مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

آخر تحديث يوم الأربعاء 26 / 02 / 2003م

ــ التعريف دراسات  متابعات   قراءات  هوامشرجال الشرق من أرشيف الشرق | صحيفة الشرق العربي |ـ
ـ| مشاركات الزوار |ـجســـور |ـجديد الموقع |ـكــتب | مجموعة الحوار | البحث في الموقع |
ـ

.....

   

 

مجموعة الحوار

 

حول البرنامج السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديموقراطي

الدكتور عاطف صابوني *

مع صدور برنامجه السياسي العام يكون حزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديموقراطي قد تقدم بخطوة هامة أخرى على الطريق الذي اختطه لنفسه بعد خروجه من الصيغة الهجينة للجبهة الوطنية التقدمية أوائل السبعينات وتوصيف نفسه منذ ذلك الوقت كإطار معارض لنهج الاحتواء والإقصاء والذي بلغ ذروته بعد صدور الدستور الدائم للبلاد والذي شرعن في مادته الثامنة توجه الحكم باتجاه الأحادية, ثم وفي أواخر السبعينات أسس لموقعه كفصيل أساسي وفاعل في إطار صيغة التجمع الوطني الديموقراطي, ثم انتقاله إلى العلنية بعيد مؤتمره العام الثامن في أواخر آذار عام 2000.

وهاهو اليوم يقدم برنامجه السياسي العام ليرسم من خلاله توجهاته ويصوغ فيه المسائل والأولويات التي تحكم حركته مرحليا واستراتيجيا.

لقد شكل حزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديموقراطي منذ تأسيسه رحما للتيار الناصري بأكمله تقريبا في سوريا, ذلك التيار الذي يعد الابن الشرعي لتلك الحملة الشعبية الهائلة التي اندفعت منذ بدايات عام 1962 باتجاه إعادة الوحدة والقضاء على الانفصال ونظامه, وجعلت في المحصلة ما حدث في 8 آذار 1963 ممكنا, وكان يمكن لهذا التاريخ وعند هذه النقطة بالتحديد أن يشكل نهاية هذا الدور وأن تعود الوحدة من جديد وأن يولد منها الجديد الذي يمكن الدفاع عنه فيما بعد, غير أن عقلية المناورة والإقصاء لدى البعث العسكري ساهمت في تغيير مجرى الحدث السياسي في سوريا, وكانت أبرز محطات هذا الطريق حركة 18 تموز 1963 بقيادة جاسم علوان وما تبعها من سحق وقمع وسجون وإعدامات ساهمت في تسارع الأحداث لتصب في النهاية في بوتقة ولادة هذا الحزب تحت شعار إعادة الوحدة مع مصر في تموز 1964.

وابتداء من عام 1968 بدأ هذا الحزب يصوغ التصورات الاجتماعية والسياسية للناصرية كمنج وكأيديولوجيا, ومنذ ذلك التاريخ قام برفض الانقلابات العسكرية ومذهبة العمل السباسي وهيمنة أي فكر أو حزب على الدولة والمجتمع, وتعزيز الوحدة الوطنية والحريات العامة في البلاد.

وكان لابد من تطوير فكري يوازي هذه المواقف ويؤسس لها, ويشرعنها وبالفعل خاض هذا الحزب معركة التأسيس والتطوير هذه باقتدار, وكان لامينه العام وأبرز مؤسسيه المرحوم جمال الاتاسي دورا هاما في هذا الإطار, بدءا من دراسته الشهيرة تحت عنوان ( الحرية أولا ) مرورا بكتابه المعروف ( الحوار مقدمة العمل ) ثم كتابه الهام حول الناصرية وقضايا الأمة ( الإطلالة على التجربة التاريخية لعبد الناصر ), إضافة إلى العشرات من الكتابات والإسهامات والتي كان آخر ها الكتاب الذي احتوى على لقاءات مع الكاتب والمفكر المصري مجدي رياض حول موقف الناصرية من العديد من القضايا السياسية والنظرية والاجتماعية في أواخر القرن الماضي وبدايات القرن الحالي.

لم تكن هذه التجربة النظرية الهامة معزولة, بل ترافقت مع تجربة سياسية غنية وهائلة ومتنوعة, من المعارضة إلى المشاركة في الحكم إلى المعارضة ثانية, وما رافق هذه التجربة من أثمان دفعها أمينة العام وأعضاء مكتبه السياسي وقياداته وكوادره وأنصاره من سجون ومعتقلات وتوار.

ومع تراجع حدة القبضة الأمنية منذ أواسط التسعينات بدأ هذا الحزب يستعيد عافيته ونشاطه عبر خطوتين سياسيتين, أولاهما توحيد التيالمستقبل, في سوريا, عبر عودة القسم الأهم من كوادر وقيادات التنظيم الشعبي الناصري ( المنشق أصلا عن جسد الاتحاد الاشتراكي ) ودمجهم داخل مؤسساته, والثانية كانت عقد مؤتمره العام الثامن في 30/3/2000, وما تمخض عنه من اختيار للعلنية كمنهج في العمل السياسي والمطالبة بصياغة برنامج سياسي عام للحزب, وتحويل بنيته الداخلية من الشكل اللينيني المركزي إلى الشكل الديموقراطي, حيث تنتخب كافة مؤسساته ديموقراطيا من قبل مؤتمراتها.

ضمن هذا السياق التاريخي النشط جاء البرنامج السياسي العام الذي طرحه الاتحاد الاشتراكي العربي الديموقراطي خطوة طبيعية باتجاه المستقبل ,ويمكن للمرء من خلال استعراض أولي لهذا البرنامج أن يرصد الملاحظات التالية :

1ـ أنه يمثل حالة جديدة في تاريخ الحركة السياسية في سوريا, تمثلت بالانتقال من النمط الشعاراتي المعمم إلى النمط البرامجي المحدد, حيث التجسيدات المرحلية للمهام الاسترتيتجية وحيث الإسقاطات المنطقية والواقعية للايديولوجيا, لقد غاب هذا النمط البرامجي عن مجمل الحركة السياسية في سوريا والوطن العربي عموما فترة هامة من الزمن ساد فيها صخب الايديولوجيا والشعارات, وان لاستعادة هذا النمط اليوم مع عودة تبارز البرامج السياسية لا يعني بالضرورة موات الايديولوجيا(كما يروج البعض اليوم) بقدر ما يعني استعادة الدور والحامل الموضوعي لها.

2ـ التركيز في أكثر من مكان فيه على أهمية شكل الدولة التعاقدية حيث المشروعية كلها من الشعب, وذلك عبر الآليات التي توصلت إليها التجارب البشرية في الاختيار, وأهمها الديموقراطية التي تقوم أساسا على مبدأ الانتخاب الحر والنزيه وعلى حرية الرأي والتعبير والتداول السلمي للسلطة.

3ـ التأكيد على مفهوم المواطنة واعتبارها حق مقدس, يقوم أساسا على المساواة التامة بين جميع المواطنين دون أسي تمييز وذلك على قاعدة احترام وحدة البلاد وقوتها وأمنها, وهذا المبدأ يجب أ، لا يتناقض مع ضمان الحقوق الثقافية للجميع ( في إشارة ضمنية إلى الأقليات القومية ).

4ـ إبراز الدور الأساسي للإسلام ليس كمصدر أساسي للتشريع فقط ( كما نصت اغلب الدساتير العربية القائمة حاليا), بل بكونه مكون أساسي من مكونات الأمة, فهو أكثر بكثير من كونه يمثل فقط مرجعية ثقافية لها كما روج الفكر البعثي القومي العفلقي ذو الرائحة العلمانية, إنما هو تجسيد حقيقي للفهم الناصري للدين, وهو فهم قومي نشأ أصلا من القاع الجماهيري العربي المسلم, وكان لابد من هذا التوضيح في البرنامج بعد أن ساد مفهوم الربط الحتمي الخاطئ بين القومية والعلمانية اعتمادا على النظريات القومية التي ظهرت هنا وهناك حول العالم, وهو الأمر الذي لم يكن يمتلك مشروعية الطرح بهذه القوة سابقا , غير أن ظهور أحزاب ( الإسلام السياسي ) وانتعاشها على حساب التيار القومي الذي تلقى ضربة قاسية بعد عدوان 1967 أعاد طرح هذه المسألة بقوة أوائل السبعينات والثمانينات, وكان لابد من إعادة الأمور إلى نصابها الحقيقي , فالناصريون أبناء هذا الوطن , إنهم يمثلون ذلك التحالف المنغمس بالزراعة والصناعة والأزقة الضيقة في المدن , أولئك المحرومون والمنتهكة بشدة حقوقهم , والذين جاء عبد النصر ليعيد إليهم ( كأغلبية غائبة ) جزءا من الدور , فخاطبهم بلغتهم وانطلق من معاناتهم وجسد مقولاتهم , وهؤلاء بمجموعهم إضافة إلى بقية الشرائح المرتبطة بهم مسلمون وقوميون وكادحون ومضطهدون.

5ـ ملامسة البرنامج لبعض التفاصيل على أرض الواقع, ومحاولة رسم حلول عملية لها, وينطلق في ذلك من أهمية إجراء تعديلات دستورية تكرس التعددية السياسية والحزبية على حساب الاحتكار القائم اليوم, وإعادة الاعتبار للانتخابات التنافسية الحقيقية على حساب القوائم المعدة سلفا, وإعادة الاعتبار لحقوق الإنسان على حساب الانتهاك الحاصل لها, إضافة إلى العديد من التفاصيل الدستورية, كإعادة تشكيل المحكمة الدستورية العليا, وضع قانون جديد للانتخابات وتحديد مدة رئاسة الجمهورية وجعلها قابلة للتجديد مرة واحدة فقط, وإلغاء الأحكام العرفية وتقييد إعلانها وفق شروط محددة, وغيرها من التفاصيل الدستورية التي وردت في البرنامج كحلول عملية للعديد من القضايا الأساسية لعملية التحول الديموقراطي.

6ـ التأكيد على مسألة الوحدة الوطنية وحمايتها, وفق محددات أساسية تتضمن احترام وحدة البلاد أرضا وشعبا, واعتبار اللغة العربية لغة رسمية للبلاد, وضمان الحقوق الثقافية لكافة المواطنين عبر ضمان حقوق المجموعات الوطنية ( كما وصفها البرنامج ) في صياغة وتطوير تراثها الثقافي, والتأكيد على هوية الجيش والقوات المسلحة الوطنية, واعتبارها درع للوطن.

7ـ معالجة مسألة الإصلاح الاقتصادي وفق الفهم الناصري العام للعدالة الاجتماعية, حيث التركيز ينصب أساسا على حماية القطاع العام وإعطائه الدور المركزي وفق اشتراطات تتعلق بتحريره من الاستغلال وسوء الإدارة, وإعادة تأهيل قياداته باتخاذ معياري الكفاءة والنزاهة وتحرير هذا القطاع الهام من المركزية والبيروقراطية المفرطتين, هذا من جهة ومن جهة أخرى إعطاء القطاع العام دورا احتكاريا فيما يتعلق بالتصنيع الاستراتيجي, الذي يتضمن التسليح والصناعات الحربية والأبحاث والتكنولوجيا والتعليم والخدمات الأساسية و المرافق العامة والثروات الباطنية, ومن جهة ثالثة تأكيده على دور المصرف المركزي في رسم وتوجيه السياسات النقدية العامة.

8ـ وفي الجانب الآخر ووفق منظور آخر فان البرنامج يتحدث عن القطاعات الخاص والتعاوني والمشترك, ودور هذه القطاعات الهام في الاستثمار وفي كافة المجالات عدا تلك التي يحتكرها القطاع العام, ووفق آليات السوق.

وهذه النقطة – بلا شك – ستثير جدلا واسعا بين أوساط المهتمين, ولعلّ أن أهم الأسئلة التي ستثار في هذا المضمار هو: هل تخلى الاتحاد الاشتراكي العربي الديموقراطي عن ثاني هدف من أهدافه ( الاشتراكية) ؟ وهو سؤال يمتلك المشروعية خاصة عندما تختفي هذه الكلمة عن كامل صفحات البرنامج.

والحقيقة أن البحث فسي هذه المسألة يحتاج إلى تأسيس نظري كاف لتوضيحها, وهذا ما لم يتم بالشكل الكافي قبل صدور البرنامج, ولكن الأمر يتعلق في النهاية بالفهم الناصري للاشتراكية, وهل أن هذا الفهم يرتبط بإجراءات لا تحتمل التطوير والتغيير ( كالتأميم مثلا), أم أن هذه الإجراءات مرتبطة عضويا بالظروف الموجبة لها( إقطاع ورأسمالية مسيطرتين على كافة مفاصل الاقتصاد وتحتكران أكثر من 80% من الناتج الوطني), والسؤال الآخر الذي يمكن أن يطرح حول دور القطاع الخاص, وهل أن الفهم الناصري تضمن في أي وقت سابق هيمنة الدولة على كافة مفاصل الاقتصاد وإلغاء دور هذا القطاع, أم أن ضرورات المرحلة فرضت إجراءات اشتراكية شديدة (كالتأميم) في مرحلة معينة ويمكن أن تتطلب إجراءات مختلفة في ظروف أخرى, ثم هل هذه الضرورات ما زالت راهنية ومطروحة ؟, وماهر موقف الناس منها اليوم؟, وهل الإجراءات الاشتراكية تمتلك اليوم نفس الحاجة أو القبول في أوساط الرأي العام؟.

كلّ هذه الأسئلة وغيرها مطروحة للنقاش على نطاق واسع اليوم, والبرنامج السياسي العام عالجها وفق منظور مرحلي يتعلق بمشاكل اقتصادية واجتماعية مزمنة تتحمل فيها بعض الإجراءات المحسوبة على التطبيق الاشتراكي مسؤولية أساسية.

والبرنامج السياسي عندما يطرح هذه المعالجات فانه لا يجد نفسه واقعا في انفصام مع الذات الأيديولوجية أو الشعاراتية, بل هو يبحث عن طرائق وأساليب عملية باتجاهها وليس لهدمها والبناء على أنقاضها, منطلقا من مسلّمة أولية وهي أن الناصرية كانت ويجب أن تبقى جوابا للمطالب الأساسية للكتلة الأكبر من الشعب والتعبير الصادق عنها, وأقول هنا التعبير الصادق وليس الوحيد, والقضايا المطروحة في البرنامج تحتمل بلا شك تعدد الرؤى والاتجاهات.

8ـ لقد وضع البرنامج آليات للتغيير الديموقراطي تأتي في مقدمتها مسألة نبذ العنف ورفض استخدامه في العمل السياسي, والبديل في المقابل يكون عبر تطوير آليات العمل الديموقراطي وخلق فعاليات سلمية للضغط المجتمعي, بدءا من الكلمة مرورا بالتظاهر والإضراب وذلك بالاستناد إلى قواعد أساسية بدأ الحزب بانتهاجها وأهمها التخلي عن أنماط العمل السري والانتقال إلى العلنية, والتأكيد على اعتماد الحوار دون استبعاد أي طرف للبحث عن الحلول للاستحقاقات الوطنية والقومية التي تواجه الجميع, إضافة إلى العمل على إعادة السياسة إلى المجتمع عبر إعادة الحيوية إلى المؤسسات الأهلية القائمة وإنشاء ودعم مؤسسات جديدة, و عبر خوض النضالات المطلبية والنقابية, وعبر نشر الثقافة الديموقراطية والتوجه نحو الحوار الديموقراطي مع كافة القوى على الأرض العربية.

لقد شكل البرنامج السياسي العام الذي أعلنه حزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي إضافة جديدة في التأسيس للحياة السياسية في سوريا في بدايات القرن الحالي, وهي إضافة ليست معزولة عما سبقها من برامج واقتراحات قدمتها المعارضة السورية بأطيافها المختلفة, ولن تكون كذلك مع ما سيأتي بعدها, ولاشك أن مثل هذه الإضافات ستخلق مع الوقت تراكمات هامة سيكون لها تأثيرا, وبشكل خاص عندما تترافق مع توجهات صادقة من قبل السلطة والعهد الجديد في البلاد, فما تم تقديمه من برامج واقتراحات يشكل في مجمله محاولات جدية لمدّ الأيادي والبحث عن الحلول وطيّ صفحة الماضي والتأسيس لعقد وطني جديد تنتصر فيه البلاد بأبنائها, وتزداد فيهم قوة ومنعة ودورا على الصعيد القومي والإنساني.

إن البرنامج السياسي العام هو رسالة موجهة للجميع سلطة ومعارضة ومثقفين وجماهير, وهي محاولة تستحق أن يثار حولها وعنها الكثير من الحوار والنقاش والتفاعل لإنضاجها واستكمالها وحتى إعادة إنتاجها بالشكل الذي يجب أن تكون عليه, وبحيث تجيب بشكل عملي عما هو مطلوب منها, ولاشك بأن الأمم التي ستراوح في مكانها بعد اليوم سوف لن يرحمها التاريخ على الإطلاق.

* كاتب وباحث – حلب.السابق

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

for

S&CS

للأعلى

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إليه ، أو غير معزو .ـ

   

ـ التعريف دراسات  متابعات   قراءات  هوامشرجال الشرق من أرشيف الشرق | صحيفة الشرق العربي |ـ
ـ| مشاركات الزوار |ـجســـور |ـجديد الموقع |ـكــتب | مجموعة الحوار | البحث في الموقع |
ـ