مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

آخر تحديث يوم الأربعاء 10 / 09 / 2003م

ــ التعريف دراسات  متابعات   قراءات  هوامشرجال الشرق من أرشيف الشرق | صحيفة الشرق العربي |ـ
ـ| مشاركات الزوار |ـجســـور |ـجديد الموقع |ـكــتب | مجموعة الحوار | تقارير حقوق الإنسان | البحث في الموقع |
ـ

.....

   
 

كتـــــب

فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة

نظراً لخطورة موضوع التكفير، ولصعوبة مسالكه، ولعموم البلوى به ؛ يقدم مركز الشرق العربي إلى متابعيه مقتطفات وافيه من كتاب الإمام أبو حامد الغزالي (فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة).

والإمام أبو حامد الغزالي إمام متكلم أصولي فقيه نظار. صاحب (الإحياء) وحسبه، ومؤلف العشرات من الكتب الإسلامية. رشح ليكون مجدد القرن الخامس الهجري. وكان ذا تجربة عملية في حياته الموارة، عايش أصحاب الفرق والمذاهب، لابس الباطنية ورد عليهم في (المستظهري)، أو (فضائح الباطنية)، عن خبرة واقعية، ودرس الفلسفة ثم نقدها في كتابه (تهافت الفلاسفة)، ثم انخرط في تجربته الروحية الشهيرة ليخرج بكتابه (المنقذ من الضلال) ولتكون ثمرة حياته العلمية كتابه العظيم (إحياء علوم الدين).

والإمام أبو حامد واحد من أئمة الهدى الأعلام، وإن كان كل واحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤخذ من قوله ويترك، وكل العلماء بعده عيال عليه فيما كتب في تربية النفس وتهذيبها.

وكتابه (فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة) يضع القواعد العامة لقضايا خطيرة في العقيدة الإسلامية، ويلجم نزعات الغلو التي تدفع إلى التكفير عند أول بادرة خلاف.

سنترك الحديث في هذا المقام للإمام الغزالي متصرفين بعض التصرف في اختيار العناوين، أو توجيه بعض التمثيلات التي يصعب إدراكها في العصر الذي نعيش.

فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة

(حال للناس في كل زمان)

بسم الله الرحمن الرحيم

قال الإمام الفاضل أبو حامد محمد بن محمد الغزالي رحمة الله عليه:

أحمد الله تعالى استسلاماً لعزته، واستتماماً لنعمته، واستغناماً لتوفيقه، ومعونته، وطاعته، واستعصاماً من خذلانه، ومعصيته، واستدراراً لسوابغ نعمته.

وأصلي على محمد عبده ورسوله، وخير خليقته؛ انقياداً لنبوته، واستجلاباً لشفاعته، وقضاء لحق رسالته، واعتصاماً بيمن سريرته، ونقيبته. وعلى آله، وأصحابه، وعترته.

وبعد... فإني رأيتك أيها الأخ المشفق، والصديق المتعصب، موغر الصدر، منقسم الفكر؛ لما قرع سمعك من طعن طائفة من الحسدة، على بعض كتبنا المصنفة في أسرار معاملات الدين وزعمهم أن فيها ما يخالف مذهب الأصحاب المتقدمين، والمشايخ المتكلمين. وأن العدول عن مذهب الأشعري، ولو في قيد شبر كفر. ومباينته ولو في شيء نزر ضلال وخسر.

فهون أيها الأخ المشفق المتعصب على نفسك، ولا تضق به صدرك، وفُلَّ من غَرْبِك قليلاً، واصبر على ما يقولون واهجرهم هجراً جميلاً، واستحقر من لا يحسد ولا يقذف، واستصغر من بالكفر أو الضلال لا يعرف.

فأي داع (يقصد داعية إلى الحق) أكمل وأعقل من سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم ؟ وقد قالوا: إنه مجنون من المجانين!! وأي كلام أجل وأصدق من كلام رب العالمين ؟ وقد قالوا إنه أساطير الأولين!! وإياك أن تشتغل بخصامهم، وتطمع في إفحامهم، فتطمع في غير مطمع، وتصوت في مسمع.

أما سمعت ما قيل:

كل العداوات قد ترجى سلامتها      إلا عداوة من عاداك من حسد

ولو كان فيه مطمع لأحد من الناس، لما تلي على أجلهم رتبة، آيات اليأس.

أو ما سمعت قوله تعالى: (وإن كان كبر عليك إعراضهم، فإن استطعت أن تبتغي نفقاً في الأرض، أو سلماً في السماء، فتأتيهم بآية، ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين)(1). وقوله تعالى: (ولو فتحنا عليهم باباً من السماء فظلوا فيه يعرجون لقالوا: إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون)(2). وقوله تعالى: (ولو نزلنا عليك كتاباً في قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين)(3). وقوله تعالى: (ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة، وكلمهم الموتى، وحشرنا عليهم كل شيء قبلاً ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله ولكن أكثرهم يجهلون)(4).

واعلم أن حقيقة الكفر والإيمان وحدَّهما، والحق والضلال وسرهما، لا ينجلي للقلوب المدنسة بطلب الجاه والمال وحبهما. بل إنما ينكشف ذلك لقلوب،

طهرت من وسخ أوضار الدنيا                                أولاً

ثم صقلت بالرياضة الكاملة                                    ثانياً

ثم نورت بالذكر الصافي                                       ثالثاً

ثم غذيت بالفكر الصائب                                       رابعاً

ثم زينت بملازمة حدود الشرع                                خامساً

حتى فاض عليها النور من مشكاة النبوة، وصارت كأنها مرآة مجلوة. وصار مصباح الإيمان في زجاجة قلبه، مشرق الأنوار، يكاد زيته يضيء ولم لم تمسسه نار.

وأنى تتجلى أسرار الملكوت لقوم:

إلههم هواهم !!!

ومعبودهم سلاطينهم !!!

وقبلتهم دراهمهم ودنانيرهم !!!

وشريعتهم رعونتهم !!!

وإرادتهم جاههم وشهواتهم !!!

وعبادتهم خدمتهم أغنياءهم !!!

وذكرهم وساوسهم !!!

وكنزهم سواسهم !!!

وفكرهم استنباط الحيل، لما تقتضيه حشمتهم !!!

فهؤلاء من أين تتميز لهم ظلمة الكفر، من ضياء الإيمان ؟ أبإلهام إلهي ؟ ولم يفرغوا القلوب من كدورات الدنيا لقبولها. أم بكمال علمي ؟ وإنما بضاعتهم في العلم، مسألة النجاسة، وماء الزعفران وأمثالهما.

هيهات !! هيهات !! هذا المطلب أنفس وأعز من أن يدرك بالمنى، أو ينال بالهوينا. فاشتغل أنت بشأنك، ولا تضيع فيهم بقية زمانك.

(فأعرض عمن تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا، ذلك مبلغهم من العلم، إن ربك أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدى)(5).

فأما أنت إن أردت أن تنتزع هذه الحسكة(6) من صدرك، وصدر من هو في حالك، ممن لا تحركه غواية الحسود، ولا تقيده عماية التقليد، بل تعطشه إلى الاستبصار لحزازة إشكال أثارها فكر، وهيجها نظر. فخاطب نفسك وصاحبك، وطالبه بحد الكفر. (أي تعريفه) فإن زعم أن حد الكفر: ما يخالف مذهب الأشعري، أو مذهب المعتزلي، أو مذهب الحنبلي أو غيرهم ؛ فاعلم أنه غِر(7)، بليد. قد قيده التقليد؛ فهو أعمى من العميان، فلا تضيع بإصلاحه الزمان. وناهيك حجة في إفحامه، مقابلة دعواه بدعوى خصومه؛ إذ لا يجد بين نفسه وبين سائر المقلدين المخالفين له فرقاً وفصلاً ولعل صاحبه يميل، من بين سائر المذاهب، إلى الأشعري (كان مذهب الأشعري هو السائد في ذلك العصر)، ويزعم أن مخالفته في كل وِرْدٍ وصدر، كفر من الكفر الجلي.

0000000000000

0000000000000

0000000000000

ولعلك إن أنصفت علمت أن من جعل الحق وقفاً على واحد من النظار بعينه، فهو إلى الكفر والتناقض أقرب.

أما الكفر: فلأنه نزله منزلة النبي المعصوم من الزلل الذي:

لا يثبت الإيمان إلا بموافقته.

ولا يلزم الكفر إلا بمخالفته.

وأما التناقض: فهو أن كل واحد من النظار يوجب النظر، وأنك لا ترى في نظرك إلا ما رأيت، وكل ما رأيته حجة. وأي فرق بين من يقول: قلدني في مذهبي، وبين من يقول قلدني في مذهبي ودليلي جميعاً، وهل هذا إلا التناقض ؟

لعلك تشتهي أن تعرف حد الكفر، بعد أن تتناقض عليك حدود أصناف المقلدين.

فاعلم: أن شرح ذلك طويل، ومدركه غامض، ولكني أعطيك علامة صحيحة فتطردها وتعكسها، لتتخذ مطمح نظرك، وترعوي بسببها عن تكفير الفرق، وتطويل اللسان في أهل الإسلام، وإن اختلفت طرقهم ماداموا متمسكين بقول: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، صادقين بها، غير مناقضين لها.

فأقول:

الكفر: هو تكذيب الرسول، عليه الصلاة والسلام، في شيء مما جاء به.

والإيمان: تصديقه في جميع ما جاء به.

فاليهودي والنصراني: كافران ؛ لتكذيبهما للرسول عليه الصلاة والسلام.

والبرهمي: كافر بالطريق الأولى ؛ لأنه أنكر مع رسولنا سائر المرسلين.

والدهري: كافر بالطريق الأولى، لأنه أنكر مع رسولنا المرسل، سائر الرسل.

وهذا لأن الكفر حكم شرعي: كالرق والحرية مثلاً، إذ معناه إباحة الدم والحكم بالخلود في النار.

ومدركه شرعي، فيدرك:

إما بنص.

وإما بقياس على منصوص:

وقد وردت النصوص في اليهود والنصارى، والتحق بهم بالطريق الأولى:

البراهمة، والثنوية، والزنادقة، والدهرية.

وكلهم مشركون مكذبون للرسل. فكل كافر مكذب للرسل. وكل مكذب للرسل فهو كافر. فهذه هي العلامة المطردة المنعكسة.


(1) ـ الآية 35 من سورة الأنعام.

(2) ـ الآيتان 14،15 من سورة الحجر.

(3) ـ الآية 7 من سورة الأنعام.

(4) ـ الآية 111 من سورة الأنعام.

(5) الآيتان 29،30 من سورة النجم.

(6) ـ الحسكة ـ بفتح الحاء والسين ـ : العداوة، قال الزمخشري في أساس البلاغة (كأن جنبه على حسك السعدان، ومن المجاز: في صدره على حسكة، أي عداوة .

وقد حسك ـ بفتح الحاء وكسر السين ـ على حسكا ـ بفتح الحاء والسين ـ وهو حسك ، بفتح الحاء وكسر السين ـ الصدر على أخيه. وأضمر له حسيكة، وبينهم حسائك.

      قال الشاعر:

ولا خير في أمر يكون حسيكة       ولا في يمين ليس فيها مخارم

أي مخارج وطرق يتفصى بها الحالف..)

(7) ـ الغر ـ بكسر الغين ـ من ليست له دراية بالأمور، قال المختار (ورجل غر بالكسر، وغرير،  أي غير مجرب)الصفحة الرئيسة

for

S&CS

للأعلى

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إليه ، أو غير معزو .ـ

   

ــ التعريف دراسات  متابعات   قراءات  هوامشرجال الشرق من أرشيف الشرق | صحيفة الشرق العربي |ـ
ـ| مشاركات الزوار |ـجســـور |ـجديد الموقع |ـكــتب | مجموعة الحوار | تقارير حقوق الإنسان | البحث في الموقع |
ـ