لغة
السياسية في الإسلام ـ عرض
و تلخيص
كتاب
( لغة السياسة في الإسلام ) كتاب صغير
الحجم
يقع
في مئة واثنين وسبعين صفحة 172 من القطع
المتوسط
طباعة:
دار قرطبة للنشر و التوثيق و الأبحاث.
تأليف:
المستشرق المعروف: برنارد لويس صاحب
كتاب (الغرب والشرق الأوسط)
ترجمة:
إبراهيم شتا.
الطبعة
الأولى: 1993.
لقد جاء النصف الثاني من القرن
العشرين بخيبة أمل شديدة ومزيد من
البحث عن الذات فالتعاويذ القادمة من
الغرب لم تحدث سحرا يذكر، والعقاقير
التي قدمها وكلاء ووسطاء أجانب
مختلفون لم تؤد إلى شفاء الأمراض
الموجودة في العالم الإسلامي و عند
الشعوب الإسلامية، والحكومة
الدستورية على عكس المتوقع ـ لم تجعلهم
أصحاء أقوياء أثرياء، و الإستقلال حل
مشاكل قليلة لكنه أدى إلى مشاكل أكثر،
والحرية. وتعني الآن حرية الفرد أمام
مواطنيه و أبناء بلده بدت أكثر بعدا
مما كانت في أي وقت مضى… وقد جربت
أدوية كثيرة مستوردة من أوروبا
الشرقية و أوروبا الغربية و من جنوب
أمريكا و من شمالها أيضا و لا شيء منها
أثر تأثيرا جيدا، وهناك أعداد متزايدة
من المسلمين بدأت تعود إلى النظر إلى
ماضيها لتجد تشخيصا لأمراضها الحاضرة
ووصفة من أجل علاجها في المستقبل. وقد
أبدت ثورة إيران طريقا، و هناك
الكثيرون من الرجال و النساء في كل
دولة مسلمة الآن إما أنهم يهدفون إلى
سلوك الطريق الإيراني، وإما يحاولون
إيجاد بديل أفضل من أجل العودة إلى
الإسلام الحقيقي و الأصلي و الجدير
بالثقة. إسلام الرسول وصحابته، ولا
تزال اللغة السياسية في الإسلام تحرز
علاقات جديدة ومفاهيم جديدة، كما أنها
تحرز أيضا مستوى جديدا عن ماض مسترجع
أو معاد تأسيسه لم يكن قط الماضي
الموجود في الواقع، و تدين ثورة آية
الله الخميني بالكثير للعالم الخارجي
أكثر من مجرد البنادق و الخطب المباشرة
و أشرطة التسجيل، الكثير مما هو مهم
أهمية هذه الوسائل في استحواذه على
السلطة. وبين الحلقات الأصولية في مصر
وإيران و غيرهما من البلاد تتشكل لغة
إسلامية سياسية جديدة تدين بدين غير
معترف به للمتغربين و العلمانيين في
القرن الماضي و منابعهم الأجنبية..
دينها الإسلام الرسالي و الكلاسي. وسوف
يعتمد الكثير على قدرتهم على التوفيق
بين هذه التيارات المختلفة.) ص: 176.
هذا الكتاب في الأصل مجموعة
محاضرات ألقيت في جامعة شيكاغو سنة(
1986): ويبدو أن الثورة الإسلامية في
إيران (1979) كان لها تأثير كبير كدافع
لتأليف الكتاب، وللكثير من الأفكار
التي بشر بها. ويحاول الباحث و المؤلف
برنارد لويس أن يصل إلى فهم موضوعي
ودقيق للغة الخطاب السياسي عند
المسلمين: إيحاءاتها و مدلولات
كلماتها واستعاراتها وإشاراتها، و
تطور هذه اللغة عبر التاريخ الإسلامي
وصولا إلى يومنا هذا، مع مراعاة
الدلالة النفسية، و محاولة فهم
مدلولات الكلمات من وجهة نظر أصحابها(المسلمين)
الحقيقية، مقارنا ذلك بالمفهوم السائد
من المصطلح أو من الترجمة الحرفية له
في العالم الغربي، و التي تكون متأثرة
غالبا بعمق و تاريخ مختلف تماما، مما
قد يقف حائلا دون فهم صحيح لهذه اللغة.
يرتكز المؤلف في دراسته لهذه اللغة
على خمسة محاور أساسية تمثل فصول
الكتاب الخمسة:
ـ محور
الاستعارات والإشارات في اللغة
السياسية.
ـ محور
اللغة السياسية المستخدمة للحديث عن
الهيكل السياسي (الأسرة الحاكمة).
ـ محور
اللغة السياسية المستخدمة للحديث عن
الحكام والمحكومين.
ـ محور
اللغة السياسية المستخدمة للحديث عن
الحرب و السلام.
ـ محور
اللغة السياسية المستخدمة للحديث عن
حدود الطاعة.
يبدأ المؤلف كتابه بمجموعة أفكار
تمهيدية، وإن كانت قد أدرجت في الفصل
الأول، يزيل فيها اللبس الحادث عند
الغربيين لدى استعمالهم لاصطلاحات
معينة: فمدلول كلمة "الدين" مثلا
في العالم الغربي يعني "جزءا مستقلا
و منتزعا من الحياة يتعلق بأمور معينة،
و إنه منفصل أو على الأقل قابل
للانفصال ـ عن شؤون الحياة" و لكنه
ليس كذلك في العالم الإسلامي، و لم يكن
كذلك قط في الماضي، كما أن الدين في
العالم الغربي له سلطته الخاصة التي
تختلف عن السلطة السياسية، وذلك عائد
إلى جذور الدين المسيحي الذي ينص في
تعاليمه: "أعط ما لله لله وما لقيصر
لقيصر" بينما ومنذ بداية الإسلام
حتى القرن الأخير لم توجد هناك أبدا
سلطتان، و لم يتم الفصل بينهما أبدا
على هذا النحو، ويستطرد المؤلف أنه في
الإسلام لا يوجد حتى "رجال دين"
بالمعنى الموجود في العالم الغربي، و
يصف المحاولات التي تمت في العصر
الحديث لوضع حدود فاصلة بين الدين
والدولة (بالانحراف غير الطبيعي) و
أنها لا بد ستؤول للزوال، و مفهوم
الدين هذا، هو ما يعلل كون المصطلح "علماني"
قد ووجه بقدر كبير من العداء، من قبل
المجتمعات الإسلامية، وعده
الإسلاميون "كمروق، أوكخيانة عظمى
للإسلام" (ص:12) و لفهم اللغة السياسية
في الإسلام، فإن علينا أن نرجع إلى ما
قبل اللغة السياسية المعاصرة، و التي
"حرفت" خلال القرن الأخير تحت
التأثير الهائل للسيطرة الغربية
والفكر الغربي، إن أصول اللغة
السياسية الإسلامية ينبغي أن تبحث في
القرآن الكريم والحديث النبوي،
وممارسات المسلمين الأوائل ومن لغة
العرب القديمة، ثم نلاحظ تأثرها
بحضارة الإمبراطوريتين الرومانية
والفارسية، (مصطلح الشرطة مثلا مصطلح
روماني)، ثم تأثرهم كذلك بلغة الأتراك
و بعدهم المغول الذين حملوا معهم معجما
جديدا من الكلمات والاصطلاحات
السياسية، وأخيرا التأثر بالاستعمار
والفكر الغربي الذي أدى إلى "تحول في
الحكومة كممارسة ومفهوم على السواء، و
أدى إلى إعادة صياغة الأفكار والألفاظ".
وفي حديثه عن لغة الإشارات
والاستعارات في لغة الخطاب السياسي
الإسلامي (والذي خصص هذا الفصل من أجله)
يصف المؤلف هذه اللغة بأنها لغة غنية
بالاستعارات معتبرا أن أغلب هذه
الاستعارات من النوع المكاني (ملاحظا
أنها تشابه في ذلك اللغة الغربية) و
يسوق لنا أمثلة عل ذلك: (فقدِم) و (أمّ)
كلتيهما مشتقتان من الأمام و القبل
لبيان الأسبقية والسلطة، وكلاهما أيضا
مشتق من القيادة في المعركة والصلاة (عله
يقصد استخدما لهذا السبب في القيادة في
المعركة والصلاة) والولي وهو يدل على
القوة والسلطة مشتق (من القرب) و(الوسيط)
(الذي كان منصبا رفيعا في البلاط يقارب
منصب الوزير في الدولة الفاطمية) من
الوسط.
ويلاحظ المؤلف ملاحظة مهمة فيما
يتعلق باستخدام الاصطلاحات المكانية
عند المسلمين، مقارنة بالغربيين،
فالمسلمون يستخدمون كلمات ذات مدلولات
أفقية في تعابيرهم السياسية، ونادرا
ما يستخدمون كلمات ذات مدلولات رأسية
في هذه التعابير، على العكس من
الغربيين الذين يغلب عليهم استخدام
كلمات رأسية، فعلى سبيل المثال يستخدم
الغربيون كلمة "يصعد" و "يسقط"
للحديث عن المناضلين في سبيل السلطة
السياسية، فهم يصعدون أو يسقطون،
بينما تستخدم كلمة الصعود في الإسلام
"للتعبير عن تجربة دينية أو صوفية"
و نادرا ما تعبر عن طموح سياسي،
فالمسلمون الطموحون يتحركون دخولا
والمتمردون ينسحبون أو يخرجون، ومن
هنا كانت تسمية الخوارج من الخروج،
ولعل لذلك صلة بكون علاقات القوة في
الإسلام كما يقرر المؤلف، تبنى
باستعارة تعبير سوسيولوجي هو المركز
والمحيط، وتكون الحركة بكلا الاتجاهين
دخولا وخروجا، ملاحظا كذلك استخدام
المسلمين لقب (سرة العالم) لإطلاقها
على بغداد عاصمة الخلافة، معتبرا
إياها استعارة مدهشة يقصد بها كما هو
واضح تحديد مركزي. أيضا كلمة منخفض أو
منحط أو سافل كلها ذات معان رأسية، إلا
أنها نادرا ما تستخدم كمعنى سياسي.
يعرض المؤلف من ثم للاستعارات
الفسيولوجية المأخوذة من الجسد
الإنساني وذلك كاليمين واليسار و
الرأس و العضد و الساعد…الخ. فبالرغم
من الشائع من أن تسمية اليمين و اليسار
عائد إلى أماكن الجلوس في الجمعية
الوطنية الفرنسية بعد الثورة، إلا أن
اعتبار الاستعارة مأخوذة من الجسد
الإنساني له حق الأولوية، فهناك معتقد
عالمي بأن اليمين مبارك و اليسار شؤم،
و في اللغة العربية فإن الكلمة (شؤم)
ومشتقاتها (مشئوم، و متشائم) قد اشتقت
من أصل يعني الشمال، وكلمة اليمين التي
تأتي بمعنى العهد مشتقة كما هو واضح من
اليمين. وفي حديثه عن الإشارات، يقدم
لنا المؤلف دراسة للإشارات الشفهية:
كالإشارات المستفادة من كلمة الشيخ
والشاب (الذي يعبر عنه في العربية
بالغلام والفتى)، حيث كان المسلمون في
الماضي يعتقدون أن السن والخبرة
يجلبان الحكمة ويمنحان السلطة، إلا أن
هذا المعتقد أصبح مهجورا و لكن كلمة
شيخ أصبحت المصطلح النمطي الذي يدل على
الاحترام والسلطة لدى المسلمين في كل
أنحاء العالم. أما الشاب والذي يعبر
عنه في العالم العربي بصيغتين كما
قلنا، الغلام والفتى، حيث تمثل صيغة
الغلام الخضوع والتبعية والخدمة،
والذي استخدم تحديدا فيما بعد للحديث
عن أولئك الذين كانوا في خدمة الحكام،
كما استخدم للدلالة على غلمان الحرس،
والغلمان المقاتلين، وأصبح له فيما
بعد دلالة عسكرية. وصيغة الفتى كان لها
دلالة عسكرية مختلفة تماما، حيث أطلقت
على جماعات الفتيان وأرباب الحرف
الذين شكلوا نوعا من المليشيات في
المدن الإسلامية، وتشير كلمة الفتى
إلى من يجمع صفات المروءة غالبا. وحتى
القرن التاسع عشر حين أخذ الشباب
يطالبون بالسلطة، كان ذلك يعد غريبا في
المجتمع الإسلامي، وأول حركة أطلقت
على نفسها هذا الاسم كانت حركة (تركيا
الفتاة) والتي سبقها إرهاص متمثل في
حركة (العثمانيين الجدد) و تبعها بعد
عدة أجيال قادة العرب. بالإضافة إلى
الإشارات الشفهية، يتحدث المؤلف عن
الإشارات المادية والتي تستخدم كرموز
للسلطة كالرمح، والدرة (استخدمها عمر
ابن الخطاب رضي الله عنه) والعصا
والصولجان، و يشير إلى أن هذه الرموز
ما زالت مستخدمة إلى يومنا هذا، بصورة
معدلة، حيث يقوم محترف بحمل سلاح رمزي
كرمح أو قضيب ويتبع الحاكم في
الاحتفالات. وفي حين كان ملك فرنسا يصف
نفسه بالملك الشمس فإن الحاكم المسلم
كان يوصف بأنه ظل الله في الأرض، وذلك
عائد إلى أن الشمس في الشرق تعد عدوا
قاسيا، و لكنها صديق طيب في الغرب.
أما اللغة المستخدمة للحديث عن
الهيكل السياسي في الإسلام والتي يعرض
لها المؤلف في الفصل الثاني من الكتاب،
فيوضح لنا المؤلف فيه، كيف تطورت اللغة
في التعبير عن هذا الهيكل، الذي كرس له
المسلمون كما هائلا من الفكر لدراسة
وظائفه وعلله وطبيعة السلطة
وممارستها، وخصائص الحكومة الرشيدة،
والعلاقة بين الحاكم والمحكوم. فلم
ينظر المسلمون إلى الهيكل السياسي
وخدمته، في العصور الأولى و الوسيطة،
كما نظر إليه نظراؤهم الغربيون في نفس
الفترة على أنه "شيء شرير، من صنع
البشر، وأنه عقاب أو تكفير عن ذنب كبير"
ص:47، بل اعتبروه هبة و ضرورة إلهية.
وحسب المؤلف فقد اهتم فلاسفة المسلمين
بالتوفيق بين الكتابات السياسية
القديمة وبين تعاليم الإسلام، مما أدى
إلى إنتاج أدب فلسفي جديد و(أصيل) يحتوي
على نظرات متعمقة و جديدة لبعض
المشكلات السياسية الأساسية، ويقول أن
الفلاسفة المسلمين خلال عملهم هذا
أنتجوا معجما سياسيا جديدا، و نحتوا
مرادفات عربية للمصطلحات السياسية
اليونانية، وبالرغم من أهمية عملهم
هذا إلا أنه اعتبر ذا أهمية هامشية في
التاريخ العقلي والفلسفي في الإسلام.
وخلافا لما كان عليه الحال في العصور
الوسطى في الغرب، حيث كانت الطبقة
الحاكمة هي الطبقة المثقفة الوحيدة،
فلقد كان هناك طبقتين من النخبة
المثقفة عند المسلمين في نفس الوقت،
الطبقة الحاكمة، أو ما يسميه بطبقة (الكتبة)
الذين عبر عن كتاباتهم بمصطلح "الأدب"
(الذي يرادف اليوم ما نسميه بالثقافة
السياسية)، ويقدم لنا المؤلف دراسة
لهذا المصطلح و تطوره من المعنى اللغوي
إلى المعنى الاصطلاحي وتطور دلالته
عبر التاريخ. والطبقة الثانية هي طبقة
الفقهاء، حيث تناولت كلها بلا
استثناء، موضوع الحكومة (الهيكل
السياسي) و لكنها لم تتناولها من وجهة
نظر فلسفية، فهي لا تحتوي على نظريات
سياسية وفلسفية، إنها تهتم بما يوازي
اليوم القانون الدستوري، ذلك أن
اهتمام الفقيه بالدولة لا يعود إلى
كونها ظاهرة تاريخية أو فكرة فلسفية
مجردة، بل "بوصفها أداة إلهية،
وجزءا ضروريا وأصيلا من التدبير
الإلهي" ص:51، وظيفتها الأولى أن تمكن
الفرد المسلم من أن يحيا حياة طيبة [
وفقا للتحليلات الأخيرة ].
وفي معرض الإجابة عن سؤال كثيرا ما
يطرح، عما إذا كانت السياسة الإسلامية
(ثيوقراطية) أم لا؟ يوضح المؤلف أن هناك
سوء فهم شائع فيما يتصل بهذا المفهوم،
فإذا عنينا بالثيوقراطية حكم الكنيسة،
فليس الإسلام ثيوقراطيا ولا يمكن أن
يكون هكذا لأنه لا كنيسة و لا كهنوت في
الإسلام، "ولو حتى بشكل نظري" كما
أنه ليس هناك منصب كهنوتي للوساطة بين
الله والفرد المؤمن، لا يوجد أسقف ولا
أكليروس كذلك. أما إذا عنينا
بالثيوقراطية (حكم الله) فإنه قد ينطبق
على السياسة الإسلامية باعتبار أنه في
المفهوم الفقهي للحكومة الإسلامية يعد
الله هو المصدر الشرعي للسلطة. ويصحح
المؤلف لنا –أو للغربيين- خطأ شائعا
آخر كثيرا ما يقعون فيه، وهو متعلق
بتصورهم للحكومة الإسلامية "كنظام
يكون الحاكم فيه مستبدا، مطلق اليد في
يده كل السلطات، والفرد عبده العاجز
والواقع تحت رحمته "معتبرا إياها
صورة مشوهة ومزيفة لأن الشريعة
الإسلامية لم تعط أحدا قط سلطة مطلقة،
ولم يستطع أي حاكم مسلم ممارسة مثل هذه
السلطة، فالحاكم إذا كان واجب الطاعة
فإن سلطته محدودة بحدود مهمة جدا، فهو
لا يستطيع سن القوانين، بل عليه أن
يطبقها، ويدافع عنها، كما أن القانون
يطبق عليه(بشكل لا يقل عن أحقر رعاياه)
على حد تعبير المؤلف.
لقد عبر الفقهاء عن السلطة العليا
باستخدام مصطلح (الإمامة) و يسرد
المؤلف شرحا مطولا لهذا المصطلح
واشتقاقه اللغوي، كما يقدم شرحا كذلك
لمصطلحات: (الأمير:المشتق من الأمر) و (الولي)
و (السلطان) و (الشوكة) و (الملة) و (الوطن)
و(الشعب)، ومن أهمها دراسته لمصطلح
الوطن بجذوره اللغوية و تاريخ
استخدامه السياسي و تطور استخدامه.
في الفصل الثالث من الكتاب: يقدم
لنا المؤلف دراسته عن اللغة السياسية
التي عبر بها عن الحكام و المحكومين
وعلاقة كل منهم بالآخر. ويورد لنا
المؤلف حديثا شريفا، يصفه بأنه موضوع،
إلا أنه يتخذه عمدة لبيان تطور ألقاب
الحكام المسلمين على نفس المراحل
المذكورة في الحديث الذي نصه (سيكون من
بعدي خلفاء ومن بعد الخلفاء أمراء ومن
بعد الأمراء ملوك ومن بعد الملوك
جبابرة.
ويستعرض المؤلف في هذا الفصل ألقاب
الحكام المسلمين على طول التاريخ
الإسلامي مقدما لها دراسة لغوية
اصطلاحية بدءا بلقب الخليفة (موضحا أن
المقصود به خليفة الرسول، لا خليفة
الله) ثم لقب السلطان والملك والباشا
والشاهنشاه والبادشاه وخان وخاقان
وصولا إلى مصطلح الرئيس و الزعيم
المستخدم حاليا والذي اعتبره مرادفا
للجبابرة في الحديث الشريف. أما ألقاب
المحكومين فعرض لمصطلحات (الرعية) و(الميري)
و(الحر) و(العبد) و(الخاصة) و(العامة) و(الشريف)
و(الضعيف) و(المواطن.
لقد خصصت مساحات واسعة في الأدب
السياسي الإسلامي، لعلاقة الحاكم
بالمحكوم، وواجبات كل منهما نحو
الآخر، حيث نوقشت هذه القضية في ثلاثة
محاور رئيسية: اختيار الحاكم، تسليمه
السلطة، واجب الحاكم نحو المحكوم(الذي
يقترب من المفهوم الغربي لحقوق الفرد
حسب رأي المؤلف. ويتم تنصيب الحاكم
بنوع من العقود بينه و بين عدد من
الأشخاص العدول، وبمقتضى هذا العقد
يتعهد الحاكم ببعض التعهدات قبل جماعة
المسلمين وقبل كل مسلم تتكون منه هذه
الجماعة، كما يتعهد الأفراد بدورهم
بحق الطاعة للحاكم. وفي مستهل حديثه عن
لغة (الحرب) و (السلام)، في الفصل
الرابع، يدحض المؤلف استخدام المصطلح
المستخدم لترجمة "الجهاد" في
الإسلام (فيعد ترجمة "الحرب المقدسة"
تشويها فهي بلا جدال مثل بعض الالحاقات
الأخرى مجرد اختراع) ذلك أنه لا يوجد
تقديس في العالم الإسلامي للأشخاص
الأحياء ولا للأفعال الإنسانية، ويقدم
لنا شرحا وافيا لمصطلح "الجهاد"،
ملاحظا باستغراب عدم وجوده في
الاستخدام الجاهلي، ويتضمن هذا الشرح
حكم الجهاد كفرض كفاية وفرض عين، وكما
يزعم، فإن أساس التكليف بالجهاد كامن
في عالمية الإسلام أي أن كلمة الله و
رسالته يجب أن تصل إلى الناس كافة وكل
من قبلها عليه أن يجاهد بلا كلل من أجل
أن يُدخل فيها كل من لم يقبلوها، أو على
الأقل إخضاعهم لحكمها، ويستمر هذا
التكليف حتى يقبل العالم كله الإسلام،
أو يخضع لسلطة الدولة الإسلامية.
ويتعرض المؤلف في هذا الفصل لدراسة
مصطلحات استخدمت في اللغة السياسية
الإسلامية: (كالمرابط) و (المجاهد) و (رزية)
و (الفدائي) و (السفير)(حيث يعرض لتاريخ
السفارات أو ما يقابلها في التاريخ
الإسلامي) و المصطلحات التي أطلقت على
الأعداء فهناك (الكافر) و(الحربي) و(الذمي)
و(المستأمن) والألفاظ المستخدمة
للتعبير عن العلاقات مع العدو (كالصلح)
و(الهدنة).
وفي الفصل الخاص بحدود الطاعة يوضح
لنا المؤلف أن الحاكم والمحكوم كليهما
ملزمان بتكاليف شرعية تجاه الله،
وتجاه بعضهما، أما المحكوم فهناك
إجماع في الكتابات القانونية والدينية
والسياسية الإسلامية في أن واجبه هو
الطاعة، ليس كنوع من المداراة النفعية
السياسية، بل كفرض ديني قائم على
الوحي، يعتبر تركه جريمة، إلا أن هذه
الطاعة ليست مطلقة، كما أن السلطة ليست
مطلقة، فكليهما تابع للقانون الأعلى
الذي يحيط بالحاكم بدرجة لا تقل عن
غيره، وواجب الحاكم حماية هذا القانون
و تطبيقه قدر الإمكان، فإذا فشل في هذه
الواجبات أو انتهك القانون نقض عهده مع
جماعة المسلمين، مما يؤثر في واجب
الطاعة عند الرعية، حيث يخسر مطالبته
بالطاعة. لقد عكست أحداث التاريخ
الإسلامي حسب رأي المؤلف مبدأين
متناقضين: (المهادنة: حيث يعتبر عامة
الفقهاء منتسبين إليه) و (الراديكالية)،
لقد حظي مبدأ المهادنة بالدراسة
والتوثيق، ولكن هذا لا يلغي وجود
المبدأ (الراديكالي)، الذي تمتد جذوره
بعمق في التاريخ، وتعود أهميته في
أيامنا إلى ظهور فكرة الثورة
الإسلامية بقادة و حركات مكرسة
لإنجازها. و يقرر المؤلف أنه بالرغم من
أن التاريخ الإسلامي مملوء بالثورات
الناجحة والفاشلة، إلا أنه لم يوجد
مصطلح إيجابي يصفها حتى ظهر مصطلح
الانقلاب ثم مصطلح (الثورة) في العصر
الحديث بينما كانت توصف عبر التاريخ
الإسلامي بالفتنة.
الكتاب مدهش تماما في دقة رسمه
لنفسيات المسلمين ومدلولات لغتهم
ننصحكم بقراءته.
وبعد هذا العرض الوجيز لمحتويات
الكتاب نحاول أن نقدم بعض المختارات
لأسلوب معالجة المؤلف.
|