تابع
كتاب : الأخوة الزائفة
الفصل
العاشر
سيادة
قانون إسرائيل
(يجب
أن يسود قانون صهيون)
(يجب
أن ينبع القانون من صهيون)
((عن
الفكر الصهيوني، تمخضت دولة إنسانية،
وعن
الفكر الصهيوني، تمخض المجتمع العظيم
في
الشرق الأوسط (إسرائيل) ))
من
خطاب جون ف. هننج، وكيل وزارة العمل،
ألقاه أمام الهداسا صحيفة (لوس أنجلز
تايمز) بتاريخ
18/8/1965
بدأ
اليهود في فلسطين سنة 1946 شن حملة
إرهابية عنيفة ومركزة ضد الإدارة
البريطانية، ونفذت عمليات الاغتيال
وإلقاء القنابل والأعمال الإجرامية
بشكل منظم، بينما واصل المتحدثون باسم
العرب احتجاجهم على الهجرة اليهودية
وأصدر الملوك والرؤساء العرب بيانات
مشتركة في يناير من تلك السنة يعلنون
فيها أن فلسطين بلد عربي، يؤكدون عزمهم
على بذل الجهود لمساعدة العرب
الفلسطينيين ودعمهم.
وفي
29 مارس أوصت (اللجنة الأنجلو أمريكية
لتقصي الحقائق في فلسطين) في تقريرها،
بالإجماع، بوجوب إصدار مائة ألف شهادة
هجرة ليهود أوروبا بحيث تستخدم
غالبيتها سنة 1946، وأوصى التقرير
بمواصلة الانتداب البريطاني حتى يتم
الاتفاق على تنفيذ وصايا الأمم
المتحدة على فلسطين، بحجة أن (أي
محاولة لإقامة حكومة فلسطينية أو
حكومات فلسطينية مستقلة، سينتج عنها
صراع مدني يمكن أن يهدد السلام العالمي).
وأعلن
كلمنت أتلي (رئيس وزراء بريطانيا آنذاك)
في أول مايو أن تنفيذ بريطانيا للتقرير
سيعتمد أولاً على (الحد الذي تكون
الولايات المتحدة عنده مستعدة
للمشاركة في المسؤوليات العسكرية
والمالية الناتجة عن ذلك). ولكن
البلدان العربية رفضت بالإجماع توصيات
التقرير.
وقام
يهود فلسطين، بالتشجيع والدعم اليهودي
الخارجي، بتصعيد أنشطتهم الإرهابية
الحاقدة. وكان اليهود يشنون كل يوم
هجمات على المطارات ومحطات الرادار
والمراكز العسكرية. وحطموا خطوط
ومحطات السكك الحديدية، ونسفوا الطرق،
وحتى السفن في ميناء حيفا. واستولى
اليهود على بعض المصارف. وفي 22 من يوليو
قامت منظمة (زافي ليومي) الإرهابية
بنسف جزء من فندق الملك داود(1)
في القدس، وكان مركز رئاسة الإدارة
البريطانية في فلسطين والقيادة
العسكرية. وقد قتل في العملية واحد
وتسعون بريطانياً وجرح خمسة وأربعون.
وفي
أول يوليو اقترح هيربرت موريسون إصدار
المائة ألف شهادة هجرة، شريطة أن تقسم
فلسطين إلى منطقتين، عربية ويهودية،
وأن يبقى جزء من القدس وجزء من النقب،
وكذلك السيادة العامة في البلد، في يدي
المندوب السامي البريطاني، الذي يظل
مسؤولاً أيضاً عن الدفاع والعلاقات
الخارجية والجمارك والضرائب. ولكن
الوكالة اليهودية واللجنة العربية
وفضتا المقترحات وقاطعتا مؤتمر فلسطين
الذي افتتح في لندن في التاسع من إبريل.
وتواصلت
الهجرة اليهودية غير الشرعية، وبلغت
في يوليو حداً كبيراً. وفي 12 أغسطس نفد
صبر بريطانيا وأعلنت أنها لم تعد (تتحمل
هذه المحاولة الرامية لفرض سياسة
جديدة في فلسطين). وبعد ذلك أخذت تبعد
اليهود الذين يحاولون دخول البلد بشكل
غير شرعي، وترسلهم إلى معسكرات في قبرص.
وفي
نفس الوقت كان الصهاينة الأمريكيون
ينشطون في واشنطن. فأبرق هاري ترومان
إلى أتلي رافضاً خطة موريسون، وحث على
السرعة في إصدار المائة ألف شهادة، على
أساس اقتراح الوكالة اليهودية في خلق (دولة
يهودية تدير قضية المهاجرين والسياسة
الاقتصادية، وتكون في منطقة مناسبة من
فلسطين، بدلاً من فلسطين كلها).
وفي
الثامن من يوليو اعتقل البريطانيون
ثمانية من الأعضاء القياديين في
الوكالة اليهودية بفلسطين، واحتجزوهم
في معسكر (اللطرون). وسرعان ما أصدر
المؤتمر اليهودي العالمي قراراً يندد
فيه بالاعتقال على أنه اعتداء على
الشعب اليهودي بكامله، وجريمة ضد
القانون الدولي !
وفي
أول يوليو 1946 عبرت صحيفة (المصري)
اليومية التي كانت تصدر بالقاهرة، عن
مشاعر العرب والمرارة التي تصاعدت منذ
ذلك الحين، فقالت الصحيفة: (إن هناك في
الولايات المتحدة مستعمرة أمريكية،
وقد جعل اليهود لأنفسهم قوة في الميدان
السياسي، فيستطيعون التأثير بنفوذهم
على البيت الأبيض، وعندما تحيط
الشخصيات اليهودية، من أمثال الحبر
وايز، وبروخ، ومورجان ثوا، بالرئيس
الأمريكي، فإن الصهيونية تضمن وقوفه
في صفها، بل إن قبضتها قوية لا فكاك
منها.. لقد فقد العرب أملهم في عدالة
الرئيس الأمريكي ومجلس الشيوخ
والصحافة الأمريكية..).
كانت
استراتيجية الصهيونية واضحة: فقد كان
اليهود يعتقدون بأن أعمال العنف
والإرهاب المتواصلة ضد البريطانيين في
فلسطين، مع الدعم اليهودي لهم في كافة
أنحاء العالم، ستؤدي إلى استسلام
البريطانيين للضغط اليهودي داخل
الحكومة، وإحالة القضية الفلسطينية
برمتها إلى الأمم المتحدة.. وهذا ما حدث
تماماً.
أصبحت
الأرض المقدسة معسكراً حربياً. فصعدت
عصابة شتيرن وإرهابيو أرغون زافي
ليومي الهجمات على القوات والشرطة
البريطانية، واغتيل اللورد مايني،
الحاكم البريطاني. وقام جيش اليهود
السري (الهاجانا) بتنظيم الهجرة
اليهودية من أوروبا إلى فلسطين، رغم
المحاولات البريطانية لإرجاع اليهود
المهاجرين إلى فلسطين بطريقة غير
شرعية.
وتم
خلال سنة 1947 وضع 24 ألف يهودي في قبرص.
وفي يوليو عمد الإرهابيون اليهود إلى
شنق اثنين من العسكريين البريطانيين
برتبة رقيب، وربطوا الجثتين
بالمتفجرات التي انفجرت عندما أنزلت
الجثتان.
وفي
15 مايو 1947 ظهر في مجلة (هيرالد تربيون)
الأمريكية إعلان من صفحة كاملة، يتوسل
إلى الأمريكيين لتقديم التبرعات كي
يتمكن السفاحون اليهود من مواصلة
أعمال الرعب في فلسطين. وقال الإعلان
مخاطباً الإرهابيين الصهاينة في
فلسطين: (إن يهود أمريكا معكم.. وكلما
نسفتم مخزن سلاح بريطاني أو دمرتم
سجناً بريطانياً، أو نسفتم قطاراً
بريطانياً ليتطاير في السماء، أو
نهبتم مصرفاً بريطانياً، أو هاجمتم
ببنادقكم وقنابلكم المخادعين
البريطانيين الذي غزوا بلدكم، فإن
يهود أمريكا سيحتفلون بذلك في قلوبهم).
وقد وقع الإعلان (بن هيشت) بصفته مساعد
رئيس الجامعة الأمريكية لفلسطين الحرة.
وقدم
المجلس اليهودي العالمي مذكرة إلى
الولايات المتحدة في 6 أغسطس 1947 يطالب
بدولة يهودية في فلسطين. وادعى المجلس
بأنه يمثل العناصر المهاجرة، وكذلك
المنظمات اليهودية في كافة أنحاء
العالم.
عمدت
الجمعية العامة للأمم المتحدة، في
اجتماعها بنيويورك، إلى تكوين لجنة
لمناقشة المشكلة وطلب انتزاع فلسطين
من العرب وإعطائها لليهود. وعندما جرى
التصويت في الجمعية العامة في التاسع
والعشرين من أغسطس، نجح الاقتراح،
الداعي لإقامة دولة يهودية وأخرى
عربية، مع تدويل القدس بأغلبية 33 صوتاً
مقابل 13 صوتاً، مع امتناع عشرة عن
التصويت وغياب مندوب واحد.
إنه
لم يحدث قط في تاريخ العالم أن قامت
مجموعة من الأجانب بالتصويت على
انتزاع بلد من سكانه الشرعيين وإعطائه
لغاز معتد. فرح اليهود لذلك، ولكن
العرب شعروا بالمرارة، فانفجرت أعمال
العنف مجدداً في فلسطين، وقتل الكثير
من اليهود والعرب.
وفي
فبراير 1948، قام المؤتمر اليهودي
العالمي بتجنيد وحشد طاقات اليهود
الأمريكيين لشر الدعاية المؤثرة على
الشعب الأمريكي لدعم تصرف الأمم
المتحدة غير الأخلاقي. وقد تم، في سياق
هذه الحملة، جمع 160 ألف توقيع على بيان
موجه إلى نورمان آرمر، وكيل وزارة
الخارجية الأمريكية للشؤون السياسية،
مطالبين بإرسال قوات دولية إلى
فلسطين، ومحتجين على حظر الأسلحة
الأمريكية على يهود فلسطين.
إن
الأمم المتحدة، بتقسيمها فلسطين، إنما
تصرفت دون أن تكون لها سلطة قانونية
مستقاة من ميثاقها. فتقسيم البلدان ليس
إلا عملاً من أعمال السيادة داخل البلد
نفسه، لا السيادة العالمية. ولقد خرقت
المنظمة الدولية العدالة العالمية،
بينما خلقت تلك المنظمة للحفاظ على هذه
العدالة العالمية.
ولكن
ليس من الصعب أن نتصور ما جرى خلف
الكواليس في الأمم المتحدة. فقد استحضر
سادة الديبلوماسية العالمية السرية
القذرة كل مواهبهم لتأدية أدوارهم
جيداً في اللعبة. وهذا جيمس فورستال،
وزير دفاع الولايات المتحدة يصرح
قائلاً: (كانت الوسائل التي استخدمت في
الضغط على بقية البلدان في الجمعية
العامة تكاد تسفر عن فضيحة). وصرح وزير
خارجية بلجيكا، معلقاً على قرار الأمم
المتحدة: (إننا غير متأكدين من عدالته،
ونشك في أنه قرار عملي، بل نخشى أن
ينطوي ذلك على مخاطر كبيرة..).
وقد
صدمت الكنيسة المسيحية في القدس،
وكانت خيبة أملها مريرة لظلم الأمم
المتحدة. وفي 3 مارس 1948 التقى الزعماء
المسيحيون من كل حدب وصوب، ونددوا
بمشروع التقسيم في وثيقة مكتوبة، وكان
مما جاء فيها: (إن الاتحاد المسيحي يرغب
في أن يعلن بجلاء تنديد المسيحيين
بمشروع التقسيم، مقتنعين بأن هذا
المشروع ينطوي على خرق لجلال الأرض
المقدسة، التي هي، بطبيعتها وتاريخها،
غير قابلة للتجزئة، ويمثل ذلك
انتهاكاً للحقوق الطبيعية للعرب، سكان
البلاد. ويرغب الاتحاد المسيحي أيضاً
في الإعلان بأن أية محاولة لفرض
السياسة الظالمة بالقوة، لا بد وأن
تؤول إلى الفشل، لان الحق سلاح أمضى من
القوة).
ولا
بد من التذكير بأن العرب قد حذروا
الأمم المتحدة من أن تقسيم فلسطين إلى
دولتين سيجلب للمنطقة حرباً دائمة. وقد
طالب العرب بقيام دولة ديمقراطية
مستقلة في فلسطين، تكون الحقوق فيها
متساوية لكل السكان.
ولكن
اليهود سخطوا عندما علموا أن (دولتهم)
الجديدة، كما صممتها الأمم المتحدة،
تحتوي على عدد مساو من السكان العرب.
فكيف يمكن لهم أن يظفروا بدولة يهودية
إذا كان نصف سكانها من العرب ؟ لذلك صعد
الإرهابيون نشاطهم، فنسفوا فندق
سيمراميس بالقدس، وذلك في 5 يناير 1948،
دافنين تحت أنقاضه اثنين وعشرين
عربياً. وفجروا كميات كبيرة من
الديناميت في الميدان العام بمدينة
يافا، قتل فيها ثلاثون عربياً، وجرح
ثمانية وتسعون آخرون. ووجه اليهود
هجماتهم الرئيسية على القرى العربية
الكثيرة والمعزولة. ففي دير ياسين ذبح
اليهود كامل سكان القرية، وهم 250 من
رجال ونساء وأطفال، وكانت مذبحة رهيبة
لا رحمة فيها ولا هوادة. والأكثر من ذلك
أن الإرهابيين تبجحوا وافتخروا
بفعالهم على أنها فنون عسكرية فريدة من
نوعها. وكتبوا يقولون: (تقدمت كل القوات
اليهودية عبر حيفا كما تتقدم السكين في
الزبدة، وبدأ العرب يهربون مذعورين
صارخين: دير ياسين !) ولكن اليهود
يتحدثون عن شعب أعزل من الرجال والنساء
والأطفال حديثهم عن جيش مثلهم. وأصبح
كاتب هذه العبارة، هو مناحيم بيغن،
زعيم عصابة الارغون، عضواً في
البرلمان الإسرائيلي !
وقد
أعلن المؤرخ آرنولد توينبي، مشيراً
إلى هذه الأعمال الوحشية: (في سنة 1948،
كان اليهود، من تجربتهم الشخصية،
يعرفون ما كانوا يفعلون، وكانت
مأساتهم الكبرى أن الدرس الذي تعلموه
من مواجهتهم مع الأمميين النازيين، هو
ألا يتحاشوا، بل يقلدوا بعض الأعمال
الشريرة التي ارتكبها النازيون ضد
اليهود).
ومع
اقتراب موعد انتهاء الانتداب
البريطاني، شدد اليهود حملاتهم وركزوا
ضرباتهم، وبدأوا احتلال المدن فلسطين،
طاردين العرب المسلمين والمسيحيين من
بيوتهم، واحتلوا معظم المدن الرئيسية
أثناء الانتداب (أي برضا البريطانيين).
ولم
يقنع اليهود بالمنطقة التي منحتها
إياهم الأمم المتحدة، بل هاجموا
السكان العرب في المناطق الأخرى.
واستولى اليهود، نتيجة لهذه المناورة (التوسعية)
على معظم الأراضي الخصيبة، والتي كانت
تقع في صلب (الدولة) العربية، حسب قرار
التقسيم.
لا
بد من التأكيد مرة ثانية بأن هذه
العمليات (العسكرية) اليهودية، كانت ضد
شعب مسالم أعزل، لا يملك ما يدافع به عن
نفسه، وأن كل هذه (الانتصارات) وعمليات
(الاحتلال)، إنما تمت قبل الانسحاب
البريطاني في 15 مايو 1948 ـ في الوقت الذي
لم يكن فيه جندي واحد من أي دولة عربية
قد وطئت أقدامه تربة فلسطين ! ولم يقصر
البريطانيون فقط في حماية السكان
العرب، بل إنهم اشتركوا فعلاً في إجلاء
السكان المسلمين والمسيحيين عن بلدان
مثل طبريا وسمخ، وقدموا للهاربين من
يافا وحيفا سبل النقل والمواصلات.
وفي
15 مايو 1948 أعلن المجلس القومي
الإسرائيلي قيام إسرائيل اليهودية.
وكما كان متوقعاً، رفضت الشعوب
العربية والسكان العرب في فلسطين
عملية السرقة التي اقترفتها الأمم
المتحدة ضد فلسطين، ورفضوا الاعتراف
بالدولة اليهودية. وفي محاولة لإزالة
المتاعب المتوقع حدوثها بين اليهود
والعرب، قامت القوى الخمس الكبرى،
الأعضاء في مجلس الأمن، بتعيين الكونت
برنادوت السويدي، للعمل كوسيط بين
الطرفين.
كانت
توصيات الكونت برنادوت إلى الأمم
المتحدة شاهدة على نزاهته وشجاعته
العاليتين. فمن بين الحلول التي
اقترحها: (وضع القدس تحت إشراف الأمم
المتحدة، وضمان احترام الحقوق
السياسية والاقتصادية والاجتماعية
والدينية للعرب واليهود). وطلب من
الأمم المتحدة تأكيد حق اللاجئين
العرب في العودة إلى ديارهم، في
المنطقة التي يسيطر عليها اليهود، في
أسرع وقت ممكن، ووجوب (إشراف لجنة
ومساعدتها لتوطين وتعويض الذي لا
يختارون العودة منهم).
إزاء
ذلك، أعلنت (مفراك)، النشرة التي كانت
تصدرها المنظمة الإرهابية المسماة (عصابة
شتيرن)، قائلة: (إننا نعرف كيف نهتم
بأمر برنادوت، ولتبارك اليد التي تفعل
ذلك).
قدمت
توصيات الكونت برنادوت للأمم المتحدة
في 16 سبتمبر، وبعد يوم واحد نفذ اليهود
مخططهم في اغتياله هو ومساعده العقيد
سيروت. أما الأمم المتحدة فلم تعمل على
وقف مقترحاته فقط وإنما عمدت إلى إقرار
حدود إسرائيل كما كانت عليه، حتى يتحقق
السلام !
وقد
صدم العالم المتحضر بالجريمة الوحشية،
واضطرت الحكومة الإسرائيلية المؤقتة
إلى تمثيل مسرحية، فاعتقلت 226 من أعضاء
عصابة شتيرن، ووضعوا في معسكر، حيث
سهلت لهم فيما بعد عملية الهروب منه.
وأخيراً حوكم (ناتان فريدمان ايلين)
القائد الأعلى للعصابة، هو ومساعده
متياهن وثبت جرمهما في القيام بنشاطات
إرهابية، وصدر الحكم على الأول بالسجن
لمدة ثماني سنوات، والثاني خمس سنوات،
ولكن، وبعد اثني عشر يوماً فقط، أطلق
سراح الاثنين، بعد إصدار قانون عفو عام.
ثم انتخب ايلين في مجلس النواب
الإسرائيلي (الكنيست)!!
لقد
هاجم اليهود، المدعومون جيداً بالمال
والسلاح من اليهودية العالمية، العرب
الفلسطينيين المفتقرين للسلاح، بنوبة
جنونية. وتوغل اليهود في المدن التي لم
تحددها لهم الأمم المتحدة، ومنها
المدن العربية يافا واللد والرملة،
والجليل الغربي، والأحياء الجديدة من
مدينة القدس، والسهل الساحلي ووضعت
إسرائيل هذه المناطق تحت إدارتها،
واضطر معظم العرب في المناطق المحتلة
إلى اللجوء منها إلى مناطق أخرى،
تاركين بيوتهم وبساتينهم وحقولهم، وصل
عددهم إلى نحو مليون نسمة.
واليوم،
يعيش ضحايا العدوان اليهودي على
تبرعات العالم، وأصبحوا بعد طردهم من
بيوتهم يعيشون في الصحراء، يتلقون
مساعدة تافهة من الأمم المتحدة بمعدل 25
سنتاً للشخص الواحد يومياً !
وحول
المحنة الرهيبة للاجئين العرب، كتب
الأب رالف جولدمان في مجلة (الإشارة)
الكاثوليكية، في عدد إبريل 1957 تحت
عنوان (الدموع التي تبتهل إلى الله):
(كثيراً
ما يسألني القراء عن سر اهتمامي بالشرق
الأدنى، والأرض المقدسة بصفة خاصة.
وإذا سمح لي بأن أقول رأيي في هذه
الصفحة فإنني ولا ألني أنتت نننشك أود
الإجابة على هذا السؤال:
لقد
أجريت طيلة ثلاث سنوات دراسات عليا في
المدرسة الإنجيلية الشهيرة بالقدس،
تحت توجيه بير لاغرين وغيره من
الأساتذة العظام، وقمت كذلك بدراسة
آثار وجغرافية وتاريخ فلسطين. والحق
أننا نحن التلاميذ قد درسنا كل شبر من
مدينة القدس، سيراً على الأقدام،
وتنقلنا على كل ميل من الأرض المقدسة
على ظهور الحمير والخيول وبالسيارات.
(كان
ذلك فيما بين 1925و1928. وقد كانت فلسطين
بلداً عربياً، وكان بوسع الإنسان
السفر من غزة أو بئر السبع في الجنوب
حتى حدود سورية في الشمال، أو من حيفا
ويافا على ساحل البحر المتوسط
والاتجاه شرقاً فيما بعد البحر الميت
دون أن يقابل يهودياً، إلا فيما ندر.
كان هنالك القليل منهم. فلم تكن تل أبيب
سوى قرية صغيرة، وكان بعض اليهود
يتجمعون في أجزاء من بعض المدن كالقدس
وحيفا ويافا.. ولم يكن يوجد إلا القليل
من المستعمرات اليهودية المتباعدة
المتناثرة هنا وهناك، على السهول
الخصبة.
(ولكن
أهل البلد هم العرب، هم الذين كانوا
يملكون الأرض ويزرعونها.. وهم أهل
المدن والقرى.. لقد كانت فلسطين بلداً
عربياً، بدون شك وبلا تحفظ.
(وقد
عدت إلى الأرض المقدسة في ربيع 1953
لأمور تتعلق بتحرير المجلة.. لكنني
وجدت أن الأجزاء الجنوبية والغربية
والشمالية من البلد قد استولى عليها
قوم غرباء عنها، جاءوا من أوروبا
الشرقية، وكان ادعاؤهم الوحيد بملكية
الأرض هو أن أجدادهم عاشوا هناك قبل
ألفي سنة ! وقد احتل أولئك الغرباء
السهول (الخصيبة) على طول البحر
المتوسط، ومن حيفا غرباً إلى البحر
الميت شرقاً، واحتلوا المناطق الخصيبة
التي كانت تغطيها فيما مضى المزارع
والحدائق وبساتين العنب والبرتقال
العربية. وفي المدن استولى الغزاة على
المنازل والدكاكين والخدمات العامة،
وكل شيء..
(ولكن،
أين العرب الذين ولدوا هناك، ممن أتى
أجدادهم إلى هذه الأرض قبل ألف سنة،
والذين عمروا الأرض المقدسة الآمنة
وعبدوا فيها الله طيلة حياتهم؟
(لقد
ذهبوا.. وأصبحوا مكدسين في المخيمات
البالية البائسة بالأردن ولبنان
وسورية وغزة.. ولقد زرت اللاجئين،
لكنني بالطبع لم أتمكن من زيارتهم كلهم
فهم يقاربون المليون نسمة. رأيتهم
مكدسين، كل أسرة كاملة من رجال ونساء
وأطفال في غرفة واحدة من كوخ حقير أو
خيمة بالية.. لقد كان الكثير منهم
ينعمون بحياة طيبة، أما الآن فقد غدوا
لا متاع لهم ولا ممتلكات، لا نقود ولا
عمل، بل يعيشون من يوم لآخر على صدقة
بائسة من الأمم المتحدة.
(إنهم
الآن، ومنذ عشر سنوات، يعانون هذا
المصير البائس غير الإنساني، ويبدو
أنهم فقدوا معنوياتهم، إلا عندما
يذكرون بيوتهم أو أراضيهم أو بساتين
العنب أو المتاجر. وعندما ينظرون إلى
ما وراء التلال حيث كانوا يعيشون،
تلتهب عيونهم حقداً ويتعطشون للانتقام.
(إن
الشرق الأدنى هام لبقاء الغرب، نظراً
لنفطه وموقعه الاستراتيجي، ولكنه مهم
للغرب أيضاً لأن آثاماً قد ارتكبت فيه،
يمكن مقارنتها بما فعله هتلر باليهود.
وقد ارتكبت هذه الآثام بينما تغاضينا
عنها، بل إنها ارتكبت بتعاون من جانبنا.
وإذا كان دم قابيل قد ارتفع صوته من
الأرض شاكياً إلى الله، فليست أقل منه
صيحات دموع هذا الشعب المغلوب على أمره.
وهو يعلم أن زعماءنا قد شاركوا في
إلحاق البؤس به، والسبب في ذلك هو
الجهل (بحقيقة الأمور) وأصوات الناخبين
اليهود، والدولارات اليهودية التي
تسقط في صناديق مالية الحزب.
(إن
بوسع رجال السياسة أن يتحدثوا كما
يشاؤون عن قطاع غزة والعقبة، وعن سد
أسوان وقناة السويس والنفط
والاستراتيجية. ولكن هذا غير مجد ولا
بد أن نتحرك بشكل فعال لتصحيح هذا
الخطأ الفاجع، ونكفر عن هذه الجريمة
التي هي أشبه ما تكون بالإبادة
الجماعية. ولا بد أن يكون ذلك الخطوة
الأولى نحو سلام حقيقي في الشرق الأوسط.
(أما
إذا فشلنا ولم تكن عندنا الشجاعة
الكافية لنكفر عن الجريمة التي شاركنا
فيها الصهاينة الغزاة، فإننا ربما
سنتعرض معهم للعقاب.. فربما نخسر الشرق
الأوسط للروس، ونخوض حرباً باردة تكون
خاسرة بالنسبة لنا، الأمر الذي ستتولد
عنه موجة من معاداة السامية، ستكون
مصيبة، لا على إسرائيل وحدها، بل وعلى
اليهود في كافة أنحاء العالم.
(إن
دم قابيل لم تذهب صيحته إلى الله سدى،
وكذلك لن تذهب عبثاً دموع اللاجئين
العرب).
إن
من الجدير بالاعتبار أن اليهود كلهم
يشاركون الإسرائيليين في أخلاقهم شبه
النازية، غير أن هناك من اليهود في
إسرائيل من تصدمهم الحقيقة عندما
يعيدون النظر في الحلم الذي كانوا
يتوقون لتحقيقه. وكما أشرت من قبل،
هناك في أمريكا (المجلس الأمريكي
لليهودية)، الذي يضم جماعة من يهود
أمريكا ممن لا يخجلون من اعتبار أنفسهم
أمريكيين، ويلتزمون بأفضل مثل ومبادئ
ديانتهم. ومن بين أعضاء هذه المنظمة
الحبر (المر بيرغر). ولكن صوته، كأصوات
الكثير من الآخرين، تطغى عليه أصوات
الأغلبية الساحقة من المنظمات
اليهودية الصهيونية المرعبة. وقد زار
هذا الحبر إسرائيل والأرض المقدسة سنة
1955، ودوّن انطباعاته في سلسلة من
الرسائل، صدرت تحت عنوان (من يعرف لا بد
أن يعلن). ويعتبر بيانه النزيه الصريح
حول اللاجئين العرب ذا أهمية عظمى. فهو
يقول ضمن رسائله: (ولكن حالة اللاجئين
ليس هي المأساة كلها. فليس أقل من ذلك
رعباً وحزناً عقلية أولئك المهتمين (بحل)
أو (تلطيف) هذه المشكلة. وأن من الصعب
إخماد نار الغضب الذي ينتاب من ينظر
إلى اللاجئين ويسمع قصتهم من أفواه
المحايدين، من أمثال رجال (وكالة الغوث
الدولية) (ناهيك عن سماعها من
المتحدثين باسم اللاجئين أنفسهم)،
وينظر إلى نصيحة (ايبان) المرتجلة بأن
عند الدول العربية الأراضي الواسعة
وأن عليها استيعاب هؤلاء الناس.. إنني
لم أستطع الوقوف في تلك الأماكن التي
يوجد فيها اللاجئون ـ تذكر أنني يهودي
دون أن أتوارى خجلاً وأسفاً وبغضاً
للعنصرية (اليهودية) التي خلقت دولة
تقول اليوم إن هؤلاء الناس (الفلسطينيون)
لا يمكن أن يعيشوا فيها، لأنهم ليسوا
يهوداً.
|