الكنز
المرصود في قواعد التلمود
القسم
الثاني
كتاب
(شارل لوران)
في
حادثة قتل الأب توما، وخادمه إبراهيم
عمار
الكتاب
الثاني
حادثة
الخادم إبراهيم
التحقيقات
التي جرت في قضية قتل إبراهيم عمار
(2)
يوم
السبت 18 محرم سنة / 1256 هـ
حضر
بتشوتو مصحوباً بيوسف زنانيري ومعه
تذكرة من قنصل النمسا تفيد لزوم
الاستمرار في استجواب المتهم المذكور
عن مسألة خادم الأب توما. فسئل
بالكيفية الآتية:
سؤال
من الباشا ـ لما حضرت في /16 محرم/
لاستجوابك في مسألة قتل خادم الأب توما
دعينا خادمك أمامك، وشهد أنه في الليلة
التي ذهبت فيها عند جرجس مقصود كان ذلك
بعد العشاء بنصف ساعة تقريباً، وأبواب
الحارات كانت مقفلة، وفتحت لك. وبعد
هذه النقطة انصرفت قائلاً أنه ليس عندك
أجوبة أخرى ورجعت إلى القنصل بدون
إتمام التحقيق. وها قد حضرت الآن فهل
تريد أن تجاوب عما قاله خادمك أمامك ؟
بتشوتو
ـ ولو أني لست ملزماً بأن أجاوب عن
شهادة صارت من خادمي ولكني أجاوب لأوضح
الاختلافات الموجودة في أقواله لتنوير
رؤسائي الغائبين عن دمشق ولا ينظرون ما
يجري في هذه القضية، فأقول:
إن
الخادم قرر أني ذهبت بعد العشاء بنصف
ساعة أو بساعة وربع. وفي المرة الثانية
قال أنه ذلك كان بعد العشاء بنصف ساعة
فقط. ولكن الخادم معذور، لأنه وضع في
السجن قبل استجوابه، وباب الخوف طويل
وعريض، والحياة ثمينة.
وقال
جرجس مقصود: إننا وصلنا عنده قبل حضور
أحد بعد المغرب بساعة وشهد الصوابيني
أننا وصلنا عند جرجس مقصود الساعة
اثنين ونصف أو ثلاثة ليلاً.
ويستنتج
من شهادة بطرس جاهل أنه حضر الساعة
اثنين ونصف فوجدنا هناك.
وشهد
جرجس مقصود في مواجهة الصوابيني أننا
وصلنا الساعة واحدة تقريباً، وأنه
أرسل خادمه بعد وصولنا ببرهة ليدعو (ميخائيل
صالة)، ولما رجع الخادم وجد عنده (شهادة
ندافيت) والمعلم (إبراهيم أيوب)، وقال
أنه غير ممكنه الحضور فأرسل له مقصود
رسولاً آخر لتجديد الدعوة. ثم ذهب
الصوابيني وحضر بعد خروجه بطرس جاهل
الساعة اثنين ونصف على حسب ما قال.
فجميع
الوقت الذي مضى بعد مجيئنا ينحصر في
لحظة مضيناها عند مقصود وفي المسافة
التي لزمت الخادم للتوجه عند (صالة)
ورجوعه وإرسال الصوابيني. فشهادة
مقصود المؤداة بعد مسألة قتل الأب توما
بعشرة أو اثني عشرة يوماً أثبتت كذب
شهادة الصوابيني. ومع ذلك فهذا الأخير
معلوم لدى الخاص والعام بالكذب. وإذا
وافقتم فأحضروا مقصود ودعوه أن يشهد في
مواجهته.
الباشا
ـ يستنتج في ذلك أنك تشك في شهادة
الخادم لأنها تأدت بعد حبسه. ومع ذلك
فإن الشخص لم يحبس إلا بعد أن قال مراد
الفتال أنه قبل ضبط عائلة هراري بليلة
واحدة توجهت أنت عندهم، ثم طلبت مراد
فارحي، فذهبت عنده بعد انتهاء
العزومة، وأنه بعد وصولك أرسلت خادمك
يخبر داود هراري بأنه لا لزوم للخوف
لأنه لا موجب لذلك.
ثم
سألنا الخادم عن الوقت الذي توجهت فيه
عند مقصود، وحبسناه لمواجهتك به
وإتمام استجوابه، وقد علمت بعد ذلك أن
حنا بولاد وإبراهيم غورا تقابلا معك في
الطريق عندما كنت متوجهاً عند مقصود،
فاستحضرتهما أمس يوم الجمعة ورصدت
شهادتهما في المحضر، وسأطلعك عليها.
أما من خصوص طلبك مقصود وصوابيني
لإعادة شهادتهما فلا نرى مانعاً من
إجراء ذلك. وسأستحضرهما مع حنا بولاد
وإبراهيم غورا لتسمع ما يقولون.
استحضر
حنا بولاد وإبراهيم غورا فشهدا بما
قالاه قبل.
ثم
حضر مقصود، وسئل بناء على طلب بتشوتو
عما حصل في ليلة الخميس وعن الوقت الذي
حضر فيه بتشوتو، وكان ذلك بحضور
صوابيني، فأجاب: مقصود ـ أنا ما كنت
محافظاً على الساعة في يدي حتى أعلم
وقت وصول بتشوتو. ولما سألني جناب قنصل
إنكلترا عن هذه المسألة من خمسة عشر
يوماً أخبرته أن مجيء بتشوتو كان بعد
المغرب بثلثي ساعة أو أكثر. ولكن في يوم
الأربعاء /15/ الجاري تقابلت مع حنا فريج
في خان أسعد باشا، فقال لي: يوجد أربعة
شهود مهمين يشهدون أنهم نظروا إسحاق
بتشوتو وهو متوجه عندي قبل العشاء،
وأحدهم يسمى إبراهيم غورا.
ثم
توجهت إلى السوق وتقابلت مع يوسف
عيروط، وأخبرته بما قال حنا فريج، فقال
لي: إن أقوال حنا فريج المذكور حقيقية.
ففهمت حينئذ من أقوالهما أنهما يريدان
أن أصمم على أقوالي. وعلى أي الأحوال قد
أخبرت بما أعلم وما معصوم من الغلط إلا
الله.
وأجاب
الصوابيني أن وصول بتشوتو عند مقصود
كان ما بين الساعة اثنين ونصف وثلاثة.
وعندما توجه (أي الصوابيني المذكور)
إلى ميخائيل صالة كانت الساعة ثلاثة
ونصفاً تقريباً.
إسحاق
بتشوتو ـ أما من خصوص شهادة فارحي فإني
أبديت ملحوظاتي عنها. أما شهادة بولاد
وغورا فإنه لا يخفى أن بعض الأشخاص
يريدون هلاك الأمة اليهودية، ويبذلون
الجهد لتحقيق أمنيتهم. وأظن أن سمو
الوالي الأكبر الخديوي وقائد العسكر،
عالمان بذلك. ورؤسائي سيطلعون على هذه
الشهادات، ونظرهم يكفي.
الباشا
ـ ظهر من التحقيق أنك كنت معزوماً في
حارة من حارات المسيحيين ومررت في
الساعات السابق تعيينها، ونظرك من
شهد، فقلت إن هذه الشهادات لا يعول
عليها لأنها تأدت لأغراض خصوصية. ثم
قلت إن قصد بعض الناس هلاك الأمة
اليهودية، وأن سمو الوالي الأكبر
الخيدوي محمد علي باشا وسعادة قائد
العسكر يعلمان بذلك، فأخبرني كيف علمت
هذا الأمر ؟
ثم
شهد بعض الشهود، كمراد الفتال خادم
داود هراري، والمعلم أصلان فارحي،
وخادمك الذي عين الساعة التي ذهبت
فيها إلى الخواجا مقصود، فلم تقبل
أيضاً شهادتهم. فقل لنا عن الذين تريد
سماعهم في هذه القضية ؟
بتشوتو
ـ يظهر لي أن هذه التهمة سببها خبث
النية والكراهة الزائدة.
وأما
ما قلته من أن سمو الوالي الأكبر
الخديوي، وقائد العسكر، يعلمان بقصد
من يريد هلاك اليهود فإني لم أقل ذلك
على سبيل الجزم بل عن طريق الظن إذ من
المحتمل أنهما يجهلونه.
وأما
من خصوص رفض شهادات اليهود والمسيحيين
فإني أجبت في المحضر المؤرخ في 16
الجاري عما يختص بأقوال أصلان فارحي.
والآن
أبدي ملحوظاتي بخصوص ما قاله مراد
الفتال خادم داود هراري فأقول: إن هذا
الخادم رأى أن يتهمني زوراً وبهتاناً
بعدما حبس /15/ يوماً، وعذب بالضرب فقال
إنه نظرني عند مراد فارحي لما ذهب إليه
من طرف مخدمه، ليخبره عما حصل بخادم
الأب توما. وقال أيضاً إني ذهبت ثاني
يوم، أي يوم الخميس، عند سيده داود
هراري الساعة ثلاثة صباحاً تقريباً
وكان هناك أصلان فارحي ومراد فارحي
وهارون اسلامبولي ويحي ماهر فارحي،
ولكنه كذاب فيما قاله وقد دافعت عن
نفسي بكيفية صريحة، وعينت محل وجودي من
يوم الأربعاء لغاية ظهر يوم الخميس.
وزيادة على ذلك فإن أصلان فارحي كذب
أمامكم مراد الفتال خادم داود هراري
فيما قاله بخصوص وجودي عند داود هراري
يوم الخميس التالي ليوم فقد الأب توما،
وأكد أني لم أذهب هناك. ومن ذلك يظهر
لكم جلياً كذب الخادم المذكور، لأني
إذا كنت ذهبت حقيقة عند داود هراري
الساعة الثالثة كما قال مراد الفتال ما
كان مراد فارحي ينكر ذلك. وقد زاد مراد
الفتال رواية أخرى بعد عشرة أيام وهي
أني توجهت عند ماهر فارحي وكنت حضرت
وقت قتل الأب توما، فأظن أن أقوال هذا
الخادم لا يعول عليها خصوصاً وأنها
صدرت منه بعد أربعين يوماً أمضاها في
الحبس قاسى الضرب والعذاب الأليم.
أما
شهادات الشهود المسيحيين فأنها تأدت
بسوء نية لأنهم يقولون أني ذهبت عند
مقصود الساعة اثنين مع أني كنت هناك
الساعة الواحدة.
هنا
عمل شريف باشا بعض ملحوظات باللغة
التركية إلى بحري بك، وكلفه أن يأمر
الكاتب أن يكتبها باللغة العربية في
المحضر، فأبى بتشوتو، وقال لبحري بك
سعادة الباشا هو الذي له الحق في أن يضع
الأسئلة لا أنت. فكف وقتئذ بحري بك عن
العمل، وتعطل التحقيق لغاية انتهاء
الباشا من أشغاله مع الكاتب التركي
الذي كان حضر إليه.
صورة
إفادة من شريف باشا إلى قنصل النمسا
بتاريخ
18 محرم سنة /1256/ هجرية
(وصلني
اليوم جوابكم المؤرخ في 18 الجاري
المذكور فيه سبب رجوع بتشوتو إلى مكتب
الوكالة مصحوباً بيوسف زنانيري، ووصول
صورة إليكم من التحقيق الذي حصل.
وذكرتم أنه سبب إتمام التحقيق ترسلون
بتشوتو للاستمرار في استجوابه، وأنكم
فهمتم من الأوراق أن خادم بتشوتو يحي
بازينا سجن بدون علمكم، وأقد أخذتم
مذكرة بذلك. لكل ما جاء بهذه الإفادة
صار معلوماً، وأفيد جنابكم أن صورة
التحقيقات التي قلتم أنها وصلتكم عند
رجوع بتشوتو وزنانيري إليكم لم نرسلها
معهما، ومن المحتمل أن يكون زنانيري
أخذها من تلقاء نفسه.
وقد
حضر اليوم بتشوتو وسئل، ولكن عند
إعطائه آخر جواب اشتغلت بمسألة مع
الكاتب التركي، وأبديت بعض ملحوظات
لصاحبي المحترم بحري بك باللغة
التركية حتى يترجمها ويرصدها في
المحضر، فغضب بتشوتو ووجه الخطاب
لصاحبي قائلاً له: هل أنت الذي لك الحق
في وضع الأسئلة أو الباشا ؟ فكف صاحبي
المذكور عن استجوابه وليست هذه
الملحوظة من بتشوتو تليق بمقام رجل مثل
بحري بك حتى ولو كان محقاً. وعلى أي حال
فقد تعطل التحقيق لغاية انتهاء
المسألة التي كنت مشغولاً بها. وأني
أجهل سبب حصول هذا التعدي من بتشوتو،
وهل حصل ذلك من تلقاء نفسه أو بإذن منكم
؟ أرجوكم الإفادة.
أما
من خصوص حبس الخادم الذي تدعون أنكم
تجهلونه وأخذتم عنه ملحوظة، فأجيبكم
بأنه لدي مكتوب منكم مؤرخ في 18 ذي الحجة
سنة /1255/ مذكوراً فيه ما نصه (إذا لزم
من الآن فصاعدا استجواب أي شخص منتم
لدولة النمسا أو التوسكان بخصوص هذه
القضية (وهي قضية الأب توما وخادمه)
فإني أصرح بأن تستحضرونه لاستجوابه
وإذا لزم الحال لحبسه فلا مانع) هذا
ما ذكر في تلك الإفادة بالحرف الواحد
بخصوص المنتمين[1]
مع أن هذا الخادم من رعايا الحكومة
المحلية، وحبس لأن مراد الفتال قال:
بتشوتو كان عند إخوان هراري قبل ضبطهم
بليلة، وأن الذي دعاه هو مراد فارحي،
وبعد وصوله هناك أرسل خادمه لعائلة
هراري يخبرهم بأنهم لا يلزم أن يكونوا
خائفين لأنه لا موجب لذلك. فاستحضرته
لاستجوابه عن هذه الوقائع فأقر
بحصولها. ثم سئل عن الوقت الذي توجه فيه
عند مقصود فقال أنه توجه بعد العشاء
بنصف ساعة أو أكثر فترآى لي أنه من
الضروري حجزه لمواجهته مع معلمه،
ولذلك حبسته ولا ضرر من بقائه، خصوصاً
أنه من رعايا الحكومة المحلية، مع أنه
لدي الإفادة التي تصرح لي بضبط كل منتم
لدولة النمسا أو التوسكان إذا انحصرت
فيه الشبهة، ويظهر أن جنابكم نسيتم هذه
الإفادة.
يوم
الأحد /19 محرم سنة 1256/ هجرية
انتقل
شريف باشا إلى حارة اليهود، مع علي
أفندي (نائب أميرالاي بقسم الطوبجية
السواري) وعلي آغا تفتشجي باشا دمشق،
وجملة من الضباط التابعين له، وأخذوا
معهم المعلم أصلان فارحي، ومراد
الفتال خادم داود هراري ولكنهم لم
يمكنوهما من المحادثة معاً. ولما وصلوا
أمام منزل ماهر فارحي استحضر المعلم
أصلان فارحي، وسئل فأجاب: بأنه لما حضر
الخادم مراد الفتال وتحدث مع ماهر
فارحي كانوا واقفين أمام الباب. ثم دخل
شريف باشا إلى المنزل وسأل أصلان فارحي
عن المحل الذي قتل فيه الخادم، وكيف
كان موضوعاً على الديوان، فقال أصلان: (إن
الخادم كان موضوعاً على هذا الديوان (وأشار
على الديوان الصغير الذي في الحوش)،
وكان ممدداً وقت ذبحه، وكان اسحاق
بتشوتو ماسكاً إحدى رجليه، وأنا
الأخرى. وبعد ذلك وضع أصلان فارحي في
محل آخر، واستحضر مراد الفتال، وسئل عن
الأسئلة نفسها، فقرر مثل الأول بالحرف
الواحد بدون اختلاف.
يوم
الاثنين /20 محرم سنة 1256 هـ/
لما
انتهى شريف باشا من أشغاله أمر أن تكتب
الأسئلة الآتية لتوجيهها إلى بتشوتو.
أولاً
ـ قلت أنك وجدت هنا سوء نية، ولم توضح
من الذي استعملها معك، ولا كيفية
حصولها، وماذا تعني بقولك هنا ؟
ثانياً
ـ قلت أيضاً أنك أجبت سابقاً على شهادة
أصلان فارحي. على أن ما قلته لا ينفي
تلك الشهادة كما أوضحنا لك ذلك سابقاً.
ثالثاً
ـ قلت إن شهادة مراد الفتال لم يؤيدها
إلا بعد حبسه ثلاثين يوماً وبعد ضربه
وتعذيبه، وأنه شهد ضدك زوراً. ومع ذلك
فأنه قرر من أول ما سئل أنه ذهب ليدعو
الحلاق من طرف سيده، ووافق سليمان
الحلاق على ذلك الكلام. وعندما قال ذلك
لم يحبس ولم يهدد ولم يهان، بل بعد
إقراره ومصادقة الحلاق عليه خلى سبيله.
ثم تراءى لنا إعادة سؤاله عن المحل
الذي ذهب إليه بعد تأدية المأمورية
التي كان مكلفاً بها نحو الحلاق. فلما
حضر صادق على وجود رفائيل فارحي. فأنكر
الخادم المذكور ما كان اعترف به فضرب
على رجليه. وظهر بعد ذلك أن سبب إنكاره
نظرة توجهت إليه من المعلم رفائيل
فارحي، وقال أنه خاف من المعلم رفائيل
المذكور لئلا يتسبب في هلاكه إذا رجع
إلى الحارة. ولم يحصل ضرب ذلك الشاهد
سوى هذه المرة.
أما
سبب اعترافه بعد ثلاثين يوماً فلأني
كنت مشغولاً تلك المدة في اكتشاف
الوقائع المختصة بقتل الأب توما، ولم
نر استجوابه عن مسألة الخادم ضرورياً.
فلما تم تحقيق قضية القسيس ابتدأت في
تحقيق قضية الخادم، وسألت حينئذ مراد
الفتال فشهد ضدك بما سمعت. ثم إنك قررت
أن اعترافه يخالف ما قاله أصلان، لأنه
قال: إن أصلان أنكر ذلك الأمر بالكلية.
وعلى حسب فكري حيث أن أقوال هذين
الشخصين وجدت مطابقة لبعضها فيما يختص
بوقائع قتل خادم الأب توما في منزل
ماهر فارحي وحضورك مع الجانيين، حيث
كنت ماسكاً إحدى رجليه وأصلان ماسكاً
الرجل الأخرى، كل ذلك يكفي لاعتبار هذه
الشهادات حقيقية ولو أن فيها بعض
اختلاف فيما يختص بوجود أصلان ثاني يوم
الواقعة في منزل هراري. على أنه لا يلزم
التمسك بجزء من الاعترافات وطرح الجزء
الآخر منها ظهرياً. بل إذا اعتبرت أن
إقرار أصلان حقيقي يلزم أن تقبله
بأجمعه، فلا يصح أن تعتبر ما هو في
صالحك وتترك ما يضرك.
رابعاً
ـ قلت: إن شهادة الشهود مزورة، وأنك
أثبت وجودك في محلات عينتها من يوم
الأربعاء إلى يوم الخميس الظهر طبقاً
لما قررته في المحضر المؤرخ يوم الجمعة
3 /محرم سنة/1256. وجاء في أقوالك أنه: (في
ليلة فقد الأب توما توجهت عند جرجس
مقصود قبل العشاء، وصادق مقصود على
ذلك، وارتكنت أنت على شهادته بقولك
أنها أهم من شهادات الصوابيني وخادمك.
ولكني استحضرت بعد ذلك (غورا، وبولاد)
فقررا أنهما تقابلا معك في شارع (كوكاساي)
وأنت متوجه عند مقصود بعد العشاء
الساعة اثنتين تقريباً ليلاً. وهؤلاء
الشهود مشهورون بالشرف والذمة، وأهم
من مقصود الذي تتمسك بشهادته. على أني
استحضرت مقصود ثانياً بناء على طلبك
لمواجهته مع الصوابيني، فقرر كما هو
مثبت في المحضر بأن فريجاً وعيروطاً قد
غشاه في شهادته الأولى. وحيث أن شهادته
الثانية جاءت منافية للأولى فيوجد
عندي شك في كل ما قاله، واستبعد شهادته.
وحيث
أنه ثبت من جهة أخرى بشهادة شهود
معتبرين أنك توجهت عند مقصود الساعة
اثنتين ليلاً تقريباً، ويظهر من شهادة
أصلان فارحي، والخادم مراد الفتال أنك
كنت من ضمن القاتلين لخادم الأب توما
الذي ذبح بين المغرب والعشاء، فإنكارك
بعد ذلك وادعاؤك إنك كنت عند مقصود في
هذه الليلة لا يبرآنك من التهمة.
قلت
من جهة أخرى أنك متأكد من وصولك عند
مقصود قبل الساعة واحدة ليلاً
واستنتجت من ذلك أن شهادة (بولاد،
وغورا) صادرة عن سوء نية، ولكنك معذور
فيما قلت، لأنك لو قبلت هذه الشهادات
على علاتها تضر بمصالح الدفاع عن نفسك.
يوم
الخميس /23 محرم سنة 1256هـ/
تجديد
استجواب بتشوتو:
طلب
إسحاق بتشوتو للإطلاع على الأسئلة
السابقة وإبداء ملحوظاته فأطلع عليها،
وقال:
بتشوتو
ـ إني مصمم على إنكاري، وأقول: إني لا
أعلم بمسألة قتل الأب توما وخادمه. أما
أسماء الأشخاص ذوي النية السيئة
بالنسبة لي فسيطلع رؤسائي على هذه
القضية، ويثبتون سوء النية. وهذا كافٍ.
والإجابة التي صدرت مني بخصوص ما قاله
أصلان فارحي كافية، وسيطلع رؤسائي
عليها وعلى شهادة مراد الفتال،
ويميزون الغث من السمين، خصوصاً وأن
هذه الشهادة تأدت بعد تعذيبه.
قلتم
دولتكم: (إنه يلزم أن اعتبر شهادة أصلان
فارحي كما هي وبأجمعها مع أنها مضادة
لما قاله مراد الفتال خادم داود هراري
بخصوص عدم حضور أصلان يوم الخميس ثاني
يوم قتل الأب توما في منزل هراري)،
فحاشا لله أن أوافق على ذلك. ولكن الذين
أغووا أصلان على الاعتراف نسوا أن
يعلموه شهادة موافقة لأقوال الخادم
مراد الفتال. ومن ذلك يظهر أن هذه
الشهادات كاذبة، ونظر رؤسائي كافٍ
لاكتشاف خفايا التهمة الزور التي
توجهت نحوي. يظهر أن قصد دولتكم
استبعاد شهادة مقصود أنه حضر يوم السبت
لإعادة شهادته أمام الصوابيني وقال أن
فريجاً وعيروطاً غشاه
في شهادته الأولى. ولكن قد شهد مقصود
المذكور أمام قنصل انكلترا بعد عشرين
يوماً على الأكثر، وكانت تلك الشهادة
حقيقية، فلا يمكن استبعادها والحالة
هذه.
أما
ما أبداه من أن فريجاً
وعيروطاً غشاه بعد خمسة عشر يوماً فهذا
لا يهمني، وعلى رؤسائي أن يميزوا هذه
الشهادة وغيرها. قلتم أيضاً (إن ادعائي
بوجودي عند مقصود في هذه الليلة لا
ينفي عني التهمة) والحقيقة أني كنت
هناك في تلك الليلة قبل الساعة واحدة
ليلاً كما يعلم الله.
أما
باقي الشهادات فهي مبنية على سوء النية
كما سيظهر ذلك أمام رؤسائي. وحاشا أن
تسمح الحكومة النمساوية بأن يذهب أحد
رعاياها ضحية لسوء نية الآخرين.
وأختم
أقوالي بأني لا أعلم شيئاً، وأسأل الله
أن يساعدني لصالح الحقيقة.
الباشا
ـ قد سئلت عن مسألة قتل خادم الأب توما
لا عن مسألة القسيس فلا يلزم أن تذكر
هذه المسألة الأخيرة ضمن أجوبتك. وقلت (أن
كل من شهد ضدك شهد بسوء نية). على أن هذا
التعليل ليس له معنى ومن الضروري أن
تثبت لنا بأدلة قاطعة وجود سوء النية
وكيفيتها لأجل أن ننظر في ذلك. ولكن
مجرد إدعاء أن الشهادات كاذبة ومبنية
على سوء النية لا يعول عليه.
ثم
ذكرت أن أصلان فارحي لم يشهد بما قال من
تلقاء نفسه بل أغري على ذلك، فأخبرنا
من هم الذين أغروه، وقل لنا عن أسمائهم
إن كنت من الصادقين.
بتشوتو
ـ قلتم: (إن الأسئلة الموجهة لي تختص
بمسألة الخادم لا بمسألة القسيس).
ولكني ذكرت ذلك لأن مراد الفتال شهد
بأني عالم بالمسألتين. فالتزمت أن أقرر
بعبارة صريحة عدم علمي بمسألة الأب
توما ولا بمسألة خادمه.
وقلتم
أيضاً: (أن مجرد ادعائي أن الشهادات
مزورة لا يعول عليه) فأجيب بأني عينت
محل وجودي في أيام الواقعة ساعة بساعة
وذلك من ظهر يوم الأربعاء الذي فقد فيه
الأب توما إلى يوم الخميس الظهر. ولكني
ما كنت أعلم أني سأتهم في هذه القضية
حتى كنت أستحضر شهوداً تصاحبني أينما
أذهب، غير الشهود الذين كنت عندهم.
ولكن رؤسائي سيقدرون شهادة جرجس مقصود
وشهادة باقي الشهود حق قدرها.
طلبتم
أن أعين أسماء من أغروا أصلان فارحي،
فأقول: (إنه لا لزوم لذلك، لأن كذب هذه
الشهادة سيظهر أمام رؤسائي بدون أدنى
عناء).
الباشا
ـ أجبت عما يختص بمسألة اتهامك بقتل
خادم الأب توما (التي قال فيها خادم
داود هراري أنك كنت حاضراً مع المتهمين)
بأنك تجهل مسألة قتل القسيس والخادم
معاً. ومع ذلك لم يتهمك خادم هراري بقتل
الأب توما، وأنا لم أوجه إليك سؤالاً
بخصوصها. فأستنتج من أقوالك أنك تريد
مجرد الإنكار بدون إبداء أدنى دليل.
وقلت
من جهة أخرى: (إنك عينت الجهات التي كنت
فيها من يوم الأربعاء إلى ظهر يوم
الخميس، وأنك كنت تجهل اتهامك في قضية
مثل هذه حتى كنت تصحب معك شهوداً غير
الذين كنت عندهم) ولكن ذلك الدفاع لا
يجدي نفعاً لأنك لم تثبت لغاية الآن
أين كنت في الساعة التي فقد فيها خادم
الأب توما، ولم يشهد من كنت معه في
صالحك.
أما
مقصود فليست شهادته مهمة في الدعوى،
لأنه قال أنه لم ينظر الساعة وقت حضورك
حتى يعرف متى حضرت بالضبط. وقد حضر شهود
آخرون، وكذبوه في شهادته، ثم حضر مقصود
المذكور ثاني مرة، بناء على طلبك، وشهد
بما يخالف شهادته الأولى.
فيستنتج
من ذلك أن أقوالك كلها غير حقيقية.
ومن
الغريب أنك تذكر رؤساءك أثناء التحقيق
وترتكن على أنهم سيميزون بين الغث من
السمين في هذه القضية، مع أنهم غير
حاضرين الآن، ولا يمكنهم استحضار من
يلزم لتنوير الدعوى.
وقد
لاحظت أنك تذكر لفظة (رؤسائي) جملة مرات
في التحقيق. فيظهر أن لديك قصداً خفياً
فقل لي عنه.
بتشوتو
ـ قلتم دولتكم: (أني لم أُسأل عن قتل
الأب توما، ولم يتهمني الخادم مراد
الفتال بذلك، مع أني ذكرت في هذه
المسألة في جوابي، فيظهر أن قصدي مجرد
الدفاع عن نفسي بالإنكار) فأقول بأن
أول كذبة لفقها ضدي الخادم ادعاؤه بأني
كنت حاضراً عند مراد فارحي لما ذهب من
طرف معلمه داود هراري ليخبره بما حصل
في مسألة الأب توما. وزاد أيضاً على ذلك
(أني وجدت عنده ثاني يوم أي يوم الخميس
صباحاً، وأن المتهمين بقتل القسيس
كانوا يسألوني كيف صنعت بالخادم
فأجبتهم كما صنعتم أنتم بمعلمه).
وقد
سئلت في أول مرة عندما حضرت أمامكم عن
مسألة فقد الأب توما بناء على ما
اتهمني به الخادم المذكور، فأنكرت
علمي بهذه المسألة.
وأزيد
الآن: إني ما كنت عند مراد فارحي، ولم
أذهب في ثاني يوم عند داود هراري، وكل
ما قيل ضدي غير حقيقي.
قلتم
أيضاً: (لم أوضح الوقت الذي عينته من
يوم فقد الأب توما أي يوم الأربعاء إلى
يوم الخميس بعد الظهر بنصف ساعة). على
أني عند حضوري في أول مرة في يوم الجمعة
/3 محرم سنة /1256/ صرحت بما يلزم أن أقوله،
وليس في الإعادة إفادة.
أما
من خصوص ما رأيتموه في شهادة مقصود
فهذا أمر ليس من شأني المعارضة فيه،
ورؤسائي الذين سيحاكموني سينظرون إذا
كانت شهادته يعول عليها أو لا !!
وأما
من خصوص قولكم (إن رؤسائي غير حاضرين)
فمن المعلوم أنهم مع عدم حضورهم
سيدققون النظر في هذه القضية بالنسبة
لي، مع أنهم سيحكمون فيها طبقاً لما هو
مدون في المحضر، وتقارير وكيلهم
الحاضر هنا.
الباشا
ـ قد اكتفيت بملحوظاتك التي أبديتها
بخصوص مسألة قتل الأب توما، وبالأجوبة
المأخوذة في /3 محرم/ مع ما قلته سابقاً
في التحقيق. فكل ذلك مع المعاينة التي
حصلت في /19 محرم سنة 1256/، وما صار رصده
في المحضر المحرر في ذلك اليوم، يثبت
التهمة قبلك. ولكنك لم تجاوب عما سألتك
بخصوص ذكر رؤسائك في كل لحظة. فقل لي عن
هذا الأمر أيضاً حتى يكون كل شيء
مرصوداً في محضر التحقيق، لأنه من
المعلوم أنه بعد قفل المحضر لا يعول
على ما يقال فيما بعد، ولا يكون
مرصوداً في ذلك المحضر. وها قد أفهمتك
بالأدلة التي تثبت التهمة قبلك وفعلت
الواجب عليّ.
هنا
صار تلاوة المحضر الذي تحرر في محل
المعانة على بتشوتو.
بتشوتو
ـ تدعون أن الأدلة التي في القضية
كافية لإدانتي فهذا الأمر لا شأن لي
فيه، بل هو من اختصاص رؤسائي الذي
سينظرون إذا كانت تلك الأدلة كافية أو
لا.
وأما
من خصوص شهادة أصلان فارحي ومراد
الفتال فإني مصمم على أنها شهادات
كاذبة، وأفتكر أنه لا يعول عليها
بالنسبة للمنتمين لدولة النمسا. ومع
ذلك فإن من له السلطة له الإرادة أيضاً.
يوم
الجمعة /26 محرم سنة /1256هـ
أسئلة
موجهة للمتهم ماهر فارحي:
(لم
يضبط هذا المتهم إلا في يوم 24 محرم أو
قبل ذلك بيوم واحد فقط)
سئل
المتهم ماهر فارحي:
الباشا
ـ قل لنا ماذا فعلتم بخادم الأب توما في
منزلك، لأنه ثبت من وقائع الدعوى،
واعتراف مراد الفتال خادم هراري،
والمعلم أصلان فارحي الذي كان وقتها
معك، أنك كنت حاضراً وقت القتل.
فالأوفق أن تقول الحق ولا تلزمنا بضربك
أو تعذيبك.
ماهر
فارحي ـ لا أعلم شيئاً في هذه القضية.
وغاية ما وصلني هو أني كنت يوم الجمعة
مع فرنسيس وفرعون لمشترى بعض من
اللآلي، فأخبرني عن فقد الاب توما
وخادمه. ولا أعلم خلاف ذلك.
الباشا
ـ إذا حضر أصلان فارحي، ومراد الفتال
خادم هراري، وشهدا بذلك أمامك ماذا
تقول ؟
ماهر
فارحي ـ أقول: إنهما مجنونان وليس
عندهما من العقل مثقال ذرة !!
استحضر
مراد الفتال وقيل له إن ماهراً حضر
وأنكر.
الباشا
ـ يقول ماهر: إنك مجنون، فما قولك ؟
مراد
الفتال ـ لو كنت مجنونا لاختلفت في
أقوالي التي قلتها منذ أربعين يوماً
وأنا في الحبس !! وحيث أني لم أغير شيئاً
من أقوالي فهذا الزعم منه غير حقيقي.
ثم
قص مراد الفتال وقائع الدعوى أمام ماهر
فارحي. وعندما وصل إلى النقطة التي
يقول فيها (أرسلني معلمي إلى مراد
فارحي وهارون اسلامبولي وماهر فارحي)
زاد ما يأتي مخاطباً ماهراً: (وقد وجدتك
مع أصلان وكنت متكئاً على العامود من
جهة اليمين وهو على الشمال)
ماهر
فارحي ـ أين كان ذلك، أعند الباب ؟
مراد
الفتال ـ نعم.
(تفطن
ماهر هذا السؤال الموجه منه للشاهد يدل
على صحة أقوال مراد الفتال).
ثم
استمر مراد المذكور في قصته، وعندما
وصل إلى النقطة التي قال فيها: (إن الدم
وضع في الطشت ونقل بعد ذلك في زجاجة)
قال له ماهر فارحي: هل أنت مطلع على
أسرار الديانة حتى تعلم كل ذلك بدون أن
يخفى عليك حرف واحد.
الباشا
إلى ماهر فارحي ـ إذا لمن تسلم عادة هذه
الأسرار ؟
ماهر
فارحي ـ ليس لمثل هذا الرجل تسلم
الأسرار، وهو لا يعرف شيئاً في حادثة
الأب توما ولا خادمه.
ثم
استحضر أصلان فارحي واعترف أمام ماهر
فارحي، فقال هذا الأخير: الأمر في يد من
له السلطة، وأنا لا أعلم شيئاً.
الباشا
ـ لا تتكلم بسرعة لأن الكاتب لا يمكنه
أن يتبع حديثك.
ولكن
قل لي الآن: كيف عرف أصلان فارحي ما
قاله أمامك، وهل أوصى إليه حتى أنه لما
حضر أعاد ما قاله مراد الفتال بالحرف
الواحد ؟!
ماهر
فارحي ـ لا أعرف.
الباشا
ـ لنفرض أنك لم تقتل الأب توما، وأنك لا
تعلم بهذه القضية، فقل لنا أين كنت في
الساعة اثنتين وربع ؟
ماهر
فارحي ـ كنت في الكنيس، لأن ذلك الوقت
ميعاد الصلاة.
الباشا
ـ من كان بجوارك في الكنيس ؟
ماهر
فارحي ـ لا أتذكر !!
هنا
ألح عليه الباشا لأجل أن يجاوب عن هذا
السؤال فعجز، وقال إذا قلت عن شخص،
وسأله الباشا، وقرر أنه لم يكن حاضراً،
ماذا تكون النتيجة ؟
الباشا
ـ لنفرض أن كل ما جاء في التحقيقات غير
حقيقي، فقل لي أين كنت في هذا الوقت،
ومن كان معك ؟
ماهر
فارحي ـ (لم يزد شيئاً على ما قاله من
قبل)
الباشا
ـ إني أتذكر من كان معي في صلاة الجمعة
من أسبوعين أو ثلاثة، ولو أني كنت لا
أتوهم وقتها أني سأسأل عن أسمائهم.
فكيف أنت مع التهمة الموجهة قبلك لا
تفتكر من الذين كانوا بجوارك لأجل أن
تدافع عن نفسك ؟ فإذا لم تثبت لنا صحة
أقوالك تكون أقوال (أصلان، ومراد) هي
الحقيقة.
ماهر
فارحي ـ لا أتذكر من كان معي، لكن نظرني
في الكنيس رفائيل دوك، وموسى أبو
العافية.
الباشا
ـ ماذا تقول إذا استحضروا وأنكروا
وجودهما هناك ؟
ماهر
فارحي ـ من المحتمل أنهما لم ينتبها
لوجودي، أو يكونا نسيا ذلك.
الباشا
ـ في أي جهة من الكنيس كنت جالساً، أفي
جهة الشرق، أو الغرب، أو الجنوب، أو
الشمال ؟
ماهر
فارحي ـ لا أعرف في أي جهة كنت جالساً.
استحضر
رفائيل دوك، وسئل ما إذا كان يذهب كل
ليلة إلى الكنيس ؟
رفائيل
دوك ـ إذا سمحت لي أشغالي بذلك ذهبت،
وإلا فلا. وفي الصباح إذا ذهبت لأشغالي
مبكراً اعرج على الكنيس. وإني أذهب
إليه مرتين أو ثلاثة في كل أسبوع.
الباشا
ـ هل كنت هناك في ليلة فقد الأب توما ؟
رفائيل
دوك ـ في هذه الليلة كان يوسف لينيوده
حزيناً على وفاة ابنته، ولم يخرج من
منزله. فذهبت عنده لتعزيته وقت آذان
المغرب، ووجدت معه (متّى خبرين)،
وشخصاً آخر لا أعرفه. وصلينا عند يوسف
لينيوده تحت المصطبة. وجلست عنده لقرب
العشاء. ثم رجعت إلى منزلي، ولم أذهب
إلى الكنيس. وبعد تأدية الصلاة شربت
القهوة، ودخنت في الشبق.
استحضر
محمد أفندي (موسى أبو العافية) ـ وسئل
عما إذا كان يصلي كل ليلة في الكنيس أو
في منزله ؟ فقال:
موسى
أبو العافية ـ كنت أصلي تارة في الكنيس
المسمى بكنيس الفرنج، وتارة في منزلي
أو في الخان.
الباشا
ـ قيل أنك كنت في الكنيس ليلة فقد الأب
توما ؟
موسى
أبو العافية ـ لا، لم أذهب إلى الكنيس،
بل كنت عند داود هراري.
الباشا
ـ في أي وقت حضر لينيوده محل ما كنتم ؟
موسى
أبو العافية ـ المغرب أو بعد المغرب
بربع ساعة.
(استحضر
ماهر فارحي) ـ وتليت عليه أقوال
الشهود، فقال:
ماهر
فارحي ـ لا أتذكر الآن من كان هناك ؟
الباشا
ـ كيف ذكرت بحضور هذين الشخصين هناك،
مع أنهما لم يوافقاك على أنهما نظراك
في الكنيس ؟
ماهر
فارحي ـ ماذا أقول ؟.. افتكرت أنهما
كانا هناك، ولهذا السبب قلت عنهما.
الباشا
ـ قلت إنك لا تعلم بهذه القضية، وإنك لم
تكن في منزلك، فقل لي أين كنت ؟
ماهر
فارحي ـ لا أتذكر ومن الجائز أني أتذكر
أسماء الذين كانوا معي من الآن لغاية
باكراً[2].
يوم
الاثنين /27 محرم سنة / 1256هـ
استحضر
ماهر فارحي، وانتظر الباشا أن يعين له
المحل الذي كان فيه في ليلة قتل الأب
توما).
الباشا
ـ يلزم أن تخبرني بعبارة صريحة عما حصل
في هذه الليلة، وفي أي وقت حصل قتل خادم[3]
الأب توما في منزلك، وأين كنت في ذلك
الوقت ؟
ماهر
فارحي ـ قلت سابقاً أن اثنين نظراني في
الكنيس. ولما سئلا أنكرا ذلك أمام
دولتكم. فماذا أقول الآن ؟ وإذا أخبرت
عن أسماء أشخاص آخرين فمن المحتمل أني
لا أصدق.
على
أني كنت أجهل في ذلك الحين أني سأتهم في
هذه القضية حتى كان يمكني أن ألتفت لمن
كان حاضراً، وأطلبه بصفة شاهد عند
الحاجة.
الباشا
ـ يظهر من ذلك حينئذ عجزك عن إثبات
وجودك في الكنيس.
ماهر
فارحي ـ لا أتذكر من كان هناك حتى أني
كنت أخبر عنه.
انتهى
تحقيق قضية إبراهيم عمار خادم الأب
توما
الخلاصة،
والنتيجة القضائية
وكيفية
صدور العفو
اتهم ستة عشر شخصاً في قتل
الأب توما وخادمه إبراهيم عمار، منهم
ثمانية في قتل الأب توما، وهم: داود
هراري، وهارون هراري، وإسحاق هراري،
ويوسف هراري، ويوسف لينيوده، والحاخام
موسى أبو العافية، والحاخام موسى بخور
يودا المشهور بسلونكلي، وسليمان
الحلاق.
والباقون اتهموا في قتل
الخادم، وهم: ماهر فارحي، ومراد فارحي،
وهارون اسلامبولي، وإسحاق بتشوتو،
وأصلان فارحي، ويعقوب أبو العافية،
ويوسف مناحم فارحي، ومراد الفتال.
وفي أثناء التحقيق توفي من
المتهمين اثنان، وهما: يوسف هراري،
ويوسف لينيوده.
وأربعة منهم نالوا العفو،
لأنهم أقروا بالحقيقة، وهم: موسى أبو
العافية المسمى الآن بمحمد أفندي،
وأصلان فارحي، وسليمان الحلاق، ومراد
الفتال.
والعشرة الباقون حكم عليهم
بالإعدام، وهم: داود هراري، وهارون
هراري، وإسحاق هراري، والحاخام موسى
بخور يودا المشهور بسلونكلي، وماهر
فارحي، ومراد فارحي، وهارون
اسلامبولي، وإسحاق بتشوتو، ويعقوب أبو
العافية، ويوسف مناحم فارحي. وكاد ذلك
الحكم أن ينفذ لو لم يفكر قنصل فرنسا في
أن يعرض الحكم على دولتلو إبراهيم باشا
لكي يجري المصادقة عليه.
ففي أثناء تلك المدة اغتنم
اليهود الفرصة، ووكلوا اثنين من
عظمائهم في فرنسا وهما: كراميو، ومويز
مونتيفيوري، فجاء كلاهما من فرنسا إلى
الاسكندرية، مرسلين من قبل الاتحاد
الإسرائيلي، وقدما عريضة لصاحب الدولة
محمد علي باشا يلتمسان بموجبها إعادة
النظر في الدعوى. فقال لهما: إني أفعل
معكما أحسن من ذلك، وهو: أني أخلي سبيل
المحبوسين وأأمر بإرجاع الهاربين إلى
أوطانهم. وأظن أن ذلك أفضل من إعادة
النظر في القضية، لأن إعادة النظر مما
يتسبب عنها استمرار الضغائن بين
المسيحيين واليهود، وهذا أمر لا أوده.
وسأخبر القناصل بإرادتي، وأرسل أوامري
الليلة إلى شريف باشا. وإني احب
اليهود، لأنه شعب مطيع يحب الشغل وإني
سأظهر لكم ما يفيد ميلي إليه بكل
ممنونية[4].
ثم سلمهما فرمان العفو،
فكتب هذا الفرمان وذكر فيه هذه الألفاظ
لشريف باشا، وهي: اعف عن المسجونين..
فذهب المندوبان حينئذ إلى
سمو الوالي[5] وأظهرا له تأثرهما من كلمة (اعف)
التي تضمنتها عبارة الفرمان، لأن كلمة
اعف تثبت الذنب، مع أن المتهمين بريئون
مما نسب إليهم !!
فأمر الوالي بحذف هذه
الكلمة وسلم لهما فرماناً آخر هذا نصه:
أنه من التقرير المرفوع
إلينا من الخواجات مويز مونتيفيوري،
وكراميو اللذين أتيا لطرفنا مرسلين من
عموم الأوروباويين التابعين لشريعة
موسى اتضح لنا أنهم يرغبون الحرية
والأمان للذين صار سجنهم من اليهود،
والذين ولّوا الأدبار هرباً من تهمة
حادثة الأب توما الراهب الذي اختفى في
دمشق الشام في شهر ذي الحجة سنة 1255
للهجرة مع خادمه إبراهيم.
وبما أنه بالنظر لعدد هذا
الشعب الوفير لا يوافق رفض طلبهما،
فنحن نأمر بالإفراج عن المسجونين،
وبالأمان للهاربين من القصاص عند
رجوعهم. ويترك أصحاب الصنائع في
أشغالهم، والتجار في تجارتهم، بحيث أن
كل إنسان يشتغل في حرفته الاعتيادية.
وعليكم أن تتخذوا كل الطرق المؤدية
لعدم تعدي أحد عليهم أينما كانوا،
وليتركوا وشأنهم من كل الوجوه.
(هذه هي إرادتنا) !!!
بصمة
ختم محمد علي
.
فعند وصول هذا الفرمان إلى
شريف باشا أخلى سبيل المتهمين في 5
سبتمبر (أيلول) سنة 1840 ميلادية.
بيان ثروة
اليهود المتهمين في قتل الأب توما
وخادمه
:
مراد فارحي
5000 كيس
625000 فرنك.
داود
هراري
0500 كيس
062500 فرنك.
إسحاق هراري
0500 كيس
062500 فرنك.
هارون هراري
5000 كيس
625000 فرنك.
يوسف هراري
0200 كيس
025000 فرنك.
يوسف لينيوده
0100 كيس
012500 فرنك.
موسى أبو العافية
0050 كيس
006250 فرنك.
موسى سلونكلي
0500 كيس
062500 فرنك.
أصلان فارحي
0050 كيس
006250 فرنك.
يوسف فارحي
2000 كيس
250000 فرنك.
يحي ماهر فارحي
0300 كيس
037500 فرنك.
يعقوب أبو العافية
0100 كيس
012500 فرنك (لم يتهم).
هارون اسلامبولي
2000 كيس
250000 فرنك (لم يتهم).
يعقوب العنتابي حاخام يعيش
على نفقة الأهالي وضبط بصفة محرك
لارتكاب الجريمة.
الكيس
يساوي /500 قرش[6]
أو 125 فرنكاً
|