عرض
ومقتطفات وتلخيص لكتاب
طبائع
الاستبداد و مصارع الاستعباد
عبد
الرحمن الكواكبي (1851-1902)
عرض
: ربيع الجندي
في
ظل ما يجول في خاطر النخبة من تساؤلات
مشروعة حول مدى أهمية استبيان و شرح
العلاقة بين الاستبداد من جهة
وفساد مجتمعاتنا و مجمل أحوالنا
المتمثل في التدهور الراهن لأحوال
الأمة و شعوبها من جهة متقابلة , و مع
اعتراف الأغلبية الساحقة بالأهمية
البالغة للموضوع , إلا أن التسليم
بهذه الأهمية عند قسم كبير من النخبة
لا تتعدى المجاملة اللفظية أو مماشاة
لروح العصر و االاجندة الكونية
المتعولمة . لا بل هناك تملل من تواتر
طرحه لدرجة ترقيه منزلة شاغل الدنيا أو
العنوان الأكثر
أهمية . هذا التردد بين الآخذ بجدية
الموضوع فعلا و قولا , أم وضعه على الرف-
مؤقتا - على خلفية تسارع الأحداث غير
المسبوق و اتسامها بالسخونة مقترنة
بالمخاطر إقليميا , كتوابع لهزة عالمية
تزامنت مع تفكك إمبراطورية و تغيير في
النظام العالمي السابق الذي ساد
لحوالي نصف قرن .- و الاهتمام بأولويات -
التصدي لموجة التكالب و التكبر
الغربيين ...و المحافظة على البقية
المتبقية من الثوابت ..و الاستعداد
للانطلاق نحو قرن جديد تذكرة الولوج
إليه إصلاح الجامعة العربية مثلا .
رحمة الله على الكواكبي فهو القائل
: أن المستبد يتخذ الممجدين سماسرة
لتغرير الأمة باسم خدمة الدين أو حب
الوطن أو تحصيل منافع عامة أو الدفاع
عن الاستقلال . و الحقيقة في بطلان كل
هذه الدواعي الفخيمة التي ما هي إلا
تخيل و إيهام يقصد بها رجال الحكومة
تهييج الأمة و تضليلها حتى إنه لا
يستثنى منها الدفاع عن الاستقلال ,
لأنه ما الفرق على أمة مأسورة لزيد أن
يأسرها عمر ؟ و
ما مثلها إلا الدابة التي لا يرحمها
راكب مطمئن , مالكا كان أو غاصبا
.
للخروج بنتيجة خالية من التشكيك ,
لا بد من طرح مجموعة الأسئلة المتعلقة :
هل الاستبداد حالة مرافقة لمراحل
انحطاطنا المتصلة طبعا بالفساد
بالصدفة أم
لعله المسبب و المرسخ و الموطد ؟
من جاء بالآخر ؟ هل الاستبداد ولّد الفساد أم الفساد (( استدعى ))
الاستبداد ؟
أليس الحل للتفشي السرطاني للفساد
مزيدا من الاستبداد ( الانتقالي
طبعا - مائة عام من العزلة فقط - ) ؟؟
ثم من أين سنأتي بحكام غير مستبدين
و غير ناشرين للفساد آلم يخرجوا كلهم و
كل سابقيهم من رحم هذه الآمة ؟
هل نحن أمة عبيد
أم أمة من ولدوا أحرار و استعبدوا
لاحقا ؟؟ آي منهما العربة و من هو
الحصان ؟ طبعا
الاستبداد مؤسسة حية متحركة فهو
الحصان و الانحطاط حالة أى حاوية
لحالنا فهو العربة المركوبة
!!
هل
الرفع من شأن الحرية الفردية و مقارعة
الاستبداد من أصول تراثنا الديني أو
الثقافي الحضاري , أم بدعة غربية , و
تقليد للغرب ؟ ولماذا الآن تحديدا و
حرية الأوطان مسلوبة أو مهددة أو-
مؤجرة - فهل نهتم بالواجهة و الخلفية و
التذويق , و نبعد عن دائرة الاهتمام , دق المداميك و
نصب الأعمدة و ربط العضاضات
.
هل
الاستبداد خصوصية إسلامية أو عربية أو
قطرية- لا فرق - بالرغم من تلازمه الطويل بتاريخنا
؟ ولكن أليست الحرية والإصلاح و
التحديث حديثي العهد عند الغرب
وبنات الساعة الأخيرة من يوم
الحضارة الانسانية
- عصر التنوير ابتدأ بالبزوغ في
القرن الخامس عشر
-
هل
الحرية و تداول السلطة و فصل السلطات
وصيانة حرية الفكر حكر على الغرب
المتقدم ؟ أم نتيجة لاحتكاك الغرب
مع فكر ابن رشد و ابن خلدون و خروجه
من قمقم الاستبداد الديني و جحر
الاستبداد السياسي ؟
هل
الخوض في غمار هذا الإشكال ترف فكري و
اصطدام مع الموروث الديني و الحضاري و
إبحار في المجهول في لحظات حاسمة ؟
فلنوجله
أنبتدئ
بإصلاح أنفسنا آم ندع الآخر يتنطع لهذه
المهمة متدخلا أو محتلا ؟ أنصلح أنفسنا
أم نطلب من حكامنا أن يصلحونا ؟ و هم
أنفسهم من
يصلحهم أم تراهم معصومين ؟؟ و إذا كانت
الأولوية لإصلاح الفكر أنبتدئ بإصلاح
ديني أولا أم إصلاح سياسي ومن أين نبدأ
؟ وكيف ؟ بنقد
هادئ للفكر الديني التكفيري السائد و
السياسي الإقصائي المخيم
لإستيلاد فكر جديد مؤمن بالتعدية /
أ ليست أرضنا ارض تمازج الحضارات منذ
الأزل كممر و معبر أو محط لقوافل
متاجرة أو مهاجرة أو محاربة , و مروجنا
تتفتح كل ربيع بآلاف الورود و الأزاهير
مختلفة الألوان لا بل أن مشهد الطبيعة
يتغير كل يوم في ربيع بلادنا فلماذا
تمسكنا بثبات وسبات
الشتاء الموحش ./ أم بنزق و عنف انقلابي
(ثوري ) لم يجلب لنا الخير في العقود
الأخيرة الخالية ؟.
تساؤلات
اليوم و الغد أجاب عليها عبد الرحمن
الكواكبي منذ مائة و عشرة سنوات دون
الخوف من اتهامه بالكفر أو بالعمالة و
الخيانة أو بتثبيط همة الأمة وتغريبها
موجها اللوم و الاتهام
(( إلينا )) قبل أن يوجهها الى أسلافه
من المفكرين بالتقصير
.
مقدمة
الكتاب
يقول
الشيخ عبد الرحمن الكواكبي
في مقدمة الكتاب
أن: (كل يذهب مذهبا في سبب الانحطاط
و في ما هو الدواء. وحيث أنى قد تمحص
عندي أن اصل هذا الداء هو الاستبداد
السياسي و دواءه دفعه
بالشورى الدستورية . وقد استقر فكري
على ذلك - كما أن لكل نبأ مستقر -
بعد بحث ثلاثين عاما... بحثا أظنه كاد يشمل
كل ما يخطر على البال من سبب يتوهم
الباحث عند النظرة الأولى انه ظفر
بأصل الداء أو بأهم أصوله , ولكن لا
يلبث أن يكشف له التدقيق أنه لم يظفر
بشيء . أو أن ذلك فرع الأصل , أو هو نتيجة
لا وسيلة.
فالقائل
مثلا : إن أصل الداء التهاون في الدين ,
لا يلبث أن يقف حائرا عندما يسأل نفسه
لماذا تهاون الناس في الدين ؟ و القائل
: إن الداء اختلاف الآراء , يقف مبهوتا
عند تعليل سبب الاختلاف فان قال سببه
الجهل يشكل عليه وجود الاختلاف بين
العلماء بصورة أشد و أقوى .. و هكذا يجد
نفسه في حلقة مفرغة لا مبدأ لها فيرجع
إلى القول : هذا ما يريده الله بخلقه ,
غير مكترث بمنازعة عقله و دينه له بان
الله حكيم عادل رحيم
...)
ما
هو الاستبداد
و
يقول الكواكبي في فصل ما هو الاستبداد
معرفا ( لغة هو غرور المرء برأيه و
الأنفة عن قبول النصيحة أو الاستقلال
في الرأي و الحقوق المشتركة . و في
اصطلاح السياسيين هو تصرف فرد أو جمع
في حقوق قوم بالمشيئة و بلا خوف تبعة ,
وقد قد تطرأ مزيدات على هذا المعنى
الاصطلاحي فيستعملون في مقام كلمة
( استبداد ) كلمات : استعباد, و تسلط ,
وتحكم . و في مقابلتها كلمات : مساواة , و حس مشترك , وسلطة عامة . و
يستعملون في مقام صفة
( مستبد ) كلمات جبار طاغية , و حاكم
بأمره , وحاكم مطلق . و في مقابلة
( حكومة مستبدة ) كلمات : عادلة , و
مسؤولة , و مقيدة , و دستورية . و
يستعملون في مقام وصف الرعية ( المستبد
عليهم ) كلمات : أسرى , و مستصغرين , و
بؤساء . و مستنبتين . و في مقابلتها :
أحرار , و أباة . و أحياء , و أعزاء
.
و
أما تعريف الاستبداد بالوصف لا
بالمترادفات و المتقابلات فهو أن
الاستبداد صفة للحكومة
المطلقة العنان فعلا أو حكما التي
تتصرف في شؤون الرعية كما تشاء بلا
خشية حساب ولا عقاب محققين
.
..... أشد
انواع الاستبداد التي يتعوذ بها من
الشيطان هي حكومة الفرد المطلق ,
الوارث للعرش , القائد للجيش , الحائز
على سلطة دينية. و لنا أن نقول كلما قلت
وصف من هذه الأوصاف
خف الاستبداد إلى أن ينتهي بالحكم
المنتخب المؤقت المسؤول فعلا
.
وأورد
الكواكبي شذرات مما : (
.. تكلم به بعض
الحكماء لا سيما المتاخرون منهم في
وصف الاستبداد و من هذه الجمل
: / المستبد يتحكم في شؤون الناس
بإرادته لا بإرادتهم و يحكم بهواه لا
بشريعتهم , و يعلم من نفسه انه الغاصب
المعتدي فيضع كعب رجله على أفواه
الملايين من الناس يسدها عن النطق
بالحق و التداعي لمطالبته
/
//
المستبد عدو الحق , عدو الحرية و قاتلها ,
و الحق أبو البشر و الحرية أمهم , و
العوام صبية أيتام نيام لا يعلمون شيئا
, والعلماء هم اخوتهم الراشدون , أن
أيقظوهم هبوا و إن دعوهم لبوا و إلا
فيتصل نومهم بالموت//
بعد
المقدمة و فصل ما هو الاستبداد يدأب
الكواكبي في كتابه
على عرض العلاقة بين الاستبداد و كل من
الدين , العلم , المجد , المال , الأخلاق ,
التربية و الترقي لينهي كتابه القيم
بباب الاستبداد و التخلص منه ونجده
يسهب و يشدد
تركيزه على أبواب
الاستبداد و الدين و الاستبداد و
الأخلاق و مجهوده القيم في المبحثين
على درجة فائقة من الإدراك
العميق و الجرأة النادرة ( حتى بين
معاصرينا )
و روح من الألم المتشرب في روحه العاشقة للحرية
ليس عاطفيا و إنما عقليا قبل كل شيء و
من الغيرة على مستقبل الأمة التي لا
يجد لها مكانا تحت الشمس إلا بزوال
الاستبداد السياسي وتفرعاته
:
الاستبداد و الدين
في
مبحث الاستبداد و الدين يشرح العلاقة
النفعية المتبادلة غير الشريفة بين
الاستبداد الديني و الاستبداد السياسي
مشيرا إلى : تضافر
أراء العلماء الناظرين في التاريخ
الطبيعي للأديان على أن الاستبداد
السياسي متولد من الاستبداد الديني
, و البعض يقول إن لم يكن هناك توليد
فهما أخوان أبوهما التغلب و أمهما
الرياسة , أو
هما صنوان قويان بينهما رابطة الحاجة
إلى التعاون لتذليل الإنسان , و
الفريقان مصيبان في حكمهما بالنظر إلى
مغزى أساطير الأولين و القسم التاريخي
من التوراة و الرسائل المضافة إلى
الإنجيل , و مخطئون في حق الأقسام
التعليمية الأخلاقية فيهما , كما هم
مخطئون إذا نظروا إلى أن
القرآن جاء مؤيدا للاستبداد
السياسي , و ليس من العذر شيء أن يقولوا
نحن لا ندرك دقائق القرآن نظرا لخفائها
علينا في طي بلاغته ووراء العلم بأسباب
نزول آياته , و إنما نبني نتيجتنا على
مقدمات ما نشاهد عليه المسلمين منذ
قرون إلى الآن من استعانة مستبديهم
بالدين .
يقول
هؤلاء المحررون إن التعاليم الدينية و
منها الكتب السماوية تدعو البشر إلي
خشية قوة عظيمة هائلة لا تدرك العقول
كنهها قوة تتهدد الإنسان
|