلام

7ـ نزار العسسي                 وزيراً للعدل

8ـ محمد الحسين                  وزيراً للمالية              

9ـ محمود السيد                  وزيراً للثقافـة

10ـ محمد زيادة                   وزيراً للأوقاف

11ـ الدكتور عادل سفر            وزيراً للزراعة

12ـ منيب صائم الدهر             وزيراً للكهرباء

13ـ محمد صافي أبو دان          وزيراً للصناعة

14ـ بثينة شعبان                  وزيرة للمغتربين

15ـ هلال الأطرش               وزيراً للإدارة المحلية

16ـ غسان اللحام                 وزيراً لشؤون رئاسة الجمهورية

17ـ مكرم عبيد                   وزيراً للنقل

بينما حظي المشاركون في الجبهة الوطنية التقدمية بحقيبتين وزاريتين وخمس وزارات بدون حقائب على النحو التالي:

1ـ نادر البني             وزيراً للري         شيوعي جناح فيصل

2ـ نهاد مشنطط          وزيراً للإسكان والتعمير   الاشتراكيين العرب

3ـ يوسف سليمان أحمد   وزير دولة            شيوعي بكداش

4ـ بشار الشعار      وزير دولة            الاشتراكيين العرب            

5ـ محمد يحيى خراط  وزير دولة          اتحاد اشتراكي                 

6ـ حسام الأسود       وزير دولة          وحدوي اشتراكي               

7ـ غياث جرعتلي     وزير دولة          جبهوي وحدوي         

كما حظي المستقلون بسبع حقائب أهمها التعليم العالي والصحة على النحو التالي:

1ـ هاني مرتضي           وزيراً للتعليم العالي

2ـ إياد الشطي              وزيراً للصحة

3ـ إبراهيم حداد             وزيراً للنفط

4ـ محمد بشير المنجد       وزيراً للاتصالات والتقانة

5ـ سهام دلو                وزيرة للشؤون الاجتماعية والعمل

6ـ غسان الرفاعي          وزيراً للتجارة

7ـ سعد الله آغا القلعة       وزيراً للسياحة

في قراءة سريعة لتوزيع الحقائب الوزارية يلحظ:

أن حزب البعث قد سيطر على جميع المرافق الحيوية والحساسة في الحكومة: الدفاع والخارجية والداخلية والمالية والعدل والإعلام والتربية والتعليم والثقافة والزراعة والصناعة والكهرباء والأوقاف والنقل والمغتربين والإدارة المحلية وشؤون رئاسة الجمهورية. بينما حظي منتسبو الجبهة الوطنية بحقيبتين وزاريتين هما: الري و(الإسكان والتعمير) وبخمسة مقاعد وزارية بلا حقائب للترضية تحت عنوان (وزير دولة) مما يبرز حقيقتين:

الأولى مكانة أحزاب الجبهة في التركيبة الحاكمة، والثانية استمرار النهج الذي يقوم على تعيين الوزراء بلا مهام كطريقة من طرق الاسترضاء على حساب مقدرات المواطنين.

أما المستقلون فقد كانت لهم سبع وزارات لعل الملفت فيها وزارة التعليم العالي التي حظي بها الدكتور هاني مرتضي، ووزارة الصحة التي استمر فيها الدكتور إياد الشطي. كما يمكن أن نلحظ في التركيب ما يلي:

لأول مرة منذ عهد الأسد الأب يأتي رئيس وزراء من الشمال السوري من مدينة حلب بالذات. سبقه في أول عهد البعث من المنطقة الشرقية يوسف زعين، وكان أمين الحافظ آخر عسكري شغل منصب رئيس الجمهورية من حلب في الستينات. بينما تكرس المنصب في عهد الأسد في الجنوب السوري (محمد علي الحلبي - الزعبي  من حوران) (والأيوبي والكسم وخليفاوي وميرو من دمشق).

ـ ضمت الحكومة الجديدة ثلاثين وزيراً مقابل خمسة وثلاثين وزيراً بالنسبة لسابقتها. وارتفع فيها كذلك تمثيل البعثيين خلافاً للتكهنات التي دارت مع التأكيد على القرار 408 القاضي بتخفيف ظل البعث في الحياة السياسية السورية. كانت حصة البعث في الوزارة الجديدة 17/30 بينما هي في الوزارة السابقة 19/35.

ـ احتفظ كل من مصطفى طلاس وزير الدفاع بمنصبه منذ 1972، كما احتفظ فاروق الشرع بمنصبه وزيراً للخارجية منذ 1980، بينما بقي على حاج حمود وزيراً للداخلية لدورة ثانية.

ـ ألغي منصب نائب رئيس الوزراء، وهو منصب كان يلازم العماد مصطفى طلاس وفاروق الشرع وآخرين..

ـ حافظت النساء في الوزارة على مقاعدهن، فأصبحت الإعلامية بثينة شعبان: وزيرة للمغتربين، (بعثية)، وسهام دلو (مستقلة) وزيرة للشؤون الاجتماعية والعمل.

ـ لم يلحظ في تشكيلة الوزارة أي وزير ذو حضور شعبي (سياسي ـ أو اجتماعي ـ أو اقتصادي.

متضمنات تكريس الوضع في سورية..

يأتي تكريس البصمة الحزبية على تشكيلة الحكومة السورية تأكيداً على أن شعار التحديث أو التطوير في جميع أطره مازال موضع أخذ ورد بين الممسكين بالقرار السوري، وهذا يشير إلى أن سورية تعيش حالة من التوازن القلق يشار إليه (بعناق الدب) حيث تمسك مراكز القوى ببعضها بشدة وعنف يحولان بينها وبين التحرك إلى أي اتجاه.. فكل فريق لا يقبل أن يتزحزح عن موقفه ولو قيد انملة. وهمّ المجموعة كما هو هم كل واحد منها الاحتفاظ بموقعه بأي ثمن.. إذ لا أحد يدري أين سيؤدي الانفلات بالجميع.

اتخذ القرار 408 في القيادة القطرية ليغفو أكثر من عام في الأدراج، ثم لتدب فيه الحياة بغتة، ويكثر الحديث عن رئيس وزراء من خارج الحزب، وعن نشاط سياسي بعيد عن الوصاية الحزبية في انتعاشة أخرى، ثم تأتي الوزارة العتيدة رداً على جميع تلك التخرصات.

كما تؤكد سيرورة الرحلة السياسية في عهد الرئيس بشار الأسد، محدودية القدرة التي يتمتع بها الرئيس، والذي ماتزال وعوده وحتى قراراته تتعرض للوأد على أيدي متنفذين من مرؤوسيه ظاهراً.. لقد كان الكلام الذي أطلقه الرئيس بشار الأسد عبر مقابلته مع فضائية (العربية)، أكبر من أي مقاربة عملية بعد أن مضى عليه أربعة أشهر.

إن سورية المنخرطة في اللعبة الأمريكية إلى حد الإستجابة إلى تغيير لون الملابس في المدارس، وإلغاء التدريب العسكري الأولي للطلبة في بلد محتلة أرضه، تتظاهر بالتشكيل الوزاري الجديد بتنكب سبيل (الوصايا) أو (الإملاءات) الأمريكية. ويبدو أن عملية التظاهر هذه لم تعد مقبولة أمريكياً وأنه لم تعد رائجة تلك السياسات التي كانت تعلن الولاء للسوفييت، وتعقد الاتفاقات مع الأمريكيين !!

الضغوطات الأمريكية التي استجابت لها سورية كاملة، والتي لم تمس من قريب أو بعيد الوضع الداخلي السوري، أصبحت هي الأخرى ذريعة للمصادرة على عملية الإصلاح والتحديث. فأي تناول لموضوع إطلاق سجين بعد ثلاثين عاماً سيواجه بالحديث عن معركة سورية: الشرع وطلاس ضد الضغوط الأمريكية!!

إن إثارة الإدارة الأمريكية لقانون محاسبة سورية في الكونغرس يعني أن هذه الإدارة لا تزال تطمع من سورية بالمزيد.

انعكاس التشكيل الجديد على الواقع السوري:

يستنتج المتابعون أن التكريس البعثي في الوزارة يعني بشكل مباشر تكريساً للنهج الاستبداد القائم في سورية منذ ما يقرب من أربعين عاماً. وهذا يسد في وجوه أبناء الشعب السوري كل منافذ الأمل للانتقال لوضع أفضل. كما أنه يوفر مناخاً مناسباً للمحاولات الخارجية للضغط على القطر السوري في ظلال قانون محاسبة سورية المطروح في الكونغرس، والوجود الأمريكي الصهيوني في كل من العراق وفلسطين. يبدو أن صانعي السياسة في سورية مازالوا يعيشون في الماضي مع عجز مطلق عن تمثل المتغيرات وحسن التعامل معها.

الوزارة السورية لم تكن قط مناط تغيير أو إصلاح، ولكن تشكيلتها الحالية تنم على الطريقة التي يتصرف بها الممسكون بالقرار والمغامرون بالوطن عقيدة وأرضاً وإنساناً.السابق

for

S&CS

للأعلى

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إليه ، أو غير معزو .ـ

   

ــ التعريف دراسات  متابعات   قراءات  هوامشرجال الشرق من أرشيف الشرق | صحيفة الشرق العربي |ـ
ـ| مشاركات الزوار |ـجســـور |ـجديد الموقع |ـكــتب | مجموعة الحوار | تقارير حقوق الإنسان | البحث في الموقع |
ـ